إب تكرم الفريق الكوري المدرب للعرض الشبابي
كرم علي بن علي القيسي محافظ إب يوم أمس الفريق الكوري برئاسة "ري هوى سونغ" الذي شارك في تدريب الشباب المشارك في المهرجان ...
 
 
 

 

 

 

دراسات وحدوية
الإثنين, 21-مايو-2007
د.طـه أحمد الفسيل -
مقدمة:
شهد الاقتصاد اليمني خلال السبعة عشر عاماُ من عمر الوحدة اليمنية تطورات عديدة شكلت الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية محوراً رئيسياً أهم وأبرز ملامحها. فعلى المستوى المحلي تفاقمت الاختلالات الاقتصادية والمالية والنقدية التي ورثتها دولة الوحدة من شطري اليمن تزامنت معها أحداث إقليمية ودولية غير مواتية أهمها اندلاع حرب الخليج الثانية وانهيار الكتلة الاشتراكية، وكذا تنامي ظاهرة العولمة الاقتصادية والمالية والسياسية. وفي خضم هذه التطورات والمستجدات غير المواتية برزت أهمية تبني اليمن للإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية كمنهج وأسلوب لإدارة الاقتصاد اليمني باعتبارها ضرورة داخلية بغرض مواجهة هذه الاختلالات ومعالجة تدني مستوى كفاءة وفاعلية الجهاز الإداري للدولة، وفي الوقت نفسه تمكين اليمن من مواجهة التحديات والمستجدات الإقليمية والدولية ولصالح الاقتصاد الوطني.
 
ولذلك أصبحت الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية محوراً رئيسياً في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبرامج الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ نهاية مارس 1995 وحتى الوقت الحاضر، وسوف تظل كذلك مستقبلاً ما دامت الحاجة إليها قائمة. فقد بدأت اليمن بتنفيذ برنامجاً للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري بالتعاون مع المؤسسات والدول المانحة، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث تم تنفيذ المرحلة الأولى من هذا البرنامج خلال الفترة (1996 – 2000) بمساعدة ودعم المانحين وخاصة الصندوق والبنك الدوليين. كما تواصلت خطواتالمرحلة الثانية (2001 – 2005) في إطار الأهداف والسياسات والإجراءات العامة لكلمن الخطة الخمسية الثانية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (2001 – 2005) واستراتيجية التخفيف من الفقر(2003-2005). وتشكل الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية كذلك أحد المرتكزات العامة لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر 2006 – 2010. 
 
ولاشك فأنـه وبعد مرور سبعة عشر عاماً من عمر الوحدة اليمنية فإن الأمر يتطلب وقفة موضوعية وتقييمية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي من خلال استعراض طبيعة الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية خلال الخمس السنوات الأولى من عمر الوحدة، وكذا توضيح كيف تمكن اليمن من تجاوز هذه الأوضاع وتحسين الأداء الاقتصادي والمالي في السنوات التالية من خلال ما تحقق من انجازات عديدة ومن  الاستهدافات الكمية للمكونات الإجمالية، إلى جانب تحديد جوانب القوة لتعزيزها، ومكامن الضعف لمعالجتها، من أجل الانطلاق نحو المستقبل برؤية واضحة وخطوات ثابتة.
 
 
المحور الأول: أداء الاقتصاد اليمني خلال الفترة 1990-1994
 
واجهت الجمهورية اليمنية  منذ الشهور الأولى لإعلان قيامها في مايو 1990 عدة تطورات محلية وإقليمية ودولية غير مواتية، ساهمت في تفاقم الأوضاع والاختلالات الاقتصادية والمالية والنقدية التي ورثتها الدولة الوليدة من شطري اليمن، حيث تدنت معدلات نمو الناتج المحلي الحقيقي بصورة كبيرة، وتواضعت نسبة مساهمة القطاعات الإنتاجية في هذا الناتج، فضلا عن تزايد معدلات نمو عجز الموازنة العامة وارتفاع نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، وكذا تسارع معدلات التضخم ، وارتفاع معدلات البطالة ، وتدهور قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.  كما عكـس تدهور الوضع الاقتصادي بآثاره السلبية على الجانب الاجتماعي،  فتدهورت مستويات معيشة المواطنين نتيجة تدهور هذه الأوضاع وفي الوقت نفسه تدني مستويات الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات الماء والكهرباء.
 
