الإثنين, 29-أبريل-2024 الساعة: 07:36 ص - آخر تحديث: 01:15 ص (15: 10) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت-ترجمة: خالد طه الخالد -
اليمن.. بين سماء وأرض
مجلة لوفيغارو
----------
باسكال وماريا ماريشو يتملكهما عشق فريد، إنه اليمن. فمنذ خمسة وعشرين عاماً، طافا بالعربية السعيدة، من موقع إلى آخر ومن قرية إلى أخرى. وأخيراً حلقا بأجوائها واستخلصا منها أول صور جوية لم يسبق لها مثيل.
----------
العربية السعيدة، إنها العربية الخضراء. هذه البلاد التي اشتهرت منذ القِدم وعرفها القدماء باسم العربية السعيدة Arabia Felix هي نقيض البلاد العربية الصخرية والصحراوية. وتُعرف السعيدة اليوم باسم اليمن. أحياناً مزارعها في السماء على ارتفاع يصل إلى 4000 متراً فوق سطح البحر، وجبالها الشاهقة تنصب كماينها للسُحب فتستوقف الأمطار القادمة من المحيط الهندي. وبالتالي مياهها هبة إلهية من الله الذي يسمح بزراعات متنوعة وغنية على مدرجاتها المتراصة في عروض الجبال: ولا غرابة، فاليمنيون حدائقيون ومعماريون وقد استطاعوا، جيل بعد جيل، وبصبر تحويل الجبال إلى مدرجات متتابعة تحتفظ بالحد الأدنى من المياه الكافية لقيام الزراعة.
تتوزع الأراضي بين مجموعة من الأودية والمرتفعات الصاخبة بالسيل البركاني. وتتوزع كل مجموعة من الأراضي بين رجال القبيلة الذين ينتمون إلى جد واحد مشترك وينظمون أمورهم في كونفدرالية قبلية.
قديماً، كانت تُقاس قبيلة ما بعدد بنادقها. ومن جهة أخرى، يتوجب على كل رجل أن يحمل سلاحاً، فالسلاح زينة ذكورية لا غنى عنها. وكل رجل يتكفل بواجب الدفاع عن شرفه وشرف كل من تربطه بهم علاقة نسب.


