الخميس, 10-مايو-2007
المؤتمر نت -            المؤتمرنت -
مفتي سورية:نؤمن بعلمانية لا تصطدم بالدين
الشيخ احمد بدر الدين حسون، المفتي العام لسورية، ليس شخصية عادية، فبصرف النظر عن أهمية الموقع الديني الذي هو فيه، إلا أن لديه اجتهادات وآراء قوية وجريئة فيما يخص العلاقة بين السياسة والدين.
المفتي الجديد خلف الشيخ المعمر احمد كفتارو في قيادة الإفتاء الديني في هذا البلد ذي الأغلبية السنية.

الشيخ حسون كان قد أدلى بتعليقات في الفترة الأخيرة حول مشكلة الأحزاب السياسية الإسلامية وفهمها للعلمانية، ودعا إلى وجوب تجنيب المسلمين والدين مغبة هذه الصراعات السياسية. وأكد أن الإسلاميين يحاربون العلمانية بدون أن يفرقوا بين العلمانية الفرنسية والعلمانية التي تقوم على العلم.

في هذا الحوار مع «الشرق الاوسط» تركيز على مفهوم مفتي سوريا للعلمانية، ورؤيته لطبيعة الدولة في الإسلام، وما هو دور رجال الدين في هذه الدولة، وما هو رأيه في الصراع بين الإسلاميين والحكومات العربية، والإسلاميين وبقية التيارات الفكرية والسياسية في العالم العربي. وأطلق المفتي حسون تعليقات مثيرة ومنها قوله: «نؤمن بالعلمانية التي لا تصطدم بالدين». وأكد أن الإسلام لا ينفصل عن الحياة العامة ولكنه في الوقت ذاته لم يتدخل في يوم من الأيام بتركيبة الحياة السياسية في الدول التي تعتنقه وان رأينا خلاف ذلك فإنه من مجموعة من الأشخاص الذين ألبسوا طموحاتهم السياسية لبوسا دينيا.

أي مجتمع قائم على التعددية، فالتعددية غنى.

وكان من المثير قول الشيخ حسون إن تجربة أكثر الأحزاب الدينية كانت مريرة.. قائلا: ألا نشاهد الأحزاب الدينية الإسلامية على الساحة، تأخذ الطباع البراغماتي المتحول وفق المعطيات والظروف المحيطة. فإلى الحوار:

* اثير جدل أخيرا حول معنى العلمانية من منظور اسلامي، وكان لكم تعليقات بهذا الشأن، فما هو تعريفكم الخاص للعلمانية؟

ـ الأصل في التعريفات أنها لا تصبح اصطلاحية إلا بعد توافق أصحاب الاختصاص عليها، وهذا التوافق جاء بعد دراسات ومداولات ليست بالقليل، ثم يأتي من يقرأ المفهوم وليس حرفية التعريف ليدلي برأيه، فليس هناك من تعريف خاص وآخر غير خاص لأي أمر، ومن ذلك العلمانية، والأصح والأكثر صوابية أن نتحدث عن فهم خاص، وهذا الفهم يقوم على التجربة الخاصة بأي شخص وعلى قراءته، إلى جانب المحيط والبيئة التي يعيش فيها، وأنا من هذا المنطلق أصل إلى الفهم الخاص للعلمانية، فهي كما كل المفاهيم الإنسانية والفلسفية ليست صحيحة بتمامها وليست مرفوضة بتمامها، لذا علينا نحن أن نناقش القضايا قبل أن تصبح مرفوضة أو أمرا واقعا فنجعلها مناسبة لنا، نختار منها ما يناسبنا ونرفض ما لا يناسبنا، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الفهم السائد والمباشر والارتجالي ألبس لبوسا غير دقيق، فمع دخول العلمانية كمصطلح سياسي فكري معاصر وضع من خلال الإعلام والآيديولوجيات في مواجهة الإيمان على اختلاف الشرائع والمذاهب، فالعلمانية رفضت من المسيحيين والمسلمين على السواء لارتباطها في أذهانهم بفكرة محاربة الدين، وهذا ما نجده في كتابات العلماء، مثل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، رحمه الله، الذي خص العلمانية بكتاب كامل يفند ويحلل فيه وينتقد، وله نظرات علمية صائبة، وكذلك والدكتور يوسف القرضاوي الذي كتب وحاضر عن العلمانية، وما أقوله من عدم التعارض والتناقض ناتج من المعنى اللغوي وليس المعنى الاصطلاحي الذي تعارف عليه الناس، وأظن أن الخلاف في وجهات النظر ناشئ من الخلاف بين من يدعون إلى الفصل بين الدين والدولة وبين من يدعون إلى ضرورة دمج الدين في الدولة وأنا أرى أن الإسلام دين عالمي لا يحتاج الدخول في هذه التفاصيل.

