السبت, 20-أبريل-2024 الساعة: 09:04 ص - آخر تحديث: 04:17 ص (17: 01) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت - احمد الحبيشي

احمد الحبيشي -
حرية ومسؤولية الإعلام في واقع هش
بادئ ذي بدء يهمني أن أشير الى أن ثمة أصواتاً ارتفعت مؤخرا نحو الإعلام والإعلاميين تطالب بأن يضطلع الاعلام بدوره في تأمين الطريق إلى الحوار وتحذر بأقوى العبارات من مغبة عدم الالتزام بذلك ..والمثير للدهشة أن هذه الأصوات تصدر عن لاعبين أساسيين في البيئة السياسية المأزومة جدا بفعل أفعالهم وممارساتهم ومؤمراتهم على بعضهم البعض ، ويزداد هذا الخطاب حدة يوما بعد يوم حتى يكاد المرء من كثرة الشحن والتكرار أن يعتقد بأن الإعلاميين هم الذين يهددون طريق الحوار بالسكوت على الانفلات الأمني وتشجيعه في طول وعرض البلاد .. وهم الذين يقومون بالتفجيرات شبه اليومية لأبراج الكهرباء وأنابيب النفط .. وهم الذين يقطعون الطرقات ويرتكبون الجرائم الإرهابية ثم يتفاوضون ويتحاورون مع هؤلاء المجرمين لبحث مطالبهم وتحقيقها .. وبهذا الخطاب السياسي نجد أنفسنا تماما أمام عقل سياسي مأزوم يحاول أن يدفن رأسه في التراب بقصد الهروب من مواجهة الحقيقة واستحقاقاتها ..بمعنى أننا الآن مع طريقة تفكير عقيمة تهرب من مواجهة الأعداء الحقيقيين ليس فقط للحوار الوطني الجديد بل كل الحوارات الوطنية التي لم تجد من يحميها ويحمي مخرجاتها التي تصدت لها على الدوام مراكز القوى التقليدية التي دأبت على عرقلة بل وإحراق وتخريب كل طريق إلى الدولة المدنية الحديثة .. لذلك لا نستغرب أن يهرب هذا العقل السياسي المأزوم من مواجهة الحقائق ، إلى تحميل الإعلام والإعلاميين مسؤولية حماية الحوار الوطني ، وتحميل إيران المسؤولية عن المظاهرات التي تجتاح الجنوب وترفع شعارات الحراك الجنوبي السلمي!!

ولاريب في أن لمفاعيل العمل الاعلامي أهمية نوعية في الطريق الى مؤتمر الحوار الوطني الذي ينتظر منه شعبنا اليمني مخرجات نوعية تسهم في معالجة مختلف التشوهات والتناقضات والمشكلات التي عطلت تطور الدولة والمجتمع منذ قيام ثورتي 26 سبتمبر 1962م و 14 اكتوبر963م .


ولا نبالغ حين نقول إن الحياة السياسية في بلادنا لم تخل من الأزمات المتعاقبة منذ عام 1967م الذي شهد انقلاب 5 نوفمبر الرجعي واستقلال الشطر الجنوبي، مرورا بقيام الوحدة في عام 1990م ، وانتهاء بحرب 1994م التي أعادت إنتاج أسوأ ما كان يعانيه الشطر الشمالي قبل الوحدة.

من نافل القول ان السلطة توزعت خلال الفترة بين انقلاب 5 نوفمبر 1967م ، والمصالحة مع الملكيين في عام1970 م وحتى الآن ، بين رئاسة الدولة ومراكز القوى والأوليغارشيات العسكرية والقبلية والدينية المتنفذة في السلطة والثروة، وهو ما أدى إلى تشويه صورة دولة الوحدة بعد أن غدت غنيمة تقاسمتها مراكز القوى القديمة، التي ظلت لعقود طويلة مسيطرة على السلطة والثروة، وعائقا أمام تطلعات القوى الجديدة في المجتمع وبضمنها العمال والفلاحون والمثقفون ورجال الأعمال والشباب والطلاب والنساء ، لبناء دولة مدنية حديثة تقوم على سلطة القانون والمواطنة المتساوية والشراكة في السلطة والثروة.

ويمكن القول إن التحول إلى الوحدة والديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والفكرية والحزبية أسهم في دخول القوى الجديدة وخاصة الشباب ميدان العمل السياسي بأدوات جديدة ـــ برغم المصاعب التي رافقت هذا التحول واعترضت طريقه ــــ حيث لعبت هذه القوى دورا حيويـا في الكشف عن تشوهات وتناقضات النظام الأوليغارشي الذي أعادت حرب 1994م إنتاجه مجددا ، وتفجير تناقضاته، ما أدى ألى تشظي مراكز القوى التقليدية التي كانت تقوده وتحكمه وتتقاسم من خلاله مصادر وعوائد الثروة الوطنية في البلاد، وصولا إلى انفجار أزمة سياسية عامة وغير مسبوقة ، كان من نتائجها التوقيع على المبادرة الخليجية التي دشنت عملية سياسية انتقالية أسقطت شكل النظام، لكنها لم تسقط بعد مراكز القوى القديمة التي لا تزال تمارس نفوذها وضغوطها من أجل منع تغيير شكل الدولة والنظام السياسي، وتدافع عن مصالحها في إعادة إنتاج الاستحواذ على السلطة والثروة باسم التغيير، على النحو الذي فعلته طوال العقود الماضية باسم الثورة والجمهورية والوحدة، التي فقدت محتواها ومعانيها بسبب هيمنة الأوليغارشيات على مفاصل الدولة والسلطة والثروة والقوة.

