الأربعاء, 24-أبريل-2024 الساعة: 09:02 ص - آخر تحديث: 02:23 ص (23: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمرنت - إسلام أون لاين -
الحج ووحدة الشعوب والقلوب
هل أنت قريب عهد بالاطلاع على خريطة العالم الإسلامي، وعلى موقعها من الخريطة الجامعة؟.

إن لم تكن قريب العهد بها فإننا نعيدها إلى ذاكرتك، ونقرب لوحتها إلى خيالك، حتى كأنك تراها رأي العين.
جاوز ببصرك منطقة الثلوج المتجمدة في شمالي القارات الثلاث، وجاوز ببصرك من الناحية الأخرى منطقة الثلوج المتجمدة في جنوبيها، وتخط كذلك المناطق المتاخمة لهاتين المنطقتين، أو القريبة منهما، فإذا جاوزت هذين الطرفين في أعلى الخريطة الجامعة وأسفلها فأقبل الرقعة المتوسطة بينهما، مبتدئا من أقصاها في المغرب على شاطئ المحيط الأطلسي متجها نحو المشرق وانظر ما ترى.
إنك سترى رقعة فسيحة الأرجاء متلاحمة الأجزاء، تصطبغ بلون واحد، وترتسم أمامك في صورة طريفة تستوقف النظر وتستأثر بالانتباه، إنها صورة جمل ضخم، قد برك على الأرض بمؤخرته، ولكنه أخذ يهم بالنهوض، فنصب ساقيه الأماميتين، ورفع رأسه ومد عنقه، وقد سحب إلى الأمام من مشفرة بحبل، وتدلى من عنقه حبل ثان، واجتذب إلى الوراء من منكبه بحبل ثالث، كأنه المقود في يد الراكب.
أما مبرك الجمل فهو الجزء الأعظم من القارة الأفريقية، أعني كتلتها العظمى المحصورة بين المحيط والبحر الأبيض والبحر الأحمر، وأما ساقاه الأماميتان فهما الصومال وأوغندة، وأما صدره فهو جزيرة العرب وما يليها من الشمال، وأما عنقه ورأسه الممتدان في قلب القارة الآسيوية فهي بلاد إيران وأفغانستان وباكستان وما فوقهن، وأما الحبلان الممدودان من مشفره ومن عنقه فهما سلسلتان من الأقاليم الآسيوية تمتد إحداهما إلى أقصى الشرق على المحيط الهادي أمام الجزر اليابانية، وتمتد الأخرى إلى الجنوب حتى تعبر القارة الآسيوية عند ملتقى المحيطين الهادي والهندي وهناك تؤلف مجموعة الجزر الإندونيسية، وأما المقود الذي يجذبه من منكبه إلى الوراء فهو سلسلة من الأقاليم الأوربية تبتدئ من الأقطار التركية، وتسير في اتجاه شمالي غربي حتى تصل إلى قرب بحر البلطيق.

كان لهم أن يعتذروا؟!
دع عنك الآن هذه التفصيلات الجزئية وألق على الخريطة نظرة عامة جامعة:
أرأيت الكتلة العظيمة المعترضة في صلبها من الغرب إلى الشرق، وسطا في موقعها بين الشمال والجنوب، وسطا في جوها غالبا بين البرد القارس والحر اللافح؟.
في هذه الرقعة الوسط، وفي هذا الجو الوسط، تستوطن الشعوب الإسلامية التي جعلها الله أمة وسطا، وسطا في عقيدتها متجافية عن طرفي الخرافة والجحود، وسطا في شريعتها نائية عن طرفي الواقعية الجامدة القلب، والمثالية الذاهلة العقل، وسطا في مطامعها بعيدة عن طرفي القناعة الذليلة والحرص الجشع، وسطا فيم وقعها بين المعسكرات المتنافرة المتناحرة، وسيط سلام بينهما، وداعية أمن وطمأنينة للإنسانية كلها.
هذه الأمة كما جعل الله لها من وضعها الجغرافي وحدة طبيعية جامعة جعل لها من عقيدتها وشريعتها وحدة روحية جامعة: وحدتين لو أثمرت كل منهما ثمرتها في مجالها لكان من شأنهما تحقيق السعادة الكاملة للمجتمع الإسلامي، كان من شأن الوحدة الجغرافية أن تمحو من بين أقطار الإسلام تلك الحواجز الإقليمية في شئون الاقتصاد والإنتاج، وأن تيسر توزيع ثورتها المادية بينها توزيعا ينشر فيها الرغد والرخاء، ويحقق لها الاكتفاء الذاتي والاستغناء عما سواها، وكان من شأن الوحدة الروحية أن تتغلب على تلك الفوارق والسطحية بين شعوب الإسلام في ألسنتها وألوانها، وفي مذاهبها وعاداتها، وأن توحد أو تجانس بين مناهجها التثقيفية ومبادئها التشريعية، وأن توجه رؤوسها المفكرة التي تبادل نتاجها العلمي والأدبي، ورؤوسها المدبرة إلى تنسيق خططها السياسية والاجتماعية، وأن توجه جيوشها إلى التكتل في الدفاع عن كل شبر من أراضيها، فكلما اشتكى من جسم الإسلام عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحماية والرعاية.

