حوار العرب وأميركا: 7 أسباب تغذي مدّ الكراهية في استطلاع للرأي الأمريكي أجرته صحيفة الواشنطن بوست مؤخراً جاء أن 46 في المائة من الأمريكيين ينظرون للعالم الإسلامي العربي بصورة سلبية. وقال جيمس زغبي رئيس المعهد الأمريكي العربي أنه لم يفاجأ بهذه النتيجة، إذ أن العالم الإسلامي العربي يتعرض لتشويه مستمر لا سيما منذ عام 2001. هذه الصورة لعالمنا الإسلامي والعربي ليست مجرد ظاهرة إعلامية وسأتناولها في مقام آخر. الظاهرة التي سأتعرض لها هنا هي درجة الكراهية للولايات المتحدة الأمريكية في العالم الإسلامي والعربي، التي صارت تحاصر العلاقات بين طرفيها، وفي نظر كثيرين تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة. المغرضون يقولون مع غلاة المفكرين الغربيين إن هؤلاء يكرهوننا لذاتنا لا لسياساتنا. وآخرون من غلاة الساسة المنتشين بغرور القوة يقولون: ما علينا نحن أمريكا! ولكن كثيرين من باحثين ومفكرين وكتاب وساسة وصحفيين لم يقفوا عند حد تلك السذاجة، وجدّوا في البحث عن إجابات عاقلة. في الأسبوع الأول من الشهر الجاري (مارس) دُعينا إلى حلقة دراسية نظمها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالتضامن مع معهد بروكنز الأمريكي تدارست العلاقات العربية الأمريكية، في واحد وعشرين ملفاً واستمرت خمسة أيام حسوما. كانت المواد المطروحة هامة وكان مقدموها خبراء في مجالاتهم، وكان التناول جاداً وربما أقدمت إدارة الندوة على نشر وقائعها تعميماً للفائدة. تعرضت كثيراً لسؤال ملح: ما الخطأ في السياسات الأمريكية الذي يفسر هذه الدرجة البالغة من الكراهية ويجعل التصدي لأمريكا الكرت الرابح الأول في المنطقة؟. هذا موضوع واسع ولا يوفيه حقه إلا كتاب يحيط بالموضوع من كافة جوانبه. ولكن في هذا المجال المختصر سأركز على سبعة ملفات تصنع وتُغذي الكراهية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية. أولاً: تطابقت السياسات الأمريكية بصورة غير مسبوقة مع سياسات اليمين الإسرائيلي، فانطلت صورتها بصورته ولا يسعفها إلا فك هذا التحالف، والانتصار لأصحاب الحق المغصوب والسعي لإقامة سلام عادل شامل. ثانياً: هوس المحافظين الجدد أدى لنهج أحادى استباقي أمريكي في السياسة الدولية، وكان غزو العراق من نتائج هذا النهج. غزو العراق خلط عملاً حسناً هو إزالة نظام فساد واستبداد ومحاولة إقامة شرعية ديمقراطية للحكم في العراق، بعمل آخر سيئ هو غياب الوفاق الوطني العراقي واستمرار الاحتلال الأجنبي، مما خلق ظروفاً دفعت بالعراق إلى مشارف حرب أهلية، وإذا لم تُطفأ نيرانها بسرعة فإنها سوف تكرر في العراق مأساة لبنان وتجذب إلى ساحتها حرباً إقليمية، ليصبح تحقيق وفاق عراقي يشمل كافة الأطراف بما في ذلك المقاومة العراقية وجلاء القوات الأجنبية، هما السبيل لوقف المأساة. ثالثاً: لا أحد ينكر مشروعية الحرب على «الإرهاب» ولكن السياسات الأمريكية ارتكبت خطأين في هذا الصدد هما: أولاً: الخلط بين الإرهاب وحركات التحرير المشروعة دولياً. ثانياً: التعامل مع الأسرى والسجناء بصورة تخرق القانون الإنساني الدولي وتعريض