جبابرة الشام (الكنعانيون) وفراعنة مصر من أصول يمانية(1-3) المؤلف المعروف بـ ( ديوان المبتدأ، والخبر في أيام العرب، والعجم، والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، والذي يتكون من سبعة مجلدات هو المؤلف الضخم الذي شهر به المؤرخ اليماني عبدالرحمن بن خلدون (808 هـ،ومنه المقدمة" المشهورة التي تعد مفخرة في التأليف العربي، لأنها أول بحث جامع في علوم الاجتماع، والسياسة، وفلسفة التاريخ. أما مؤلَّف: "اليمن في تاريخ بن خلدون" فهذا هو عنوان الكتاب، وموضوعه للمؤرخ اليماني المعاصر، محمد حسين الفرح، والذي يعد – هو كذلك – مفخرة للمؤلِّف الذي تتبع من خلاله كل ما ذكره ابن خلدون عن اليمن واليمانيين منذ أقدم الأزمنة؛ ابتداء من القرن (500 ق.م) وحتى القرن الرابع عشر بعد الميلاد، أي ما يقارب ستة آلاف سنة، مبتدئاً بـ (الطبقة الأولى، وعصرها بزعامة "عاد الأولى"، ثم الطبقة الثانية بزعامة بني قحطان متسلسلاً بالأخبار عن اليمانين، وملوكهم ودولهم، ومدنهم، وحراكهم السياسي والحربي والجغرافي مروراً بالعصر الإسلامي وحتى عصر الدويلات، ووصولاً إلى الدولة الرسولية، وتحديداً عند سابع ملوكها. وهو "الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل الذي تولى الحكم عام 778هـ، والذي توفي قبل ابن خلدون بأربعة أعوام وهو العام 803هـ. وإذا كان كل ذلك تعرض له ابن خلدون في ديوانه على غير اتساق أو انتظام واحد، فإن جهد مؤلفنا المعاصر يتمثل في تجميع ما تفرق، وتشذر في الثنايا والفصول، وترتيب المتداخل منها مع غيرها من الأخبار، فحقَّق وهمَّش واستحدث عناوين فرعية، وصوب كثيراً من الأخبار التاريخية معتمداً على مصادر موثقة بما في ذلك تصويب، بعض العناوين في كتاب ابن خلدون وعبر عن كثير من العناوين بألفاظ أخرى لها نفس معاني ابن خلدون لتقريبها من القارئ. كما أن الهوامش، والتحقيقات والتوصيات كادت تستهلك نصف الكتاب، إن لم تكن أكثر من النصف، وهو تبرير للجهد الكبير الذي بذله الباحث في إخراج هذا المؤلف إلى القارئ المعاصر الذي يهمه هذا المرجع.. وهذا استعراض موجز لكتاب يتألف من (680) صفحة، وفي اثنين وعشرين فصلاً، حيث تضمن الفصلان: الأول والثاني على إخبار مفصل للطبقتين الأولى والثانية من العرب، وسمى الطبقة ا لأولى بـ (العرب العاربة)، وهي "تلك التي ملكت جزيرة العرب، ممتداً ملكهم إلى الشام ومصر...)، وإلى "عاد" ينتسبون، والذي يقال عنه بأنه كان مزواجاً، وبلغت نساؤه الألف أمرأة وامتد عمره إلى ألف ومائتي سنة،وهم المذكورون في كتاب الله تعالى حين عصوا نبي الله "هود" فعوقبوا بانقطاع الأمطار عنهم، وبالرياح، ومن نسل عاد" يجئ "يعرب بن قحطان" ومن قبائل هذه الطبقة – كما يذكر الكتاب- "ثمود"، والذين سكنوا بـ "الحجر ووادي القرى- بين الحجاز والشام- أما عن سبب نحتهم للبيوت في الجبال والصخر، فيفسر ابن خلدون ذلك بأن "أعمارهم كانت تطول، فيأتي البلاء، والخراب على بيوتهم" وهو ما جعلهم يتخذون من الجبال بيوتاً،ومن الصخر. عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه- وقد مروا في غزوة تبوك بقرى ثمود- لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا وأنتم باكون أن يصيبكم ما أصابهم، ونهاهم عن استعمال مياههم. وقد كان جيل بني عاد- كما يذكر الكتاب- هو جيل العمالقة، والذين انقرضوا على يد يعرب بن قحطان ومن بقي منهم تفرق في أرض المدينة، وأرض إيلة، والشام. قال الطبري "وكانت الفراعنة بمصر منهم" – أي من قوم عاد- كما كانت الجبابرة في أرض الشام، منهم كذلك، ويقصد بهم" الكنعانيون" وعلى هذا القول: قول الطبري- يؤكد ابن خلدون كما يؤكدها الباحث محقق الكتاب من