السبت, 27-أبريل-2024 الساعة: 08:38 ص - آخر تحديث: 02:02 ص (02: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
بقلم / د. راشد شاز -
غدًا فجر جديد
لم يأت العالم الذي نعيش فيه الآن بين عشية وضحاها، فعلى مدار أربعة عشر قرنًا من الزمان، شهد العالم انتقالاً تدريجيًا لعواصم العالم، ابتداء من مدينة النبي r إلى دمشق، ثم بغداد، واستانبول، وأمستردام، ووصولاً إلى لندن، وانتهاءً بواشنطن دي سي. ولا يمكن أن ننكر وجود بعض القوى الأخرى المتمثلة في مجلس الأمن، والتي تظهر على الساحة من حين لآخر، كذلك فإن ظهور الاتحاد الأوروبي وتمثيله للدول التي تحت مظلته، وظهور النمور الاقتصادية الآسيوية قد ولّد لدينا شعورًا بوجود لاعبين آخرين في الأفق يتمتعون بنفس القوة. وهناك حقيقة أخرى على نفس الدرجة من الأهمية، وتتمثل في أن الموارد الكبرى للطاقة التي يحتاج إليها العالم الحديث كي يستمر على نشاطه موجودة في العالم الإسلامي. ونظرًا لأن خمسين بالمائة من موارد الطاقة تقع في خمس دول فقط، فلا يمكن تصور وضع أي تخطيط لعالم المستقبل دون وضع هذه الدول في الاعتبار. ورغم كل ما تقدم، لا يمكن لأحدٍ أن ينكر أن واشنطن دي سي هي العاصمة التي تتحكم في العالم اليوم. وقد تأكد لدينا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتدخل الأمريكي في شئون العالم، فضلاً عن العدوان على بعض الدول، وتنفيذ المجتمع الدولي للأوامر الأمريكية دون نقاش، أن وضع أي خطة لتغيير العالم دون اعتراف حقيقي بالهيمنة الأمريكية سوف تكون خطة غير واقعية.
إن النظرة الواقعية للموقف لا تعني أن النظام العالمي القائم غير قابل للتغيير، فالتاريخ يشهد على أنه لا توجد قوة على الأرض لا تُقهر. ولكن ما يجب علينا أن نفعله هو القيام بتقدير الموقف تقديرًا واقعيًا وصياغة استراتيجية مضادة على هذا الأساس، وعلينا أن نضع في الاعتبار أن الأماني الرومانسية والاعتقادات القائمة على الرغبة وحب الشيء مع البعد عن الواقعية سوف تؤدي إلى مزيد من الويلات للمأزق الذي نعيشه. وعلى الرغم من انقضاء ما يزيد عن أربع سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تلك الأحداث التي رجّت كيان العالم الإسلامي بصورة أكبر مما فعلته بالولايات المتحدة نفسها، إلا أن الأمة وبكل أسف لم تستطع أن تقدم خطة عمل مدروسة بشكلٍ جيد للمستقبل. وفي الحقيقة، لم تمض السنوات الأربع المنصرمة هوينًا على الأمريكيين، فعدم إنجاز المهمة الأمريكية في العراق على نحو غير متوقع، ومراسم الرئاسة غير العملية الخاصة بتولي قرضاي الحكم في أفغانستان، ووصول الجماعات الدينية إلى الحكم في باكستان وفلسطين، والأسوأ من ذلك استمرار الاضطرابات العامة المتزايدة ضد إدارة بوش داخل الدولة، كل ذلك قد أدى إلى وجود بعض العقبات الحقيقية، حتى أننا نسمع الآن أن مستقبل الدولار قد أصبح في خطر، كما توجد بعض التمتمات والبرامج التليفزيونية التي تنادي بمحاكمة بوش. ولا ريب أن مثل هذه الاضطرابات هي ردود أفعال طبيعية للهجمات الإمبريالية الأمريكية، إلا أن كل ذلك يجب ألا يعزز ما نعيشه من وهم يتمثل في أن الولايات المتحدة في تراجع دائم وأن سقوط العاصمة واشنطن دي سي قد أصبح مسألة وقت.
