النظام الامريكي (العربي) يس غريبا أن يكون صوت الأمة العربية " الرسمية " خافتا جدا ، بل يكاد يكون معدوما ، حينما يتعلق الأمر بحقوق الانسان المهدورة في العراق من طرف القوات الامريكية و القوات المتحالفة معها بدءا من جرائم أبو غريب الى حديثة و مرورا بالعشرات من الحوادث التي عرفها العراق بعد دخول القوات الأجنبية اليه في ربيع سنة 2003 م ناهيك عن الجرائم السابقة في حرب الخليج الثانية و الحصار الرهيب الذي أعقبها و خلف وراءه الآلاف من الضحايا ، السبب بسيط و لا يحتاج الى نباهة و قوة تفكير ، عدد كبير من الأنظمة العربية يمارس باقتدار - تحسده عليه القوى العظمى المتعطشة للسيطرة - عملية هضم الحقوق الفردية و الجمـاعيـة السياسيـــــة و غير السياسية و يتفنن في أنواع القهر و الإذلال بمختلف الأنواع على الشعوب . و بما أن حالها كذلك ، كيف لها أن ترفع صوتهـا أمـام الولايات المتحدة الامريكية أو غيـرها تنديـدا بما اقترفته و تقترفه من جرائم في العراق و في غير العراق و هي التي لم يبق لها الا ورقة توت واحدة تسترها لو أسقطتها لانفضح أمرها . تدرك الولايات المتحدة الامريكية جيدا هذه الحقيقة و لها من المعطيات و الدلائل ما تستطيع به تكميم أفواه سادة العرب و المسلمين متى شاءت ، و لها على أراضيها من الأمثلة الحية من المقهورين سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو غير ذلك العشرات - بل المئات - من الأفراد والأسر . نفس الشيء حاصل مع بريطانيا ، الحاضنة التقليدية لكل الهاربين من بلدانهم ، و مع غيرها من البلدان الأوربية . ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية لتجرأ على استباحة أرض العراق و قبلها أراضي أخرى ، و تدعم قوى الغطرسة هنا و هناك و تمكنها لتجثم على صدورنا لو أنها و جدت أمامها مجتمعات متماسكة يرتبط رأس هرمها بقاعدته برباط من العدل و الطاعة و الوفاء معا . مباشرة بعد دخول القوات الامريكية الى العراق ، راحت تروج لأشرطة بصرية تظهر أناسا يتعرضون للتعذيب في سجون النظام العراقي السابق فتحت المجال أمام العشرات من الشهادات من هذا النوع ، رامية بذلك الى اظهار أنها قوة محررة للشعب العـراقي من قيادة لطخت كرامته واستباحت حرمته و أذلته أيما الاذلال . و هي ستلجأ الى تلك الطريقة مع كل نظام عربي أو مسلم يحاول التفكير في الانتفاض على السيطرة الأمريكية و لن تعدم الوسائل و الحجج بالتأكيد حتى مع النظام العراقي الحالي الذي مكنت له بأيديها و أسست لعهده و وضعت أركان حكمه . هذا الأخير ، و بالرغم من الصورة التي يريد أن يعطيها عن نفسه للعراقيين و للعالم أجمع ، فانه ملطخ بما يلطخ كل الأنظمة العربية . لم يكن مفاجئا جدا ما اتى به احد النواب الاردنيين من صور و معلومات عن انتهاكات صارخة لحقوق الانسان في أحد السجون التابعة للداخلية العراقية ببعقوبـة ، من هتك للأعراض و اعتداء على المساجين - معنويا و جسديا – بما فيهم الأطفال بأخس ما يمكن ان يتصوره البشر من أجل انتزاع اعترافات محددة مسبقا . و هذه ليست هي المرة الأولى التي يشار فيها بالبنان الى السلطة الجديدة في العراق على أنها صارت هي بدورها مصدر طغيان و ظلم و استبداد ، و لن تكون الاخيرة ما دام أصل المرض لا يزال موجودا . ما هي القوة التي يملكها نظام مثل هذا في قول كلمة لا للأمريكان و هو بهذا التعفن ؟ هل اهتزت أركان البيت الأبيض الامريكي عندما صرح نائب الرئيس العراقي ، السيد طارق الهاشمي ، في بداية شهر يونيو و قال " نشاطر العراقيين كافة صدمتهم في تلك الجرائم الفظيعة . كنا نأمل و نعتقد أن فضيحة سجن ابو غريب ستكون نهاية المطلق ، لكن يبدو أن سجل قوات الاحتلال زاخر بانتهاكات حقوق الانسان في العراق " ، و هل هرول بوش الى الرئيس العراقي طلبا للعفو و المغفرة و قدم جنوده المتهمين بارتكاب مجازر في حق المدنيين في "حديثة " و غيرها قربانا لنيل رضا العرب و المسلمين ؟ أبدا . لقد صدق من قال أن الولايات المتحدة الامريكية تعلمت من الأنظمة العربية الكثير في مجال انتهاك حقوق الانسان و ها هي قد جاءت تمارس في الميدان ما تعلمته نظريا دون حرج و لا وجل . و ستظل في ارض العراق تستبيح أهله و خيراته في وضح النهار الى أن تجد أمامها أمة يتساوى فيها الرئيس و المرؤوس و الحاكم و المحكوم و يقودها رجال لا يحرجهم شيء و لا يخفون من أمور تسيير شؤون الحكم شيء و يرفعون أصواتهم أمام المحتل بقوة دون خوف من مستور فاضح . |