الجمعة, 26-أبريل-2024 الساعة: 10:34 ص - آخر تحديث: 02:05 ص (05: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت -
المؤتمرنت / د‮.‬خديجة‮ ‬أحمد‮ ‬الهيصمي -
مفهوم‮ ‬الإرهاب‮ ‬في‮ ‬عالم‮ ‬متغير
تمثل هجمات ١١ سبتمبر ذروة تطور طويل في ظاهرة الإرهاب، وهو تطور لا يقتصر فقط على مضمون وطبيعة العمل الإرهابي بحد ذاته، ولكنه يمتد أيضاً إلى متغيرات البيئة الدولية التي يتحرك فيها، والتي تعتبر العامل الرئيسي وراء التحول في أشكال الإرهاب الدولي، فعلى الرغم من أن جوهر الإرهاب يظل واحداً، من حيث هو استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، من أجل إثارة الخوف والهلع في المجتمع، من خلال استهداف أفراد أو جماعات أو مؤسسات أو نظام الحكم ككل في المجتمع، لتحقيق هدف سياسي معين، فإن أشكال الإرهاب وأدواته وتكنيكاته تختلف وتتطور‮ ‬بسرعة‮ ‬مع‮ ‬الزمن،‮ ‬كما‮ ‬يتأثر‮ ‬الإرهاب‮ ‬إلى‮ ‬حدٍ‮ ‬كبير‮ ‬بخصائص‮ ‬النظام‮ ‬الدولي‮ ‬وتوازناته،‮ ‬والتي‮ ‬تترك‮ ‬بالضرورة‮ ‬تأثيراً‮ ‬جوهرياً‮ ‬على‮ ‬ظاهرة‮ ‬الإرهاب،‮ ‬من‮ ‬حيث‮ ‬الأهداف‮ ‬والآليات‮.‬

وفي هذا الإطار شكلت هجمات ١١ سبتمبر نقلة نوعية خطيرة في نمط الإرهاب الجديد، ولاسيما من حيث دلالاته الواضحة فيما يتعلق بالاتجاه التصاعدي في نطاق وحجم العمليات الإرهابية والآثار التدميرية المترتبة عليها.. فقد شهدت الولايات المتحدة خلال السنوات العشر الماضية ثلاث عمليات إرهابية رئيسية هي: محاولة تفجير مركز التجارة العالمي »فبراير ٣٩٩١م«، وتفجير سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا »أغسطس ٨٩٩١م« وهجمات نيويورك وواشنطن »١١ سبتمبر ١٠٠٢م«.. وفي هذه العمليات الثلاث، ظل عدد الضحايا وحجم الدمار يزداد بصورة طردية،‮ ‬حتى‮ ‬وصل‮ ‬الى‮ ‬ذروته‮ ‬في‮ ‬هجمات‮ ‬نيويورك‮ ‬وواشنطن،‮ ‬بل‮ ‬أن‮ ‬عدد‮ ‬الضحايا‮ ‬زاد‮ ‬عن‮ ‬ضحايا‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬الحروب‮ ‬التقليدية‮ ‬التي‮ ‬خاضتها‮ ‬الولايات‮ ‬المتحدة،‮ ‬وهو‮ ‬ما‮ ‬دفع‮ ‬بظاهرة‮ ‬الإرهاب‮ ‬الى‮ ‬مستوى‮ ‬نوعي‮ ‬جديد‮.‬

ويتسم مفهوم الإرهاب الجديد بكثافة التعبير عن الكراهية والرفض الشديد للآخر من خلال استهداف رموز بارزة لديه جنباً الى جنب مع التركيز على تحقيق أكبر كمية ممكنة من القتل ضد المعسكر الذي تم تصنيفه باعتباره العدو من جانب الجماعة الإرهابية، كما يتسم الارهاب الجديد بقدر كبير من العشوائية وعدم القابلية للتنبؤ.. ويؤكد تقرير لجنة بريمر التي شكلها الكونجرس الأمريكي لدراسة ظاهرة الارهاب على أن من أبرز التحولات التي شهدتها هذه الظاهرة أن جماعة الارهاب الجديد تتسم بغموض الهدف السياسي، حيث من الصعب الوقوف على هدف سياسي محدد يحكم عمل جماعات الارهاب الجديد، ويبدو أن الهدف هو الانتقام من الولايات المتحدة، حكومة وشعباً، من خلال ايقاع أكبر عدد من القتلى والضحايا في صفوفهم، بهدف معاقبتهم على ما تراه تلك الجماعات تحفظات على السياسة الأمريكية.. وفي الوقت نفسه تميل جماعات الارهاب الجديد الى حدٍ كبير الى الاعتماد على الشكل العنقودي كنمط للتنظيم الجماعات الارهابية التابعة للتنظيم، من أجل تأمينها.. ويقوم هذا الشكل على بناء مجموعات صغيرة العدد غير مترابطة بين بعضها البعض، مع الاعتماد على مصادر متنوعة للتمويل والمساندة اللوجستية، بما يجعل‮ ‬من‮ ‬الصعب‮ ‬رصدها‮ ‬أو‮ ‬اختراقها‮ ‬أو‮ ‬التنبؤ‮ ‬بحركاتها‮ ‬أو‮ ‬ردود‮ ‬أفعالها‮.‬