وبالنظر الى تراكم مجموعة واسعة من المشاكل السياسية والاقتصادية والأمنية وبضمنها تحديات تهريب الاسلحة عبر الحدود البرية والبحرية في ظل عجز متزايد لوظائف الدولة وغياب شبه كامل في بعض المناطق القبلية والنائية ، أصبح الاهتمام الاقليمي والدولي باليمن واحدا من أبرز المفاعيل المكونة للمشهد السياسي الراهن في البلاد بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والأمنية ، خصوصا بعد أن أصبحت اليمن مقرا رئيسيا لتنظيم ( القاعدة ) في شبه جزيرة العرب برعاية دينية وقبلية محلية، والذي يضع في صدارة أهدافه اسقاط نظام الحكم في المملكة العربية السعودية ، والاستيلاء على باب المندب ومحاربة المصالح الاميركية والاوروبية في المنطقة .


وبسبب هذا الوضع واجهت البلاد ـــ ولا زالت تواجه حتى الآن ـــ تحديات داخلية وحارجية خطيرة تهدد حاضر ومستقبل الدولة والنظام السياسي ، ويمكن رصد هذه التحديات على النحو التالي :

1 / شكل الدولة ونظام الحكم.

2 / القضية الجنوبية.

3 / الحراك السكاني في صعدة والحديدة .

4 / التخلف الاقتصادي والاجتماعي.

5 / ضعف النظام التعليمي.

6 / تنامي المفاعيل السلبية للتركيبة القبلية والمذهبية.

7 / الارتفاع المتزايد لمعدلات الفقر والنمو السكاني.

8 / تزايد مخاطر الانفلات الأمني وتوطين الارهاب .

9 / تقنين وممارسة التمييز ضد النساء بذرائع دينية وقبلية .

10 / تقنين وممارسة انتهاكات حقوق الطفولة بذرائع دينية وقبلية .

ولا نبالغ حين نقول أن هذه التحديات الكبيرة تتطلب نمطا جديدا من المعالجات والحلول التي لا يمكن تحقيقها بالوسائل القديمة التي تعيد انتاج وتدوير التشوهات والازمات مجددا ، وترحيلها الى الأجيال القادمة .

و يمكن القول ان مؤتمر الحوار الوطني بما ينطوي عليه من مفاعيل داخلية وخارجية ودعم اقليمي ودولي ، وأنماط ومعايير تنظيمية جديدة وغير مسبوقة ، يشكل فرصة تاريخية لإخراج البلاد من نفق الأزمة السياسية العامة ، وإنقاذها من مخاطر التفكك والتشظي ، وبلورة معالجات حاسمة للمشاكل الموروثة .

في هذا السياق يمكن لوسائل الاعلام الجماهيري المساهمة في دعم مؤتمر الحوار الوطني من خلال قيامها بدعم ثقافة الحوار بدلا من أن تكون ساحة للمجابهة، والثابت ان وسائل الاعلام الجماهيري تلعب دورا مهما في دعم عمليات التغيير والاصلاحات السياسية والاقتصادية من خلال نشر الأفكار والمفاهيم الجديدة، وتشكيل اتجاهات الراي العام وإعادة صياغة الوعي الاجتماعي والاستعدادات والمواقف بما يساهم في تحويل الأفكار والمفاهيم والرؤى ومشاريع التغيير الجديدة الى قوة مادية في مجرى النشاط الواعي والهادف للمجتمع بمختلف قواه الحية التي تتطلع الى المشاركة الواسعة في صنع التغيير المنشود .

تستهدف هذه الورقة بلورة رؤية تقييمية تحليلية من منظور إعلامي للمشهد السياسي الراهن في اليمن ، بكل ما ينطوي عليه من إشكاليات وتحديات ومصاعب وتناقضات تنعكس بصورة سلبية على أداء وسائل الإعلام المحلية في بيئةٍ سياسية وإعلامية لا يمكن عزلها عن مفاعيل المتغيرات النوعية على الصعد الوطنية والإقليمية والعربية التي تشهد تجاذبات واستقطابات بين الأفكار والمصالح والثقافات والمصالح الدولية على نحوٍ يتجاوز المسافات والحدود، وما يترتب على ذلك من ميولٍ موضوعية لإعلاء القيم الإنسانية المشتركة والتوجه نحو الاعتراف بضرورة الحرية والتعددية والتنوع والشراكة في تعزيز مصائر الدول والشعوب والمجتمعات، وتجنيبها مخاطر الحروب والفقر والاستبداد والتسلط وسوء توزيع الثروة واحتكار القوة والوصاية على المعرفة.

وبالنظر إلى التأثير المتزايد لدور وسائل الإعلام المختلفة في صياغة وعي ومواقف الأفراد والجماعات إزاء ما يحيط بهم من أحداثٍ ونزاعات وتجاذبات واستقطابات على مستوى الأفكار والعلاقات والمصالح في هذه الحقبة من تاريخ الحضارة البشرية التي يتكوّن على تربة منجزاتها الفكرية والعلمية والمادية عالم متكامل ومتناقض يصعب على أية دولة أو مجتمعٍ تجاوزه أو الانعزال عنه ، بعد أن نجحت الثورة الصناعية الرابعة في تغيير صورة العالم الواقعي من خلال التقدم الهائل لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات التي أحدثت انقلاباً جذرياً في أنماط الإنتاج والتسويق، وحطمت الحدود والحواجز، وفتحت المجال واسعاً لانتشار الأفكار والمعارف عبر المسافات والحدود التي كانت قبل ذلك أحد المصادر المحورية للحكم وأساس سيادة الدولة الوطنية على أراضيها ومواطنيها، الأمر الذي جعل من وسائل الإعلام بما هي أدوات اتصال بين الدول والشعوب ، شريكاً في رسم السياسات ونشر المعرفة وتغيير الأفكار والقيم والآراء والمفاهيم واكتساب المهارات والمشاركة في المتغيرات وتوجيهها ، سواء على مستوى المجتمع المحلي أو المجتمع الدولي .