اليمنيون لديهم شغف كبير بالأسلحة ويستخدمونه وفقاً لقانون خاص وصارم جداً: فمسؤولية القتل جماعية. ذلك أن الفرد، بانتمائه للجماعة، يضمن ويتكافل في أفعال وأعمال اخوانه من أبناء جلدته، وهو مسؤول عن الأعمال التي يرتكبها أي شخص من أقاربه حتى وإن كان بعيداً. وحين يتعلق الأمر بالدورة الجهنمية للثأر، يشارك جميع أفراد العشيرة، العصبة من أجل استيفاء الدين الذي تسبب به أحد الأقارب. وغالباً تُترجم واجبات التكافل، التي تحظى بنفاذ فعال، أولاً من خلال تعاضد وتعاون محل ترحيب الجميع. على سبيل المثال، في القُرى، عندما يتأخر تصاعد الدخان من أحد المنازل عن أولى تباشير الفجر، تسرع الجارات على الفور، ومعهن بعض أقراص الفطير في سلة حلزونية الشكل مغطاة بستارة مطرزة، ويقلقن على صحة الطباخة التي لم تتمكن من أداء واجباتها ويتولين في سد حاجات الأسرة بدلاً عنها.
مزايا الألفة والتماسك بين الرجال تكون في محك الاختبار خلال القيام بالصيد الطقوسي الكبير للوعل الذي يُقام في حضرموت منذ أقدم الأزمان.
الفريق الذي ينجح، بقوة الصبر والاحتمال والمهارة، في جلب الطريدة، يأتي إلى أبواب المدينة ليتلقى ثناء وتقدير الجميع. وتؤدى رقصات تتخلها مناظرات خطابية، وأناشيد بطولية حماسية، تشيد بالصيادين المنتصرين، الذين يحددون بحركات إيمائية، أمام الجميع، اللحظات الحاسمة، قبل أن يتشاركوا لحم الحيوان في وليمة كبيرة حيث تتم التضحية أيضاً بالعديد من الخِراف. ثم تذهب القرون اللولبية والمقوسة الخاصة بالوعل لتزين أركان منزل شيخ القرية، وهي تمثل حماية رمزية قادرة على فقء عين الحسود.
مدينة شبام، المعلقة على تل من الرواسب النهرية والطمي، فوق مستوى الفيضان، والمغروسة في وسط وادي حضرموت، مدونة على قائمة التراث العالمي للإنسانية. وتتكون من 450 منزلاً طينياً، والإمكانية الوحيدة المتاحة أمامها للتوسع نحو السماء لا غير. وهي عن حق مانهاتن الصحراء، والارتفاع الأسطوري للمنازل، 6 إلى 8 طوابق أحياناً، قد شيدته روايات السواح الأوائل الذين كانوا يعدون من الخارج عدد الطوابق من خلال عدد النوافذ دون أن يعلموا أن لكل غرفة نافذتين: الأولى بالقرب من الأرضية لرؤية الخارج، والثانية بالقرب من السقف للسماح بنفاذ أشعة الشمس.
دعانا أحدهم قائلاً:
- تفضلوا بالدخول، اجلسوا بعض الوقت معنا، استريحوا قليلاً، تفضلوا.
تكررت هذه الدعوة ثلاث مرات. فلبينا هذه الدعوة للاستراحة. جلست براحة على سرير من الحبال، وأقبل أحد الجيران. وحين عرف أننا ننوي الذهاب إلى قمة الجبل، أشار بإصبعه الخشنة إلى قدميّ الناعمتين جداً وقال:
- بهذه، من الصعب الوصول إلى الجبل.
لكن بعد أن طمأنته بوجود أحذيتي الخاصة استطعنا الذهاب نحو القمم.
الجماعات الصغيرة المستعجلة التي تأخرت في السوق تجاوزتنا وعرضنا عليها أن نمضي سوياً وفقاً للمثل اليمني القائل: "الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق".
وحين وصلنا سفح الجبل، كان الجميع ينادوننا بأسمائنا بالرغم من أن هذه أول زيارة لنا إلى هذه القرية! ذلك أن الأخبار تنتقل سريعاً بواسطة النساء التي تتنقل لجلب الماء والكلأ...
لمحنا راجح، ونحن ماضين بجانب المنازل، فخرج من منزله وتقدم نحونا قائلاً:
- تفضلوا لشرب القهوة.
فقبلنا الدعوة، وأخذنا راجح إلى سطح المنزل حيث رأينا حبات البن المنشورة بغرض تجفيفها على سجاد باهت الألوان، وأكد لنا راجح بالفعل أن كرم الضيافة هنا ليس خرافة حين قال بصوته الجهوري:
- امكثوا هنا حتى الغد، فهنالك عرس كبير...
مع سطوع أولى النجوم في السماء بدأت نوافذ المنازل المعلقة على السفوح تضيء الواحدة تلو الأخرى. في هذه المرة الأولى مكثنا ثمانية أيام، تبعاً لإلحاحه في الطلب منا البقاء لحضور طقوس العرس الفرائحية. هنا الغد لا يعني اليوم التالي، بل كل الأيام المقبلة. والغد ليس إلا لله.

التشارك في العيش والملح، هذا يعني عهد العادة المقدسة لحماية الضيف. فالأكل التي يتناوله غريب مع المضيف ينزع فتيل كل إمكانية عدوانية، ويتولد عنه واجب الأخوة التي تربط الضيوف في ميثاق، كما لو أن الطعام الذي تم تناوله سوياً يخلق دم مشترك. فبمجرد ما يتناول أي زائر وأي غريب على القبيلة كسرة صغيرة من العيش والملح، يحظى بالحماية من قِبل أولئك الذين كسر معهم هذا العيش وهذا الملح.

فضلاً عن هذا، لا يجرؤ أحد على البدء في الأكل دون أن يعرض على من حوله، أو دون أن يدعو إلى مشاركة رفيق الطريق، هذه الأخوة الناتجة من الطعام المشترك بين أبناء الله تتجلى دون استثناء: مثلاً، يمد لك جندي الحراسة واحد من ثلاثة أقراص الخبز الصغير من مخصصه اليومي ومعه تمرة ليقطع في الطريق صيام رمضان. أو في شباك الصرف في البنك، لا يتردد الموظف في عرض عليك جزء من وجبته التي يستعد لإخراجها من درج مكتبه.









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024