نعم.. لقد كان من شأن هذه الوحدة المزدوجة أن تجعل الأمم الإسلامية من أرغد الأمم عيشا، وأعظمها قوة، وأتمها عزة، فيا ليت شعري ما الذي قعد بها عن بلوغ هذه الغاية العليا بعد أن وضعت المقادير في يدها مفاتيحها المادية، وبعد أن وضع الإسلام في يدها مفاتيحها الروحية؟.

لقد كان المجال يكون فسيحا في الجواب عن هذا السؤال، وفي التماس العذر للمسلمين عن هذا القعود لو كان الإسلام اكتفى بتقرير هذه الحقائق والمبادئ؛ إذ كان لهم أن يعتذروا الحق بأنها حقائق نظرية لا يدركها إلا الأفذاذ الذين تتسع آفاقهم حتى يستوعبوا خريطة العالم الإسلامي في نظرة، ويستوعبوا عقيدة الإسلام وشريعته في فكرة.
ثم كان لهم أن يعتذروا بأن إقامة هذه الوحدة عبء جسيم لا يسعى إلى حمله طائعا مختارا من بين هؤلاء الأفذاذ إلا عبقري يؤمن في قرارة نفسه بأن له رسالة إصلاحية في هذه العالم، أما الجماهير والدهماء فإنهم لا يمتد نظر أحدهم إلى أبعد من قطره أو إقليمية، بل ربما لا يتجاوز خياله حدود قريته، أو نطاق حرفته.
فالرجل الذي لم ير في حياته هنديا ولا صينيا ولم يعرف روسيا ولا تركيا، ولم يعامل صوماليا ولا سنغاليا، كيف نطالبه بأن يفكر في كل هؤلاء وأمثالهم، وأن يهتم بشئونهم وشئون أقوامهم؟.
ألا فقد أبطل الإسلام هذه الحجة، وأغلق الباب أمام هذا الاعتذار؛ إذ لم يكتف بتقرير هذه الحقائق النظرية، ولكنه وضع إلى جانبها نظاما دقيقا إلزاميا وهيأ لتحقيقها فرصة عمل سنوية يجمع بها العالم الإسلامي مركزا في بقعة.
القطب المغناطيسي الروحي!
أتدري ما هذه البقعة؟ إنها المحور الذي يلتف حوله أقطار الإسلام على بعد متناسب من كل جانب، إنها القطب المغناطيسي الروحي الذي تنجذب إليه أفئدة المؤمنين من كل فج عميق، إنها الكعبة: البيت الحرام، ومكة: البلد الحرام، ومنى: معسكر الحرام، وعرفة: عتبة باب الحرم، ذلكم هو مهد الإسلام في طفولته ومبعث نشاطه في فتوته، جعل الله الورود إلى هذا المنهل الأول فريضة حتما على كل مسلم يستطيع إليه سبيلا، ولو مرة في حياته، فليس لأحد منهم إذن أن ينطوي على نفسه في قطره أو إقليمه، وأن يقول: إني لم أر في حياتي مشرقيا ولا مغربيا، إنه يجب عليه دينا أن يرحل ليرى ويسمع، وليندمج في هذه الكتلة الإسلامية الكبرى، بل إننا لو فرضنا أن كل فرد أدى هذه المرحلة المفروضة، فإنه لا يباح لجماعة المسلمين أن يقطعوا هذه الشعيرة الموسمية، ولا مناص من أن تتجمع الوفود الإسلامية هنالك في كل عام في وقت واحد في صعيد واحد، بل في زي واحد، وأن ينشدوا جميعا نشيدا روحيا واحدا، تردد معهم الجبال والأكمات فتتجاوب أصداؤه في قلوبهم، وتنصر نفوسهم حتى تعود سبيكة واحة في بوتقة الشعور المشترك، والوجدان الموحد.
تلك هي تجبرة الوحدة الروحية، تكملها وتتوجها تجربة الوحدة الاجتماعية، ذلك أن الإسلام لم يجعل الحج عبادة وحسب، ولكنه جعل في الوقت نفسه قياما للناس وموسما لتبادل مصالحهم في مختلف وجوهها وأنواعها، بل إنه لأمر ما جعل هذه قبل تلك في معرض بيانه للغاية المنشودة من رحلة الحج، ألا نسمع إلى قول الله -جلت حكمته-: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ}.
إنه تطبيقا لهذا المبدأ الحكيم كان من واجبات الحج بعد أداء مراسمه أن يخلع الناس ثياب عبادتهم المتقشفة، وأن يمكثوا هنالك فترة يعودون فيها إلى مجرى حياتهم العادية متكشفا كل منهم عن زيه ومهنته، وجنسه ولهجته، ليتعاملوا ويتشاوروا ويتعاونوا، وهم في أوضاعهم الطبيعية، حتى تبرز بينهم صورة هذه الرحلة الإسلامية المختلفة المظهر، المؤتلفة الجوهر.
هل فقه الناس إذن مغزى هذه الشريعة؟ وهل أدركوا أن تكرار هذه التجربة كل عام في شكل مصغر إنما هو دعوة إلى تجربة أمثالها كل آن في نطاق أوسع، وعلى مقياس حقيقي مكبر على كل المستويات؟.

* الدكتور محمد عبد الله دراز "رحمه الله" من أعلام العلماء المجددين عضو جماعة كبار العلماء وشيخ الأزهر سابقا.
*إسلام أون لاين








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024