ضد القراءة الواحدة

* هل تؤيد إعادة صياغة مفاهيم المجتمع وفق نظرة علمانية للحياة مع الحفاظ على الثوابت الإسلامية؟

ـ بعيدا عن نص السؤال، الذي سأجيب عنه، أسأل ما معنى إعادة الصياغة؟ وما معنى الحفاظ على الثوابت؟ هذه عبارات إنشائية ملغزة، فإعادة الصياغة تكون لشيء يحتاج إلى إعادة صياغته، والإسلام لا يدخل في هذا النطاق، ولكننا أيضا نحتاج إلى فهم واع ودقيق للنص الديني، والفهم هو بتعدد القارئين، ومن هنا جاء في القاعدة (اختلاف أمتي رحمة) ولكِ أن تتخيلي النص بقراءة واحدة، ماذا سيكون الأمر؟ نحن لا نطالب بتجميد الدين في هيئة كهنوتية والانعزال عن المعترك السياسي، لكننا لسنا مع تسييس ما لا يحتمل أي رؤية سياسية. وان كان المقصود بالعلمنة أن نحيد الدين فهذا فهم خاطئ لأن المسلم والمسيحي وغيرهما يشكلون نسيج المجتمع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وليس هناك من إمكانية لدى أحد أن يستقدم أناسا حياديين بالمطلق، والأمثلة أمامنا واضحة لعدد من الشخصيات التي أسست للأحزاب العلمانية بالمصطلح المتعارف عليه، لكننا رأينا عودتهم في الأزمات إلى جذورهم الدينية. من هنا قلت بعدم التعارض بالمطلق، لأنني أمام مجتمعات متعددة الشرائح لا اقبل أن يفرضوا علي أسلوب حياتهم، وبالمقابل علي أن لا أفرض عليهم أسلوب حياتي، والإسلام الذي قال الله تعالى عنه (لا إكراه في الدين) وقال أيضا سبحانه (لكم دينكم ولي دين) ترك الحرية للآخر في الاعتقاد والاختيار.

الإسلام وجذور العلمانية

* هناك مفكرون ومؤرخون يعتقدون بوجود جذور للعلمانية في الإسلام، وأن الإسلام دين «علماني في جوهره»، فيه حقائق تتعلق بالوحي وحده، فهل تؤيد هذه الأقوال، وما هي مظاهر العلمانية في التاريخ الإسلامي؟

ـ هذا السؤال يرتبط ارتباطا مباشرا بالسؤال السابق وأنا أقول هل بعد النص المقدس في القرآن من رأي؟ وما قيمة آراء المفكرين والمفتين أمام النص القرآني الإلهي؟ وأنا اعترض على هذا السؤال بهذه الصيغة، فالإسلام عظيم بذاته ورسالته ولا يحتاج إلى أبحاث تدل على استيعابه للأشياء لتدلل على عظمته فإن قالوا: الإسلام فيه جذور العلمنة فهذا لا يرفع من قيمة الإسلام أو يخفضها، وهذا يذكرني بالأبحاث التي تتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن والتي تحاول أن تعيد كل شيء إلى القرآن وفي هذا تحمل واضح، أنا لا يعنيني سوى الفهم السليم للمصطلح المعاصر والفهم السليم للنص الديني الذي استخلص من خلاله الأحكام التي تنظم علاقتي بالخالق والمخلوق على السواء، فهل أريد أن اكسب شهادة تقدير للإسلام من العلمانيين وهم لا يؤمنون به؟ وهل أريد أن أعطي براءة ذمة للعلمانيين تجاه الدين؟ السؤال الحقيقي هنا والإجابة لدى من يقدمون الآراء والقراءات بحيادية واضحة وبشفافية صادقة.

