|
المناضل عبدالحميد الحدي:على المؤتمر نقد تجربته الماضية وترتيب وضعه السياسي المستقبلي قال عبدالحميد الحدّي أحد المؤسّسين التاريخيين للمؤتمر الشعبي العام إن الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر عمل على نقل اليمن إلى واقع جديد لم يكن يتوقّعه أحد بأن عمل أن يكون كل اليمنيين في بوتقة واحدة وفي تنظيم سياسي واحد. وأشار الحدّي في حديث لـ “الميثاق” إلى أن الزعيم علي عبدالله صالح عمل على إنجاح الوفاق والتوافق بين مختلف القوى الوطنية في الساحة السياسية والمشاركة الشعبية وإيجاد تنظيم سياسي يحتوي كل القوى السياسية ويترجم نصوص “الميثاق الوطني”. ودعا الحدّي إلى إعادة النظر في هيكلية المؤتمر ونقد التجربة الماضية بكل إخلاص من خلال ورقة تحليلية نقدية للإيجابيات والإخفاقات التي حدثت خلال الفترة الماضية.. فإلى نص الحوار: أستاذ عبدالحميد الحدي، نرحب بك في صحيفة «الميثاق» لسان حال المؤتمر الشعبي العام، والذي تعد أنت واحداً من مؤسسيه ، وممن كان لهم الدور الكبير في إدارة لجنة الحوار الوطني أوائل ثمانينيات القرن الماضي، والتي كان من ثماره تأسيس المؤتمر.. اليوم بعد مرور 30 عاما على تأسيس المؤتمر، كيف كانت تلك الحوارات داخل لجنة تضم أفكاراً متباينة ومتناقضة التوجه والفكر..؟ - للإجابة على سؤالكم نحتاج إلى وقت كبير، ولكنني سأحاول الاختصار قدر الإمكان من خلال الإشارة إلى بعض تلك المحطات المهمة التي مرت بها لجنة الحوار الوطني حينذاك، والتي بدأت عملها عقب انتخاب الأخ علي عبدالله صالح رئيسا للجمهورية في يوم الـ17 من يوليو عام 1978، وبحكم تلك الأوضاع والأحداث المتلاحقة والحادة والمتمثلة في اغتيالات للرؤساء اليمنيين في شمال اليمن وجنوبه - على حد سواء - جاء الاخ الرئيس علي عبدالله صالح إلى السلطة واستعان بخيرة الرجال ولأن الاوضاع في ذلك الوقت كانت تتطلب تلمس الواقع اليمني الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي، فضلا عن أن حالة اليمن حينها كانت تفرض على الجميع بانه لابد من تجاوز الواقع القائم والظروف والتحديات الماثلة كالأحداث الدامية في المناطق الوسطى المؤلمة وغيرها.. تلك الأوضاع والظروف المحيطة أجبرت الجميع على التفكير بضرورة انه لابد من وجود رؤية وطنية فكرية جامعة لكل أبناء الوطن وانه لابد من المشاركة الشعبية الواسعة في الحكم واتخاذ القرار السياسي بغض النظر عن الانتماءات الحزبية والفكرية. حوار حزبي يتحدى التحريم ومع ان الدستور اليمني حينذاك كان يحرم الحزبية وتحقيق هذا الكيان الذي يضم في إطاره مختلف الأطياف والأحزاب والقوى السياسية، إلا أن الأخ الرئيس علي عبدالله صالح في ذلك الوقت كان متحمسا وطموحا في توحيد مواقف القوى السياسية وتحقيق ذاك الاتفاق الواسع وخلق حالة من الوفاق الوطني الذي يعزز الوحدة الوطنية. حينها كلف الرئيس مجموعة من المفكرين والعلماء ومن السياسيين والمثقفين والأدباء والعسكريين بإعداد مشروع ميثاق وطني وبالفعل تم إعداد المشروع وقدم للأخ الرئيس، ثم بدأت الرؤية تتضح أمامه أكثر وتأخذ أبعاداً أوسع بحيث انه لا يكتفي بمجرد أن مجموعة من المفكرين والسياسيين تقدموا بوثيقة لكي تلتزم بها الدولة، وبالتالي تنتهي الشكوى بعدم وضوح الرؤية السياسية والاقتصادية للدولة في ذلك الوقت، بينما يعتبر ان اليمن خطى خطوة متقدمة حينها بحكم الظروف التي يعيشها البلد في ذلك الوقت، وكان لابد من خطوة اخرى تمثلت في تشكيل لجنة الحوار الوطني. وتم تشكيل اللجنة من 51 عضواً كنت أحد أعضائها وتمثل فيها كل القوى السياسية بما في ذلك جناح الحزب الاشتراكي اليمني في شمال الوطن(حوشي) بالإضافة إلى الشخصيات السياسية المستقلة ذي الخبرة والتخصصات، فكان تشكيل هذه اللجنة من كل الأطياف السياسية.. وكان يوجد داخل أعضاء اللجنة حالة من النشوة والاعتزاز والفخر بتلك التجربة الرائعة جداً، وبالفعل بدأت اللجنة تعمل على قراءة ودراسة ذلك المشروع، وكانت هناك قوى سياسية لا تريد ان تفسح مجالاً لهذه القوى الحزبية التي تعتبر في نظرها خارجة عن القيم أو النظام العام والآداب الاجتماعية للمجتمع اليمني.. حيث ان هذه القوى كانت تحاول ان تكون الامور كلها مغلقة وسد باب كل منافذ الفكر الانساني.. توفقت اللجنة في إعداد المشروع، حيث استمرينا في حوار طوال سنة ونصف وبقدر ما كان هناك حالة من الانقباض بين أعضاء اللجنة والخوف من الآخر، إلا أن جميع أعضاء اللجنة كانوا بمستوى المسئولية وبدأ يتبلور داخل أعضاء اللجنة رؤى وأفكار وطنية مما ساعد ذهنيتنا جميعاً بما يحملونه من طموحات وتطلعات وتوجهات، ربما معظمها تتعارض مع طموحات وآمال وأفكار الآخر، أي كان هناك تباين موجود بين أعضاء لجنة الحوار ومع هذا كان هناك حوار معمق، قلما تجده اليوم اي بعد 32 عاماً من