الأحد, 05-مايو-2024 الساعة: 02:33 ص - آخر تحديث: 01:33 ص (33: 10) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
ضبابية المشهد.. إلى أين؟
إياد فاضل*
شوقي هائل.. الشخصية القيادية الملهمة
راسل القرشي
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت - الدكتور /رضوان السيد
الدكتور /رضوان السيد -
قضايا المؤسسات الدينية ومشكلاتها
قبل شهر صرَّحت المثقفة المعروفة، والناشطة في قضايا المرأة منذ زمن، الدكتورة نوال السعداوي أنها غادرت مصر إلى أوروبا خوفاً على حياتها بسبب تعرضها للتهديد لعملها الأدبي الأخير الذي اعتبر ماسّاً بالعقائد الدينية. وقد دفع ذلك الصحيفة التي أجرت معها المقابلة لتشبيه حالتها بحالة الأستاذ المعروف الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي وقع في الإشكال نفسه في عام 1994 وهاجر إلى هولندا وما يزال هناك. ثم صرَّحت الدكتورة السعداوي بعد أيام أنها ما هاجرت، بل أتت إلى أوروبا بدعوة، وسوف تذهب لإلقاء محاضرات في الولايات المتحدة ثم تعود إلى مصر للدفاع عن نفسها وعملها الكتابي الحرّ. وقد جاء تصريحُها الثاني في هذا الشأن على أثر كلامٍ صادرٍ عن جهةٍ بالأزهر مختصة بقضايا النشر، وفيه أنّ تلك الجهة "مجمع البحوث الإسلامية" ترى في عمل الدكتورة السعداوي مساساً بالعقائد الدينية، وقد تُخاطبُ القضاء في هذا الأمر لمنع العمل، وإدانة صاحبته.

وليست هذه المرة الأولى ولا الأخيرة التي يتعرضُ فيها الأزهر للهجوم من جانب مثقفين مصريين كبار، تعرضت المؤسسة الدينية العريقة لأعمالهم أو أعمال زملائهم التاريخية أو الأدبية أو الإبداعية بالإدانة والتشهير أو التدخل لدى السلطات للمنع والمحاكمة. فقد حدث ذلك للمرة الأولى في العشرينيات ومع كتابي علي عبدالرازق: "الإسلام وأصول الحكم"، وطه حسين: "في الشعر الجاهلي". وحدث الشيء نفسهُ لعشرات الأعمال في العقود التالية وحتى اليوم. وفي الأعمّ الأغلب كانت المحاكم المصرية تحكُمُ للمؤلفين بـ"البراءة" وإن استغرق ذلك أحياناً مدة طويلة، وعرَّض صاحب العمل للتهديد المعنوي أو المادي. والمعروف أنّ الأديب الكبير نجيب محفوظ آثر السلامة فلم يُصرّ على نشر عمله: "أولاد حارتنا" (1959) في مصر لعلمه بمعارضة الأزهر بعد ظهور حلقاته في جريدة الأهرام؛ لكنّ ذلك لم يُنجه من طعنات صاحب خنجرٍ متشدّد في التسعينيات من القرن الماضي. ويكونُ علينا من أجل فهم السياقات والعلائق جيداً أن نشير منذ البداية إلى متغيِّرين؛ أولهما أنّ الرأي العامّ صار يسبقُ منذ أكثر من عقدين السلطات الدينية أو الرسمية في استنكار كتابة أو كلام كاتبٍ ما، وثانيهما أنّ وضع الأزهر والمؤسسات الدينية بعامة في الوطن العربي على الخصوص، صار أشدّ حرجاً، وأقرب إلى حالة الحصار.