ولو لم يكن هناك آلية متأصلة للإصلاح، لكانت الإمبراطورية الأمريكية قد انهارت تحت أعباء خطاياها الثقيلة، لكن النقد المتزايد الموجه إلى الإدارة الأمريكية من أنها قد ضللت الرأي العام في القضية العراقية، والطريقة التي ظهر بها العديد من المفكرين من رجال الإعلام، والأكاديميين، والسياسيين، وجماعات حقوق الإنسان على الملأ لحماية حريتهم قد أعطى مجالاً كافيًا لتصحيح أخطاء النظام. ومن هنا تأتي قوة الديمقراطية الأمريكية التي تضفي على المجتمع الأمريكي حيوية وقوة دائمة، مما يجعل واشنطن دي سي هي عاصمة العالم في المستقبل المتوقع.
لقد دفع سقوط الاتحاد السوفيتي بعض المفكرين في الولايات المتحدة إلى اختيار الإسلام على أنه الخطر الجديد الذي يهدد المستقبل، وقد لعبت بعض جماعات الجهاد والمنظمات الإسلامية دورًا في تعزيز فكرة أن الإسلام في أساسه وجوهره مناهض للغرب، وكانت تلك الجماعات والمنظمات الإسلامية قد غرتها الأماني الحالمة؛ واعتقدت خطأً أنها لم تقم بهزيمة الاتحاد السوفيتي فقط، ولكنها كانت السبب وراء تفككه أيضًا، كما رأت أنه إذا كان قد أمكنها إجبار السوفييت على مغادرة أفغانستان، فلماذا لا تقم بتدمير القوى العظمى المتبقية والمتمثلة في الولايات المتحدة؟ وفي غضون ذلك الحماس، تجاهلت تلك الجماعات والمنظمات أنه بالإضافة إلى الموارد البشرية التي أمدت بها الأمة الإسلامية أفغانستان، كانت هناك عوامل أخرى على نفس الدرجة من الأهمية تقف مسئولة عن هزيمة الاتحاد السوفيتي. وتجدر الإشارة إلى القصص الأسطورية التي كنا نسمع عنها خلال الحرب الأفغانية، حيث يروى أن العديد من المعجزات كانت تحدث في أرض المعركة، حتى أن الناس قد رأت الملائكة تهبط من السماء، وكما يقال من أن جثث الشهداء كانت تملأ الهواء بأذكى الروائح الطيبة. ورغم أن هذه القصص قد ساهمت في رفع الروح المعنوية للمحاربين، إلا أنها قد غرست في أذهان شبابنا رؤية مستقبلية حالمة. ثم كانت هناك الأساطير الإسلامية التي وجدت لها طريقًا في الفكر الإسلامي السائد، فأسطورة المهدي التي نشأت في القرن الثاني الهجري قد أصبحت جزءًا من النظام الشائع لعقيدتنا، ورغم الأصل الغريب لهذه الأساطير، إلا أن أسطورة (المهدي والمسيح والمجدد) قد اعترضت ظهور وجهة النظر المنطقية بين المسلمين، فلم يكن هجوم جهيمان العتيبية وأتباعه على الحرم المكي في أوائل القرن الخامس عشر الهجري إلا لوقوعه ضحية للفكر المسيحي. كذلك تسبب الحديث الذي نردده دائمًا والذي يروي أن الله I يرسل إلى هذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها في حدوث العديد من الكوارث في تاريخنا. وفي الوقت الذي اقترب فيه الجيش الأحمر من جر أذيال الهزيمة، وعندما كانت إيران والعالم الشيعي يشهد نهضة غير مسبوقة تحت قيادة الخوميني الذي ادعى بوصفه - له ولاية الفقيه - أنه يمهد الطريق لظهور إمام الغيب، كانت النظرة إلى المستقبل في غير محلها. إن الجهاد في أفغانستان قد جمع الإسلاميين من كل أنحاء العالم في المناطق الحدودية لباكستان، وبعد هزيمة السوفييت، نظر الإسلاميون إلى أنفسهم باعتبارهم فاتحين، وبدلاً من القيام بتحليلٍ منطقي للحرب الأفغانية، لجأوا إلى الأسطورة التي صنعوها بأنفسهم. وعلى الرغم من وجود دلالات كافية تؤكد على أنهم كمؤمنين كانوا لا يزالون كأمةٍ متفرقة تستحق على الأقل التأييد المطلق من الله I، ومع ذلك نظروا إلى أنفسهم كأمة مفضلة. وبعد استحواذ طالبان على كابول، استطاع