* أين تلتقي العلمانية مع الإسلام وأين تفترق؟

ـ ما أهمية أن تلتقي العلمانية بالإسلام أو يلتقي بها؟ الإسلام دين خالد صالح لكل زمان ومكان، والصلاحية ترتبط بالفهم السليم ارتباطا مباشرا، وأنا كمسلم أهتم بفهمي للإسلام، سواء التقى هذا الفهم مع العلمانية أو لم يلتق، هل أريد ليَّ عنق الإسلام لأقول هنا التقى مع العلمانية؟ هذا الأمر يحتاج إلى بحوث ودراسات وندوات ليس بغاية تحديد نقاط الالتقاء وإنما بغاية تحديد الفهم السليم لكل من الإسلام والعلمانية.

* البعض يتساءل: كيف يمكن تحويل منظومة فكرية منغلقة إلى أخرى منفتحة وفعالة؟ وهل تعتبر العلمانية شرطا للنهوض الوطني؟

ـ هل القصد بالسؤال أن الإسلام منظومة فكرية منغلقة! إن كان كذلك فالسؤال مرفوض بجملته لان الإسلام غير ذلك، وهنا أحيل القارئ الكريم إلى كتاب المفكر الإسلامي العربي الدكتور عمر فروخ، رحمه الله، والذي كان بعنوان (تجديد في المسلمين لا الإسلام) هذا البحث القيم أتى بعد كتاب سابق يحمل عنوان (التبشير والاستعمار)، فإن كان هناك من يتهم الإسلام بالانغلاق فالاتهام ينصب على مجموعة من المسلمين لا نستطيع تحديدها لأن كل مجموعة ترى نفسها صحيحة ولا تكتفي بذلك بل ترى الأخرى على خطأ، وهذا يذكرنا بقراءة العلماء وتحديدهم للفئة الضالة، ولعل المحايد يرى أن الجميع ضالون، بينما يجب علينا أن ننظر إلى الآخر على انه صحيح من وجهة نظره، وأنا لم اقل ولن أقول إن العلمانية شرط للنهوض الوطني في أي بلد من بلدان العالم، كل ما أقوله: إن الفهم السليم والاعتراف بالآخر وحقوقه هو السبيل للنهوض، والإسلام لم يدعُ في يوم من الأيام إلا إلى الفهم الصحيح والاعتراف بالآخر وحقه.

* أيضا يرى البعض أن ترك القيادة للأفكار العلمانية هو طريق يؤدي إلى الإلحاد في آخر المطاف فما رأيكم بذلك؟

ـ من قال إننا نريد أن نترك القيادة للأفكار العلمانية، نحن نرى أن زمن القيادة لأي مجتمع ومن أي تيار انتهى، فهناك أفكار تغني الناس وهناك قيادة تقود المجتمع بما يخدم، وقد تجمع هذه القيادات بين الملحدين والمتدينين، ما الذي يمنع! أركون .. لم يصب وأنا احترمه

* هل تتفق مع المفكر الجزائري الفرنسي محمد أركون في تعريفه للعلمانية بأنها «إجماع الشعب ـ ما عدا رجال الدين ـ أي بعيدا عن تدخلهم في حياته»؟

ـ الأستاذ المفكر أركون من أصحاب الآراء الذائعة، التي تتداولها وسائل الإعلام، وأي إنسان يقول قولا فالقول ملك له، ويعبر عن رأيه، ولكن لو نظرنا في هذا القول نجده قولا يحتاج إلى دقة علمية، فلو استثنينا حسب قوله رجال الدين سنجد أن المجتمع خسر شريحة كبيرة منه، وهي كبيرة جدا، ففي الإسلام لا وجود لطبقة رجال دين (كهنوت) وكل مسلم ملتزم بالدين، ومن خلال رأي الإسلام في علماء الدين سنجد أن كل المسلمين ملتزمون بالدين، والسؤال الآن أين إجماع الشعب إذا استثنينا علماء الدين؟ من المؤكد أن هذا الرأي في قياس العقل والمنطق لا يقف أمام الامتحان الدقيق لكنه رأي شخص بعينه ويعني من يرى رأيه فقط وأنا احترم هذا الرأي، وان كنت أخالفه.

