بقلم--فيصل الصوفي -
مبادرة المؤتمر لتعزيز دور النساء.. الفعل ورد الفعل
اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام وافقت في دورتها الأخيرة قبل أسبوعين على مبادرة قدمتها الأمانة العامة للمؤتمر باسم "مشروع الاتجاهات العامة لتعزيز دور المرأة في الحياة السياسية والعامة، ومواقع صنع القرار" والمبادرة تقترح أن تتم عملية التعزيز تلك من خلال القيام بإجراءات على ثلاث محاور:
- الأول في إطار المؤتمر الشعبي العام نفسه من خلال التالي:في قاعدة التنظيم تشكل مجموعة تنظيمية من النساء أسوة بالجماعة التنظيمية للرجال، وعلى المستوى القيادي ينتخب للمركز قيادة تضم ثلاثة رجال وامرأتين، وتشكل قيادة فرع التنظيم في المديرية، أو الدائرة الانتخابية من ثلاثة رجال وعدد مماثل من النساء، أما قيادة فرع المحافظة فتتكون من (7) رجال، و(4) نساء، وأن تمثل المرأة في اللجنة الدائمة بنسبة 10% من إجمالي الأعضاء، وبنفس النسبة في اللجنة العامة.
- الثاني في إطار مؤسسات المجتمع المدني والمشاركة السياسية بصورة عامة؛ حيث اقترحت المبادرة إجراء حوار مع الأحزاب السياسية في الساحة الوطنية للتوصل إلى اتفاق يضمن حصول المرأة على نسبة 10% من المقاعد النيابية، ونسبة تتراوح بين (15-20)% من المقاعد في المجالس المحلية للمحافظات والمديريات، وزيادة تمثيل المرأة في المؤتمرات الداخلية والخارجية للأحزاب، وقيادة مؤسسات المجتمع المدني، وعضوية اللجنة العليا للانتخابات، وإعطاء المرأة 5% من إجمالي عدد أعضاء اللجان الانتخابية.
- الثالث في إطار الوظيفة العامة؛ حيث تقترح المبادرة أن تمثل المرأة 10% من إجمالي مقاعد مجلس الشورى (معين) وزيادة حصة النساء من المناصب القيادية في الجهاز الإداري والسلك الدبلوماسي والسلطة القضائية، ومشاركة المرأة في الوفود الرسمية الخارجية.
هذه هي الأفكار الرئيسية التي حملتها المبادرة، وبصورة عامة تعتبر غاية في الإيجابية بالنظر إلى ما هو قائم حالياً، لأن مشاركة المرأة لا تزال متدنية للغاية في كل هذه القطاعات في الوقت الحالي، ولا تعكس المكانة الحقيقية للمرأة، والتي لا تعوقها قيود ما من الناحية الدستورية، أو القانونية، فلا يوجد في الدستور أو القانون اليمني أي استثناء في مبدأ المساواة بين المواطنين رجالاً ونساءَ.
في الوقت الحالي تشارك المرأة بحقيبة واحدة في الحكومة، هي حقيبة وزارة حقوق الإنسان، وامرأتين بمنصب نائب وزير و (12) وكيل مساعد، و(19) مدير عام، و(36) مستشارة، و(35) قاضية، و(106) نساء في السلك الدبلوماسي، إحداهن بدرجة سفير، والأخريات قائمات بأعمال ومناصب دبلوماسية أدنى، وعضوتين في مجلس الشورى، وتوجد في المجالس المنتخبة عضوة واحدة في البرلمان، و(38) عضوة في المجالس المحلية للمحافظات والمديريات.
أما مشاركة المرأة في التكوينات الحزبية العليا، فأعلاها في المؤتمر الشعبي العام، يليه الإشتراكي، ومؤخراً التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، الذي انتخب مؤتمره العام (7) نساء إلى عضوية اللجنة المركزية، وامرأة إلى عضوية الأمانة العامة، وتليها ثلاثة أحزاب سياسية، هي: (الرابطة، والحق، والبعث القومي، وفي حزب الإصلاح أكبر أحزاب المعارضة هناك (13) امرأة في عضوية مجلس الشورى)، لكن لا يزال الحزب يتمسك بمنع شغل المرأة أي منصب قيادي داخل هيئات وفروع الحزب بزعم أن الإسلام يحرم أعطاء المرأة ممارسة "الولاية العامة".
إن مبادرة المؤتمر الشعبي للنهوض بمكانة ودور المرأة في المجتمع بصورة عامة جاءت كما يبدو لتغيير ذلك الوضع إلى الأفضل، وسيكون أمراً جيداً لو حصلت المرأة في السنوات الخمس القادمة حتى على نصف النسب التي اقترحها المؤتمر الشعبي.