الفكر الحالم أن يخطوا خطوات واسعة من خلال استخدام المصطلحات الرنانة مثل أمير المؤمنين، وبدا للعديد ممن كانوا تحت قيادة الملا عمر أن العالم الحديث يشهد صورة مطابقة لمدينة النبي r، حيث اجتمع الأنصار والمهاجرون من كل أنحاء العالم من أجل المعركة الحاسمة مع الكفر العالمي. ولم يسأل المفكرون المسلمون أنفسهم أين كانت تتجه العقول المؤيدة للأفغان، كذلك لم يكن المهاجرون والأنصار الجدد الذين يضمون بين صفوفهم خلاصة الإسلاميين من كافة أنحاء العالم على وعي بأنهم لا يعوزهم فقط التخطيط المطلوب لإسقاط نظام الكفر العالمي، ولكن تعوزهم أيضًا الرؤية العميقة في طبيعة الكفر نفسه. لقد كان أمير المؤمنين على الطراز المعاصر ومن حوله طائفيين في تفكيرهم القائم على الأساطير التي لا أساس لها، ولا ريب أن هؤلاء الناس بسبب رؤيتهم الأسطورية كانوا سببًا في العديد من الكوارث العظيمة وليس بزوغ فجر جديد.
لقد مضت أربع سنوات ونصف على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولم تفق الأمة من الأعراض التي كان يعاني منها بار كوخبة. وتعود هذه القصة إلى أن اليهود الذين كانوا يواجهون استبداد الإمبراطورية الرومانية قد وجدوا في بار كوخبة رجلاً طموحًا، أو وجدوا فيه المسيح المخلص، رغم أنه كان رجلاً يفتقد إلى الرؤية الواضحة، كما أنه لم يكن قادرًا على قيادة ثورة ناجحة ضد الإمبراطورية الرومانية، إلا أن الأماني اليهودية الحالمة هي التي جعلت اليهود تجتمع حوله، حتى أن رابي عقيبة والمعروف بفطنته السياسية وتدينه قد أيده على أنه هو المسيح. ومع وصول المسيح، ساد لدى اليهود قدر من التفاؤل والأمل غير مسبوق، واعتقدوا كما لو كانت مملكة سليمان وداود على وشك الرجوع، ولكن هيهات، فسرعان ما تلاشى الأمل، وتم إخماد ثورة بار كوخبة، وخيم جو من الكآبة واليأس على اليهود لعدة سنوات. وقد شهدنا موقفًا مشابها في العالم الإسلامي منذ فترة ليست بالقريبة، فمن فلسطين إلى بيشاور، ومن إندونيسيا إلى المغرب، كان هناك خضم من الناس الذين أعلنوا بحماس تأييدهم لابن لادن، وبدا في بعض الأوقات أن العالم الإسلامي قد استيقظ وأن الوحدة على مختلف درجاتها يمكنها الآن أن تحقق المستحيل. إن العقول الأسطورية والأماني الحالمة التي ليس لها أدنى صلة بالواقع لا يمكن أن ينشأ عنها إلا بار كوخبة، وشبتاي تسفي، وجهيمان العتيبية، وبن لادن.
غدًا فجر جديد
لقد أخذ انتقال عاصمة العالم من مدينة النبي r إلى واشنطن دي سي في العصر الحديث حوالي أربعة عشر قرنًا من الزمان. ومع ذلك، فإننا لا نحتاج إلى أن ننتظر هذا القدر من الزمان، إذا تمكّنا من تحديد العوامل التي جعلت الجزيرة العربية عاصمةً للعالم في القرن السابع، ولا ريب أن تحديد هذه العوامل وتصور النظرة العالمية الإسلامية الأصيلة أمر من الأهمية بمكان لمستقبلنا. وإذا اعتمدنا في بحثنا عن النظرة العالمية الإسلامية الأصيلة على الروايات التاريخية بصورة كبيرة، فنحن بذلك ربما نرتكب خطأً من خلال جعل الوحي الإلهي تابعًا للتاريخ. إنني أرى أن الوحي الإلهي يجب فهمه من جديد في إطار البيئة الزمانية والمكانية لعصر النبي r كما هو موجود بين دفتي المصحف. وأخيرًا وليس بآخر، نحن نحتاج إلى اكتشاف الأسباب التي جعلت واشنطن دي سي عاصمة العالم في القرن الواحد والعشرين بالرغم من انتهاكها السافر للعدالة. وباختصار، إننا لن نستطع دون فهم صحيح للعالم الحديث أن نعود مرة أخرى إلى عرش السلطة والهداية.