هل يوجد رجال دين في الإسلام؟

* برأيكم، هل ما يراه مفكرون عرب أن الذي يعوق فهم وتطبيق العلمانية هو نفوذ الدين؟

ـ بداية أنا لا أتفق مع تعبير نفوذ الدين، فهذا تعبير يغمز من الدين بطريقة أو أخرى، فالدين إيمان وعقيدة وروح وليس حركة أو حزبا أو قوة لنقول (نفوذ الدين)، أما إذا كان المراد نفوذ (علماء الدين) فليس الإسلام مصطلح رجال الدين لأن كل مسلم كما أسلفت رجل دين، وإن وجدنا مثل هذه الطبقة في حياتنا فهي خلط خاطئ بين مفاهيم العالم المتبحر والداعية والإمام، ونشوء هذه الطبقة التي تحتكر الدين مربوط بالجهل والأمية لدى الناس وبعض الدعاة على السواء، أما إن قلنا مكانة الدين فهذا التعبير أكثر دقة ونجيب بأنه ما من شيء يستطيع أن ينال من مكانة الدين لقوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وكم تعرض الدين لمواجهات عبر التاريخ عشنا بعضها ورأيناه، لكن كل ذلك لم يؤثر في أصل الدين وجوهره، وأنا أقول ليس شرطا اعتماد منهج معين لإلغاء الآخر، ولكن إن كان احد الاتجاهين ضيق الأفق في ارض الواقع فهذا سيؤدي إلى النزاع ومن ثم يوجد ما يسمى بالحركات المتطرفة، والحركات المتطرفة ليست ذات توجه واحد فقد تكون دينية وقد تكون آيديولوجية مختلفة وقد تكون عرقية أو حتى علمانية.

* يرى مفكرون إسلاميون أنه ومن أجل تحقيق العلمانية في الإسلام يجب أن يكون هناك فصل للدين والكهنوت عن الدولة في سائر المجتمعات، وبتعبير آخر يرون أن النموذج الإسلامي قائم على العلمانية، أي بغياب الكهنوت وتأثيره على باقي المؤسسات المدنية، فما هو تعليقكم؟

ـ من ذكروا في نص السؤال انطلقوا في رؤيتهم من أمرين الأول: حتمية الإلحاد في العلمانيين، والثاني حتمية الصراع بين الدين والعلمنة، وهم عندما أدلوا بهذه الآراء فإنما انطلقوا من تأثرهم بترجمة النهضة الأوروبية عندما تم تحييد الكنيسة وهناك فروقات كثيرة بين الواقعين اللذين تتم الموازنة بينهما، والإسلام لا ينفصل عن الحياة العامة للمسلمين، ونحن نعلم أن الإسلام لم يكن منهج عبادة فقط بقدر ما كان منهج عبادة لله وحياة مع المحيط على تنوعه، ولكنه في الوقت ذاته لم يتدخل في يوم من الأيام بتركيبة الحياة السياسية في الدول التي تعتنقه وان رأينا خلاف ذلك، فانه مجموعة من الأشخاص الذين البسوا طموحاتهم السياسية لبوسا دينيا في محاولة فهم لاكتساب الشريعة ومجموعة من الأنظمة والتي تتحرك وفق أجندة تخدم مصالحها الشخصية أو من يختبئ وراءها، وضمن هذين الفريقين سنجد جمهرة من المسلمين الصادقين الذين انساقوا وراء عواطفهم، وعليه فان الإسلام منهج حياة ولا علاقة له بالمؤسسات المدنية إلا بإسهامه في بعض الجوانب الخيرية والتوجيهات الأخلاقية والروحية، وما عدا ذلك فانه من وهم الواهمين، ومرة أخرى المتدينون في كل العالم وفي مختلف الشرائع كثر فهل تم تحييدهم؟ ألا نرى زعماء العالم يمارسون قيمهم الدينية بدون أن يطلب منهم أحد أن يبتعدوا عن الدين وهم المنادون بالعلمانية!