وكانت الولايات المتحدة بصفة خاصة هدفاً رئيسياً للعديد من عمليات الارهاب الجديد، سواءً بسبب مكانتها الدولية كقوة عظمى وحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، أو بسبب ما تتسم به سياستها الخارجية من اختلالات وتحيزات صارخة، أو بسبب تعقيد بيئتها الداخلية.. وقد عانت الولايات المتحدة من نوعين من الارهاب، هما: الارهاب الخارجي، والإرهاب الداخلي، فالإرهاب الداخلي هو الذي تقوم به جماعات مناوئة للحكومة الفيدرالية، وتقوم به ثلاث أنواع من الجماعات هي: الجماعات اليمينية المتطرفة، والجماعات اليسارية المتطرفة، وبعض المتطرفين ذوي‮ ‬المصالح‮ ‬الخاصة‮.‬

وكان من أبرز العمليات الإرهابية التي قامت بها عناصر داخلية هي عملية أوكلاهوما التي قام بها تيموثي ماكفي.. أما الإرهاب الخارجي، فهو الارهاب الذي تقوم به دول أو منظمات أجنبية بهدف التأثير على السياسة الأمريكية أو تحدي مكانة الولايات المتحدة العالمية، وتقوم بهذا النوع من الارهاب ثلاثة أنواع من التنظيمات هي: منظمات إرهابية رسمية، وإرهاب مدعوم من الدول، ومتطرفون فرديون غير منتظمين في هياكل تنظيمية متماسكة، وعلى الرغم من أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة أولت اهتماماً فائقاً لمكافحة الارهاب، فإن المسئولين الأمريكيين أكدوا في العديد من المناسبات أنه ليست هناك مناعة كاملة في مواجهة الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة، في ضوء التطور المتواصل في المستوى التكنولوجي للعمليات الارهابية، وتطوير التكتيكات الارهابية، بالاضافة الى أن الجماعات الارهابية باتت تبدي عزماً وتصميماً‮ ‬وقدرة‮ ‬متزايدة‮ ‬على‮ ‬ضرب‮ ‬الأهداف‮ ‬الأمريكية،‮ ‬بما‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬محاولة‮ ‬الجماعات‮ ‬الارهابية‮ ‬الحصول‮ ‬على‮ ‬أسلحة‮ ‬الدمار‮ ‬الشامل‮.‬