وقد تزامن كل ذلك مع تصاعد أزمة مديونية اليمن الخارجية نتيجة التراكم المستمر لمتأخرات مدفوعات إقساطها مع الفوائد، وكذلك  تفاقم الاختلال الخارجي متمثلاً في عجز ميزان المدفوعات،  إلى جانب تناقص حصيلة الدولة من العملات الأجنبية نتيجة انهيار الكتلة الشرقية الاشتراكية وانقطاع المساعدات والمنح والقروض الميسرة من دول مجلس التعاون الخليجي ومن الدول الغربية، رداً على مواقف اليمن من أزمة الخليج.
 
أ- أداء الاقتصاد الكلي:
شهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نمواً متقلباً تفاوت بين سنة وأخرى خلال الفترة 1991-1994، واتسمت معدلات نموه بالتدني نسيباً باستثناء عام 1992، وبحيث حقق معدل نمو تراوح بين 2.5% و 4,2% في المتوسط سنوياً خلال الفترة نفسها وفقاً للبيانات الرسمية. في المقابل تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى تحقيق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمعدلات نمو سالبة تقريباً خلال الفترة (1991 – 1994 ) كمتوسط سنوي في الوقت الذي بلغ فيه معدل النمو السكاني حوالي 4%. ويعكس هذا الأداء ضعف الهيكل الإنتاجي، وسيطرة عوامل طبيعية وخارجية لا يمكن التحكم أو التنبؤ باتجاهاتها بقطاعات اقتصادية رئيسيه في مقدمتها قطاعي الزراعة والنفط، فضلاً عن مساهمة عدة عوامل اقتصادية وسياسية، وإدارية وفنية في انخفاض أداء الناتج المحلي الإجمالي.
 
في الوقت نفسه واجه الاقتصاد الوطني خلال الفترة 1991 – 1994 موجة تضخمية جامحة تمثلت في ارتفاع معدلات التضخم وتزايدها من 44.9 % عام 1991 إلى 71.3% عام 1994 وبمتوسط سنوي بلغ 57.3% خلال هذه الفترة وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، ترتفع هذه النسبة إلى حوالي 65.8% في المتوسط سنوياً خلال الفترة نفسها وفقاً للبيانات الرسمية.
وقد عكست هذه الأوضاع نفسها على مستوى دخول الأفراد بحيث تراجع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي بصورة مستمرة من 701 دولار للفرد في عام 1990 إلى مابين 365 دولاراً للفرد في عام 1994. فضلاً عن ذلك بدأ عدد العاطلين في التزايد منذ مطلع عام 1991 حتى تجاوز عددهم النصف مليون عاطل في عام 1995، لتتراوح نسبة البطالة بين 25 – 50% من إجمالي قوة العمل في الاقتصاد اليمني حسب المصادر المختلفة. كما بدأت مظاهر الفقر تبدو أكثر وضوحاً واتسعاً عاماً بعد أخر.
 