ولما كان الإنجاز الأبرز لثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات يتمثل في ولادة الفضاء الاليكتروني ودمجه بالفضاء الطبيعي من خلال اندماج تقنيات الاتصال الرقمية بالموجات الفضائية، فقد أدى ذلك إلى ظهور تحولات بنيوية في العمليات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والعسكرية للقوى الدولية الكبري التي تمتلك مفاتيح التطور العلمي والاقتصادي والعسكري، والتحولات المتنامية لموازين القوى على المستوى الكوني لصالح اللاعبين الأساسيين في ميادين العلم والقوة والثروة والعلاقات الدولية ، الأمر الذي أسهم بدوره في تغيير بُنية وسائل الاتصال ومضامينها وقدراتها، حيث أدى استخدام الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية والألياف الضوئية إلى تمكين وسائل الإعلام من لعب دور فاعل في صناعة موازين القوى على المستويات المحلية أو العالمية ، إلى جانب القدرات الاقتصادية والعسكرية والمالية، وذلك من خلال الانتشار عابر الحدود للبث التلفزيوني والإذاعي الفضائي، والصحافة المقروءة، والصحافة الإليكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بدون رقيب أو حسيب ، وبلغات ومضامين وأهداف وأبعاد سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وأمنية واسعة ، في بيئة معرفية جديدة ، لم يعرفها العقل الإنساني سواء في عصور الأسلاف أو في العصر الحديث قبل ثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، حيث أصبح المشتغلون في مجالات العلوم والاقتصاد والإعلام والسياسة الدولية يتعاملون مع أنماط معرفية جديدة مثل : (الجامعات الافتراضية، التعليم الإليكتروني، التجارة الإليكترونية، الحكومة الإليكترونية، الإعلام الإليكتروني، الأرشيف الاليكتروني والحروب الإليكترونية).

إشكاليات الانتقال إلى التعددية

في البيئة الإعلامية اليمنية

تأسيساً على ما تقدّم يمكن القول إنّ التدفق الإعلامي الهائل عبر الأقمار الصناعية انطوى على مضامين وأساليب وأهداف متعددة منذ انطلاقة البث الفضائي في مطلع التسعينات.. وبقدر ما أسهم هذا التدفق المفتوح في إحداث حراكٍ في السياسات العملية على مستوى النظم الإعلامية، بقدر ما أسهم أيضا في تجديد طرائق عمل وسائل الإعلام العربية التي حاولت الاستجابة لتحديات البيئة الإعلامية العالمية الجديدة.

والحال إنّ التدفق الإعلامي العابر للحدود تسبب في إضعاف قدرة اليمن والدول العربية على التحكم في قنوات الاتصال بين مجتمعاتها من جهة ، والإعلام الخارجي بشقيه المرئي والمقروء من جهةٍ أخرى، حيث لم يعد بمقدور أي دولة فرض القيود والحواجز التي تنظم ـــ أو تحول دون ــ وصول المعلومات من الخارج إلى داخل حدودها الوطنية ، بعد أن أتاح بث المعلومات والرسائل الإعلامية عبر الأقمار الصناعية والفضاء الاليكتروني وأجهزة الاتصالات الخليوية التي تعمل بالالياف الضوئية ، إمكانيات بلا حدود لاختراق الأجواء والأراضي والبحار، ووصولها مباشرة الى المتلقي في مسكنه او موقع عمله أو سيارته ، من خلال قنوات البث الفضائي التلفزيوني والصحافة الإليكترونية ومحركات البحث ومنتديات الحوار المباشر على شبكة الإنترنت، ووسائل الاتصالات الخليوية ، وما يترتب على ذلك من تنامي الميول نحو التعدد والتنوع والانفتاح والتواصل والانكشاف في المجالين السياسي والثقافي للمجتمعات العربية التي كانت تخضع لنظم إعلامية شمولية ومغلقة.

في هذا السياق تزامنت استجابة اليمن لتحديات البيئة الإعلامية العالمية الجديدة مع تحقيق الوحدة اليمنية والتحول نحو الديمقراطية التعددية بإرادة سياسية وطنية داخلية في مايو 1990م، ما أدى إلى إخضاع هذه الاستجابة لتناقضات ومصاعب التحول السريع نحو الديمقراطية التعددية على خلفية مثقلة برواسب الثقافة السياسية الأحادية الاقصائية التي تركت آثاراً سلبية ، وظلالاً قاتمة على عملية التحول نحو الديمقراطية خلال المرحلة الانتقالية 1990 ـــ 1993م التي كانت طافحة بالأزمات والتجاذبات والاستقطابات السياسية والحزبية، ثم وصلت ذروتها باندلاع حرب 1994م التي أفرزت آلاماً وجراحاً ومشكلات لا تزال البلاد تـُعاني منها وتدفع بسبب تداعياتها أثمانا ً باهظة حتى الآن .

صحيح أنّ التحول نحو التعددية في البيئة السياسية والإعلامية اليمنية كان خياراً سياسيا داخلياً فرضه الوضع الجديد بعد تحقيق الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م، بمعنى أنّ التحول نحو القبول بالتعددية والتنوع لم يوفر استجابة واعية ومتكاملة لتحديات البيئة الإعلامية العالمية الجديدة التي خلقتها ثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، وما نجم عنها من ضغوط خارجية موضوعية تحفز على الانتقال السلس من الأُحادية الشمولية إلى القبول بالتعددية والتنوع.