وفي هذا الإطار فإن هجمات ١١ سبتمبر ضد الولايات المتحدة شكلت تعبيراً بالغ الوضوح عن طبيعة وخصائص الارهاب الجديد، فقد استهدفت هذه الجماعات ايقاع اكبر قدر ممكن من الخسائر والضحايا داخل الولايات المتحدة، من خلال ضرب أهداف تتميز بوجود كثافة بشرية عالية بها، وفي توقيتات حرجة، مع الحرص على تنفيذ الهجمات بشكل متزامن، من أجل مضاعفة الخسائر جنباً الى جنب مع استغلال عنصر المفاجأة، وفي الوقت نفسه ليست هناك أهداف سياسية واضحة تهدف هذه الهجمات الى تحقيقها، أكثر من مجرد التعبير عن الكراهية والرفض للسياسة الأمريكية، بالإضافة الى تحدي وضرب هيبة الولايات المتحدة ومكانتها، وإظهار انكشافها الأمني الداخلي، رغم تفوقها الساحق في كافة مقومات القوة الشاملة، جنباً الى جنب مع محاولة إشعال فتيل مواجهة حضارية بين الشرق المسلم والغرب المسيحي المؤيد لاسرائيل.
وقد انطوت هذه الهجمات من حيث الوسائل والآليات على تطور جوهري، وأبرزها تطور تكتيك إرهابي جديد يقوم على استخدام طائرات الركاب المدنية النفاثة كقنابل طائرة، كما أكدت الهجمات على اختراق التهديد الإرهابي لعمق الولايات المتحدة، وهي مسألة كانت قد بدأت بشكل محدود مع محاولة تفجير مركز التجارة العالمي في فبراير ٣٩٩١م، والتي أسفرت عن مقتل ٦ أفراد، وإصابة ألف فرد، ثم وصلت الى ذروتها مع هجمات نيويورك وواشنطن في ١١ سبتمبر ١٠٠٢م.. وقد عكست الهجمات أيضاً درجة عالية من جانب المنفذين على اخفاء مراحل التخطيط والتجهيز، والحيلولة‮ ‬دون‮ ‬تمكين‮ ‬أجهزة‮ ‬الاستخبارات‮ ‬والأمن‮ ‬القومي‮ ‬من‮ ‬اكتشافها‮ ‬واحباطها‮ ‬في‮ ‬مراحلها‮ ‬الأولية،‮ ‬رغم‮ ‬ما‮ ‬تتمتع‮ ‬به‮ ‬الأجهزة‮ ‬من‮ ‬قدرات‮ ‬فائقة‮ ‬التطور‮ ‬في‮ ‬مختلف‮ ‬مجالات‮ ‬العمل‮ ‬الاستخباري‮.‬

وفي الوقت نفسه فإن هجمات ١١ سبتمبر مثلت مأزقاً عسكرياً حقيقياً للولايات المتحدة، فعلى الرغم من قوة الولايات المتحدة الهائلة في المجال العسكري، إلاّ أن هذه القوة لا تستطيع أن تفلح في مواجهة الارهاب ومصادر عدم الاستقرار والصراع الداخلي، حيث ان الاستراتيجيات العسكرية والخطط القتالية ومنظومات التسلح الرئيسية للولايات المتحدة مصممة في أغلبها لخوض صرا عات متشابهة للحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، ولكنها غير قادرة على خوض غمار حرب ضد الارهاب.. فالجماعات الارهابية ذات بنية فضفاضة، وليست لديها مقرات حقيقية ثابتة، وسوف يظهر أتباعها مجدداً، وفي أفغانستان، لم تمارس القوات الأمريكية قتالاً برياً حقيقياً في حربها ضد الارهاب، وإنما اعتمدت أساسا على قوات التحالف الشمالي الموالية لها، وأظهر الأمريكيون هلعاً حقيقياً ازاء فكرة ارسال قوات برية الى افغانستان، مما يعكس افتقارهم‮ ‬الى‮ ‬الوسائل‮ ‬القتالية‮ ‬والتكتيكات‮ ‬الملائمة‮ ‬لمثل‮ ‬هذا‮ ‬النوع‮ ‬من‮ ‬الصراع‮ ‬المسلح‮.‬

وقد ظل الارهاب يفرض نفسه كمصدر تهديد رئيسي على الساحة الدولية، حتى قبل أحداث ١١ سبتمبر في واشنطن ونيويورك، وبدأت العديد من الدول وبالذات الولايات المتحدة تعطي للإرهاب أولوية قصوى منذ بداية التسعينيات، واعتبرته بمثابة التهديد الأكبر والأكثر خطورة في فترة ما بعد الحرب الباردة، وعملت على تطوير استراتيجيات وآليات لاحتواء ومنع الهجمات الارهابية قبل وقوعها.. وقد أعطت هجمات ١١ سبتمبر مزيداً من قوة الدفع لجهود مكافحة الارهاب، بحيث استحوذت على الأولوية على كل ما عداها.