لقد استخدمت قضايا المرأة في الخطاب السياسي للأحزاب للمزايدة، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها طرح قضية زيادة مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة في إطار مبادرة تتضمن أفكاراً حول ما يمكن القيام به من قبل الأحزاب والحكومة، وبالتالي يمكن القول إن القضية هذه المرة ليست موضوعاً للمزايدة من قبل المؤتمر الشعبي، وإنما هي تعبير عن تطور في مستوى الإدراك بأن مشاركة المرأة أصبحت مطلباً ضرورياً للتنمية، خاصة وأن التجربة كشفت أن أي تغيير أو تحديث في المجتمع يتطلب أولاً تصحيح النظرة التقليدية السائدة حول المرأة، وأن أي تنمية لا تأخذ بعين الاعتبار قضية المرأة ودور المرأة فيها لا تلاقي نجاحاً مادامت تجري بدون مساهمة نصف السكان في المجتمع.
ونعتقد إن مبادرة المؤتمر الشعبي العام حول تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعامة، ومواقع صنع القرار جدية للاعتبارات التي أشرنا إليها والاعتبارت الأخرى أيضاً قوية التأثير، ففي السنوات الثلاث الأخيرة كانت قضية حقوق المرأة ودورها في المجتمع، ومساعدتها على القيام بهذا الدور من المحاور الرئيسية في أحاديث وخطابات ولقاءات رئيس الجمهورية، الذي هو أيضاً رئيس للمؤتمر الشعبي العام، فضلاً عن أن الحركة النسوية بدأت تتقوى في السنوات الأخيرة، وأصبحت تمارس ضغطاً لا يمكن تجاهله، لتحقيق مطالب النساء، وإلى جانب ذلك تولدت مع التجربة قناعات بأن بعض الظواهر والمشكلات المعوقة للتنمية في المجتمع اليمني يصعب حلها ومواجهتها بدون إشراك النساء في صنع هذه الحلول، ولذلك بات من الضروري زيادة مشاركة النساء في كافة المجالات وكل المؤسسات ومراكز اتخاذ القرار، وكذلك الاهتمام بتعليم النساء والفتيات.
إن مشكلات مثل النمو السكاني المرتفع وفشل بعض البرامج في تحقيق أهدافها التنموية، واستخدام النساء في العملية السياسية استخداماً يضر بمصالح المرأة..الخ. يمكن مجابهتها بصورة أفضل عندما تدخل المرأة كطرف أساسي في عملية المجابهة.
ومع ذلك لا يمكننا القول إن مبادرة المؤتمر المشار إليها نشأت خارج مناخ المزايدة بقضية المرأة، فقد استمرت عملية المزايدة هذه منذ زمن بعيد دون أن ينتج عها أي تقدم بالنسبة لأوضاع النساء، لذلك لا نستبعد أن يكون المؤتمر الشعبي قرر من خلال هذه المبادرة، أن يضع حداً لتلك المزايدة، ويضع شركائه في العمل السياسي على المحك كما يقول.
لقد حاولت منذ 21 فبراير الماضي، وبعد خروج مبادرة المؤتمر الشعبي إلى العلن متابعة رد فعل الأحزاب السياسية، وبعض مؤسسات المجتمع المدني، حول هذه المبادرة التي تعد جديدة وجريئة أيضاً على الأقل في نظري.
ولاحظت أن ردود الأفعال تلك كانت محدودة ولم تستوعب كما يبدو المبادرة كما هي، ولأهميتها بمعزل عن مصدرها (حزب السلطة) باستثناء موقف الحزب الاشتراكي الذي عبر عنه خولة شرف عضو المكتب السياسي للحزب التي رحبت في تصريحها لصحيفة "الثوري" (3 مارس) بالدعوة الصادرة عن دورة اللجنة الدائمة، بشأن تعزيز مشاركة المرأة، ودعت الأحزاب إلى عقد لقاء عاجل من أجل تنسيق جهودها للانتقال بهذه "التوجهات الجديدة إلى حيز الممارسة العملية، وخلق أجواء سياسية ثقافية وطنية داعمة لإيجاد ظروف أفضل لتمكين المرأة وتوسيع مشاركتها، وتحريرها من موروثات الاضطهاد والإقصاء.
