السبت, 28-أكتوبر-2006
بقلم: د. وليد سعيد البياتي -
الشيعة في مصر ونهضة العقل
يحاول بعض المؤرخين تقديم مصر كنتاج للحضارة الفرعونية متناسيا العمق الاسلامي في التاريخ المصري، والحقيقة لايمكن النظر الى مصر الا من خلال التراث الاسلامي الشيعي فمنذ حلول محمد بن ابي بكر رضي الله عنة ارض مصر واليا عن امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليهما السلام ومصر تعد واحدة من اوائل المراكز الشيعية في العالم الاسلامي، وبعد ظهور الفاطميين (نسبة الى فاطمة الزهراء) عليها السلام وتاسيسهم مدينة القاهرة (والتي تعرف تاريخيا بالقاهرة الفاطمية، او قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، التي صارت بدء منذ تاسيسها عنوانا للعاصمة الشيعية حيث مراكز البحث التي شكلت الجامع الازهر (هو الاخر نسبة الى فاطمة الزهراء) عليها السلام تعبيرا عن الولاء المطلق لأهل البيت الاطهار، صلوات الله عليهم اجمعين، تمكنت مصر من ابراز نفسها كاحد معاقل الشيعة، وعلى الرغم من توالي العصور فان الاتجاه الموالي لأهل البيت ظل راسخا في الذهنية المصرية، والشيعة في مصر هم في الواقع احد اهم مصادر حضارتها الحالية، وان كانت مناهج البحث والتدريس في الازهر الشريف اريد لها ان تبتعد عن المصدر الموالي للرسول وأله الاطهار عليهم السلام، كما حدث في فترة حكم صلاح الدين الايوبي (يوسف بن أيوب التكريتي) (1138-1193م) الذي تعمد القضاء على الخلافة الفاطمية في مصر لصالح الخلافة العباسية في بغداد ثم تخلى عن الاخيرة لصالح منافعه الشخصية، وهو الذي قضى على المكتبة الفاطمية التي كانت من اهم المكتبات الاسلامية في عصرها لما حوته من اصول المصادر الفكرية والعلمية والتي اسست لاتباع مدارس




فكرية كانت في الاصل تدور في فلك فكر أهل البيت ثم انحرفت عنه، الا ان حركة التاريخ تأبى الا ان تكشف لنا حقيقة الموقف، فابو حنيفة (نعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي) (ت150 للهجرة) ما هو الا واحد من الالاف من تلامذة الامام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام (ت في المدينة 148 للهجرة) والذي كان يعرف بالصادق وهو صاحب من اظهر مذهب الامامة كمذهب يستقي مصادرة من الائمة الاطهار عليهم السلام "عن جدهم رسول الله صلوات الله عليه واله عن جبرئيل عليه السلام عن رب العزة جل جلاله" كماجاء عن السنتهم، ومن هنا كانت مصادر حديثهم وسنتهم من الوثاقة بمكان حيث لا ينازعهم منازع، فالامام الصادق هو امام و استاذ كل المذاهب التي اخذت عنه ثم ابتعدت عن منهجه الاصيل، وعبر حركة التاريخ بقي الشيعة في وطنهم مصر اهم مصادر المعرفة الانسانية لما جبلوا عليه من حب العلم والمعرفة الاصيلة رغم تبدل الحكومات والانظمة. وقد قدمت مصر الفاطمية عددا كبيرا من العلماء الاعلام في مختلف العصور جلهم من اتباع اهل البيت الذين اغنوا التراث الاسلامي الفكري والعلمي على حد سواء.ان التاريخ الاسلامي في مصر هو التاريخ الشيعي، اذ لا يمكن تجاهل كل ذلك الزخم من المعرفة العلمية التي تم التاسيس لها على يد اتباع اهل البيت الاطهار عليهم السلام منذ القرن الاول الهجري، ان القراءة المنطقية لحركة التاريخ تشير الى اننا قد بدأنا مرحلة جديدة يخط فيها الشيعة صفحات المعرفة العلمية كما فعلوا دائما، ليضيئوا الدرب من جديد.