بداية الحوار في عام 1980م قلما تجد ذلك الحوار الوطني المسئول في يومنا هذا. ووفقت اللجنة في انجاز المشروع بعد إدخال بعض التعديلات وبعض المواضيع الجديدة والملاحظات والتنقيح الكامل لأبواب مشروع الميثاق الوطني. وكانت المفصلية النهائية لصياغة الميثاق الوطني تتمثل في ثلاث قضايا رئيسية، هي: الالتزام بالشريعة الإسلامية عقيدة وشريعة، وثانياً استلهام أهداف الثورة اليمنية(26سبتمبر و14 أكتوبر)، ثالثاً استلهام كل ما هو مفيد من الفكر الانساني من اجل اخراج الميثاق الوطني برؤية جديدة تستلهم التاريخ اليمني قديما وحديثا حيث ان اليمن لم يصنع حضارته عبر الزمن إلا بوحدة الأرض والإنسان والحكم. صياغة الميثاق ما هي ابرز الأفكار التي كنتم تحاولون الوصول إليها من حواركم..؟ - محاور رئيسية كثيرة تم الحوار عليها.. لكن أنا تحدثت عن مصدرية صياغة الميثاق الوطني، حيث استلهمنا أولاً تاريخ اليمن قديماً وحديثاً، ثم استلهمنا الشريعة الإسلامية بكل مقاصدها ومعانيها الإنسانية، ثم أهداف الثورة، ثم الاستفادة من الفكر الإنساني أينما كان ومن أي فكر في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، ومثّل ذلك حالة انفراج يتحقق بين القوى الوطنية حينذاك والذي ترجم في حرية الحوار والنقاش وحرية التعبير دون تحفظ بين أعضاء اللجنة، قلما تخاصمنا أو تعادينا في تلك الحوارات نتيجة اختلاف أو تباين في الرؤى والتوجهات.. كان هناك شعور عالٍ بالمسئولية الوطنية من قبل الكل دون استثناء.. وهذا الانفراج داخل لجنة الحوار الوطني عزز حالة الانفراج على المستوى الرسمي بين صنعاء وعدن، وبدأت فكرة إحياء لجان الوحدة التي شكلت عام 1972م في لقاء طرابلس الغرب، فحالة الود والحوار الجاد والمسئول والترفع عن الصغائر والطموح بالغد المشرق والمستقبل اليمني الموحد - داخل لجنة الحوار الوطني - كانت في منتهى الروعة وانعكس هذا على الحالة اليمنية الرسمية والشعبية على حد سواء. عندما انتهت اللجنة من صياغة الميثاق الوطني، ما الخطوة التالية التي رأتها اللجنة..؟ - بعد أن فرغت لجنة الحوار من صياغة الميثاق الوطني، بصيغته قبل النهائية، بدأ التفكير والتشاور حول مجموعات من التساؤلات.. هل يطرح على المواطنين أم أننا نكتفي بصيغته هذه ويتم عقد اجتماع للجنة الحوار وإقراره وإشهاره، وبالتالي على الحكومة والدولة الالتزام به.. غير اننا شعرنا جميعا بما في ذلك الأخ الرئيس أن هذا غير كافٍ، ولماذا لا نطور الفكرة بحيث ننظم مؤتمرات مصغرة على مستوى المديريات ونعد استمارة استبيان حول أبواب مشروع الميثاق ليقول المواطن رأيه حول أبوابه وإبداء ملاحظاتهم في تلك الاستمارة ليتم استيعابها في الصياغة النهائية للميثاق الوطني، وبالفعل تم عقد تلك المؤتمرات في عموم مديريات محافظات شمال اليمن - سابقاً - رغم انه كان هناك من أبناء المحافظات الجنوبية ممثلين عن الحزب الاشتراكي اليمني كانوا موجودين في لجنة الحوار الوطني، لأن التمثيل في اللجنة على أساس الانتماء السياسي، والحزب الاشتراكي اليمني يجب أن نعترف انه حزب وحدوي، وانه أنشئ على أساس وحدوي في اليمن ككل وليس لجنوب الوطن، وهذا لا احد يستطيع مصادرته أو إنكاره عن الحزب الاشتراكي، فيجب علينا الاعتراف بان الحزب الاشتراكي اليمني وحدوي في اسمه وفكره وتكوينه ونظامه الأساسي وكل أعضائه وأنصاره ناضلوا من اجل الوحدة اليمنية، لذلك عندما حصلت الانحرافة من بعض قيادة الحزب عن الوحدة ودعت إلى الانفصال في صيف 1994م، لم تجد تلك الدعوة استجابة لان التعبئة كانت تعبئة وحدوية منذ النشأة فكان الجميع يناضل من اجل الوحدة، وبالتالي كانت أحداث المناطق الوسطى على أساس فرض التوجه الفكري والسياسي الذي يحمله الحزب الاشتراكي في ذلك على أساس الفكر اللينيني والشمال على أساس التوجه الإسلامي الوسطي.. لكن من حيث التطبيق فكلا الطرفين لم يلتزما بالتطبيق فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتعليمي والثقافي، فلا الجنوب كان يطبق الفكر الاشتراكي بحيث نستطيع القول عنه بأنه نظام اشتراكي ولا الشمال طبق فكر الرأسمال بحيث نقول عنه نظام رأسمالي، وإنما كانت حالة التخلف تكاد تكون واحدة وفي مستوى واحد أو متقارب في الشطرين. نعود إلى الحديث عن كيفية النشأة الأولى للمؤتمر الشعبي العام والميثاق الوطني حيث كما قلت في السابق انه تم عقد المؤتمرات المصغرة على مستوى المديريات وتم من خلالها توزيع الميثاق الوطني واستمارة الاستبيان على المواطنين والذين قالوا فيها آراءهم وتم تجميعها وتحليل بياناتها وتم استيعابها في الميثاق والتي كانت بحق مفيدة ومنيرة لأعضاء اللجنة في كثير من القضايا الوطنية.. وبعد ذلك بدأ التفكير بإيجاد آلية تنظيمية لتطبيق وترجمة تلك الوثيقة( الميثاق الوطني)، وتم الحوار والنقاش إلى