وقد استحوذت الأدوات العسكرية على الحيز الأكبر من جهود مكافحة الارهاب، حيث اندفعت الولايات المتحدة بقوة نحو القيام برد عكسي على هجمات ١١ سبتمبر، حتى قبل أن تتوافر الأدلة الكافية لها بشأن المسئولين عن هذه الهجمات.. ووجدت الولايات المتحدة نفسها في حاجة الى بناء تحالف دولي واسع النطاق لمكافحة الارهاب، ولكنه ليس تحالفاً عسكرياً تقليدياً، وإنما يغلب عليه الطابع السياسي، ويركز على التعاون والتنسيق في المجالات الأمنية والاستخبارية والمالية، من أجل تعقب الجماعات الارهابية وضرب شبكتها العالمية وتخفيف مواردها المالية،‮ ‬كما‮ ‬أن‮ ‬هناك‮ ‬تعقيدات‮ ‬سياسية‮ ‬وعسكرية‮ ‬عدة‮ ‬تحيط‮ ‬بهذا‮ ‬النوع‮ ‬من‮ ‬التحالف‮.‬
وتنبع أهمية التحالف الدولي لمواجهة الارهاب من أن هجمات ١١ سبتمبر أكدت أن الارهاب الدولي أصبح يمثل تحدياً بالغ الخطورة، بحيث لا يمكن لأية دولة أن تواجهه بمفردها مهما كانت قدراتها، كما أن الكثير من دول العالم، ولاسيما الولايات المتحدة والدول الكبرى، تعاني من ضعف وهشاشة وضعها الأمني بسبب انتشار مصالحها العالمية على رقعة واسعة للغاية في الساحة الدولية، وهو ما يزيد من انكشافها وتعرضها للخطر، وتطرح احتمالات عالية لتعرض هذه المصالح للخطر والتهديد.. ومن شأن هذا الوضع أن يزيد من التداخل بين الأمن القومي والأمن الدولي،‮ ‬حيث‮ ‬أصبح‮ ‬أمن‮ ‬أية‮ ‬دولة‮ ‬في‮ ‬العالم،‮ ‬وبالذات‮ ‬الولايات‮ ‬المتحدة،‮ ‬أكثر‮ ‬ارتباطاً‮ ‬من‮ ‬الناحية‮ ‬العضوية،‮ ‬ومن‮ ‬غير‮ ‬الممكن‮ ‬لأية‮ ‬دولة‮ ‬أن‮ ‬تحقق‮ ‬لنفسها‮ ‬الأمن‮ ‬بمعزل‮ ‬عن‮ ‬العالم‮ ‬الخارجي‮.‬

وأخيراً فإن الأدبيات السياسية الأمريكية تركز على ضرورة معالجة العوامل الهيكلية التي تدفع نحو بروز الارهاب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ولاسيما تلك العوامل التي ؤدي الى نشوء حالة من الكراهية لأمريكا والغرب في الخارج، ولا سيما في العالم الإسلامي.

وهناك قدر كبير من التباين في هذا الشأن فمن ناحية، هناك العديد من الدعوات التي وجهت للإدارة الأمريكية ولاسيما من جانب الدول العربية والإسلامية بما في ذلك بعض التيارات داخل الولايات المتحدة ذاتها، من أجل معالجة الاختلالات والتحيزات التي تتسم بها السياسة الأمريكية‮ ‬ولاسيما‮ ‬التحيز‮ ‬الأمريكي‮ ‬الصارخ‮ ‬لإسرائيل،‮ ‬بما‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬التأكيد‮ ‬على‮ ‬ضرورة‮ ‬أن‮ ‬تنسحب‮ ‬إسرائيل‮ ‬من‮ ‬الأراضي‮ ‬العربية‮ ‬التي‮ ‬احتلتها‮ ‬في‮ ‬عام‮ ٧٦٩١‬م‮.‬

من ناحية أخرى فإن التيار الأكثر شيوعاً في الأدبيات السياسية الأمريكية يركز على ضرورة تحقيق اصلاحات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية جذرية في الدول العربية والإسلامية، وبالذات الدول الكبرى، مثل مصر والمملكة العربية السعودية، حيث هناك فكرة شائعة في هذه الأدبيات تقوم على ان الدافع الرئيسي وراء التطرف والعداء للغرب وغضب المسلمين من الولايات المتحدة يتمثل في فشل العديد من الدول الاسلامية المعتدلة في تشكيل حكومات عصرية تستجيب لاحتياجات شعوبها واحتياجات المجتمعات المدنية، وتتكامل هذه الفكرة مع تبني بعض المسئولين المتشددين في الولايات المتحدة مبدأ يقول إنه اذا أرادت الولايات المتحدة أن تظل قوة عظمى وحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، فإن عليها أن تدير العالم حسب قيمها الديمقراطية.. وينطوي هذا المنهج في معالجة جذور الارهاب على مخاطر كبيرة للغاية، لأنه اذا حاولت الادارة الأمريكية‮ ‬أن‮ ‬تضع‮ ‬هذه‮ ‬التصورات‮ ‬موضع‮ ‬التنفيذ،‮ ‬فإن‮ ‬ذلك‮ ‬سوف‮ ‬يمثل‮ ‬تدخلاً‮ ‬غير‮ ‬مقبول‮ ‬في‮ ‬الشئون‮ ‬الداخلية‮ ‬للدول‮ ‬الأخرى‮ ‬المعنية‮.‬