وتتعد أسباب انتشار البطالة والفقر خلال هذه الفترة واتساع  نطاقها، إلى أسباب خارجية وداخلية، حيث ساهمت الظروف الإقليمية غير المواتية التي حدثت بسبب أزمة الخليج الثانية في أغسطس 1990، والاضطرابات السياسية التي شهدتها دول القرن الإفريقي في تزايد عدد العاطلين في الاقتصاد اليمني نتيجة لعودة العاملين والمهاجرين اليمنيين في هذه المناطق إلى ارض الوطن. كما لعبت السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية المتبعة خلال هذه الفترة دوراً إضافياًَ في تفاقم هذه المشكلة بسبب تراجع دور الدولة الاستثماري والتنموي، واستئثار النفقات الجارية بالجزء الأكبر من النفقات العامة. في الوقت نفسه أحجم القطاع الخاص عن القيام باستثمارات واسعة لانعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي، ولذلك أصيبت الأنشطة التي تحتاج إلى عمالة يدوية كثيفة نسبياً بالجمود، وخصوصاً في قطاعات البناء والتشييد وعمليات صيانة وتوسيع البنية الأساسية. ومن ناحية ثالثة ساهم التسرب من قطاع التعليم في رفع معدل البطالة في الاقتصاد اليمني، فقد لجأت معظم الأسر إلى زيادة عدد أفرادها الباحثين عن فرص عمل وسحبهم من مقاعد الدراسة بسبب تدهور مستوى دخولها الحقيقة، وتعقد ظروف الحياة وتزايد أعبائها. بالإضافة إلى ذلك، ساهم وجود أكثر من مائة ألف عامل أجنبي كانوا يعملون في البلاد في تضييق فرص العمل أمام العمالة المحلية، خصوصاً وأن الكثير منهم كانوا يعملون في مهنٍ بسيطة يمكن أن يقوم بها العامل المحلي.
 
ب – تدهور أداء السياسة المالية :
شكل عجز الموازنة العامة خلال الفترة 1990 – 1994 أحد أهم ملامح الأزمة الاقتصادية والمالية التي شهدتها اليمن خلال هذه الفترة لكبر حجمه وتزايد معدلات نموه وطبيعة تمويله. فقد ساهمت اختلالات الموازنة العامة وتنامي العجز وتمويله من مصادر تضخمية إلى حدوث اختلال بين الطلب الكلي والعرض الكلي، أدى بالتالي إلى إحداث عجز مستمر في ميزان المدفوعات. كما ساهمت هذه الاختلالات بصوره مباشرة في التدهور الحاد في مجمل المؤشرات المالية والاقتصادية والتي برزت أهم مظاهرها في تدهور سعر صرف العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم. وترجع هذه الاختلالات بصورة أساسية إلى نمو النفقات العامة بمعدلات اكبر من نمو الإيرادات وبالتالي تنامي عجز الموازنة العامة واتساع حجم الفجوة المالية.
 
فقد اتسمت الفترة 1990 – 1994 بإتباع الحكومة سياسة انفاقية توسعية بحيث تضاعف حجم النفقات العامة خلال ثلاث سنوات، لترتفع من 44.1 مليار ريال عام 1991 إلى 87.1 مليار ريال عام 1994، وبمعدل  نمو سنوي بلغ 22.6% في المتوسط خلال هذه الفترة ، في حين ارتفعت الإيرادات العامة من 38 مليار ريال إلى 42 مليار ريال فقط خلال الفترة نفسها.
 
وصاحب هذا التفاوت الكبير بين الإيرادات العامة والنفقات العامة ظروف غير مواتية، تمثلت بصورة رئيسية في انخفاض حجم القروض والمساعدات الخارجية للموازنة إلى حوالي 293 مليون ريال للمساعدات و 16 مليون ريال للقروض في المتوسط سنوياً خلال هذه الفترة. كما  اتسمت هذه الفترة بإتباع الحكومة لسياسة انفاقية توسعية تركزت أهدافها بصورة أساسية على تغطية تكاليف ونفقات عملية توحيد الكادر الوظيفي لشطري اليمن ودمج المؤسسات  الاقتصادية والاجتماعية والإدارية ، الأمر الذي أدى إلى تضخم النفقات الجارية لترتفع نسبتها إلى إجمالي النفقات العامة من 77.5 % عام 1990 إلى 87.9% عام 1994، وبمتوسط نمو سنوي يزيد عن 83.3%. كما استحوذ بند الأجور والمرتبات وما في حكمها على حوالي 60 % من إجمالي النفقات العامة في المتوسط سنوياً خلال الفترة نفسها وحوالي 73% من إجمالي النفقات الجارية. وبإضافة النفقات السلعية والتحويلية إلى بند الأجور والمرتبات فإن نسبة النفقات الجارية ترتفع لتشكل 85% من إجمالي النفقات العامة كمتوسط سنوي، وبمعدل نمو سنوي يُقدر بحوالي 28%. ونتيجة لذلك كان نصيب النفقات الاستثمارية متواضعاً بلغ 11% في المتوسط سنوياً من إجمالي النفقات العامة، كما تم إنفاق جزءاً غير يسير منها على عمليات التصميم والتخطيط وشراء وسائل نقل وتجهيزات وأثاث مكتبي.
 