لكنَّه من الصحيح أيضاً أنّ ارتباط التحول نحو التعددية في البيئة السياسية اليمنية بتحقيق الوحدة والديمقراطية ، بقدر ما جاء كاستجابة فورية وفوقية وسريعة لمتطلبات البيئة السياسية اليمنية الجديدة بعد الوحدة مباشرة ، بقدر ما جعل هذه الاستجابة لا تمتلك أي إستراتيجية واضحة ومتكاملة للتعامل مع تحديات البيئة الإعلامية العالمية الجديدة، وهو ما يفسر عجز الممارسة الإعلامية في ظل الديمقراطية التعددية عن التحرر من رواسب الثقافة السياسية للبيئة الإعلامية الشمولية والموروثة عن النظام الإعلامي القديم في شطري اليمن قبل الوحدة، سواء من حيث الأداء أو المضمون ، أو خاصية التلقي ، منذ الاعلان عن قيام الجمهورية اليمنية عام 1990م ، حتى خضوع اليمن وكافة الأحزاب والقوى السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية وآليتها الدولية للوصاية الدولية من قبل مبعوث دولي يمثل مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة ، وسفراء الدول العشر التي تشرف على تنفيذ هذه المبادرة اعتباراً من اكتوبر 2011م .

ثمّة شواهد عديدة على افتقار البيئة الإعلامية الجديدة في بلادنا لإستراتيجية واضحة تحقق الاستجابة الواعية لتحديات البيئة الإعلامية العالمية الجديدة، والانفتاح على قيمها وأدواتها. فقد انحصر القبول بالتعددية والتنوع بعد الوحدة على الجوانب الشكلية من حيث إطلاق الإصدارات الصحفية والقنوات الفضائية للأفراد والشركات على نحوٍ عشوائي لا يمتلك أطراً مؤسسية ، وتقاليد مهنية ومنظومات قيمية تستجيب لتحديات المرحلة الجديدة. وينطبق ذلك أيضاً على الممارسة الإعلامية الصادرة عن وسائل الإعلام الحكومية والأحزاب السياسية والأفراد على حدٍ سواء، حيث ظل الطابع التعبوي الذي ينزع نحو التحريض والمكايدة والمجابهة، قاسماً مشتركاً بين جميع اللاعبين في البيئة الإعلامية اليمنية الجديدة.

لا ريب في أنْ تغوُّل الطابع التعبوي والتحريضي في البيئة الإعلامية الداخلية ـــ سواء من ناحية الخطاب أو من ناحية الممارسةـــ ألحق أضراراً كبيرة بالتقاليد والأخلاق المهنية ، وتسبّب في تشويه المفاهيم المرتبطة بالتعددية ، وفي مقدمتها حرية الصحافة وحرية التعبير وحرية الحصول على المعلومات، كما أدى في الوقت نفسه إلى تغييب قيم المسؤولية والموضوعية والصدق، والتعدي على حقوق الغير وممارسة الكذب والتحريض والتلفيق وصولا الى تزوير مستندات رسمية باسم الحرية ، وقد أدى تراكم هذه السلبيات إلى الاعتقاد بأنّ الحرية الإعلامية مطلقة وبلا حدود ، وأنّ اللجوء إلى القانون يشكل قيداً وعدواناً على الحرية ، الأمر الذي ترك ظلالا ثقيلة على الأداء الاعلامي للاعبين السياسيين الأساسيين في الوضع الراهن بكل تعقيداته وتحدياته .

ثمة وجهات نظر ترى أن الانتقال السريع نحو الوحدة والديمقراطية التعددية، افرز تشوّهات وأزمات واختلالات في البيئة الإعلامية المحلية ، لا يمكن فهمها بمعزلٍ عن الآثار والمفاعيل السلبية للنزوع نحو المكايدات والمجابهات بين شركاء الحياة السياسية قبل وبعد حرب صيف 1994م، وصولاً إلى تفاقم حالة التجاذبات والاستقطابات الداخلية على إثر التقاء الأحزاب الساسية التي كانت مشاركة في السلطة ، وانخراطها في جبهة معارضة مشتركة، بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية التي جرت خلال الفترة 1997 ـ 2006م، وحتى اندلاع الأزمة السياسية العامة في عام 2011م ، حيث وضعت هذه الأحزاب في صدارة أهدافها السعي لإسقاط السلطة والوصول اليها أو اقتسامها مؤقتا بكل الوسائل الممكنة، وبضمنها تشغيل ماكنة اعلامية تمارس وظائف دعائية وتحريضية وتعبوية ، وقد جرى تضخيم هذه الماكنة أفقياً عبر عددٍ كبيرٍ من الإصدارات الصحفية والمواقع الإليكترونية والقنوات الفضائية ، مسجلة بأسماء أفراد وشركات تحت شعارات الحرية الإعلامية . وقد أدى تكاثر هذه الصحف والمواقع الاليكترونية إلى تكريس التشوّهات والاختلالات في البيئة الإعلامية المحلية من خلال خطاب تعبوي تحريضي، وممارسات بعيدة عن المهنية وعلى حساب قيم الموضوعية والمسؤولية والصدق.

وبوسعنا القول ان الأزمة السياسية العامة التي انفجرت في عام 2011 م ، بسبب تعاظم تناقضات الأوليغارشيات القبلية والعسكرية والدينية الحاكمة والمتنفذة في السلطة والثروة ، تحولت الى أزمة عميقة داخل النظام الذي كانت تحكمه ثلاثة رؤوس سياسية وعسكرية وقبلية من ثلاثة مواقع قيادية للدولة ، تتوزع بين ميدان السبعين وطريق الستين وحي الحصبة في العاصمة صنعاء.

وبسبب انخراط رؤوس النظام الحاكم في مفاعيل الأزمة السياسية العامة في عام 2011م ، ودورهم القيادي في صناعة مشاهدها السياسية والعسكرية والجماهيرية ، فقد كادت تلك الأزمة أن تؤدي الى المجابهة العسكرية الشاملة بين مراكز القوى العسكرية والقبلية الحاكمة، خصوصا بعد حرب الحصبة وتفجير جامع دار الرئاسة الذي أدى الى قتل وجرح المئات من قادة الدولة ، بالاضافة الى اندلاع حروب داخلية وانهيارات أمنية في مختلف المحافظات الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية ، حيث أصبحت البلاد مهددة بتفكك الدولة والسقوط في هاوية حروب أهلية مدمرة لا تهدد السلم الأهلي فقط ، بل الأمن والسلم الدوليين بحكم الموقع الجيوسياسي الاستراتيجي لليمن .