والواقعُ أنّ أمرَيْ: الرأي العامّ، وأوضاع المؤسسات الدينية، مترابطان إلى حدٍ كبير. فمع صعود التيارات الإسلامية الإحيائية والمحافظة، بصيغتها الاحتجاجية والاستحواذية في الوقت نفسه، وكسْبها لشعبيةٍ كبيرةٍ في أكثر بلدان العالمين العربي والإسلامي، بدأت قيمٌ ثقافيةُ ودينيةٌ تظهرُ وتسُودُ، وتتعلقُ كلُّها بما هو إسلامي أصيل، وبما هو دخيل وتغريبي. وقد أعطى المزاجُ الشعبي والحزبيُّ المحافظ والمتشدد حجيةً وسلطةً لقادة تلك التيارات في شتى المجالات، وليس ضرورياً أن يتجلَّى ذلك بالعنف المباشر، بل الإدانة والاستنكار والتحريض والضغط المعنوي وتشويه السُّمعة. وما نجت المؤسساتُ الدينيةُ في تلك "الأحداث" الأدبية أو الفكرية أو السياسية من الاتهام والإدانة وبحججٍ مختلفة مثل العجز أو القصور أو الاستتباع للسلطات؛ بحيث حوصرت تلك المؤسسات من ثلاثة جوانب: من جانب الإسلاميين الذين يريدون الحلول محلَّها أو تخضع لتوجهاتهم القاطعة، ومن جانب الرأي العامّ الذي يأخُذُ عليها تقصيرها في حماية الدين والأخلاق، ومن جانب السلُطات التي تريدها أن تتلاءمَ تلاؤماً كاملاً مع أهدافها وسياساتها.

ولاشكّ أنّ كثيراً من الاتهامات الموجَّهة للمؤسسات الدينية لها ما يُسوِّغُها؛ لكنّ السؤالَ هو: ما هي البدائلُ التي يطرحُها الإسلاميون والعلمانيون؟ الإسلاميون يريدون الحلولَ الراديكالية للمشكلات السياسية والثقافية، ويستخدم المتطرفون منهم سلاح التكفير أو إهدار الدم؛ ولذلك فالجهاتُ الدينية من وجهة نظرهم ضعيفة أو متآمرة لأنها لا تلجأ لتلك الحلول. والعلمانيون يعتبرون تلك المؤسسات متخلِّفةً، ويريدونها أن تختفي أو تنعزل فلا تزعج أحداً. أما الرأيُ العامُّ فهو منقسم، لكنّ أكثريته تأخُذُ على تلك المؤسَّسات ضعفها واستتباعها، وتريدُ لها القوة والقدرة والتأثير الملائم لصون القيم الدينية في المجتمع والدولة.

ولستُ هنا في مجال مناقشة المسؤوليات أو توزيع نِسَبِها ومقاديرها. بيد أنّ قدراً من اللوم يقعُ بالفعل على عاتق المثقفين العلمانيين والليبراليين، كما على عاتق الدولة. فالسلطاتُ عندما تحتاجُ لدعمٍ من الجهات الدينية بالفتاوى والخُطَب والمناسبات الدينية المادحة، لا تسألُ عن مدى ملاءمة ذلك لهيبة المؤسسات واحترامها في عيون الجمهور، وكيف يمكنُ صَونُ ذلك، دونما استتباعٍ كليٍ أو توجيهٍ قاطع. والسلطات التي تطلبُ الكلام مرةً، تطلب الصمت مرات، وتُعطي بذلك انطباعاً للإسلاميين الجدد وللجمهور أنّ الجهات الدينية طوعَ بنانِِها كلاماً أو صمتاً. ومن هنا يأتي سُخْطُ المثقفين على السلطة السياسية أو الأمنية عندما يتكلم الأزهر ضد هذا الكاتب أو ذاك؛ إذ يقال إنّ ذلك ما كان ليحصل لو لم تردْهُ السلطات إذ كان بوسعها أن تمنعه من التدخل بدون عناءٍ ولا مشقّة وبمقتضى حقّها وواجبها.