والواقع أننا نختلف الى حدٍ كبير مع التحليلات التي تذهب الي أن هجمات ١١ سبتمبر أدت أو سوف تؤدي الى حدوث تحولات جذرية في هيكل النظام الدولي، صحيح أن هذه الهجمات شكلت تحدياً بالغ الخطورة للولايات المتحدة، ليس فقط في المجال الأمني، ولكنها مثلت أيضاً تحدياً لهيبة الولايات المتحدة الهائلة، عسكرياً واقتصادياً وثقافياً، وبين عجزها عن مواجهة التهديد الارهاب النابع من داخلها، فالحرب ضد الإرهاب سيطرت على السياسات الخارجية للولايات المتحدة خصوصاً، وللعديد من الدول الأخرى في العالم بصفة عامة، وأثرت بقوة على السياسات الخارجية والدفاعية لهذه الدول، وهو ما يعني اختلال بؤرة التفاعلات الدولية منذ أحداث ١١ سبتمبر، ولكن ذلك كله لا يعني أن النظام الدولي أصبح قيد التشكيل، لا من حيث الهياكل أو المؤسسات أو علاقات القوة.

وليس من المتوقع أيضاً أن تحتاج الحرب ضد الارهاب الى انشاء مؤسسات دولية جديدة، ولكنها تحتاج فقط الى تطوير عمل المؤسسات الدولية القائمة، ولاسيما الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلنطي، وهي مسألة بدأت على الفور عقب أحداث ١١ سبتمبر، وحتى اذا افترضنا أن الحرب ضد الارهاب أدت الى اعادة صياغة النظام الدولي فإن هذه الصياغة سوف تأتي لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، التي حصلت خلال حربها ضد الإرهاب على اعتراف متزايد لشرعيتها كقوة عظمى وحيدة في العالم، جنباً الى جنب مع حصولها على مزايا استراتيجية عدة، ولاسيما في منطقة آسيا الوسطي‮ ‬وجنوب‮ ‬آسيا‮.‬

ومن ثم فإن هجمات ١١ سبتمبر تشير الى أن الارهاب الدولي أصبح يمثل شكلاً رئيسياً من أشكال الصراع المسلح في الساحة الدولية، إن لم يكن الشكل الرئيسي للصراع، وهو ما يثير تساؤلات ضخمة بشأن النتائج المحتملة لهذا الصراع.. وتنطوي هذه التساؤلات على تعقيدات واسعة.. فمن ناحية، يبدو القضاء الكامل على الإرهاب الدولي هدفاً مثالياً وغير قابل للتحقق، فالإرهاب يعتبر ظاهرة معقدة وملازمة لتطور المجتمع الدولي الحديث، طالما ظلت الدوافع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإرهاب قائمة، داخلياً وخارجياً، كما أن من غير الممكن‮ ‬أن‮ ‬تمتلك‮ ‬أية‮ ‬دولة،‮ ‬مهما‮ ‬كانت‮ ‬قدرتها،‮ ‬حصانة‮ ‬كاملة‮ ‬ضد‮ ‬الارهاب‮.‬

وفيما تتواصل الحرب الدولية على الإرهاب، تولي كثير من الدول اهتماماً أكبر لأمنها الداخلي، وتتلمس الجوانب التي تعاني من الضعف في هذا الجدار لتقويتها وتعزيزها.. وقد اتخذت العديد من الدول إجراءات متباينة تستهدف سد الثغرات التي يمكن أن يدخل منها الارهاب أو يستغلها‮ ‬الإرهابيون‮ ‬لأهدافهم‮ ‬غير‮ ‬الإنسانية‮.‬