* هل تعتقد بإمكانية توحد المؤسستين الدينية والسياسية في أي مجتمع؟

ـ أي مجتمع قائم على التعددية، والتعددية غنى، ألم تقم الولايات المتحدة ونهضتها على التعددية؟ ألا تعيش أوروبا حالة من التعددية والتوحد (الاجتماع)؟ الذي يعنيه السؤال كما فهمته أن تكون السلطة الدينية ذات سلطة سياسية، وهذا الأمر قد يحدث ويكون مقبولا إذا كان هنالك وعي وحيادية عند أصحاب السلطة، وقد يكون مرفوضا. وكما ذكرت فان عددا من الحكام في العالم يتمتعون بالإيمان ويقومون بأداء الفرائض الدينية لكن هذا لم يجعلهم فارضين لآرائهم الدينية أو المذهبية، وإن حصل كما في بعض التوجهات الشمولية فان الأمر سيخفي وراءه نارا قابلة للاشتعال في أي لحظة، ألا نعتقد بأن تجربة أكثر الأحزاب الدينية كانت مريرة؟ ألا نشاهد الأحزاب الدينية الإسلامية على الساحة تأخذ الطباع البراغماتي المتحول وفق المعطيات والظروف المحيطة؟ وهذا وعي جديد.

* أين تكمن مواقع النزاع بين الفريق المؤيد لعلمانية جزئية «يسار إسلامي» وبين المحاربين والرافضين لأي مفهوم للعلمانية؟

ـ في سوء معرفة كل منهما للآخر، وفي عدم التقاء الجانبين للتحاور والبحث عن نقاط الالتقاء، وهنا تكمن مشكلتنا الكبرى.

* رفض الدكتور القرضاوي في أحد كتبه وهو: «الإسلام والعلمانية وجها لوجه» أن يكون هناك أي مكان للعلمانية في أي دولة عربية وإسلامية بأي منطق أو معيار لا معيار الدين أو المصلحة أو الديمقراطية أو الأصالة ؟ ماذا تقول في ذلك؟

ـ يمثل رأي فضيلة الدكتور القرضاوي شريحة كبيرة من المسلمين وهو رأي يحترم ويعتد به، وما من رأي لبشر لا يتبدل ولا يتغير، وما من رأي لا يخالفه عليه الناس، وان كان الرفض بالمطلق هنا تكمن المشكلة، واسأل بطريقة مغايرة ألا يوجد بين المسلمين غير المؤدلجين من هم أكثر تحللا وعدائية من العلمانيين.

* كيف تقيم الأحزاب العلمانية الحالية في المجتمعات العربية والخليجية، وهل ترى أنها مؤدلجة وماذا ينقصها؟

ـ أنا لست متحزبا، لكن التجربة أثبتت أن الحياة الحزبية العربية مهما كان توجه الحزب بحاجة إلى مراجعة دائمة في محاولة للاستفادة من التجارب، ولكن هذا لا يحدث، أما عن الأدلجة فهذا أمر طبيعي، فمجرد أن يكون الحزب، أي حزب، تكون الآيديولوجية، أما ماذا ينقصها فهذا سؤال نتوجه به إلى قيادات الأحزاب وأتباعها ونحن مجرد مراقبين نرى الحياة الحزبية العربية ليست على المستوى المطلوب، بل أخشى أن تتخلى الجماهير عنها كليا إذا لم تراجع نفسها وتطور ذاتها.

* كيف يمكن بناء الجسور ما بين التراث والحداثة. وهل تؤيد النقد الفلسفي للتاريخ الإسلامي؟ وماذا تقول في المقولة القديمة: من تمنطق تزندق؟

ـ هذه مقولات نظرية لا قيمة لها على ارض الواقع، وعلم (المنطق) كان للعلماء موقف منه ذات يوم، أما جسور المعرفة فتبنى بالتواصل وإدراك الإنسان لأهمية ماضيه وحاضره، في الوقت نفسه، وليس من حق احد أن يؤيد أو يرفض بدون أدلة، لكن الذي أثبتته الأيام أن الفلاسفة المسلمين في العصور المتقدمة كانوا بناة للإنسانية وكانوا نماذج ريادة فكرية وثقافية عالمية.

