المؤتمرنت -
حروب بين المغنين وشركات إنتاجهم؟
لا وجود لصلح دائم بين المغنين وشركات الإنتاج. لا وجود لخلاف دائم. ا لوجود الدائم هو للمصالح. المصالح أولاً وأخيراً. وكل ما يُحكى عن أهداف نبـــيلة ومرامٍ ثقافــــية وفنـــــية هو حــــديث خرافة. لكن لمــــاذا يتفق هذا المغني مع هذه الشركة ثم يختــــلفان فيــــنقلب الأبيض أسود والأســــود أبيض في ما كان بينـــــهما؟ ولماذا يقرر بعض النجوم الكــــبار إنتاج ألبوماتهم بأنفسهم بعيداً من شروط الاحتكار؟ وما هو دور شركة الإنتاج واقعياً في حياة مغني مطلع القرن الجديد في العالم العربي بعد انهيار معظم تلك الشركات لمصلحة شركة واحدة تتصرف أحياناً كأنها قاضي القضاة الأعلى!؟
بداية ينبغي التمييز بين إدارة أعمال مغن من جهة، وشركة انتــــاجه من جــــهة أخرى، إلا إذا كان المـــغني نفسه قد أراد ذلك التلازم، وهذا يحصل فقط في حالات نجوم امتلكوا القدرة المــادية والمعنوية والإعلامية ورغبوا في تسلُّم المقاليد جميعاً، مع أن معظم هؤلاء المشاهير وأكثرهم ربما نشاطاً يرون الأنسب لهم في فصل إدارة أعمالهم عن إدارة إنتاج ألبوماتهم مع إبقاء القيادة طبعاً بأيديهم وتحديداً في الاختيارات الغنائية ومشتقاتها...
لا تقوم شركة انتاج فني أو غير فني في العالم من دون نظرية ربحية. حتى الفنانون أصحاب المواهب الإبداعية عندما يقررون انتاجاً معيناً يلحظون المـــستوى الفني جنباً الى جنب مع المستوى التجاري. إنها في النهاية تجارة مشروعة.
ولم يكن موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب مثلاً هاوي خسارة مادية أو مغامراً – مقامراً في تبنّيه عبدالحليم حافظ وإنشائه شركة انتاجية لاحتكاره مطلع حياته الفنية. انه المال المقرون بالمعرفة الفنية يطلق موهبة غنائية رآها عبدالوهاب من البداية كما كانت بالفعل في النهاية. وكان ربح فني ومادي كبيران...
لم يعد الكلام على شركات انتــــاج، بالجملة، متاحاً. شركة واحـــــدة وحيدة، وربما الى جانــــبها شركة ثانية أقل تأثيراً وحضوراً، وربما ثــــالثة. لكن قطعاً هناك «روتانا» التي تملك حصة الأسد عربياً بين شركات الانتاج.
إنما الغريب ان مبدأ الربح المعتمد في كل تجارة مُلغى أو مؤجل الى ما لا نهاية أو غير أساسي في سياسة «روتانا»، حيث يتلقى نجوم الغناء مبالغ مالية كبيرة تؤمن لهم القدرة على اختيار الأغاني التي يريدون، والتسجيل في أكبر الاستوديوات، وتقديم ذلك النتاج للشركة التي تقدمه بدورها في ألبومات وتوزعه في العالم العربي والعالم ككل.
وأما «المردود» فلا يُسأل عنه أحد. هذا ما اتبع لسنوات عدة قبل أن تستفيق «روتانا» على خسائر جمّة حتمت عليها إعادة النظر في كل شيء تقريباً. فخرج نجوم منها، ودخل آخرون. وباتت الرقابة على الإنتاج أكثر دقة وأكبر اهتماماً بالمردود.
يتفق نجم الغناء مع الشركة عادة عندما تلبى مطالبه سواء في اختيار الأغاني أو في قوة توزيع الألبوم جغرافياً أو في الحملات الدعائية أو في تصوير ما يكفي من الكليبات التي تنشر الأغاني لدى أوسع فئات في المجتمع الكبير. ويختلف مع الشركة في حالين: اما عندما تُضرَب مطالبه عرض الحائط ويشعر بالتجاهل ولا تُصحح الأوضاع لمصلحته، وإما عندما تجد الشركة انها خاسرة معه لأنه لا يستطيع أن يدعم نفسه أو يدعم وجودها في المقابل.
وغالباً ما تنفجر الاتهامات المتبادلة إذ ذاك في أسباب الاختلاف والافتراق فيضع كل طرف نفسه في خانة المظلوم والآخر في خانة الظالم وينقلب الود جحيماً بشعاً أحياناً، فينتقل النجم الى شركة انتاج أخرى، أو يعتمد على نفسه انتاجياً، وتعلن الشركة في المقابل انها «ارتاحت» من حِمل إضافي!
بعض نجوم الغناء يرفضون الاحتكار أصلاً ويقاومون مغريات كبيرة حفاظاً على حريتهم الإعلامية. راغب علامة مثلاً اصطدم مع LBC منذ أكثر من عقد ونصف عقد من الزمن بسبب مبدأ الاحتكار الإعلامي الإنتاجي ولا يزال. نانسي عجرم رفضت عبر مدير أعمالها المنتج جيجي لامارا الانتساب الى أي شركة انتاج وبقيت حتى الآن حرة. عاصي الحلاني ترك «روتانا» من دون ضجيج وأكمل متكلاً على قدراته. أصالة واليسا ولطيفة وكاظم الساهر وغيرهم لا يزالون في حمى «روتانا». نوال الزغبي وراغب علامة عاشا مداً وجزراً مع المنتج محسن جابر...
أمثلة كثيرة تجد نفسها بين قطاع الانتاج «الخاص» والقطاع «العام»، وكل بحسب فهمه لحقوقه الفنية وواجباته تجاه الجمهور والإعلام وتجاه تجربته أساساً.
المصالح أولاً. يستقر النجم في شركته الانتاجية ما دامت تراه كما يرى نفسه. عندما تُغيِّر النظرة، تتغير المواقع. كأنما يقول لها كما ترينني يا شركتي أراك. وكذلك تفعل الشركة عندما يتعلق الأمر بنجم لم يعد يرضيها أو آخر يضع شروطاً لا تناسبها. ويلعب الإغراء المادي المليوني دوراً رئيساً أحياناً في اجتذاب مشاهير غناء لزوم «البريستيج» المهني.
لقد عدّلت «روتانا» من اندفاعتها للحد من التداعيات السلبية. إلا أن السؤال يبقى: بدلاً من الخلافات، بل الحروب، التي تقوم بين من يَخرج منها ومن يدخل إليها، وبدلاً من هدف اصطياد نجوم كبار والاحتفاظ بهم في أقفاص ذهبية، ألا ينبغي الالتفات الى ما تنتجه «روتانا» لا الى كم تنتج، والنظر الى ما تنتجه لا الى مَن تنتج؟
بعض الأصوات العربية الجديدة ذات النوعية تسأل. والجواب مبهم!
الحياة