واذا كانت الدول النامية هي الأكثر تركيزاً على الأمن الداخلي، أساساً، ومنذ سنوات طويلة، بسبب طبيعة الأنظمة الفردية أو الديكتاتورية في كثير منها، ولوجود بيئة حاضنة للإرهاب، بدواعي البطالة والفقر والجهل وتفشي الأمراض واتساع نطاق تجارة المخدرات وتعاطيها في بعض‮ ‬تلك‮ ‬الدول،‮ ‬فإن‮ ‬هذا‮ ‬لا‮ ‬يلغي‮ ‬حاجة‮ ‬الدول‮ ‬المتقدمة‮ ‬الى‮ ‬الانتباه‮ ‬الى‮ ‬أمنها‮ ‬الداخلي‮.‬

ومن هنا نجد أن المظلة الاجتماعية أو غياب العدالة الاجتماعية، وانعدام المساواة وتكافؤ الفرص، الى جانب الظلم السياسي وغياب الديمقراطية، وتغوُّل سلطة واحدة فردية أو شبه فردية، واحتكارها للقرار السياسي، والانغلاق على الناس، والقرارات الفوقية غير المبررة، كلها أسباب‮ ‬تعطي‮ ‬الارهاب‮ ‬والإرهابيين‮ ‬ساحة‮ ‬للعمل‮ ‬ومجالاً‮ ‬للتحرك،‮ ‬وفرصة‮ ‬مناسبة‮ ‬للضرب‮ ‬في‮ ‬مواقع‮ ‬موجعة‮.‬

وهذا الاهتمام الدولي المتباين بالأمن والاستقرار الداخليين يعكس شعوراً بالفشل أو الإحباط إزاء ما جرى في الولايات المتحدة التي تعتقد أن لديها أكبر جهاز استخبارات في العالم، على الصعيدين الداخلي والخارجي لكنها لم تستطع أن تحمي نفسها من ضربات الارهاب!! وهذا ما جعلها في حاجة الى إعادة النظر في عدد من القوانين الفيدرالية والمحلية، وتطوير التنسيق مع الأجهزة المماثلة لها في العالم كله من أجل صيانة أمنها الداخلي، مثل كل شيء، ومع هذا فإن هناك أخباراً ومعلومات ترددها أجهزة اعلام مختلفة، هنا وهناك، تتحدث عن اختراقات أمنية واسعة في الولايات المتحدة يستطيع الإرهابيون أن ينفذوا منها لتوجيه ضربات جيدة للأمن الأمريكي، الأمر الذي قد لا يكون »مرض الجمرة الخبيثة« إلاّ سلاحاً بسيطاً من أسلحته المتنوعة والمفاجئة، وقد لا تكون »المتطورة«!!

وكل هذا يجعلنا نؤكد على أن الأمن الداخلي أولوية قصوى في أي بلد من البلدان، وخصوصاً في بلداننا العربية، غير أن هذا الأمن لا يتعزز بالإجراءات الاحترازية أو الوقائية وحدها، بل لابد من الالتفات الجاد أيضاً الى الأسباب الاجتماعية والسياسية التي قد تكون حاضنة للإرهاب والتي أشرنا الى بعضها في بداية هذا المقال، ومعالجتها معالجة جادة وجريئة وجذرية بعيداً عن العواطف أو المداهنة أو المسايرة، ودون الحاجة الى تلميع واجهات المشكلات، أو زرع الأرض بالورود والرياحين دون الانتباه الى المحيط المتعفن الذي يمكن لهذا الورود والرياحين أن تنمو فيه!

إن الأمن الوطني مسئولية ذات مساس بالسيادة الوطنية ولكنه، بلاشك مرتبط بالأمن القومي، والأمن الدولي، بعامة، وهذا هو الشعار الذي يمكن للتحالف ضد الإرهاب أن يبلوره الى واقع ملموس غير أن جذور الإرهاب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية هي الأولى بالمعالجة‮ ‬والاهتمام‮.‬

وأتضح أيضاً أن التقنيات المضادة للإرهاب في الولايات المتحدة لم تستطع منع وقوع هجمات ١١ سبتمبر على مدن نيويورك وواشنطن.. فالتفوق التكنولوجي لم يكن قابلاً للكشف عن مجموعة ارهابية تعمل بطرق أولية مع قليل من تكنولوجيا الاتصالات لتفادي إشعاعات الاشارات الالكترونية، والأجهزة اللاقطة الأمنية مازالت غير قادرة على تحسس المتفجرات البلاستيكية،وآخر تطورات المجسات الالكترونية غير قابلة على استكشاف الجراثيم البيولوجية أو الأسلحة الكيماوية والنووية وبالسرعة الكافية لتحاشي الكوارث الكبيرة
(صحيفة الميثاق)








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024