أن تم التوصل بإجماع كل أطراف الحوار داخل اللجنة وكان الرئيس علي عبدالله صالح مفرطاً في حماسه والعمل على إنجاح ذلك الوفاق والتوافق بين مختلف القوى الوطنية في الساحة السياسية والمشاركة الشعبية، ولم يكن لديه اية رغبة في التمسك بالنص الدستوري الذي يحرم الحزبية ويعتبر الانتماء الحزبي عمالة وخيانة وطنية.. الجميع كان لديهم قبول بإيجاد تنظيم سياسي يحتوي ويضم كل القوى السياسية ويترجم نصوص الميثاق الوطني - الوثيقة النظرية - ويحسب للأخ الرئيس علي عبدالله صالح انه عمل على نقل اليمن إلى واقع جديد لم يكن يتوقعه أحد بأن عمل على أن يكون كل اليمنيين في بوتقة واحدة - في تنظيم سياسي واحد - فتم الاتفاق حينذاك على أن يكون هناك مؤتمر شعبي عام، ثم انتقلنا إلى البحث عن تساؤلات.. هل يقتصر دور المؤتمر الشعبي العام على إقرار الميثاق الوطن فقط وينتهي، أو انه يكون الراعي للميثاق بصورة مستمرة وان الحكومة التي تنبثق عنه يجب أن تكون حكومة وحدة وطنية تمثل كل الفئات والقوى التي شاركت في الحوار وصياغة الميثاق الوطني، لذلك اتفق الجميع في لجنة الحوار أن يستمر المؤتمر الشعبي ويتبع أسلوب العمل السياسي، وحاولنا الابتعاد قدر الإمكان عن إتباع الأسلوب الحزبي ولفظ الحزبية وهي نقطة كانت محل جدل واتفقنا بشأنها بعدم الإشارة إلى الحزبية في الميثاق حتى لا يحدث تصادم وتناقض نصوصه مع النص الدستوري المحرم للحزبية.. وتم الاتفاق على أن يكون عدد الأعضاء المؤسسين له بألف عضو من مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية، وتحولت لجنة الحوار الوطني من لجنة لإعداد الميثاق إلى لجنة تحضيرية للإعداد والتحضير لانعقاد المؤتمر العام التأسيسي للمؤتمر الشعبي العام.. وتم تحديد الـ24 من أغسطس موعداً لانعقاد المؤتمر العام التأسيسي وبالفعل طرح على المشاركين فيه تساؤلات في استمارة حول استمرارية المؤتمر أم لا وأيضاً حول هل يكون له لجنة دائمة أم أمانة سر لإدارته، فكانت هذه من القضايا التي تم الاتفاق عليها داخل لجنة الحوار أن تدرج في جدول اعمال المؤتمر ويتم طرحها على المشاركين في المؤتمر.. واتخذ المؤتمريون إقرار مشروع الميثاق الوطني..كما اقر تشكيل لجنة دائمة له مكونة من 75 عضواً 50 يتم انتخابهم و25 يتم تعيينهم وكانت قمة الروعة في التنافس على عضوية اللجنة الدائمة، حتى في عملية رئاسة المؤتمر التأسيسي الأول والذي كان لي شرف المشاركة فيها كوني كنت احد أعضاء هيئة الرئاسة للمؤتمر الأول للمؤتمر الشعبي العام، وتمثلت هيئة الرئاسة كل الأفكار دون استثناء، فتم انتخاب اللجنة الدائمة، ثم اقر المؤتمرون استمرارية المؤتمر كأسلوب عمل سياسي. وعلى هذا أعلن وأشهر يومها المؤتمر الشعبي العام على أساس انه تنظيم سياسي لمختلف القوى السياسية وان كل ما هو داخل المؤتمر الشعبي العام من منابر فكرية وسياسية هي شريكة في مسيرة العمل الوطني الجديد.. وعلى ضوء هذا تم إعداد البرنامج السياسي للمؤتمر الشعبي العام والذي استنبط كخطوط عريضة من الميثاق الوطني وحدد على إساس قطاعات الموقف السياسي على المستوى الداخلي، الموقف على المستوى الوحدة الوطنية وعلى المستوى الخارجي والموقف على مستوى القضايا القومية العربية والإسلامية، كما انه حدد الموقف على المستوى الاقتصادي، وكان من أهم ما اقره هو مبدأ القطاعات الاقتصادية وهو ما كان قد بدأته الحكومة في الشطر الشمالي - سابقاً - من الوطن، بإتباع سياسة أن القطاع العام هو الأساس والقطاع الخاص والمختلط والتعاوني قطاعات ذات أهمية مساوية قانونية مع القطاع العام ولكن خدماتها تكون في إطار مسئولية القطاع العام.. عندما أجريت انتخابات أول لجنة دائمة للمؤتمر، هل حرصتم أن يمثل في هذه اللجنة مختلف القوى السياسية، وما هي الضمانة لهذا التمثيل..؟! - من أفضل نتائج الحوار الوطني انه كان هناك حالة من حالات العقلانية والفهم للواقع الاجتماعي اليمني، وهذه النقطة كانت محسوبة لدينا ولدى الأخ الرئيس علي عبدالله صالح بألا تكون انتخابات اللجنة الدائمة مطلقة كاملة، حيث كان هناك مبدآن رئيسان الأول الوضوح والشفافية، والثاني التزام حزبي، وترك لممارسة حرية هذا الالتزام في انتخاب الأعضاء الخمسين عضوا، بينما كان لابد من وضع ضوابط لها وتحديد نسبة من أعضائها يتم بالتعيين وعددهم 25 عضوا، وهذا أفادنا في إيجاد حالة توازن واستيعاب كل القوى السياسية التي كانت مشاركة في الحوار ولم يتم انتخاب ممثليها في انتخابات اللجنة الدائمة، كما أننا استوعبنا من خلالها التخصصات العلمية وأصحاب الخبرات الأكاديمية المطلوبة.. أي أن التعيين كان وسيلة من وسائل إيجاد التوازن لاستمرار المؤتمر الشعبي العام والوفاق الوطني بين مختلف القوى السياسية. وهذه التجربة - المزج بين الانتخاب والتعيين - أتمنى أن تعاد في المجالس المقبلة لأن اليمن كان في تلك المرحلة أكثر نضجاً من اليوم، لأننا اليوم نعيش في أغرب الحالات.. نعيش وكأننا تابعون لدول وليس كدولة ذات استقلالية بقرارها الوطني، والجانب الوطني اليوم تلاشى عند مختلف القوى الوطنية. جهود طيبة أستاذ عبدالحميد كيف تقيّم تجربة عمل المؤتمر الشعبي، وهل استوعب القضايا الوطنية الذي أنشئ من اجلها..؟ - بعد إعلان التنظيم في المؤتمر التأسيسي الذي عقد في 24 أغسطس عام 1982م، بدأ المؤتمر الشعبي العام الانطلاق على مستوى الاهتمام بالقضايا التنموية وعلى مستوى ضبط الحالة الإدارية لمؤسسات الدولة. كما بدأنا التفكير ولو انه كان تفكيراً فوقياً في فتح الفروع للمؤتمر في المحافظات ثم في المديريات، ونفس التفكير والتوجه كان يتبعه الحزب الاشتراكي، إلى درجة إنني أذكر الشهيد صالح مصلح قال في إحدى لقاءاته الحزبية « نحن نتسابق مع الإخوان في الشمال على المناطق المحاذية لبعضنا»، وكنت في فترة من الفترات في منطقة المقاطرة وهو في الجزء الحدودي الشطري من منطقة معبق.. حتى أن الإخوة في الحزب الاشتراكي، عندما قمنا بالتوعية السياسية الأسبوعية فهم - إخواننا في الجنوب - عملوا يوم العمل السياسي.. أي كان هناك حالة تنافس والتي خلقت حالة من الوعي والنضج الوطني، ولكن ضمن مفهوم وطني وحدوي كبير يتجاوز واقع المصلحة الحزبية والشخصية والانتماء الفكري. أما اليوم فإنني أتحدث معك وأنا اشعر أنني لم اعد قادراً أن أتمثل تلك الحالة التي كانت بالنسبة لي ولكل زملائي في لجنة الحوار في ذاك اليوم تمثل فخر واعتزاز وطموح وآمال أنني مشارك في حوار وطني من اجل تحقيق المنجز العظيم للشعب اليمني، وبالفعل سارت خطوات المنجز الوحدوي منذ بداية عام 1981م بخطى ثابتة، حيث حصل حالة الانفراج السياسي بين الشمال والجنوب، وبدأت اللقاءات بين قيادتي شطري الوطن، وبدأت لجان الوحدة عملها ولقاءاتها ومشاوراتها في انجاز منجز الوحدة. وجاءت بعض الأحداث كأحداث 13 يناير 1986م المؤسفة والمؤلمة، أثرت بعض الشيء على هذه المسيرة، وحقيقة أن موقف من المواقف التي تحسب للأخ الرئيس علي عبدالله صالح انه لم يجار بعض من كانوا يطرحون عليه اتخاذ قرار تفجير الموقف العسكري مع الأخوة في الجنوب والتدخل في أحداث 13 يناير عام 1986م.. لكن الرئيس حينها مثل حالة من المسئولية الوطنية ورفض هذه الأطروحات التي تعتبر حالة من حالات التهور والانقياد إلى التصفيات لبعضنا البعض كيمنيين، رغم أن وجود هناك قوى - محلية وإقليمية - كانت تدفع إلى تدخل صنعاء في الأحداث وتعمل في تحقيق رغبتها بتفجير الموقف العسكري بين شطري الوطن الواحد.. غير أن الرئيس علي عبدالله صالح رفض أن يلبي طموحها باعتبار أن الجميع إخواننا والمأساة مأساتنا جميعاً. فالمؤتمر الشعبي العام منذ تأسيسه، كان له خطوات طيبة حيث كان يطرح في مؤتمراته شعارات في التنمية وفي العمل الوحدوي والعمل السياسي والاجتماعي وعلى مستوى الخدمات وعلى مستوى الطرقات، من خلال الاستفادة من تجربة التعاونيات السابقة، وكانت أيضاً هذه الشعارات تحقق في الواقع العملي الملموس. بالإضافة إلى الجهود التي بذلت في الحوارات والنقاشات من اجل الإعداد والتحضير لتحقيق الهدف الأساسي والأسمى لحلم عامة الشعب اليمني، والذي تحقق يوم الـ22 من مايو 1990م، يوم إعلان إعادة تحقيق الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية. طبعاً كان البعض في حالة من الذهول في تحقيق هذا المنجز الوحدوي، لذلك كانت المؤامرة كبيرة، ولكن حالة الذكاء فيها هو استغلال انهيار المنظومة الاشتراكية لتحقيق الوحدة اليمنية ولو لم يكن انهيار المنظومة الاشتراكية لما تحققت الوحدة. أزهى فترات المؤتمر الفترة منذ تأسيس المؤتمر وحتى قيام الوحدة المباركة.. هل استطاع المؤتمر إدارة هذه المرحلة بنجاح..؟ - اعتقد أنها بالفعل كانت هي أزهى فترات المؤتمر، اذكر انه في يوم 27 نوفمبر 1989، كنا في اجتماع مع مجلس الوزراء، وكان النقاش حول زيارة الأخ الرئيس لعدن وتلبية دعوة الإخوة قيادة الشطر الجنوبي حينها، للمشاركة في احتفال الـ30 من نوفمبر كانت هناك آراء عدة البعض متخوف من الوحدة.. ولكن في الأخير انتصر الرأي القائل يجب تلبية الدعوة وتزور عدن ويجب عليك أن تطرح على الإخوة في الجنوب بما يريدونه بشأن قضية الوحدة، إما الوحدة الاندماجية وإما الوحدة الفيدرالية حتى وان كانت فكرة الكنفدرالية، المهم بإلا نترك للقوى التي تتربص باليمن شماله وجنوبه أن تتدخل بيننا وكان هذا الموقف دافعاً قوياً للأخ الرئيس في التوجه إلى عدن والتي كان من نتائجها الوحدة الفورية ولهذا أقولها للتاريخ يحسب للأخ علي سالم البيض انه أيضاً الشريك الفعلي والأساسي لعلي عبدالله صالح، بل انه هو من طرح الوحدة الاندماجية.. واذكر أن الهيئتين النيابيتين