في المقابل، اتسمت الإيرادات العامة بالجمود النسبي خلال هذه الفترة بسبب ضعف قاعدة مواردها الحقيقية وجمود الهيكل الضريبي، ولتراجع نصيب الدولة من الإيرادات النفطية، كما ساهمت الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة في تواضع حجم الإيرادات العامة. وفي ظل هذا الوضع تراجع معدل نمو الإيرادات العامة من 61.6% عام 1991م إلى (-11.9%) في عام 1992وإلى حوالي 12% في المتوسط سنوياً خلال العامين التاليين(1993و1994)، وبالتالي انخفضت نسبة تغطيتها للنفقات العامة من (79%) إلى (53%) في المتوسط سنوياً خلال الفترة 1992 – 1994. كما شهدت معدلات نمو الإيرادات الضريبية تراجعاً ملحوظاً من 46.2% عام 1991 إلى 7.8% في المتوسط سنوياً خلال الفترة 1992 – 1994. وبصورة عامة بلغ متوسط معدل النمو السنوي للإيرادات الضريبية حوالي 16.6% خلال الفترة 1991 – 1994، وهذا المعدل يقل بصورة كبيرة عن متوسط معدل التضخم السنوي الذي قُدر خلال هذه الفترة بـ (57.3%)، الأمر الذي يشير بوضوح إلى الانخفاض المستمر للقيمة الحقيقية للإيرادات الضريبية. وبلغ معدل نمو الإيرادات النفطية 177% في عام 1991م ليتحول في الأعوام التالية (1992 – 1994) إلى نمو سالب بلغ (-15.5%) في المتوسط سنوياً ، لتتراجع حصتها في الإيرادات العامة من حوالي (44%) عام 1991 إلى حوالي (8.7%) في المتوسط سنوياً خلال الثلاث السنوات التالية. ويرجع هذا التحول إلى انخفاض نصيب الحكومة اليمنية في مبيعات النفط المصدر إلى الخارج وفي ثبات إيراداتها نسبياً من مبيعات المشتقات النفطية في السوق المحلية.
 
وقد انعكست هذه التطورات غير المواتية على عجزالموازنة العامة وطبيعة تمويلية، حيث أدى تزايد هذا العجز خلال الفترة 1992 – 1994 والمتزامن بجمود الإيرادات العامة الذاتية وتراجع الإيرادات من المساعدات والقروض الخارجية ، أدى إلى اللجوء للتمويل التضخمي من خلال الإصدار النقدي لتغطية هذا العجز المتزايد. ونتيجة لذلك ارتفعت مديونية الحكومة الصافية للبنك المركزي اليمني من حوالي 69 مليار ريال عام 1990 إلى حوالي 200 مليار ريال 1994 وبمعدل نمو وصل إلى (30.5%) في المتوسط سنوياً خلال الفترة نفسها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم ، وتدهور قيمة العملة الوطنية وتزايد عمليات الاستيراد من الخارج.
 
