الثلاثاء, 29-يناير-2008
المؤتمرنت - الشرق الاوسط -
زوجك عاطل عن العمل.. ماذا تفعلين؟
«لم يخبرني زوجي ان الشركة التي يعمل فيها استغنت عن خدماته. واظب على الخروج كل صباح من المنزل كالمعتاد. لكن زوجة أحد زملائه السابقين تبرعت بإعلامي عندما التقيتها صدفة في السوبر ماركت. شعرت بالحرج.. ذهلت ولم استطع السيطرة على ردة فعلي. انتبهت الى مدى الاحراج الذي انتابني وحاولت الاعتذار وانصرفت على عجل. أما انا فوقفت في مكاني عاجزة عن الحركة، كأني فقدت الاحساس بالمكان والزمان. في بادئ الامر شعرت بالخيانة. لماذا لم يخبرني؟ لماذا وضعني في هذا الموقف البشع؟ بعد ذلك شعرت بالشفقة تجاه رفيق عمري ووالد ابنائي. واستولى علي إحساس فظيع بالخوف. فأنا لا أعمل ولا معيل لنا الا هو. ماذا سيحل بعائلتي؟ اقساط المدرسة ... ايجار المنزل... مصاريف الحياة... عدت الى البيت وانتظرته. ما ان دخل ونظر الي حتى فهم اني علمت. سقط متهالكا على المقعد وأخفى وجهه بيديه».
هذه السيدة رسمت مأساتها بدقة فائقة، استعادتها لحظة بلحظة. قالت ان بطالة زوجها التي استمرت قرابة السنتين لم تكن أقل وقعا على أسرتها وعلى حياتها الاجتماعية من نبأ وفاة عزيز عليها. وأضافت:«لو لم يعثر على عمل لكان بانتظارنا مصير مجهول». حقيقة مرة تعيشها الاسر التي يصبح معيلها عاطلا عن العمل. ويمكن الاطلاع على ذلك لدى مطالعة الاسباب المرتبطة بالطلاق في العالم العربي، ذلك ان البطالة في صفوف العازبين هي غيرها في صفوف المتزوجين. وقبل ان يذهب تفكيرنا الى الابعاد الاقتصادية للمسألة وتبدأ الاسئلة المتعلقة بالسياسات التي تعتمدها الدول وسبل معالجة الخلل فيها، فلنتوقف عند الابعاد الاجتماعية التي تنحو باتجاه الاخطار المرافقة لهذا الوضع، ومنها الادمان والغرق في اللامبالاة واليأس والاحباط والكآبة حد الانتحار، او العنف الذي ينصب على الزوجة والاولاد او الهروب والهجرة وما اليهما. والحل الاقل ضررا يكون في قبول الزوج العمل في مهن دون مستواه العلمي ولا تتناسب مع تجربته الواسعة. تقول المرشدة الاجتماعية لينا عطا الله: ان أزمة الزوج العاطل عن العمل تفتح الباب واسعا امام قضايا تبدأ ولا تنتهي. فالزوج في هذا الوضع يصنفه مجتمعه ضحية ومذنبا في الوقت عينه. يشفق عليه ويحمله مسؤولية الاستغناء عن خدماته، حيث كان يعمل. كأن يتهمه بالتقصير او الكسل او بسوء التصرف. هذا من جهة. ومن جهة ثانية يدين المرأة اذا لم تبد تفهما وحسن إدارة لمؤسستها الزوجية انطلاقا من مفهوم الزوجة المستورة والصابرة، حتى لو كان زوجها مسؤولا فعلا عن بطالته».

وتضيف عطا الله: «لا ننسى ان وتيرة العصر الحالية، التي تغلب عليها النزعة المادية والاستهلاكية، لم تعد ترحم. ففي الماضي كانت العائلة تقدم السند والمساعدة في مثل هذه الظروف. أما اليوم فكل شيء تغير. والناس بالكاد يتدبرون أمورهم. من هنا أصبحنا نلاحظ ان استمرار بطالة الزوج يؤدي في معظم الاحيان الى تفكك اسرته، لا سيما اذا تدخل الأهل في المسألة، سواء أهل الزوج او أهل الزوجة، لأن كل فريق سيعتبر ابنه ضحية الطرف الآخر، الأمر الذي يزيد من وطأة الخلافات الزوجية ويفجرها في بعض الاحيان».