خلال ذكره للدراسات والنقوش الحديثة التي كشفت هذه الحقائق. عن الطبقة الثانية وهم بنو قحطان، والمعروفون بـ "اليمنية، والسبائية"، فإن قحطان – كما يذكر- يعد أبا اليمن كلها- وعن سبب تسميتهم بـ "العرب المستعربة" يذكر الباحث في هامش صـ 26 ما يأتي- نقلاً عن مصادره- "لأن قحطان تعلم اللغة العربية ضرورة من الجيل السابق، ولا يمكن أن يتكلم بها من ذات نفسه". وعن "قحطان" يقول ابن خلدون: "الاسم معرب "يقطن" لأنه اسم أعجمي "وعن نسبه ففي ذلك اختلاف وأرجحُ نسبٍ يراه ابن خلدون: قحطان بن يمن بن قيدر، أو "الهميسع بن يمن بن قيدار" ولعلنا ندرك- هنا- بأن اليمن إنما سميت كذلك نسبة إلى "يمن بن قيدر" والد قحطان وهو ما يميل إليه محقق الكتاب – كذلك- وعن نسبة قحطان إلى إسماعيل عليه ا لسلام فإن الكتاب يخلص إلى نفي صحة ذلك النسب ويؤيده المحقق مستشهداً بـ قدمية" قحطان على إسماعيل عليه السلام. وعن "يعرب بن قحطان نذكر الحقائق الآتية: كان من أعاظم ملوك العرب/ وأول من ملك بلاد اليمن القديم كلها في الزمن القديم/ وكان أول من حياه قوم بتحية الملك.. يفسر المحقق هذه التحية بقوله: "تحية الملك هي "أبيت اللعن"، "أنعم صباحاً" ومن الملوك الذين حكموا اليمن من أبناء "يعرب": عبد شمس، وهو "سبأ" وكان أول من سنَّ السبي في الغزوات، و"أشهر أولاده: حمير وكهلان اللذان منهما الأمتان العظيمتان من اليمنية: أهل الكثرة،، والملك والعز، وملوك حمير منهم أعظمه، ومنهم تبع التبابعة" وإليه ينسب بناء سد مأرب على قول. في نهاية الفصل الثاني يورد المحقق ملحقاً كرونولوجياً"بـ (ملوك عصور دولة اليمن السبائية،وقسم عصورهم إلى أربعة أقسام: ملوك العصر الأقدم سبأ الأكبر، وأولهم وآخرهم أربعة ملوك من بني حمير الأكبر وكهلان. وهي الفترة الممتدة من (3500) ق.م- (2750 ق.م) ثم ملوك العصر الأول (2750-2120 ق.م) وأولهم الهميسع بن حمير الأكبر وآخرهم الملك وائل بن العوث، إذ بعد ذلك كان مجيء النبي إبراهيم عليه السلام إلى مكة ثم ملوك العصر الثاني (2120- 1793ق.م) أولهم سبأ الأوسط، وآخرهم الملطاط (سين مبلاط) ثم ملوك العصر الثالث عصر عاد. وإرم (1792-1500ق.م) وكان أولهم شمس عاد بن المبلاط، وآخرهم "إلى شدد" ويأتي الفصل الثالث مخبراً عن الآتي: - ملوك العصر الثاني لـ "تبابعة" سبأ. - العصر الثالث لملوك سبأ التبابعة الحميرين. - العصر الرابع، والأخير لـ "ملوك سبأ التبابعة"الحميرين، ثم ملحق "كرونولوجي" ترتيبي لـ "أزمنة ملوك سبأ التبابعة، وعصورهم. وعن ملوكهم فإن كل واحد منهم كان يلقب بـ (التبع).يقول السهيلي "معنى تبع: الملك بفتح الباء- وقال صاحب المحكم بأن تبع: المتبوع بغيره "فإذا هلك أحدهم قام آخر تباعاً له في سيرته، وزادوا الباء لإرادة النسب. ومن التبابعة "الهدهاد بن شرحبيل" الذي تولت الحكم بعده ابنته "بلقيس" – الملكة المعروفة والتي ينسب إليها بناء سد مأرب على أحد الأقوال، وقبل بأن زواجها من "ذي تبع ملك همدان" كان بأمر من سليمان عليه السلام، (إلى هذا الرأي يميل محقق الكتاب) وقد تميز العصر الثالث من ملوك سبأ من التبابعة الحميرين من حيث اللقب الملكي، واستشهد المحقق على ذلك بـ (نقوش المسند): "ملك سبأ وريدان" كناية عن التقسيم الإداري اللا مركزي لليمن آنذاك الذي صار إلى قسمين كبيرين: سبأ وريدان، أي سبأ وحمير. ومن ملوك هذا العصر "شمر يهرعش" والذي تأتي أخباره بما يشبه الأساطير وشهر بكثرة فتوحاته وغزواته التي وصلت إلى "سمر قند" وهي البلاد المعروفة،وقد وصلت فتوحاته – كما يذكر- ابن خلدون- إلى أرض العراق، وفارس، وخراسان، وخرَّب مدينة "الصغد" وراء جيجون، وقاتل "كيكاوس" ملك الفرس، وقيل أنه ملك بلاد الروم. |