ومن حزب الإصلاح قالت الدكتورة أمة السلام أحمد رجاء -رئيسة القطاع النسوي- إنه لا تراجع في موقف الإصلاح تجاه مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وأن موقف الإصلاح ينبثق عن رؤية شرعية واعية، كما قالت إن المؤتمر الشعبي خيب آمال القطاعات النسائية في المؤتمر والإصلاح، والاشتراكي، والتي سبق أن أصدرت بياناً تضامنياً لتعزيز مشاركة المرأة السياسية عبر نظام "الكوتا" ولم يتبنى المؤتمر هذا المطلب، وفي التصريح الذي نشره موقع "الصحوة نت" (4 مارس) عبرت أمة السلام عن أملها (بأن لا تكتفي النساء في القطاع النسائي للمؤتمر الشعبي العام بالمشروع الذي قدم إلى الدورة الرابعة للجنة الدائمة بل تساهم وبفاعلية، وعبر مختلف المواقع، لكي تتبلور حقوق النساء ضمن الأطر القانونية بما يكفل للنساء جميعهن من كافة الاتجاهات المساهمة في العملية السياسية، وفي كافة العمليات المتعلقة بها كالانتخابات والرقابة على الانتخابات وغيرها).
في 4 مارس وقعت (1000) امرأة (من القيادات النسوية والناشطات بالمنظمات الحقوقية والمثقفات والأكاديميات) على بيان اختتم بالإشادة بموقف رئيس الجمهورية الذي أعلن صراحة وقوفه إلى جانب مطالب النساء ووعد بدعمها بقوة لدى مختلف القوى السياسية الوطنية، وفي طليعتها حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي قطعت لجنته الدائمة شوطاً في هذا الاتجاه، وعبرن في البيان عن أملهن أن تجد مطالبهن تجاوباً وتفاعلاً من بقية القوى الوطنية.
البيان المذكور أشار إلى تمادي كثير من القوى السياسية في النظرة الدونية للمرأة واعتبارها مشروعاً للتصويت والتظاهر، وإمعان تلك القوى في وضع العقبات أمام مشروع تطبيق نظام الحصص "الكوتا".
ودعت الموقعات على البيان النساء إلى مقاطعة العمل في صفوف الأحزاب والمؤسسات التي تعارض تطبيق "نظام الكوتا" وتقف عقبة أمام المرأة في تقلد المناصب القيادية في المجالس البرلمانية، والمحلية ومجلس الشورى، وأجهزة ومؤسسات الدولة، وعدم التصويت لمرشحي هذه الأحزاب في الانتخابات ... الخ.
وبالعودة إلى تلك التعليقات أو ردود الأفعال، نجد أن موقف الاشتراكي الذي عبرت عنه خولة شرف يعتبر مبادرة المؤتمر توجهاً جديداً ومطلوب من الأحزاب الالتقاء معاً وتنسيق الجهود للانتقال بهذه التوجهات إلى حيز الممارسة العملية، هذا الموقف يتفق في نظرته إلى المبادرة مع الذين أرادوا من خلالها توسيع مشاركة المرأة في كل المجالات وليس فقط في المجالس المنتخبة أو التصويت، والترشيح.. بينما شددت الموقعات على البيان بضرورة العمل بنظام الحصص في المقاعد الانتخابية "الكوتا" بصورة رئيسية، ومقاطعة العمل في صفوف الأحزاب التي تعيق المرأة من حقها في تولي المناصب القيادية العامة، وتبقى ا لمطالب الواردة في البيان أقل أهمية مما تطمح إليه مبادرة المؤتمر الشعبي العام بمحاورها الثلاثة التي أشرن إليها في البداية،، أما موقف حزب الإصلاح الذي عبرت عنه الدكتورة أمة السلام، فيتسم بالمراوغة ففي الوقت الذي كررت فيه الكلام القديم الذي اعتدنا سماعه، وهو أن موقف الإصلاح من المرأة ينبثق عن رؤية شرعية، تشير إلى القطاعات النسوية في الإصلاح والمؤتمر والاشتراكي أصدرت في السابق "بياناً تضامنياً" لتعزيز مشاركة المرأة السياسية عبر نظام "الكوتا" ولم يتبنى المؤتمر هذا المطلب وقللت من أهمية مبادرة المؤتمر في نفس الوقت، والتركز على المشاركة السياسية للمرأة من جانب الإصلاح ينصب حول الانتخابات فحسب، ولكن هذه المراوغة لا تجدي، لأن تمسك الإصلاح بالقول إن نظرته إلى المشاركة السياسية للمرأة "تنبثق من رؤية شرعية" تحسم المسألة سلفاً، خاصة وأن الإصلاح يعني بـ"الرؤية الشرعية" تلك الاجتهادات القديمة التي تحرم على المرأة "الولاية العامة".