ج- تدهور أداء السياسة النقدية:
عانى الاقتصاد اليمني خلال هذه الفترة من ضغوط تضخمية، ومن التدهور الشديد في قيمة العملة الوطنية، وقصور موارد النقد الأجنبي، وبالتالي انخفاض مقدرة الاقتصاد اليمني على استيراد السلع والخدمات لمواجهة الطلب المحلي المتزايد، وإلغاء دعم السلع الأساسية الذي كان سائداً في اليمن الجنوبي. يُعد التمويل التضخمي لعجز الموازنة العامة وتزايد معدلات نموه نسبياً أحد الأسباب الرئيسية والمباشرة لتزايد الضغوط التضخمية وتدهور القيمة الخارجية للعملة الوطنية، ومن ثم خلق الظروف المواتية لمزيد من ارتفاع الأسعار. فقد شهدت عملية الإصدار النقدي تزايداً مستمراً في الوقت الذي انخفضت فيه نسبة تغطية صافي الأصول الخارجية لهذا الإصدار. كما أن معدل نمو الإصدار النقدي قد تجاوز معدل النمو في الناتج المحلي الحقيقي، حيث بلغ متوسط معدل نمو الإصدار النقدي حوالي 30% في المتوسط سنوياً خلال الفترة (1991- 1994)، يرتفع هذا المعدل إلى حوالي 42% في المتوسط سنوياً خلال عامي 1993 و1994، في حين قدر المتوسط السنوي لمعدل نمو الناتج المحلي الحقيقي بحولي (2,8%) خلال (1991-1994). ونتيجة لذلك حدث اختلال واضح بين كمية النقود المصدرة وهذا الناتج ممثلاً بارتفاع الميل المتوسط للإصدار النقدي من 0.33 في عام 1990 إلى 0.85 في عام 1994. وعلى الرغم من عدم انتظام تطور الميل الحدي للإصدار النقدي خلال هذه الفترة، إلا أن هذا الميل كان موجباً وأكبر من الواحد الصحيح، مما يشير إلى أن الزيادة في كمية النقود المصدرة كانت أكبر من الزيادة التي حدثت في الناتج المحلي الحقيقي، وبينما انخفض هذا الناتج في عام 1994 أصدر البنك المركزي 33 مليار ريال إصداراً جديداً في هذا العام.
 
كما ساهمت العوامل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد اليمني في تزايد الضغوط التضخمية نتيجة قصور الإنتاج المحلي من السلع والخدمات بسبب تباطؤ معدلات نمو القطاعات الإنتاجية، والجمود النسبي الذي أصابها، وبطء معدلات نمو الإيرادات الضريبية، وعوامل الضغط التضخمي الناتجة عن ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلية لارتفاع أسعار عناصر الإنتاج ، خاصة المستوردة منها.
 