لا تظلموا المؤسسة الدينية

*هل صحيح القول إن الأفراد في المجتمعات الاسلامية، خصوصا المثقفين، عانوا قديما وحديثا من هيمنة المؤسسة الدينية، وأن تاريخ المؤسسة وحاضرها تعسفيان وحافلان بالحوادث والقصص من حرق كتب إلى تكفير وقتل، ما رأيكم في ذلك؟

ـ ومن قال إن الصراعات الطائفية اليوم، أو التي تلبس لبوس الطائفية، لا يقوم بها علمانيون؟ إن وافقنا من يقول عن العلمانية إنها الإلحاد، فمن المفترض ألا يشترك علماني في حرب طائفية، كما ونجد في الحقيقة أن كثيرا ممن درسوا في الغرب وادعوا العلمانية سرعان ما لبسوا اللبوس الطائفي، وهذا يدفعنا إلى فهم أعمق لمسألتي الطائفية والعلمانية فلا يكون أحدهما حلا للآخر، لأنه بإمكان الإنسان أن يتلون بين هذين، والحل الخروج من الأزمات الطائفية يكون بفهم الآخر وتفهمه، والإيمان حقا في الاختلاف، وإنما وجدت المذاهب الفقهية لخدمة الدين من خلال تعدد الإفهام للنص وليس لسحب الدين تأييدا للمذهب أو الطائفية.

ومرة أخرى أؤكد انه لا وجود للمؤسسة الدينية في الإسلام، وان كانت ثمة من مؤسسة فدورها يكون تنويريا لا تجهيليا، أمام ممارسات بعض الشخصيات التي تتصرف باسم الدين، فإنها لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون حكما على الشريعة والإسلام خصوصا، وحتى نخرج من الإطار العام أقول: إن ما حفلت به كتب التاريخ من حوادث تكفير وقتل وما شابه ذلك أثبت الدارسون المسلمون والعرب قبل غيرهم أنها حوادث قتل سياسي أو طائفي أو ما أشبه ذلك، ومن الظلم أن يلصق ذلك بالدين أو بالمؤسسة الدينية، كما سميت في السؤال.

* إذن، هل نحن بحاجة إلى دولة الحياد الديني؟

ـ أنا لا افهم معنى الحياد الديني، فالدين وجدان وروح، ولا يمكن لنا أن نسأل عن إمكانية التخلي عن الروح أو الحياد معها، أنا ممن يرون أن النزوع الإيماني في كل إنسان حتى لدى الملحدين، ولكن فترة كمونه تختلف من إنسان إلى آخر والبيئة والتربية هي التي توجه إلى الوسطية والاعتدال كما في الإسلام الحقيقي، أو إلى التعصب ورفض الآخر كما في الحركات المتطرفة في كل الشرائع.

* ما رأيك في المقولة التالية لأحد المفكرين «التاريخ القريب حسم قضية علاقة الدين بالدولة أو قضية علمانية السياسة، إلا أن المفارقة تكمن في دينية المجتمع وعلمانية الدولة»؟ ـ هذا السؤال يدخل في إطار «من تمنطق تزندق» وأنا أرى الأمور أسهل مما جاء في العبارة، فهناك سلطات وهناك معارضات سواء أكانت المعارضة دينية أو غير دينية، ومن حق المتدين أن يكون مواطنا رافضا أو قابلا، وليس من حق أحد أن يقول له اعتزل فلك الآخرة، بل له أن يأخذ دوره كاملا بدون وصاية أو تهميش أو تغييب، فالإنسان ما دام متوازنا في قيمه حرا في قراره منضبطا في سلوكه فهو يبني ولا يهدم، يجمع ولا يفرق، وهذا هو المؤمن والمسلم الحق. الشرق الاوسط
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 03:40 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/43761.htm