وفي البداية، نحتاج إلى خلق عقل مسلم جديد. لقد كان منهجنًا في القرون المتأخرة للإسلام منهجًا عقائديًا غير قائمٍ على البحث والتدقيق، كما تعاملنا مع ديننا على أنه مجموعة من الشعائر، وأصبحت العديد من حقائق الوحي مجرد تعبيرات مبتذلة نتيجة التكرار غير الواعي لها. إن إعادة تشكيل العقل المسلم سوف يمنح قوة وطاقة جديدة للعديد من التعبيرات العقائدية التي لا روح فيها. ويمكنني أن أوضح ذلك بإيجاز من خلال ما يلي:
1- إن القرآن كتاب كامل، ونص قطعي، وصالح لكل زمان. ويطلب القرآن منا ألا نكف عن التفكر والتأمل، كما يطالبنا بأن يكون محور اهتمامنا هو الوحي المجرد. وعلى هذا الأساس، يجب ألا يستحوذ على خيالنا أي مادة تاريخية أو تفسيرية.
2- إن أتباع خاتم الأنبياء r حاملو رسالة عالمية، فالإسلام كما نزل إلينا هو نقطة التقاء للتراث النبوي بكامله، والنظر إلى الإسلام على أنه مقصور على الديانة المحمدية يناقض عالمية البعثة النبوية، إنها ملة إبراهيم كما بين القرآن، كما أن محمدًا r بشيرًا ونذيرًا للناس كافة.
3- نزل القرآن بلسانٍ عربي مبين، وعلى الرغم من أنه قد نزل على نبي عربي في بيئة عربية، إلا أن العروبة ليست هي عنصره الجوهري، فالقرآن الكريم يخاطب العالم كله ويتخطى كل الحدود الثقافية واللغوية والإقليمية. ويجب أن يقوم المجتمع الإسلامي المستقبلي على الطاعة والولاء وليس على الأحاديث الموضوعة التي تضع سلالة النبي r في قلب نظام الحكم المسلم، فالإسلام لا يميز بين الناس على أساس ثقافاتهم، أو ألوانهم، أو أنسابهم.
4- وبما أن المسلمين أتباع خاتم الأنبياء r، فقد عُهد إليهم بقيادة العالم إلى نهاية الساعة؛ ولذا يجب على المسلمين إعادة توجيه أنفسهم ليعملوا على ما فيه صالح الإنسانية بوجه عام، وعدم قصر أنفسهم على مجرد مشاريع مجتمعية. لقد عاش المسلمون طويلاً في ظل خداعٍ يتمثل في أنهم مثل أي أمةٍ أخرى، وهذا اتجاه يتناقض بشكلٍ مباشر مع النصوص القرآنية، كما أنه قد أدى إلى حرمان العالم الحديث من قيادة عادلة.
5- بما أن المسلمين هم أتباع الوحي الخاتم، فإنهم يضطلعون بدورٍ رئيسي يجب عليهم القيام به في مستقبل العالم. ومع ذلك، فإن أي مشروع عالمي للعدالة لا يمكن تنفيذه في معزلٍ، كما أن المسلمين لا يُتوقع منهم القيام بهذا، ولكن ما يجب علينا أن نفعله هو أن نجمع حولنا كافة الأمم المؤمنة التي يمكنها أن تدعمنا وتؤيدنا في كلمةٍ سواء. ولا ريب أن فتح الأبواب أمام المجتمعات الأخرى المؤمنة سوف يجعل من السهل علينا تحقيق أهدافنا.