للمؤتمر والحزب الاشتراكي اجتمعنا أوائل عام 1993م في نادي ضباط الشرطة بحضور الرئيس ونائبه، وكان وقتها يدور نقاش حاد في الساحة السياسية حول التعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية، وأنا شعرت يومها أن هناك قوى من الشمال والجنوب تضررت مصالحها بتحقيق الوحدة، فكانت تدفع باتجاه تعميق الخلافات بين شريكي الوحدة، فتكلمت يومها داخل القاعة وقلت« مع الأسف الشديد أننا هنا لم نتمثل للفعل التاريخي العظيم الذي قمنا به، بما فينا الموقعين عليه وأشرت إلى الاثنين الرئيس ونائبه».. فتحول النقاش بعد ذلك وابتعدنا عن الاتهامات لبعضنا وبدأنا نفكر في الموضوع، حتى الإخوة في كتلة الحزب الاشتراكي تفهموا الطرح واستوعبوا حجم المخاطر. وأقول إن الشعب اليمني، وعلى وجه الخصوص أعضاء الحزبين المحققين للوحدة - الاشتراكي والمؤتمر- ما كان ينبغي لهما أن يتركا الأحداث تتلاحق بتلك السرعة لتصل بهما إلى حالة الافتراق والاحتراب كما حصل عام 1994م. حرب سياسية مرحلة ما بعد الوحدة أين أخفق المؤتمر وأين نجح وما الذي يفترض به أن يفعله لكي لا يصل إلى الحالة القائمة اليوم ؟ - سبق وأن قلت انه كان يوجد هناك قوى من كلا الأطراف غير مقتنعة بالوحدة اليمنية بنوع من الأنانية والنظرة الحياتية والمعيشية والمصالح الشخصية، رغم إنني أشعر بأن المدير في دولة الوحدة صار أفضل من الوزير في دولة الانفصال أو التشطير، وهذا ما قاله الأخ علي سالم البيض في إحدى محاضراته قبل الوحدة لإخواننا أعضاء الجبهة الوطنية في عدن، أن المنصب في دولة الوحدة مهما كان فهو أسمى وأرفع، لذلك شعر البعض انه كان في منصب الوزير مثلاً في دولة التشطير ثم تراجع منصبه إلى المدير العام في دولة الوحدة. وهؤلاء شعروا بالغبن وأنهم تضرروا من الوحدة فشكلوا قوة تدفع ضد استمراريتها.. رغم أن اليمن بوحدتها استطيع القول أنها أصبحت دولة فتية لها مكانة كبيرة في المنطقة وتشكل بموقعها ومخزونها البشري والاستراتيجي شيئاً مهماً في المنطقة.. لذلك أقول أن الفترة التي أعقبت الوحدة أزعجت بعض القوى الدولية والإقليمية، فعملت على إيجاد حالة من الانقسام والاختلاف التي حدثت بين شريكي الوحدة، كما أنها كانت قد بذلت جهداً كبيراً في منع التوقيع على اتفاقية الوحدة في عام 1989م. وهذه القوى هي التي أوصلت الشريكين إلى حالة الحرب التي حدثت في عام 1994م، ثم كان يفترض بنا أن نكون في المؤتمر الشعبي العام أن نحتوي بعضنا البعض ونستوعب إخواننا في الحزب الاشتراكي بحيث نعيد تلك الشراكة التي كانت قائمة معه، لكن ما حدث هو عكس ذلك وهو حالة التباعد بين قيادة المؤتمر وبين قيادة الحزب الاشتراكي، والحرب التي حدثت عام 94م لم تكن في حقيقة الأمر بين شمال وجنوب، وإنما هي حرب سياسية بين قوى سياسية موجودة على الساحة اليمنية من شمالها إلى جنوبها إلى شرقها، وأبطالها هم من مختلف المناطق اليمنية وليس من منطقة جغرافية بعينها. فرطنا بالشريك الحقيقي هل تعتقد أن خطأ المؤتمر في ذلك هو الطمع في الكعكة بالتخلص من الشريك المقاسم واستبداله بآخر اقل قسمة وهو حزب الإصلاح..؟ - لا نستطيع أن نظلم المؤتمر كتنظيم وإنما كأفراد ممكن أنهم ارتكبوا خطأ في استبدال الشريك الحقيقي ببعض الإجراءات غير المناسبة.. لأن المؤتمر هو واحة لكل المواطنين ومن مختلف الانتماءات السياسية، ولهذا فالميثاق الوطني كرؤية فكرية سياسية وعقدية تشكل فيها حالة من الاعتدال والوسطية، بحيث كان يمكن أن يكون هو الجامع لكل هذه القوى السياسية في الساحة الوطنية.. لكن مع الأسف البعض لهم مصالح معينة. صحيح أن حالة التشكيك بالآخر التي أصيبت بها قيادة المؤتمر، وكذلك قيادة الاشتراكي، هي من ساعدت في تدهور العلاقة والتقارب بين المؤتمر وشريكه في الوحدة الحزب الاشتراكي وهذه الآراء طرحت ونوقشت من قبل الكثير من الخيرين من قيادة المؤتمر. هل يعني أن المؤتمر عمل بشكل صحيح لخمس عشرة سنة فقط..؟ - اللجنة الدائمة خلال فترة الـ15سنة والتي تبدأ من عام 82 1995م، اتبعت ـفضل السياسات داخل المؤتمر الشعبي العام، حيث كان هناك نقاشات وحوارات وشكل أعضاء اللجنة الدائمة كلهم لجاناً متخصصة ومجموعات عمل فنية نوعية.. ولم يتأثر المؤتمر إلا بعد هذه الفترة، عندما غير في النمط السياسي وفي التفكير والإحساس وفي عملية الاستئثار بالأنانية التــــي أثرت على أداء فعالية المؤتمر الشعبي العام كتنظيم رائد. نقد التجربة ما أسباب ومبررات هذا التغير لدى المؤتمر..؟ - ابتعاده عن مناقشة القضايا الرئيسية، حيث بدأت تضيق الدوائر في المؤتمر الشعبي العام، وبدأت كذلك تتغير الهيكلية بطريقة فجة وحالة من التوسع غير المدروسة، رغم انه من حق أي عضو في المؤتمر أن يكون شيئاً مهماً في التنظيم.. لكن ليس بالضرورة انك تفتح الباب في هذا المجال على مصراعيه، إلى درجة ان أصبح أعضاء اللجنة الدائمة أكثر من ألف عضو وهذا رقم كبير جداً، فهذا التوسع في الهيكلة للمؤتمر والتصعيد الدائم إلى عضوية اللجنة الدائمة دخلت قوى علاقاتها الاتصالية ببعضها البعض غير موجودة وأيضاً عدم توفير التأمين لاحتياجات مقرات فروع المؤتمر في المحافظات والمديريات، بالإضافة إلى عدم التزام الأعضاء بدفع الاشتراكات لإثبات انتمائهم إلى الحزب.. كل هذا شكل انه ليس هناك حزب أو تنظيم سياسي وما هو موجود فقط هو حشد موسمي وعملية تعبوية معتمدة على أن المؤتمر في السلطة، وبالتالي تسخير إمكانيات السلطة لصالح المؤتمر وهذا هو الخطأ الفادح الذي وقعت فيها قيادة المؤتمر. الهيكلة ضرورة ولهذا في تقديري انه لابد من إعادة النظر في هيكلية المؤتمر، ولابد من نقد التجربة الماضية بكل إخلاص من خلال ورقة تحليلية نقدية للايجابيات والإخفاقات التي حدثت خلال الفترة الماضية.. ونحن بهذا لا نلوم أحداً بعينه، رغم انه مع الأسف أن البعض من الأخوة داخل المؤتمر لا يناقشون ويبدون الملاحظات في أداء وسياسات الحزب، من أجل تجاوز السلبيات التي واجهتها البلد، خشية من المؤتمريين المقربين من رئيس المؤتمر. اليوم يجب علينا في المؤتمر الشعبي العام أن نعترف أن السياسة أشبه بفريق لعبة كرة القدم، فالفريق الذي يهزم أول ما يفكر القيام به هو تغيير جهازه الفني وتغيير خططه الفنية وأسلوب طريقة لعبه وتغيير قواعد اللعبة بحيث تمكنه من النهوض من جديد. فاليوم المؤتمر ليس حاكماً، فيجب عليه أن يهيئ نفسه علي أساس انه حزب معارض منافس.. وهنا على المؤتمر ألا يبتعد عن رئيس الجمهورية الأخ عبدربه منصور هادي، الذي هو أيضاً من قياداته البارزة وعلى المؤتمر أن يحشد كل إمكانياته إلى جانب رئيس الجمهورية، لأنه إذا ما ابتعد المؤتمر عن التوجهات العامة للدولة وفقاً للقواعد القانونية والاتفاقات الموقعة سواء المبادرة الخليجية أو آليتها التنفيذية سيعود على ذاته بالإضرار والانتكاسات. وبالتالي من خلال عملية التقييم التي يفترض أن تناقش في اجتماع اللجنة الدائمة وليس المؤتمر العام الثامن، أن يضع برامج عمل سياسية جديدة يحدد فيه العلاقات التنظيمية وسلوك الأعضاء، وكيف أن العضو يلتزم بالفكر الميثاقي لا بما سيحصل عليه من مغانم أو مكاسب وظيفية وأشياء مادية.. وما اقصده هنا هو:هل يستطيع المؤتمر في المرحلة المقبلة أن يخلق قناعة فكرية وتنظيمية لدى عضو المؤتمر بعيداً عن المصالح، وهل هذه المصالح التي يتحصل عليها العضو من الحزب متكافئة مع جميع الأعضاء ووفق الأسس وأدبيات التنظيم ؟.. هذه النقطة الاولى. وأما النقطة الثانية التي يجب على المؤتمر أن يعمل عليها في المرحلة القادمة، هو النظام الدستوري الجديد، فعلى المؤتمر أن يخرج من مؤتمره المقبل بورقة عمل خاصة بالتعديلات الدستورية يحدد فيها موقفه ورؤيته من الأطروحات والرؤى التي تطرحها القوى السياسية في الساحة الوطنية الآن. حول هذه الأطروحات، فالمؤتمر حتى الآن موقفه متخبط، تارة يرفض الفيدرالية ويعتبرها ارتداداً عن الوحدة وتارة يوافقها بتحمس.. لماذا هذا..؟!. - وهذه للأسف هي الكارثة لدى المؤتمر انه ليس لديه رؤية واضحة بما يريده.. وتناقشت مع كثير من الإخوان بما فيهم القوى المعارضة للمؤتمر والمستقلين، أن وجود الدولة أياً كانت هذه الدولة وفقاً للقواعد الدستورية والقانونية وميثاق الأمم المتحدة أن الدولة تتكون من أربعة أركان أرض وشعب وحكومة منظمة لمؤسساتها التشريعية والقانونية والاعتراف بالشخصية الاعتبارية. نحن اليوم في الساحة اليمنية يجب علينا أن نعترف أن الأرض والإنسان لا نقاش حولها، ويجب علينا بعد أن نحدد المبادئ الدستورية والاقتصادية والثقافية، وبالتالي على ضوء هذه المبادئ ابدأ في تحديد شكل الأداة السياسية التي سوف توصلني إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال البناء المؤسسي للدولة.. وماذا أريد هل انتخابات على أساس القائمة النسبية أم الفردية أم انتخابات بهما معاً.. هل يكون النظام برلمانياً أم رئاسياً أم مختلطاً.. أم غير ذلك.. وهل في حال توصلنا في حواراتنا إلى دولة غير بسيطة كالفيدرالية، هل سيكون التشريع واحد، أم أن هناك تشريعات متعددة، وهل الحكومات ستكون واحدة أم متعددة.. هل ستضمن لي كمواطن الحقوق والواجبات بعدالة متساوية.. هذه الأسئلة وغيرها يجب أن نفهمها بأنه لابد أن ندرسها ونناقشها على وجه السرعة..؟!!. أليس الأجدر بالمؤتمر العام الثامن مناقشة وإقرار هذه القضايا..؟. - بالطبع يفترض على الأخوة المؤتمريين مناقشتها ولابد أن يكون هناك ورقة تقييمية نقدية تحدد الإخفاقات والايجابيات وتحدد ملامح عمل المستقبل وتوجهات المؤتمر، ولابد أن تعقد اللجنة الخاصة بإعداد هذه الورقة النقدية التحليلية اجتماعاً لتقيم تجربة المؤتمر