بيد أنّ المثقفين الليبراليين، وأقصِدُ هنا كبارهم -وليس طالبي الشهرة من"المبدعين" الذين يبحثون عن الإثارة والفضائحية-؛ فإنهم يتحملون مسؤوليةً قد تزيدُ على مسؤولية السلطات الرسمية. فطوال عقودٍ دأبوا على نشر صُورةٍ قاتمةٍ عن عسْف المؤسسة الدينية وظلاميتها؛ وبخاصةٍ بعد فشل تيار محمد عبده الإصلاحي. ومع أنّ الدول العربية التي أُلغيت فيها المؤسساتُ الدينية أو تكاد، ما كان ذلك طبعاً من عمل المثقفين بل السلطات الرسمية؛ فإنّ المثقفين ودُعاة النسوية رحّبوا بذلك ترحيباً شديداً باعتباره تحريراً للعقل وللمرأة وإخراجاً من الإرهاب الديني، ونشراً لقيم التقدم والحداثة. بيد أنّ الذي حصل أنه في كل دولةٍ عربيةٍ أو إسلاميةٍ تعرضت فيها المؤسسةُ الدينيةُ للعزل والتهميش، صعدت فيها الإسلامية الجديدة بقوة، جعلت المثقفين والدولة على حدٍ سواء يترحمون على عهد "رجعية" تلك المؤسسة وتخلُّفها!

لا يستطيع الأزهري أو القروي (من جامعة القرويين) أو الزيتوني (قبل خنق جامعة الزيتونة) أن يسكُتَ على كتابٍ أو مقالةٍ أو صورةٍ تلفزيونية، يرى فيه أو فيها ما يعتبره ماسّاً بالدين أو الأخلاق. ولو سكت فإنَّ الرأي العامّ سيعتبره مقصّراً. وسيتقدم الإسلاميون الجدد (وهم يتقدمون بالفعل دائماً وقبل ردّة الفعلٍ من جانب رجالات المؤسسة الدينية) إلى الصدارة منافحين عن الإسلام أو حُرُمات الأخلاق. وهكذا، ودونما دفاعٍ لا داعي له عن هذا التصرف أو ذاك من جانب رجال المؤسسات الدينية (لا أرى مبرراً للاستعانة بالسلطات ضد كاتب أو برنامج تلفزيوني مهما كانت الواقعة مثيرة)؛ فإنّ المطلوب ومن أجل استعادة التوازُن الاجتماعي والثقافي والسياسي؛ تحرير المؤسسة الدينية، وإقدارها على ممارسة مهامِّها الأصلية (أداء الشعائر، ورعاية الأوقاف،والتعليم الديني، والفتوى)، والأُخرى المستجدة ومنها ما يتعلقُ بأشواق الرأي العامّ لرجل الدين المُبادر والحلاّل للمشكلات، والبارع في مخاطبة الإعلام -كما أنّ من تلك المهامّ ما يتعلق بصورة الإسلام والمسلمين في العالم، والانكماش الذي تُعاني منه المؤسساتُ الدينية التقليديةُ والرسميةُ في هذا المجال.

بالأمس، كما نعلم، تعرض البابا بنديكتوس السادس عشر للإسلام في محاضرةٍ شهيرة. وردَّ عليه المسلمون وبخاصةٍ رجال الدين، رداً عنيفاً. بيد أنّ أحداً من رجال الدين أو المثقفين الدينيين، ما استطاع الردَّ على المحاضرة المُعقدة، رداً عميقاً. والمحاولات الجادّةُ التي جرت قام بها ليبراليون تثقفوا في الغرب، وعرفوا أكاديمياته وتطوراته. وهكذا فنحن نريد علماء دينٍ كباراً، ليس من أجل التقدم ببلاغٍ للسلطات ضد كاتب؛ بل من أجل استعادة ثقة الرأي العامّ ومثقفيه بالمؤسسة الدينية بدلاً من الوقوع في أسر الهياج الأصولي، ومن أجل التمكُّن من التساوُق مع حضارة العصر، وعصر العالم.


* نقلا عن صحيفة "الاتحاد" الإماراتية








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024