وبتأثير تداعيات وأبعاد الأزمة السياسية العامة التي تفجرت في عام 2011م ، تدخل المجتمع الدولي في دعم وتبني المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تقدمت بها دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء دولة قطر ، وتم التوقيع عليها بين أطراف الأزمة السياسية في الرياض خريف عام 2011م ، ثم أصدر بها مجلس الأمن الدولي قرارا يلزم كافة تلك الأطراف بتنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية خلال فترة انتقالية مدتها عامان ، من خلال تشكيل حكومة وفاق وطني بالتقاسم واجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، ومعالجة كافة قضايا الصراع السياسي في اليمن وفي مقدمتها القضية الجنوبية عبر مؤتمر وطني عام وشامل تحت رعاية المجتمع الدولي.

ومن المفارقات العجيبة ان اللاعبين الرئيسيين في النظام القائم يمارسون قدرا كبيرا من الكوميديا والتراجييديا السياسية في آن واحد ، بعد ان شاركوا في صناعة نظام سياسي يخضع للوصاية الدولية ، ويفتقر الى القرار الوطني المستقل .. فهم يشاركون في تنفيذ مهام التسوية السياسية التي نصت عليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية من خلال حكومة يتقاسمون حقائبها الوزارية من جهة ، بينما يعملون على تعطيل وعرقلة هذه التسوية بوسائل مختلفة ، وفي مقدمها المجابهات الاعلامية الكيدية التي تعمق تشوهات البيئة السياسية والاعلامية الهشة من جهة أخرى !!

يتجلى الوجه الأبرز لاختلالات وتشوّهات البيئة الإعلامية المحلية في غياب المهنية وسيادة الفوضى وتجويف التعددية وتجريد مفهوم الحرية الإعلامية من الوظيفة الأساسية للتعددية بما هي حافز لتفعيل التنوع وإطلاق ميكانيزمات التنافس الحر، وإغناء الممارسة العملية وإثراء الفكر وتنويع طرق النقاش والحوار والبحث عن الحقيقة التي لا يحتكرها أحد، بيد أن أخطر هذه الاختلالات والتشوّهات غياب المأسسة والاستقلالية في الإصدارات الصحفية ، وضعف آليات توزيعها. وغلبة الطابع الدكاكيني الفردي لملكيتها وإدارتها، والتهاون في تطبيق قانون الصحافة والمطبوعات عند صرف تصاريح الإصدارات الصحفية . حيث أصبح بوسع الدخلاء والأدعياء التسلل إلى ميدان الصحافة ، تمهيدا لإصدار مطبوعات صحفية تفتقر إلى أبسط الهياكل المؤسسية والإدارية والفنية والمالية ، التي يعد وجودها ضروريا لضمان حقوق العاملين فيها، وتنمية قدراتهم الإبداعية ، وتأصيل وتطوير مهاراتهم المهنية.

من المهم الاعتراف أنّ أداء الماكنة الإعلامية للأحزاب السياسية المشاركة في التسوية السياسية يبدو قوياً ومؤثراً ومربكاً في آنٍ واحدٍ ، قياساً بأداء وتأثير وسائل الإعلام الرسمية ، ويشير تحليل مضمون الخطاب السياسي لوسائل الإعلام الرسمية والحزبية والأهلية إلى أنّ الماكنة الإعلامية للأحزاب السياسية التي غدت مشاركة في الحكومة الانتقالية ، تعتمد أسلوب التغطية الكثيفة للخطط الهجومية الميدانية التي تنفذها القوى السياسية على الأرض بواسطة منظومة مرنة وواسعة من الآليات التنظيمية والتعبوية التي تكفل لها فعالية الانتشار الميداني .. ومن بين هذه الآليات تشغيل منظمات المجتمع المدني ووسائل الاتصال المباشر مع الجماهير وعبر مواقع التواصل الاجتماعي الألكتروني ، واستخدام مختلف أشكال التعبئة والتنظيم والحشد في الشوارع المفتوحة ، وهي آليات سياسية بامتياز.

وبفضل العمل الميداني لجميع القوى السياسية المشاركة في حكومة قائمة على التقاسم ، تنشط وسائلها الإعلامية من أجل تحقيق هدفين محوريين في مجرى الصراع الدائر على مستوى الدولة والسلطة والمجتمع السياسي ، بهدف التأثير على التحضيرات الجارية لمؤتمر الحوار الوطني الذي يتوقف على مخرجاته مصير الأهداف الكبرى لعملية التغيير المنشودة ، على طريق بناء دولة مدنية حديثة تضمن التداول السلمي للسلطة والحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والشراكة في السلطة والثروة ، وتعزيز وتوسيع دور الشباب والنساء في إدارة شؤون الدولة والمجتمع ، ويتمثل هذان الهدفان المحوريان في الآتي :

1 ــ توفير التغطية الدعائية لما يجري من مفاعيل سياسية على الأرض كمنتج لنشاط الأحزاب في الميدان.

2 ــ تمكين الآليات والوسائل الميدانية ، من الحصول على الدعم الذي يسهم في تحويل الناس من متلقين للرسائل السياسية التي تصدر عن الحراك الميداني للصراعات الحزبية والسياسية ، إلى فاعلين ولاعبين على الأرض في ضوء هذه الرسائل، وهي وظيفة اتصالية بامتياز، تنفذها الماكنة الإعلامية الحزبية بفاعلية سواء من خلال إثارة قضايا الغلاء والفساد والبطالة والمظالم، أو من خلال إثارة قضايا جوهرية تتمحور حول شروط بناء الدولة المدينة الحديثة ومعالجة القضية الجنوبية وتداعيات حرب صعدة وآثار حرب 1994م.