أهداف مدنية للخطر. رابعاً: مشروع الشرق الأوسط الكبير مفهوم جيو سياسي له مقومات موضوعية. ولكن طرحه بالطريقة الأمريكية يتجاوز روابط إسلامية حقيقية بين شعوب المنطقة، وروابط قومية عربية بين شعوب شمال أفريقية وغرب آسيا، ويطيع الدور الإسرائيلي رغم احتلال إسرائيل لأراضي الآخرين. خامساً: الإصلاح السياسي الديمقراطي مطلب شعبي تتمسك به شعوب المنطقة والتبني الأمريكي له يجد ترحيباً واسعاً. ولكن المبادرات الأمريكية في هذا الصدد تتجاهل القوى السياسية والمدنية ذات المصلحة الحقيقية في التحول الديمقراطي، وتتعامل مع جماعات محظية لديها ودول تفرغ الإصلاح الديمقراطي من معناه. سادساً: الاتفاقية الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية إنجاز دولي عظيم والسياسات الدولية الهادفة لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل سياسات حكيمة وضرورية، ولكن سياسات الولايات المتحدة التي تكيل بمكيالين في هذا المجال ساهمت وسوف تساهم في إبطال مفعول تلك الاتفاقية. الاتفاقية الدولية تحظر انتشار التسلح النووي، ولكنها لا تحظر انتشار التكنولوجيا النووية وأمريكا تساعد بعض الدول التي لم توقع على الاتفاقية في مجال التكنولوجيا النووية لأغراض مدنية كما فعلت مع الهند مؤخراً. ولكنها تمتنع عن ذلك مع دول أخرى حتى إذا كانت متحالفة معها كما هو الحال مع باكستان. تهتم السياسة الأمريكية بالتزام دول كثيرة عدم الحصول على تسلح نووي ولكنها تستثني دولاً أخرى مثل إسرائيل. تحرص الولايات المتحدة على منع انتشار أسلحة الدمار الشامل مع حرصها هي على امتلاكها وتطويرها باستمرار وتعلن أمريكا سياسة دفاعية تمكنها من التحرك العسكري الأحادي الاستباقي. وتصنف دولا معينة بأنها «محور الشر» ، مما يخلق لديها حافزاً قوياً للاستعداد لمواجهة الغزو الأمريكي المحتمل بكل الوسائل الرادعة. وفي الوقت نفسه تطالبها أمريكا بالامتناع عن أسلحة الدمار الشامل! سابعاً: منذ عام 2002 اتخذت الولايات المتحدة سياسة عاقلة نحو السودان وساهمت بذلك مساهمة فاعلة في سلام جبال النوبة. وفي إبرام اتفاقية السلام في يناير 2005 م. هذا العمل الحسن خلطته السياسة الأمريكية بآخر سيئ يوشك أن يقوض جدوى إنجازها. حرصت على تأييد الاتفاقية رغم ثنائيتها دون اهتمام بتطويرها لتصير شاملة. وعلى قدر التلفظ بالديمقراطية لم تهتم بالتحول الديمقراطي الحقيقي. بل ساندت حرص طرفي الاتفاقية على إقامة تمكين ثنائي على حساب الآخرين، فأضرت السياسة الأمريكية بمصداقيتها بتعاملها بازدواجية مكشوفة بين طرفي الاتفاقية وفي داخلهما. تعكس السياسات الأمريكية السندروم المعروف الذي يخلقه غرور القوة والذي تناوله الأدب الإنساني بكثير من التفاصيل والذي يصوره المثل السوداني «القادر عايب». قضوا باطلاً ومضوا صارما و قالوا أصبنا فقلنا نعم القوة العسكرية والاقتصادية الأمريكية مكنتها من إهمال مصالح ورؤى حلفائها ومصالح ورؤى الشعوب الأخرى، فاكتسبت بغضها وعداءها بدرجة غير مسبوقة. (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) * سورة آل عمران الآية (159) |