6- لا يمكن لأمة أن تدعي أن بيدها وحدها الخلاص، وتلك قضية شائكة، طُلب منا أن نلتزم الصمت تجاهها. إن أحكام الفقه التقليدية التي تنكر خلاص العالم خارج إطار المجتمع المسلم الحالي، والتي ترى أن الآيات القرآنية التي تنافي هذا الرأي قد نُسخت، لا يمكن أخذها على أنها هي الكلمة الأخيرة. لقد وقفت الآراء التي حصرت الخلاص على الأمة الإسلامية حجر عثرة أمام تفعيل دور المجتمعات الإيمانية الأخرى لتقبل المبادئ الإسلامية في العدالة.
7- تم تهميش المرأة في المجتمع الإسلامي نتيجة بعض المفاهيم الثقافية البالية، ونحن نحتاج إلى فهم التشريع الخاص بلباس المرأة المحتشم كما جاء في القرآن الكريم، وبعيدًا عن التقيد باللباس الذي تفرضه العادات الثقافية. إن إنكار دور المرأة في المجتمع لا يعد فقط أمرًا مخالفًا للتعاليم القرآنية والعهود الأولى من تاريخنا، ولكنه قد أبقى على نصف قوى المجتمع بلا فاعلية لفترة كبيرة من الزمن. وإذا كان القرآن يأمرنا - مع الوضع في الاعتبار ضخامة الأجندة العالمية – بالتعاون مع أهل الكتاب، فكيف بنا أن نهمش دور نسائنا دون الاستفادة منهن؟
8- إن القرآن الكريم كتاب مفصل، ولا يدع مجالاً لأي مناورات تفسيرية، وأي قراءة للنص في سياق أسباب النزول لا تعد فقط أمرًا شبيهًا بوضع الوحي الإلهي تابعًا للتاريخ، ولكنها تقف أيضًا عائقًا أمام قراءة جديدة للنص انطلاقًا من وضعنا الخاص، لقد نقل الله I إلينا ما يريده، فهل الله في حاجة إلى مساعدة تفسيراتنا البشرية لجعل قصده واضحًا ومفهومًا؟ إن القرآن الكريم - كما أخبرنا الله - بيان للناس، ونحن جميعًا في حاجة إلى قراءته كدليل هداية وإرشاد بشكل يومي، وهذا الاتجاه وحده هو الذي يمكن أن يولِّد الحركة الجماهيرية القائمة على الوحي الإلهي.
9- يمكن تحقيق المبادئ الإسلامية في العدالة، والمساواة، والحرية عندما يدرك كل إنسان – رجلاً كان أو امرأة – بشكل كامل وفعلي أنه لا توجد واسطة بين العبد وربه. ويجب على علماء الإسلام التوقف عن القيام بدور رجال الدين، كما أن المواقف الشبيهة بمواقف الكنيسة والتي تسللت خلسة إلى جسد نظام الحكم في الإٍسلام يجب أن تتوقف. إن القرآن يقدم النبي محمدًا r على أنه محرر العقل الإنساني من أغلال الأحبار؛ ولذلك يجب على المسلمين أن يتجنبوا جميع أشكال عبادة السلف. ولا ريب أن العقل المسلم الجديد الذي يعمل في إطار النموذج القرآني معرض لارتكاب الأخطاء، لكن تأكيد القرآن بشكل غير عادي على استخدام العقل لا يدع أمامنا خيارًا آخر.
إنني أرى أهمية توافر بعض المكونات الجوهرية للعقل المسلم الجديد من أجل أن نبدأ بداية جديدة، كما أقر في البداية أيضًا أنه لا يمكن الاعتماد كثيرًا على ما جاء في علوم التراث التقليدية، وعلى هذا الأساس، فإنه لا بديل عن إعادة قراء النص. لقد بذل المفكرون والعلماء المسلمون في الماضي جهودًا موحدة لتغيير طريقة تفكير العقل الأسطوري التقليدي، لكن ذلك قد أفضى بهم إلى فقدانهم لشعبيتهم وقبولهم لدى الناس، كما أن أعمالهم أصبحت الآن حبيسة أرفف المكتبات ينظر إليها على أنها تفردات العلماء العظام. وبناءً على ذلك، يجب أن يكون مصلحي العصر الجدد على حذر خشية ألا ينتهي بهم الحال إلى إنتاج نوع آخر من التفردات بدلا من أن يقوموا بقراءة إبداعية جديدة للقرآن. ويمكن القول باختصار أنه على الرغم من الدرجة الفكرية الهائلة للحركة الجديدة، إلا أنه يجب عليها الخروج من الأبراج العاجية الأكاديمية.