ومن ناحية ثالثة، ساهم تزايد الإنفاق العام في تزايد الضغوط التضخمية بطريقة غير مباشرة. ففي ظل الجمود النسبي لجهاز الإنتاج المحلي لجأت القطاعات الاقتصادية المختلفة إلى استيراد السلع والخدمات من الخارج لمواجهة الطلب المحلي الكلي المتزايد، وبسبب قصور موارد النقد الأجنبي كانت الاستجابة تتم بمقادير أقل من حجم هذا الطلب، الأمر الذي انعكس على مستوى الأسعار بصورة خاصة، حيث تزايد الطلب على هذه السلع لترتيب أوضاع القيادات السياسية والحزبية والإدارية التي انتقلت لتقيم في العاصمة صنعاء، وتلك القيادات التي انتقلت إلى مدينة عدن. وبتزايد مستوى الأسعار تزايد الإنفاق العام كسلسلة متصلة ببعضها البعض ، ومع النمو البطيء الذي اتسمت به الإيرادات العامة استمر العجز في الموازنة العامة وتزايدت نسبة تمويله عن طريق الإصدار التضخمي. وقد أضافت عمليات المضاربة الواسعة في السلع، وفي العملات الأجنبية، والأراضي والعقارات إلى العوامل الهيكلية والمالية والنقدية، أضافت ضغوطاً أخرى على مستوى الأسعار، فأصبح الحصول على قطعة أرض أو محل تجاري لبدء نشاط صناعي أو تجاري أمراً مكلفاً، الأمر الذي عكس نفسه في ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تباع محلياً ولا يزال هذا الأمر الأخير قائماً حتى وقتنا الحاضر2006.
وفيما يتعلق بسعر الصرف في اليمن، شكل تدهور قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية أحد الاختلالات الأساسية التي تفاقمت بعد الوحدة، فمنذ نهاية عام 1990 اتسم نظام الصرف وأسعاره في الاقتصاد اليمني بالاضطراب الشديد بسبب تعدد أسعار الصرف الرسمية من ناحية، وانهيار قيمة العملة الوطنية في السوق الموازية، وبروز ظاهرة الدولرة في الاقتصاد اليمني بشكل واسع من ناحية أخرى. فبالإضافة إلى أسعار الصرف في سوق الصرف الموازية تعامل البنك المركزي خلال الفترة 1990 -1995 مع أربعة أنواع من أسعار الصرف الرسمية، تمثل النوع الأول في سعر الصرف الرسمي الذي استخدم منذ فبراير 1990 على أساس سعر صرف (12) ريالاً للدولار لتقييم معاملات الدولة الخارجية وتقييم إيراداتها بالنقد الأجنبي، كما استخدم هذا السعر لتغطية واردات البلاد من السلع المدعومة. ويُعد سعر الصرف الدبلوماسي النوع الثاني من أسعار الصرف الرسمية التي ورثتها دولة الوحدة من الشطر الشمالي، حيث تم استخدم هذا السعر لتقييم عمليات تحويل مرتبات موظفي السفارات اليمنية وملحقاتها بالخارج على أساس سعر صرف (5.5) ريالاً لكل دولار. وفي شهر إبريل 1993 استخدم البنك المركزي اليمني ما أطلق عليه بسعر الصرف التشجيعي على أساس (25) ريالاً للدولار لتقييم مشترياته من النقد الأجنبي من الشركات والسفارات الأجنبية العاملة في اليمن، وكذا المعونات الثنائية والمتعددة الأطراف.
 

جدول (1) أهم المؤشرات الاقتصادية قبل الإصلاحات (1990 -1995)
1995
1994
1993
1992
1991
1990
البيان
7.9
-3.6
0.4
4.8
-2.1
-
 معدل نموالناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بسعر السوق %
10.9
2.2
4.1
8.3
2.0
-
 معدل نموالناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بسعر السوق %*
5.5
-9.6
-0.1
8.0
-1.5
-
 معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير نفطية%
-9.4
-2.3
4.1
11.7
3.2
-
 معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير نفطية%*
20.0
43.7
4.3
-15.9
-5.7
-
 معدل نموالناتج المحلي الإجمالي الحقيقي النفطي %
62.5
71.3
62.4
50.6
44.9
33.5
معدل التضخم السنوي
5.2
15.7
13.9
11.7
5.6
11.7
عجز الموازنة العامة شاملاً المنح (% من(GDP )
6.4
16.4
14.8
13.1
8.0
13.6
عجز الموازنة العامة بدون المنح (% من(GDP
1,948
1,522
2,087
1,891
1,891
1,726
الصادرات النفطية ( مليون دولار )
778
-
-
-
-
 
