كشف أقنعة كبار الجواسيس لم تعد سرية أجهزة الاستخبارات في العالم والغموض الذي يلف قادتها وعناصرها هو السبيل الوحيد لعمل ناجز لها، وفي السنوات الأخيرة تبين مع ثورة الاتصالات المتسارعة والانفتاح العالمي أن العمل السري الذي تمارسه هذه الأجهزة لم يعد الوسيلة الوحيدة لضمان الانتصار في هذه المعركة الجاسوسية أو تلك وتحقيق هدف مؤزر في مرمى الخصم. وإذ دول غربية كثيرة بادرت إلى كشف أقنعة أجهزتها وأساليب عملها أمام مواطنيها لا بل أمام الخصوم، وذلك عبر تخصيص مواقع لها على شبكة الإنترنت، وكذلك الكشف عن أسماء قادتها وعناصرها الكبار مثل ما تفعله الولايات المتحدة وبريطانيا، فإن دولا عربية بادرت الى فعل الشيء ذاته مضاهية نظيراتها في تلك الدول. ولعل إعلان تسمية الأمير بندر بن سلطان قبل شهرين أمينا عاما لمجلس الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية وكذلك نشر تفاصيل مهمات المجلس ومن بعدها الكشف عن اسم رئيس الاستخبارات الجديد وهو الأمير مقرن بن عبد العزيز يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح. وكذلك سواء بسواء فعل الأردن في الكشف عن قادة أجهزته الاستخبارية، حتى أن جهاز الاستخبارات العامة الأردني له موقع على الشبكة العنكبوتية يتحدث عن مهمات الجهاز. وإليه، فإنه من بعد تاريخ غامض في عالم كله أسرار تقترب من الأشباح والرهبة، وهو امتد لما يقرب من التسعين عاما، فإن جهاز الاستخبارات الداخلي البريطاني المعروف باسم (إم آي 5 ) وهو مختصر للاسم القديم (Military Intelligence section 5) بدأ في الأيام الأخيرة بالكشف عن كبار قادته ورجالاته الذين لفهم الغموض منذ إنشاء الجهاز في العام 1909 مرورا بكل الأحداث الكبيرة التي عاصروها ومن بينها حربان كونيتان كبيرتان. وليس فقط هو الكشف عن أسماء وهويات هؤلاء، بل أيضا عن صورهم حيث تنشر لأول مرة بعد أن كانوا غامضين يثيرون الرعب في نفوس من يسمع بهم سواء في معسكر العدو أو الصديق. وهؤلاء الرجال الذين احتلت صورهم ومهماتهم عبر عقود من الزمن موقعا أقامه جهاز الاستخبارات الداخلي على شبكة الانترنت، كانوا أدوا مهمات جبارة لوطنهم كجواسيس كبار في حقب خطرة. وقالت صحيفة (صنداي تلغراف) في تقرير لها اليوم، إن الكشف عن أسماء هؤلاء الجواسيس الكبار، جاء تنفيذا لطلب من مديرة عام الجهاز إليزا مانينغهام بولر، وهي ثاني سيدة تحتل مثل هذا المنصب الخطر في بريطانيا، وذلك في إطار توجهات "نحو المزيد من الشفافية والانفتاح في عمل أجهزة الاستخبارات". رئيسة جهاز ام آي 5 الحالية يشار إلى أنه حتى العام 1993 ، كان رؤساء الحكومات البريطانيون يقررون في شكل سري تعيين مدراء أجهزة الاستخبارات من دون الكشف عن هوياتهم أو صورهم للجمهور على اعتبار أن هذا الإجراء جزء من أسرار الدولة المهمة. وظل مدراء وكبار جواسيس غير معروفين إلى الآن بسبب ذلك. ولكن يبدو انه مع انهيار الاتحاد السوفياتي السابق في مطلع التسعينات الفائتة، حيث كانت حربا جاسوسية ضروسا معه، فإن هذه السرية والانغلاق لم تعد هدفا بحد ذاتها. ولذلك كانت الليدي ستيلا ريمنغتون أول سيدة يعلن اسمها حين تقلدت منصب المدير العام لجهاز إم آي 5 في مطلع التسعينات حتى أن هذا الجهاز الذي تطور مع الأيام منذ إنشائه في العام 1909 بمهمات متعاقبة كثيرة، صار يعلن عن وظائفه الشاغرة وشروط المتقدمين لهذه الوظائف عبر الصحف والمواقع الالكترونية وكذلك الحديث بشفافية كاملة عن مهمات الجهاز في سبيل المزيد من التعاون في المجال الأمني على اعتبار كل مواطن خفيرا على الأمن القومي. ستيلا ريمنغتون اول رئيسة استخبارات يكشف عن هويتها ويشار في الختام، إلى أن من بين الأشخاص الذين كشف عنهم على موقع جهاز الاستخبارات الداخلي على شبكة الإنترنت، عدد من الذين أداروا هذا الجهاز منذ تأسيسه قبل 95 عاما، ومن بينهم أول رئيس له الكابتن فيرونون كيل، وخلفاؤه ألـ 15 إلى هذه اللحظة. ومن بينهم الريغادير أيه هاركر ثم السير ديفيد بيتري والسير بيرسي سيلليتو، والسير روجر هوليز، والسير مارتن فيرنيفال والسير باتريك ووكر، والسير ستفين لاندر، ثم السيدتان ستيلا ريمنغتون وأليز مانينغهام بولر اللتان يعرفهما المواطنون البريطانيون جيدا بصورهما التي تنشرها الصحف بلا غموض أو أسرار. |