في هذا السياق تبدو الأحزاب والقوى التقليدية التي تتمسك بمكاسبها السابقة في السلطة والثروة ، أكثر احترافاً وأكثر قدرة على اكتساب ومراكمة الخبرات والمهارات السياسية والدعائية لدى استخدامها آليات العمل المدني في المجتمع، واستخدام هذه الآليات لتحريك الشارع من أجل تحقيق أهدافها السياسية المناهضة لمشروع بناء الدولة المدنية الحديثة .

محددات الممارسة الإعلامية

في الوضع الراهن

يمكن توصيف محددات الممارسة الإعلامية الراهنة من خلال تعريف الوظائف التي يتعيَّن على وسائل الإعلام الحكومية والحزبية والمستقلة القيام بها ومقاربتها بالأهداف الكبرى للحوار الوطني المنشود، وفق المحددات الافتراضية التالية :

المساهمة في انجاح مؤتمر الحوار الوطني باعتباره الطريق السلمي للتحرر من الوصاية الدولية واستعادة القرار الوطني المستقل ووضع أسس دستورية جديدة وعصرية لمشروع بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة وموحدة على أسس قابلة للبقاء والاستمرار .

بلورة مفاهيم عصرية لتحديد شكل الدولة والنظام السياسي الجديد ، وبما يضمن تحقيق المواطنة المتساوية والشراكة في السلطة والثروة وخضوع كافة المواطنين والمواطنات لسلطة الدستور والقانون بدون استثناء أو تمييز.

تحسين البيئة الإعلامية المحلية بما يمكنها من الاستجابة لتحديات التحولات الجارية في البيئة الإعلامية العالمية والمتمثلة في تطور أساليب إعداد وتحرير الرسائل الإعلامية الموجهة إلى الجمهور ، وظهور أنماط جديدة في تقنيات الاتصال والطباعة والبث والتجهيزات الفنية الرقمية وتراسل النصوص والصور والمعطيات عبر الشبكات .

تطوير وتحديث أنماط الإدارة والتنظيم المؤسسي اللازم لتحفيز الإبداع وتعظيمه بما يسهم في تحسين مضامين الرسائل الإعلامية الموجهة إلى الجمهور شكلاً وموضوعاً، وضمان الحقوق المادية والمهنية والفكرية للمبدعين العاملين في مجال الإعلام.

المساهمة في دعم وإثراء النظام الإعلامي الوطني بما هو أحد مقوّمات النظام السياسي الديمقراطي التعددي في البلاد.

حماية وتطوير العملية الديمقراطية وإثراء التعددية والتنوع في إطار وحدة جاذبة وقابلة للاستمرار.

تنمية الوعي السياسي والاجتماعي للمواطنين من خلال المساهمة في تنويع طرق الحصول على المعرفة.

تعزيز الشراكة بين الدولة والمجتمع على طريق توسيع قاعدة المشاركة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع.

المساهمة في بناء ثقافة سياسية جديدة تسهم في ترسيخ قيم الحوار والتعايش والقبول بالآخر ومناهضة الآثار السلبية لرواسب الثقافة الشمولية القائمة على الأحادية والاستبداد والإلغاء والإقصاء.

دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفساد والعبث بالمال العام وسوء استخدام الوظيفة العامة وغيرها من الظواهر السلبية التي تؤثر على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والتنمية.

تعميق قيم المواطنة المتساوية والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات المدنية ومكافحة مختلف أشكال التمييز ضد المرأة واستغلال الطفولة.

دعم وحماية الحرية الاقتصادية والملكية الخاصة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الحريات العامة وإحدى مقومات التنمية والرقي والتقدم.

دعم وتعزيز وحدة النسيج الوطني والوجدان الإنساني للمجتمع، وحماية وتطوير الثقافة الوطنية باعتبارها إحدى مرتكزات وحدة الوطن أرضاً وإنساناً وتاريخاً.

تدعيم القيم الأخلاقية وبناء تقاليد مهنية تسهم في تجسيد الترابط العضوي بين الحرية والمسؤولية وعدم الاعتداء على حرية الآخرين والمساس بكرامتهم الشخصية التي يحميها الدستور والقوانين.

المساهمة في الحفاظ على السلم الأهلي ومكافحة الجريمة المنظمة والتصدي لثقافة التعصب والتطرف والإرهاب، ومناهضة الأفكار التي تثير النعرات والانقسامات الطائفية والمذهبية.

حماية ودعم حرية التعبير وحرية الحصول على المعلومات وتوسيع قنوات الحوار والنقاش بين مختلف مكوّنات الدولة والمجتمع.

مكافحة الأفكار التكفيرية والدعوات الاقصائية التي تتسلل عبر خطاب ديني يحرض على الكراهية ضد أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى ، ويدعو إلى تحريم الديمقراطية وتكفير الانتخابات وإباحة التمييز ضد النساء وانتهاك حقوق الأطفال الإناث ، وتحريم التعددية الحزبية والسياسية، وما سيترتب على هذه الأفكار والدعوات من مخاطر تشويه النظام السياسي ، تفكيك وحدة النسيج الوطني والديني لشعبنا.

ولدى تحليل واقع الممارسة الإعلامية في البلاد على ضوء هذه المحددات الافتراضية تبرز الإشكاليات التالية :

1/ تزايد ظواهر الخلط بين الحرية والفوضى وما يرتبط بها من تشوّهات ومخاطر تهدد تطور العملية الديمقراطية وتلحق الضرر بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

2/ غلبة الخطاب السياسي والإعلامي القائم على النزعات الانتقامية والمكايدات السياسية والحزبية وتشويه الحقائق والتحريض ضد الآخر.

3/ ضعف الطابع المؤسسي لعمل ونشاط وسائل الإعلام الحزبية والمستقلة وما يترتب على ذلك من تأثير سلبي على البيئة الإعلامية المحلية.