إن الثورة الفكرية القائمة على الوحي المتكامل تتطلب إشراك بعض أصحاب العقول العظيمة في وقتنا الحاضر الذين لا يؤمنون فقط بفعالية كتاب الله وأسوة نبينا الكريم r، ولكن يوجد لديهم في نفس الوقت رؤية ثاقبة تتعلق بالنظام العالمي السائد. وخلال السنوات القليلة الماضية، استهوت كتاباتنا عن هذا الموضوع عددًا كبيرًا من الناس من مختلف أنحاء العالم، كما أن عددًا من المفكرين والكتاب يصل إلى حوالي من ثلاثمائة إلى أربعمائة مفكر وكاتب، ممن يشاركوننا نفس الاهتمام، قد تعهدوا بمساعدتنا.
وقد اقترح بعض الأصدقاء من ذوي النية الحسنة إنشاء جامعة تعمل كمؤسسة تكون أساسًا لتلك المبادرة، لكن بعضًا من بغاة الخير قد أوضحوا أن إنشاء مؤسسة أكاديمية متكاملة من أجل هذا الغرض فقط قد يؤدي إلى امتصاص اللوجستيات الإدارية لكافة الطاقات الموجودة لدينا. وقبل أن نتخذ قرارًا بشأن تأسيس جامعة حديثة قائمة على علوم الوحي، يجب أن نتساءل، لماذا لم تؤت أيًا من الجهود التي بُذلت في السابق ثمارها؟
وخلال القذف الأمريكي لأفغانستان مؤخرًا، وعندما لم تستطع الشجاعة الفائقة لطالبان أن تقاوم قاذفات بي 52، اتضح للعديد منا أنه ما لم تقم مدارسنا وحلقاتنا الدراسية باختراع شيء ما يكون أكثر فاعلية من قاذفات بي 52، فإننا بلا شك سوف نكون عرضة للهجمات الغربية. إن العيش في عالمٍ قام الغرب بتشكيله إلى حد كبير، ويمتلك فيه القدر الأكبر من التكنولوجيا التي تحيطنا، يجعلنا نقول إنه توجد طريقتين للاستجابة لهذا التحدي؛ أولاً، أن نتنافس معهم في الناحية التكنولوجية، أو نقوم على الأقل بامتلاك القدرات النووية المتاحة؛ ثانيًا، أن نستعمل أسلحتنا الأيديولوجية في المواطن التي فشلت فيها أسلحتنا العسكرية. ومع أن الاتجاه الثاني يبدو بعيد الاحتمال، إلا أنه الأقرب إلى الاستراتيجية النبوية، كما أنه قد أثبت فاعليته في العديد من المواقف في الماضي. إننا إذا قدمنا الإسلام - الذي يمثل الخلاص للجميع كما اعتاد أن يكون – في ظل الصياغة القرآنية التي تخاطب العالم كله، فسوف يجد له صدىً في أرقى طبقات المجتمع الغربي. لقد ألقى نهب بغداد عام 1258 قدرًا من الكآبة على الجميع، وبدا لهم كما لو كانت تلك الظاهرة التي تسمى الإسلام قد انتهت، ومن ثم فلا عجب، إذا أدت إماطة اللثام الآن عن الرسالة العالمية للإسلام إلى نتيجة مشابهة.
ومع الوضع في الاعتبار ضخامة هذا التحدي، فإن إنشاء جامعة عالمية قائمة على علوم الوحي سوف تكون تصغيرًا لحجم أفكارنا، إن ما نحتاج إليه أن نفكر بإمعان، وأن نعمل بشجاعة وثقة تامة. وسوف ندعوكم قريبًا إلى جلسة عصف ذهني في نيودلهي، ويجري الآن الإعداد لهذه الجسلة، ولكن قبل أن نلتقي سويا، أعتقد أنه من الحكمة أن نستمع إلى آرائكم فيما يتعلق بكيفية جعل هذه المبادرة أكثر فاعلية، فنحن نهتم بمساهماتكم وآرائكم، ونتطلع إلى مشاركاتكم.











أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024