وإخفاقاته خلال الفترة الماضية، وان يعيدوا النظر في وضع التنظيم وهيكلة هيئاته، لأنه كلما توسعت هيئاته تاه الناس وأهدرت الجهود وأدت إلى فقدان وانقطاع الاتصال والتواصل بين القيادة والقواعد، بل هذا التوسع افقد جدية النقاشات والحوارات لمختلف القضايا خلال مؤتمرات واجتماعات التنظيم.. وأنا مع اجتماع اللجنة الدائمة أولاً، قبل مؤتمر الحوار الوطني لانتخاب من بين أعضائها اللجان الخاصة للمحاور السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي ستحدد رؤى المؤتمر الشعبي العام لمختلف القضايا الوطنية المطروحة على مؤتمر الحوار.. ويجب على المؤتمر أن يعترف انه أخفق في إدارة الأزمة وإلا ما وصلنا إلى هذه الحالة التي نعيشها اليوم.. ولا يمكن لأي حزب أو شخص أن يصحح أخطائه ويتجاوز واقعه إلا إذا اعترف انه رسب في الامتحان الذي خضع له، لذلك نحن نقول أن المؤتمر اخفق في إدارة الأزمة في السنوات الأخيرة، لذا كيف لي أن أعيد ترتيب أوراقي واضع رؤى للتعامل مع قضايا المستقبل بحيث أضع الحد الأعلى والحد الأدنى في الحوار مع الآخر بحيث لا أفاجأ بطرح قضايا كانت غائبة عن نقشاتي داخل المؤتمر وهي من اخطر القضايا على الإطلاق، لأنه فعلاً أن وحدة اليمن يجب علينا أن تكون هي الأساس التي لا يجوز تجاوزها، وليس هناك مانع من الاستماع إلى الآخرين الذين يطرحون الفيدرالية والكونفدرالية، ولكن يجب أن تكون في الأساس هي الوحدة ضمن بناء مؤسسي قانوني وتشريعي صحيح يحقق أهداف أساسية: أولاً حماية حقوق المواطن، وثانياً العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة على مختلف مناطق اليمن مع أخذ بالأولوية للمناطق التي تكون أكثر احتياجاً للمشاريع والخدمات، وثالثاً الحرص على فض المنازعات بين المواطنين لدى القضاء،باعتباره من أهم الأسس لبناء الدولة. اللجان أفضل من الدوائر ما هي أولويات قضايا المؤتمر اليوم..؟ - على المؤتمر أن يعيد نظرته في هيكلته أساسا وإعادة نشاطه إلى سيرته الأولى، بحيث أن اللجنة الدائمة تتوزع إلى لجان متخصصة تحل محل قطاعات ودوائر الأمانة العامة، ويكتفي في الأمانة العامة بقطاع للشؤون المالية وآخر رقابي، ويكتفي بالأمين العام يساعده فريق سكرتارية في إدارة الأمانة العامة يدرس التقارير المرفوعة من اللجان الدائمة، بدلاً عن التضخم الكبير لدوائر الامانة العامة.. ومع احترامي للأخوة الامناء العامون ورؤساء الدوائر في الأمانة العامة فهم لا يعرفون ما الذي يجري في القواعد، وعلى المستوى المجتمعي لان دور أي حزب هو خلق علاقات وحراك مجتمعي مع مختلف شرائح المجتمع والنقابات والمنظمات الجماهيرية لضمان الحصول على صوت الناخب في الانتخابات المستقبلية.. أن يعاد النشاط الكلي للمؤتمر بحيث يضع برنامج عمل جديد، ويجب أن يعاد قراءة الميثاق الوطني على كافة تكويناته، لأنه لا يزال صالح لليوم وللغد مع تشذيب ليس في الميثاق وإنما في الخطوات التنفيذية والبرامج السياسية.. لأن في الحقيقة أثبتت التجربة أن الدوائر أماتت العمل التنظيمي داخل المؤتمر الشعبي العام، والدوائر هي في الأساس عملها إداري أكثر منها تنظيمي، بينما اللجان تخلق فكر وتعمق المفهوم الفكري الذي تستنبطه من الخطوط الرئيسية للميثاق الوطني.. كما أن هذه اللجان تعمل على ربط أعضاء اللجنة الدائمة بالتنظيم، كما انها ستكون لها برامج واجتماعات أسبوعية، أو على الأقل نصف شهرية، بالإضافة إلى ان ذلك سيمكنها من رصد وإحصاء النشاط اليومي للعضو.. وبالتالي لابد أن تعاد الهيكلة على هذا النمط. وبالنسبة للجنة العامة في المؤتمر الشعبي العام.. أنا ضد التمثيل الجغرافي داخل اللجنة العامة للمؤتمر، لأنها صورة من صور المناطقية المقيتة. ويجب علينا أن نأخذ الأصلح والأكفأ حتى وان كانوا جميع أعضاء اللجنة العامة من منطقة أو قرية واحدة، واهم شيء أن يكونوا جاءوا ووفق انتخابات حقيقية وفعلية وليس انتخابات صورية "انتخابات الدهفة" .. ولابد على المؤتمر من الآن وصاعداً أن يكون لديه مبادرات ورؤى حول مختلف القضايا الوطنية ولا ينتظر إلى أن تطرح من طرف آخر أو من قبل الحكومة، فيضطر هو إلى المكابرة ومعارضتها لأنها طرحت من غيره وليس للتصحيح والنقد البناء.. والأمر الثالث في موضوع الهيكلة، ليس بالضرورة أن يكون هناك أمناء عامون كثر، لأن اللجان الدائمة هي في الأساس ستقوم بعمل هذه القطاعات، ويجب أن يقتصر على أمين عام واحد لأن اللجان المشكلة من أعضاء اللجنة الدائمة هي التي ستقوم بعمل تلك القطاعات والأمناء العامين، كما انه ليس هناك حاجة إلى شيء اسمه نائب رئيس لمؤتمر لا أول ولا ثاني ولا ثالث، هو فقط رئيس للحزب وأمين عام وتساعده اللجان الدائمة المتخصصة تنتخب رؤسائها من بينها.. وبهذه الطريقة نستطيع القول إننا أعدنا هيكلة المؤتمر على أسس سليمة ومثالية. والنقطة