4/ غياب الحوافز التي تساعد على مأسسة العمل الإعلامي الحزبي والأهلي وحماية حقوق المبدعين وتحديث تقنيات وأساليب إعداد وتحرير وتوصيل الرسائل الإعلامية إلى الجمهور.

5/ غلبة الطابع الدكاكيني البسيط على أسلوب عمل وسائل الإعلام الحزبية والأهلية، وتزايد مخاطر تسلل التمويل السياسي الداخلي والخارجي الذي يفقد الممارسة الإعلامية حريتها واستقلاليتها ، ويضعها تحت طائلة الارتهان الداخلي والخارجي.

6/ ضعف فعالية وعدم كفاءة الأطر القانونية الراهنة لتنظيم الممارسة الإعلامية سواء من حيث الضوابط والأحكام أو من حيث التطبيق وما يترتب على ذلك من توسيع الفجوة بين الأداء الإعلامي من جهة ، والبيئة السياسية الراهنة من جهة أخرى .

7/ عجز الأطر القانونية المنظمة لحرية الاعلام عن معالجة الإشكاليات الناجمة عن المخرجات الجديدة في البيئة الإعلامية العالمية وتقنياتها وأدواتها وقيمها، وفي المقدمة منها الإعلام الإليكتروني والفضائي الذي لم يستوعبه قانون الصحافة والمطبوعات عند صدوره.

8/ غياب المهنية في أداء بعض وسائل الإعلام الحزبية والمستقلة بسبب هيمنة السياسي على المهني ، وغلبة الاستقطابات والتجاذبات الحادة في البيئة السياسية والإعلامية المحلية، وما يترتب على ذلك من نزوع نحو تجويف وتسطيح التعددية الإعلامية ، من خلال الإصدارات الصحفية والمواقع الإليكترونية والقنوات الفضائية تحت مسميات مستقلة ، وتوظيفها في إطار هذه الاستقطابات والتجاذبات الحزبية والسياسية ، وما يترتب على ذلك من زيادة لمفاعيل الفوضىوالمجابهة ، وتعطيل لثقافة الحوار ، وتوسيع مساحة الانحراف عن التقاليد المهنية والقيم الأخلاقية للعمل الإعلامي.



تحديات الحالة السياسية الراهنة

لا تحتاج القراءة الفاحصة لملامح وتناقضات المشهد السياسي والإعلامي الراهن ـــ على نحوٍ ما تناولناه في السطور السابقة ـــ إلى جهدٍ كبير لإدراك حجم التحديات التي تواجه الخطاب السياسي الإعلامي لوسائل الإعلام الرسمية والحزبية في ضوء الاختلالات والإشكاليات السالف ذكرها.

بيد أنّ مواجهة هذه التحديات لا يمكن اختزالها بالبحث عن معالجات فوقية أو شكلية أو مؤقتة للنهوض بالخطاب الإعلامي الرسمي والحزبي وتطوير أدائه وأساليبه ومضامينه في الحالات التي تشهد صراعاً يتجه إلى تأزيم المُناخ السياسي في البلاد .

لا نبالغ حين نقول أن الأحزاب السياسية المنضوية في إطار حكومة الوفاق ، تلجأ في مغظم الأحيان إلى خيار صناعة وإدارة الأزمات في الظروف التي تجد نفسها بحاجةً إلى إعادة تنظيم قواها وتعظيم مكاسبها ، و تجاوز الصدمات الناتجة عن المجابهات اليومية، والاستعداد لجولات أخرى عندما تقترب مواعيدها ، دون أن يعني ذلك تراجعاً عن إستراتجيتها الأساسية أو تعديلاً لها ، والمتمثلة بتهيئة التربة والمُناخ اللازمين لإنضاج فرص الاستحواذ على السلطة من قبل البعض ، وتسويق الاتهامات التي تشكك بنزاهة وأهلية وكفاءة الخصوم السياسيين .

بهذا المعنى يمكن القول بأنّ المخرجات السلبية لماكنة الدعاية والتحريض التي تنخرط في تشغيلها منابر اعلامية محسوبة على بعض أو معظم الأحزاب المشاركة في حكومة الوفاق ، تلعب دوراً سلبياً لا ينحصر تأثيره في مضاعفة المصاعب والعوائق التي تحول دون تطوير البيئة الإعلامية المحلية ، وتأهيلها لمواكبة التحولات الجارية في البيئة الإعلامية العالمية والاستجابة لتحدياتها والانفتاح على قيمها وأدواتها وأساليبها ، بل أنّ الآثار السلبية لتلك المخرجات تتجاوز ذلك الى مدى بعيد ، من خلال الدور الذي تلعبه في تأزيم الحياة السياسية ، والمراهنة على استغلال وتوظيف مصاعب النمو ومشاكل الفقر والبطالة وتداعيات الصراعات السياسية السابقة في سياق لعبة عمياء تنتقل بلاعبيها من موقع الشراكة في التسوية السياسية الى مواقع مفتوحة على كل الاحتمالات ، وما يترتب على ذلك من مخاطر مدمرة تهدد حاضر ومستقبل الدولة والمجتمع والوطن.

اللافت للنظر أنّ الأحزاب المشاركة في التسوية السياسية تحرصُ على الظهور دائماً في صورة المدافع عن الوحدة والديمقراطية، والمناهض للظلم والاستبداد والفساد . كما تحرص هذه الأحزاب على التظاهر بالانفتاح على المجتمع المدني ووسائل الإعلام الخارجية وسفارات الدول الأجنبية ومنظماتها غير الحكومية التي تنشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وتسويق برامج نشر الديمقراطية في اليمن وبلدان الشرق الأوسط بتمويل وتوجيه مباشرين من حكوماتــها !!