نصيب الحكومة اليمنية من الصادرات النفطية ( مليون دولار )
411
475
917
852
661
739
عجز الميزان الخدمي ( مليون دولار )
11
302
420
796
700
341
عجز الميزان التجاري ( مليون دولار )
183
366
1.248
1.091
849
292
عجز الحساب الجاري ( مليون دولار )
135
375
520
516
669
370
عجز الحساب الجاري بدون تحويلات شركات النفط ( مليون دولار )
363
641
74
36
88
365
عجز الحساب الرأسمالي والمالي ( مليون دولار )
38
779
1.008
1.283
803
65
عجز ميزان المدفوعات ( مليون دولار )
11.017
10.876
10.735
10.541
10.323
9.915
الدين العام الخارجي قبل إعادة الجدولة ( مليون دولار )
170.1
167.1
138.5
127.9
129.5
105.7
الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي %
42.1
46.8
80.8
89.1
91.3
46.7
معدل خدمة الدين العام الخارجي
127.1
101.0
67.8
42.7
29.7
17.5
سعر الصرف في السوق الموازية (_ريال مقابل الدولار )
المصدر: البنك المركزي اليمني ، التقرير السنوي 2005.
IMF, Republic of Yemen : Selected Issues , IMF country Report No . 01/61 April 2001.
IMF, Republic of Yemen – Staff Report for the 2002 Article IV consultation , July 17,2002.
* وفقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء
 
 
 
 
 IMF, Republic of Yemen : Selected Issues , IMF country Report No . 01/61 April 2001.
IMF, Republic of Yemen – Staff Report for the 2002 Article IV consultation , July 17,2002.
 
 

 
كما استخدم البنك المركزي اليمني في يناير 1992 سعر صرف خاصاً بغرض التقييم الجمركي لواردات البلاد من السلع الأجنبية على أساس (18) ريالاً للدولار الواحد، مع استثناء السلع المدعومة. ولم يقتصر الأمر على ذلك وإنما لجأت أجهزة الدولة ومؤسساتها إلى السوق الموازية لتغطية احتياجاتها من النقد الأجنبي مع قيام وزارة المالية بتغطية الفارق بين أسعار صرف الرسمية وأسعار السوق الموازية. وفي ظل هذا الوضع تدهور سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي  في سوق الصرف الموازية من حوالي 13 ريالاً للدولار في مطلع عام 1990 إلى حوالي 28.5 ريالاً للدولار في ديسمبر 1991 ثم إلى 98.1 ريالاً للدولار في نهاية ديسمبر 1994.
 
د - الاختلال الخارجي (ميزان المدفوعات):
عانى ميزان المدفوعات خلال الفترة 1990-1995 من استمرار العجز الهيكلي في الميزان التجاري، صاحبة كبر حجم العجز في الميزان الخدمي واستمرار العجز فيه، فقد ارتفع العجز في الميزان التجاري من 103 مليون دولار عام 1990 إلى 971 مليون دولار عام 1993 وذلك قبل أن يتراجع بصورة كبيرة عام 1994 إلى 282 مليون دولار نتيجة ارتفاع الصادرات النفطية إلى 1.613 مليون دولار في هذا العام مقارنة بـ 834 مليون دولار في العام السابق.
 
ومع تراكم متأخرات التزامات أقساط وفوائد الدين الخارجي التي كان يستوجب على اليمن تسديدها وكبر حجم التدفق الخارجي لأرباح شركات النفط ونفقاتها الخارجية، وفي الوقت نفسه تواضع مقبوضات الخدمات التي اقتصرت على إيرادات السياحة ورسوم توقيع الاتفاقيات النفطية،  حقق الميزان الخدمي عجزاً مستمراً ارتفع من 978 مليون دولار عام 1990 إلى 1,317 مليون دولار عام 1993 قبل أن يتراجع في العام التالي إلى 1,045 مليون دولار. فقد ارتفعت متأخرات خدمة الدين العام الخارجي لليمن ( الأقساط زائداً الفوائد ) من 271 مليون دولار عام 1990 إلى 1,250 مليون دولار في العام التالي، وارتفعت نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 105.7 % إلى 167.1%. إضافة إلى ذلك، تراجع إجمالي احتياطيات البنك المركزي اليمني من النقد الأجنبي من 680 مليون دولار عام 1991 إلى 357 مليون دولار عام 1994.
 
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
تصميم وتطوير: ديزاين جروب