وماذا عن مأساة الفلسطينيين في العراق؟ منذ الأيام الأولى لاحتلال العراق والأشقاء المقيمون في بغداد يتعرضون لضغوط وتهديدات مختلفة وصلت ذروتها في الأيام الأخيرة حيث صار هؤلاء الأشقاء يتعرضون للقتل والتنكيل بعد ان تم إجلاؤهم من معظم البيوت التي كانوا يسكنونها منذ وقت طويل. وبدأت وكالات الأنباء تتابع أخبار القوافل الهاربة منهم إلى المجهول. وبالمناسبة أتذكر حديثاً لمثقف فلسطيني زار صنعاء بعد احتلال العراق بوقت قصير، وعندما سألته في جلسة (مقيل) يضم عدداً من الأدباء والشعراء وأساتذة الجامعة الذين ينتمي بعضهم إلى العراق وإلى أقطار عربية أخرى، سألته عن تصوره لما سوف يسفر عنه الوضع في العراق بعد الاحتلال وفي أي اتجاه سيذهب وماذا سيبقى منه للعروبة؟ وأدهشني قوله بلا تردد ان الموقف من الفلسطينيين الذين يقيمون هناك هو المعيار الذي سيحدد الوجه العراقي الجديد، وسيكشف تماماً موقعه من قضايا الأمة إيجاباً وسلباً. فإذا أحسن الوضع الجديد معاملة المقيمين الفلسطينيين ولم يتمكن الاحتلال وتوابعه من مسخ الروح القومية والوطنية والإسلامية فإن العراق سيظل جزءاً من أمته كما ينبغي ان يكون، أما إذا حدث لهم غير ذلك فسيكون الموقف تعبيراً حقيقياً عن أسوأ تغيير في تاريخ هذا البلد العربي العظيم. وتداخل الحديث في تلك الجلسة حيث تحدث أحد الزملاء عن المعلومات الدقيقة التي كانت قد بدأت تتسرب عبر الصحافة ومن خلال القادمين من العراق عن عملاء الموساد الذين دخلوا في جيوب الجنود الأمريكيين والبريطانيين والذين يقومون بدور الأدلّاء والمخبرين وما يمكن ان ينال الفلسطينيين المقيمين في العراق على أيديهم من إيذاء مباشر وغير مباشر. فأجاب الصديق الزائر بأن وجود عملاء للموساد في العراق بات حقيقة واقعة لا يمكن التشكيك فيها، لكن هؤلاء العملاء لن يتمكنوا من عمل أي شيء ضد الفلسطينيين إذا كان أشقاؤهم العراقيون إلى جوارهم يدافعون عنهم ويقدرون ظروفهم. والمشكلة الحقيقية بل الكارثة ستبدأ إذا ما غير الأشقاء العراقيون مواقفهم. واليوم وبعد ما يقرب من ثلاثة أعوام على حديث الصديق الفلسطيني فإن الأحداث المتلاحقة بدأت تكشف عما هو أسوأ بالنسبة للفلسطينيين المقيمين في العراق فقد شرعت وكالات الأنباء تنقل على استحياء أحياناً أخباراً مؤسفة لما يعانيه الفلسطينيون الأمر الذي دفع بعضهم إلى النزوح عن العراق وهذه قوافلهم تعبر الحدود فراراً من ظلم ذوي القربى، وبعض هذه القوافل تتألف من الشيوخ والأطفال والنساء ولا تزال تائهة في الصحراء لأن الأقطار الشقيقة المجاورة للعراق وهي غير محتلة حتى الآن ترفض استقبالهم والتخفيف من معاناتهم وكأن الدنيا قد ضاقت عن استيعابهم المؤقت إلى حين يكتب الله لهم من محنتهم القاسية مخرجاً جميلاً. قد يقول البعض إن العراقيين أنفسهم بمكوناتهم القومية والدينية والمذهبية يعانون من مأساة الاحتلال وتوابعه، وهذا صحيح إلا انهم على أرضهم وبين عشائرهم في حين ان الوضع الخاص بالفلسطينيين يجعل من مأساتهم استثنائية وفريدة. * نقلا عن جريدة "الخليج" الاماراتية |