ويختلف رد الفعل على بطالة الزوج من مجتمع الى آخر. ففي المناطق الريفية يبقى الامر دون مستوى المأساة، ولدى الطبقات الفقيرة في المدن يولّد كوارث اجتماعية. تقول لبنى نيابة عن ابنتها:«كأن الفقر وخسارة صهري عمله لا يكفيان ليحولا حياة ابنتي الى جحيم، حتى دخلت والدته على الخط، فأقنعته بأن زوجته مصدر شؤم، وحرضته عليها ومدته بمصروفه الخاص فقط. واذا طالبت ابنتي بأي حق من حقوقها ينقض عليها بالضرب». تؤكد لبنى ان صهرها لا يفتش جديا عن عمل. وتضيف:«عندما دبر له زوجي عملا كحارس أمني في إحدى الشركات. رفضت أمه ذلك واعتبرت هذه الوظيفة إهانة له ومؤامرة عليه لتعريضه للخطر». عن هذه الحالة يقول علم الاجتماع إن العاطل عن العمل لفترة طويلة يتعود على الجلوس والراحة ويفقد الاحساس بالمسؤولية، لذا من المستحسن ان تسارع الزوجة الى تشجيعه وتعزيز ثقته بنفسه من دون ان تتصرف وكأنها ضحيته، أو تبدي شفقة على نفسها أمام الاولاد. على العكس تماما عليها ان تبدأ خطة طوارئ معيشية واعتماد سياسة توفير حازمة. كما عليها ان تقطع الطريق على أي تدخل في حياتها، سواء من عائلته او عائلتها. يقول يوسف الذي فقد عمله بعد اقفال الشركة أبوابها:«حاولت زوجتي منذ اللحظة الاولى اخفاء خوفها. لا أعرف من أين أتت بهذه القوة؟ لا أنسى كيف انتقلت ملامحها من الحيرة الى التصميم بغمضة عين. بدت وكأنها مقبلة على خوض معركة ويجب ان تربحها. بادرت بشرح الوضع للأولاد، وطلبت منهم المساهمة في تأمين جو من الوفاق والحنان في البيت وبالتخفيف من مطالبهم وقبول الواقع الجديد المؤقت الذي تمر به أسرتنا. وبحماس تحسد عليه لم تتوقف طوال ستة أشهر عن حثّي على التفكير بإيجابية. واظبت على قراءة الاعلانات المبوبة وأرسلت سيرتي المهنية الى الشركات المناسبة، كما شرعت في اختراع أفكار صالحة للانطلاق بمشاريع صغيرة وكفيلة بمنع ميزانيتنا من الانهيار. لم تطلب شيئا من أهلي او أهلها وفاجأتني بأفكارها، بما في ذلك إجباري على مساعدتها في صنع أصناف منزلية من الحلوى والشوكولاته وأقنعت الجيران والاصدقاء بشرائها بأسلوب راق. هذه التجربة وطدت علاقتنا. لولاها لما استطعت ان اعاود العمل». تجربة المرأة العاملة عندما يفقد زوجها مهنته تقرأ من زاوية مختلفة. قد يتسبب الوضع الجديد في هزة عنيفة تصيب الثوابت التي تتحكم في علاقة الازواج. تقول لينا عطا الله: ان بطالة الزوج الذي تملك زوجته عملا ثابتا تصيب كرامته ورجولته بضربة قد تكون قاضية. واذا اعتبرنا ان مشاركة الزوجة في تحمل الاعباء المادية الاسرية وخروجها للعمل لا يزالان يشكلان عقدة لبعض الرجال، يمكننا ان نتصور تفاقم الوضع تحت وطأة مثل هذا الظرف الطارئ. ترى هل يتقبل الزوج هذا الوضع وكيف تكون حالته النفسية؟ وهل الزوجة مستعدة للقيام بهذه المهمة ام ان لها رأياً آخر؟، وكيف ينظر الاولاد الى ابيهم وهل سيقل احترامهم له لصالح دور الام في الانفاق وتلبية الرغبات»؟. الاجوبة تتباين. يقول نبيل:«لطالما لفتتني عبارة «في السراء والضراء» التي ترافق عقد الزواج في الافلام الاميركية. وما دامت المرأة قد اختارت رفيق عمرها بقناعة عليها ان تكون جاهزة للسيئ، كما تكون جاهزة للتمتع بالايجابيات. ابنة البيت الاصيل تقوى على مواجهة هذه الظروف. اما المرأة الانانية والاتكالية فتساهم لدى مواجهتها هذه التجربة في خراب بيتها، فتحصد نتيجة حساباتها الضيقة ومصلحتها الخاصة. من هنا يمكن القول ان تداعيات هذه الأزمة تتوقف على علاقة الاثنين، وما اذا كان التفاهم هو الذي يحكم العلاقة». وليس صعبا الاستنتاج من خلال البحث الميداني في هذه القضية ان الرجال بشكل عام يعتبرون ان الزوجة تملك مفتاح انقاذ الزواج او تخريبه. يقول أكثر الذين سألناهم ان مسؤولية الزوجة في هذه الحالة ستكون مضاعفة، فهي تحتاج الى حنكة ودبلوماسية. وعلاوة على الاعباء المادية التي ستقع على عاتقها بمفردها، ستكون مطالبة اكثر من اي وقت مضى بتفهم الحالة النفسية التي تسيطر على الزوج ومراعاة مشاعره واحاسيسه التي لن تكون متوازنة وطبيعية، وألا تضغط على اعصابه او ان تذكره دائماً بوجوب البحث عن عمل، لانه وهو في هذه الحالة لا يحتاج الى من يذكره بذلك، من دون أن نغفل عامل الغيرة الذي يغلب على العلاقة، إضافة الى الشعور بالعجز الذي قد يتفاقم فينسف الحياة الزوجية من اساسها. تقول ندى:«أكثر ما آلمني عندما فقد زوجي وظيفته هو تغير سلوكه بشكل استفزازي. رغم محاولاتي ترميم الوضع لاحظت انه لا يقدر مجهودي ويتركني أتخبط في تدبير الامور. واذا سألته نصيحة ما يتهرب من الاجابة. اما اذا حاولت ان انظم مصاريف البيت واقساط الاولاد فلا يتورع عن اتهامي بأني اصر على مستوى باذخ، كأن أرسل الاولاد الى مدرسة خاصة في حين يمكنني نقلهم الى مدرسة رسمية. وأكثر من ذلك إذا تجرأت وتحدثت أمام اي كان عن متاعب في العمل ينظر الي شزرا وكأني ارتكبت جريمة او كأني أعيّره ببطالته واتباهى بما أعانيه. واذا ارشدته الى فرصة عمل يتصرف وكأني أهنته، لا سيما اذا كان أقل مستوى من عملي. لا أعرف اذا كنت سأتمكن من مسامحته».
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 09:46 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/2014x/53546.htm