ويمكن اعتبار تاريخ 15/ 4/ 2006 احد اهم الاحداث في حركة التاريخ المعاصر، عندما اطل علينا احد كبار الرموز المصرية الاستاذ محمد الدريني، من خلال قناة دبي، ليوقد مشكاة هي الاولى في تاريخ مصر الحديث والعالم الشيعي ملقيا الضوء على التاريخ الشيعي في مصر، وليوقظ النيام من غفوتهم، اطل علينا ليعلمنا درسا اخر في الجهاد والصبر الذي استمده من سيد الشهداء وامام المجاهدين الامام الحسين بن علي عليهما السلام، وعلى الرغم من اني لست بعيدا عن التاريخ الشيعي في مصر الحبيبة ربما بسبب تخصصي في تاريخ الحضارة الاسلامية، الا انني شعرت وكأني اقف امام احد الشهداء الابطال امثال الامام محمد باقر الصدر، او الامام حسن الشيرازي، اوالمجاهد الكبير السيد مهدي الحكيم وكلهم وقفوا ضد الطغيان الصدامي الذي تمكن من انهاء حياتهم، وعجز عن استلال ذاكرتهم من تجاويف العقل، لقد تمكن الدريني من ان يهز الضمير العالمي و ان ينتشل المتخاذلين من السقوط في هاوية الاخر، لقد وجدت في صوته تعبيرا اصيلا عن الفكر الشيعي المضطهد والمستباح من اكثر من الف عام، لقد استطاع ان يضع الشيعة على خارطة العالم من جديد، وان يوقظ التاريخ، هذا الانسان المشتعل وطنية، والعاشق لمصريته، الممتليء صدره بهموم الوطن لم يكن الا عنوانا لعبقرية الانساني المسلم الشيعي، فالدريني لم يقدم لنا سردا تاريخيا، بقدر ماكشف واقعا انسانيا يتلمس دربه من خلال رفض الاخر له، لقد استطاع هذا الرجل في ومضة من ومضات التاريخ ان يهزنا ويوجع قلوبنا في ان، ومن هنا لا يحق لنا بعد الان ان نتلحف بعباءة الصمت، فلا يمكن تجاهل الشيعة في الخطاب السياسي والاجتماعي المصري بعد الان، ويكفي التكتيم.في هذا الوقت من صراخ الحقيقة ادعو المنظمات الدولية، والانسانية والاجتماعية الى تبني مواقف الشيعة في مصر وفي كل مكان، وهنا في اوربا ستعمل مجموعة من كبار المحاميين الدوليين للدفاع عن الحق الشيعي سواء في مصر خاصة اوالبلاد الاخرى عامة، وسترسل رسائل الى كبار الشخصيات السياسية والعلمية في كل اوربا لتشرح الموقف في لقاءات او عبر وسائل الاعلام، وعلى الرغم من التجهيل المتعمد والمستمر بالفكر الشيعي، والذي يتبنى مواقفه عدد كبير من الدول العربية والاسلامية التي رضيت بالفكر السلفي الوهابي المناقض للعقل والوجدان، الا ان الفكر الشيعي المرتكزعلى الاصالة الرسالية باعتباره يمثل امتدادا عضويا وحقيقيا لفكر اهل البيت الاطهار عليهم السلام تمكن على الدوام من تقديم مشروعه النهضوي، والعمل على تطوير رؤاه اعتمادا على استمرار فكرة الاجتهاد الفقهي الذي توقف عند الاخرين منذ عصر الغزالي.
ان المرجعية الشيعية تمثل ارتباطا روحيا ووجدانيا يربط الشيعة في كل انحاء العالم في بنية واحدة، باعتبار ان الفكر الشيعي هو النواة الاولى في الفكر الاسلامي، لكن هذا الارتباط لا يلغي العقل، بل انه يتركه مفتوحا لتلقي المعرفة وليناقش المواقف باعتبار ان العقل احد اهم مصادر التشريع في الفقه الشيعي الاثنا عشري، والارتباط الروحي والوجداني بالمرجعية الشيعية لا يعني ان نجعل من المراجع اشخاصا خارج حدود مناقشة العقل، فلا عصمة الا للامام المعصوم المنصوص علية كماجاء في اثار السنة النبوية الشريفة وسنة اهل البيت الاطهار، ومن هنا يحتل العقل في المفهوم الشيعي مرتبة عليا، وعبر هذه العقل سيتم الحوار مع المنظمات الدولية والشخصيات الرسمية الي وجدنا فيها تجاوبا كبيرا واهتماما واسعا بمظلومية الشيعة في كل مكان، لقد استطاع الفكر الشيعي ومنذ سنوات طوال ترتيب ملفاته لينطلق في نهضته، وقد برهنت حركة التاريخ على صدق المنطلقات الشيعية في تعاملها مع الحدث حتى مع استمرار الاضطهاد الفكري والاعلامي الرسمي.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 27-ديسمبر-2024 الساعة: 06:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/36119.htm