وفي الاتجاه نفسه تحرصُ هذه الأحزاب على إخفاء تناقضاتها من خلال توزيع الأدوار في ما بينها من جهةٍ ، وبين الأجنحة المتصارعة داخل كل حزبٍ أو تكتل على حدة من جهة أخرى ، طمعاً في الحصول على مصادر داخلية وخارجية لشرعية حراكها السياسي ، والتمويه على أجنداتها القابلة للانكشاف والانفجار فور وصولها إلى السلطة.

يوحي تحليل مضمون الخطاب السياسي والإعلامي لهذه الأحزاب ، بما في ذلك بيانات هيئاتها القيادية وتصريحات وكتابات ناشطيها الميدانيين ، بأنّ هذه الأحزاب تراهن من الناحية الشكلية على استثمار تمددها الميداني داخلياً وخارجياً ، من أجل تجديد وتنويع مصادر شرعيتها بعد نقل مركز ثقل نشاطها المعارض من المؤسسات الى الشوارع المفتوحة على كل الاحتمالات و الوسائل والمطالب والمشاريع بكل الاتجاهات المشروعة وغير المشروعة.

في الحالة السياسية اليمنية الراهنة لا يبدو التخطيط للانقلاب على الديمقراطية هدفاً قريبا للأحزاب والقوى السياسية المشاركة والمتنفذة في حكومة الوفاق ، وهو ما يميِّز الخبرة التاريخية لتنظيم الإخوان المسلمين الذي راهن على استخدام كل الوسائل التكتيكية والتحالفات البراغماتية مع النخب السياسية الحاكمة في القصور الملكية والجمهورية ، أو المعارضات المحركة للشوارع . وتحت واجهات تخدم هدف الوصول إلى السلطة.. فليس خافياً على أحد أنّ الأخوان المسلمين تحالفوا مع القصور الموالية للاستعمار من أجل المشاركة في الحكم ، كما تحالفوا مع القوى والأحلاف الاستعمارية ضد أنظمة الحكم التي قادت ثورات وطنية وقومية تحررية من أجل تحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية وتحرير المرتكزات الاقتصادية ومصادر الثروة القومية من السيطرة الأجنبية الاستعمارية ، الى جانب تحالفهم مع القصور الملكية والجمهورية الحاكمة في بعض الدول العربية على حد سواء ، بالاضافة الى انخراطهم في برامج نشر الديمقراطية التي تمولها الولايات المتحدة الاميركية ودول الاتحاد الأوروبي ، وذلك لضمان تحقيق المشروع السياسي الإستراتيجي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي يرى بأنّ مشروع إعادة نظام الخلافة ـــ بما هو مشروع ايديولوجي شمولي ينكر الوطن ويعترف بالأمة فقط ـــ لا يمكن تنفيذه من دون الوصول إلى السلطة والانفراد بها لا حقا ً في أي بلدٍ إسلامي.

وقد دفع ((الإخوان المسلمون)) أثماناً باهظة نتيجة الوهم المفرط بضرورة (تمكين) هذا المشروع من الوصول الى السلطة وتأميمها لاحقاً ، بمختلف الوسائل التكتيكية ، وهو مشــروع لا يخلــو من أوهــام الطــوباويات الثوريــة والاصلاحيــة ـــ القديمة والمعاصرة ـــ التي حاولت تغيير العالم في عصور مختلفة من التاريخ القديم والحديث .

ولعل ما يحدث هذه الأيام في مصر وتونس من أزمات واحتجاجات واسعة ومستمرة ، دليل اضافي على الثمن الذي يدفعه (الاخوان المسلمون) مقابل هذا الوهم، حيث وجدوا انفسهم في مواجهة جماهير غاضبة يتسع نطاقها يوما بعد يوم ، وانقسامات داخلية لم تعد مكشوفة ، بينما كانوا بالأمس في مواجهة الأجهزة الأمنية القمعية وسط تعاطف شعبي لا ينكر .

ويبقى القول إن الدور الوظيفي للعمليات الاعلامية الجارية في المجتمع يواجه تحديات خطيرة لأن الوضع السياسي الراهن في البلاد مرشح للدخول في أزمات جديدة بفعل تراكم عدد من السلبيات والإشكاليات والأخطاء التي من شأن استمرارها تلغيم مسار الحوار الوطني ، بما هو الطريق السلمي للتحرر من الوصاية الدولية واستعادة القرار الوطني المستقل وبناء الدولة المدنية الحديثة ، الأمر الذي يتطلب حشد الرأي العام لمساندة مؤتمر الحوار الوطني بوصفه الطريق الوحيد لإعادة إكتشاف المفاعيل الأساسية التي أسهمت في تأزيم البيئة السياسية في بلادنا خلال العقود الخمسة الماضية ، وفي مقدمتها التأثير المتزايد لرواسب المكونات البنيوية المشوهة للنظام السياسي الأوليغارشي الذي تعرض للإنكشاف والتشظي بعد ان بلغت ازمته الداخلية ذروتها و تفجرت عام 2011م، ثم فتحت الطريق ـــ بسبب طبيعتها المشوهة ــــ لوضع البلاد تحت الوصاية الدولية ، ولجوء مختلف اللاعبين السياسيين الى استدعاء التدخل الخارجي والاستقواء به والمراهنة عليه ، من أجل تحقيق أكبر قدر من المكاسب اللازمة لتحسين فرص الفوز في لعبة سياسية داخلية تحدد قواعدها وتتحكم بها قوى خارجية .


-نص ورقة بعنوان (حرية ومسؤولية الإعلام في واقع هش) قدمها الزميل أحمد محمد الحبيشي رئيس مجلس إدارة مؤسسة (14 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر) رئيس التحرير في الندوة التي نظمتها مؤسسة (اليمن للثقافة والتنمية السياسية) بعنوان (دور الإعلام في اسناد الحوار الوطني) والتي ترأس جلساتها د. عبدالكريم الارياني رئيس اللجنة الفنية التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني .









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024