الأخرى بالنسبة للمؤتمر هي العلاقات التنظيمية المتعلقة بالاتصال والتواصل الدائم مع القواعد مهما كانت حجم وثقل هذه القاعدة.. والتقييم الموضوعي للتحرك وسط المجتمع والقضايا التي تهم أفراد المجتمع ورفعها إلى اللجان الدائمة والأمانة العامة لاتخاذ حياله الموقف المعالج لها.. باعتقادك متى سيتحول المؤتمر إلى حزب سياسي..؟. - عندما يتحول عمل ونشاط أعضائه لخدمة الانتماء إليه وليس للمصلحة ويقوم بتبني السياسات التي تعالج قضايا الناس بشكل صحيح ومسئول، في مختلف مجالات الحياة العامة سواء في قطاع التعليم العام والتعليم الديني والمهني والفني وقطاع الإسكان وبناء المدن وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، ولا تكن مجرد شعارات موسمية. متفائلون بالحوار كيف ترى حوار اليوم؟ - أنا متفائل جداً.. لكن يجب قبل الخوض في الحوار إزالة المظالم وإعادة الحقوق للناس الذين تعرضوا للمظالم خلال الفترة الماضية، لأنه بدلا من أن نخسر الشعب كله ونخسر الوحدة الوطنية فلنخسر عشرة أو خمسين أو مائة شخص.. ويتم على ضوء ذلك إعادة النظر بما تم إبعادهم من وظائفهم في مختلف القطاعات الذين مازالوا في سن الخدمة وتعويض من تجاوزوا سنين الخدمة تعويضاً عادلاً، وبذلك تعويض من حرموا من الحقوق الوظيفية بسبب تلك الإبعادات الجائرة، سواء كانوا في السلك العسكري أو المدني. ويجب التفكير في بناء الدولة على أساس الاحتياجات لا على أساس التقاسم والتحاصص وكأننا نعيد الكرة والخطأ الذي وقعنا فيه من جديد، في عملية الإحلال، فهذا من المؤتمر أبعده وهذا من حزب الإصلاح أعينه وهذا من الاشتراكي اضحك عليه، بل يجب علينا أن نجعل القواعد القانونية والمؤهلات والتميز معايير أساسية في عملية التعيين بالوظيفة العامة وبناء دولة النظام والقانون.. ولماذا لا أضع قانوناً خاصاً بأراضي الدولة احدد فيه شروط الانتفاع والتأجير، حتى لا تظل الأراضي سائبة للناهبين والطامعين. كما انه يجب أن يكون هناك شفافية في التعاملات المالية والاقتصادية والابتعاد عن سياسة الباب المخلوع في السياسة الاقتصادية، والتي لا تزال تتبع التخطيط التأشيري في عملها في القطاعات الاقتصادية.. كما انه من الضروري أن تكون لدينا سياسة مالية تحقق الأهداف المرجوة منها وكذا أهمية استقلالية البنك المركزي باعتباره بنك البنوك، بحيث يمارس عمله ونشاطه باستقلالية في الاشراف على القطاع المصرفي ومراقبة الكتلة النقدية في السوق بعيداً عن هيمنة الحكومة. هل يمكن مقارنة ما يجري اليوم من حوارات على الساحة الوطنية بتلك الحوارات التي كنتم تجرونها في تلك الفترة..؟ - إن الحالة اليمنية في تلك المرحلة المهمة من المرحلة التاريخية لليمن الحديث، كان المجتمع اليمني والقوى السياسية في تلك الفترة من الحوار الوطني، أكثر استجابة للمشاركة مع بعضها البعض في بناء اليمن، أكثر إستجابة للحوار، أكثر إستجابة للعمل الخير نحو الوطن ووحدته وأمنه وإستقراره، ولم تتأثر بالتجاذبات السياسية والانتماءات الضيقة، كما هو حاصل اليوم، فاليوم الحالة اليمنية لا تسر العدو قبل الصديق. كنتم في السابق تديرون الحوار للوصول إلى الوحدة واليوم يجرى الحوار للوصول إلى الانفصال..؟ - هذا هو المؤسف والمحزن أن كبار المناضلين والمساهمين في الوحدة اليوم هم في حالة التراجع عن الوحدة اليمنية والوطنية، مبتعدين عن الجانب التاريخي الذي يجب أن نستلهمه جميعاً، ففي الماضي كان الواحد منا يستحي أن يقول انه ليس بيمني وكأنه ارتكب جرماً، بينما اليوم يقولها بافتخار وتبجح وكأنه أتى شيء عظيم.. فلا حبذا أن نستلهم تاريخنا ونتمثل القيم الاخلاقية الرفيعة ولا ننسى بان اليمن ركن في الكعبة «الركن اليماني» وفي السماء سهيل اليماني، وفي القرآن «بلدة طبية ورب غفور» ولنا أيضاً مثل عظيم في القران الكريم لقول الملكة بلقيس: " يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون".. أليس هذا تأكيداً لمبدأ الشورى والحوار. وأقول مع الأسف اليوم هناك حالة من حالة النزق، ونحتاج إلى حالة من حالة الحياء وأزمة الضمير الوطني وحالة الارتهان للغير بأجندة غير وطنية.. لذلك أقول أن الأرض والإنسان لا قبول للمناقشة حول وحدتهما ويبقى أن نتناقش حول شكل الدولة وكيفية إدارتها والتشريعات التي نحتكم لها. يجيب أن نكون متفائلين ويجب أن ندخل الحوار بعقول متفتحة وقلوب صافية وطهر وطني وان نجعل من هذا الحوار وسيلة للانتقال إلى مرحلة جديدة وإلى بناء دولة عصرية يسودها العدل والمساواة والنظام والقانون.. طبعا قد يكون هناك بعض النتوءات والفكر المتطرف لدى بعض المتحاورين.. لكن من خلال الخطوات السابقة، وهي إزالة المظالم وإعادة الحقوق إلى أصحابها وإنصاف المظلومين هي التي ستعمل على إذابة هذه المواقف المتطرفة أثناء جلسات الحوار. |