|
تجليات البنية الزمنية في شعر البرد وني الزمن في وعي البرد وني، يتجلى في خطين متوازيين , الأول الزمن كمفهوم مجرد , أو كشكل من أشكال المادة , فالزمن حركة متساوقة , لا مواقف لها , أو هو نهر يتدفق بآناته تدفق النهر الذي لا يغتسل به المرء غير مرة واحدة لا تتكرر أبدا ...رغم تكرار وحداته المعروفة بالأيام والفصول والأعوام, وهو بهذه الصورة تيار منفصل عن حالاته الثلاث [ ماضي ... وحاضر....ومستقبل ] فالماضي أصل الحاضر , وهذا امتداد للأول , والمستقبل هو امتداد للحاضر كما أن الحاضر هو أساس المستقبل , وكل قول غير هذا , هو قول باطل في تصور البردوني فليس الحاضر سوى الابن الأصيل للماضي , وليس الحاضر سوى الوالد الشرعي للمستقبل . هذا الرأي نجده في أكثر من موقف لدى البردوني , وخاصة في أرائه حول العلاقة بين القديم والجديد , فليس الجديد سوى امتداد للقديم , أو قل كما أن القديم هو جديد في عصره كذلك الجديد هو المنبثق عن ذلك القديم , والذي سيصبح بدوره قديما لما سوف يستجد بعده . وفي ديالكتيك العلاقة بين القديم والجديد , لا يرى الأديب البردوني , إلا زمنا متساوقا , هو حركة النهر المتدفق , أو هو الزمن الذي لا نوع له , أنه زمن الثورة العربية المبرقشة . لكن البردوني , يرجع ويفصل بين قديم وجديد , فمع أن القديم هو منشاء الجديد وجبلته , إلا أنه يختلف عنه , فليس الوريث صاحب الحكمة , إلا نقطة فصل أو علامة بارزه بين قديم يمضي وجديد يشرق , كما يقول في كتاب الرحلة ...هنا الزمن في وعي البردوني مفهوم يخضع لحركة المادة والوعي , ولحركة التاريخ , وهو على ذلك , نهر متدفق باستمرار ... وفي هذا التدفق أو السياق التاريخي , يكون الزمن حالة واحدة , رغم التحولات الجارية فيه زماني رحيل إلى وعد شعر سيأتي ولهو بشعر أتي وهزا بمن سوف يعتو غدا لأني تعلمت ممن عتا فحياة الشاعر البردوني رحلة تاريخية واحدة موعدها الشعر , وحياة شعرية واحدة لاهية بكل الأشعار السابقة لها لأنه تلميذ لذلك الشاعر العاتي صاحب المقصورة . ستعلم مصر ومن بالعراق ومن بالعواصم أني الفتى وأني أبيت وأني وفيت وأني عتوت على من عتي إذن البردوني هو ابن المتنبي , وهو أبو الغد ألآ تي و الهازئ بكل العتاة ...إنه الروح العربية المكابدة والمقاومة لكل أشكال الظلم والاستغلال منذ همجية نابليون والكابتن هينز وحتى اليوم. الزمن في وعي البردوني مفهوم يرتبط بالمادة أو هو شكل من أشكالها . ويخضع مثلها للتبدلات التاريخية والاجتماعية , ولأحاسيس الإنسان الفرد هنا أو هناك وفي هذا العصر أ وذاك . أما المستوى الثاني فهو أحساس البردوني الخاص بالزمن , وهذا الإحساس نجده , أولا في حالاته الثلاث المعروفة [ ماضي .... وحاضر....ومستقبل ] . وكما أن الماضي حالة , لا يمكن استرجاعها , إلا أنها أجمل من الحاضركمايقول في ذكريات شيخين : أمسنا كان كريما معدما وزمان اليوم أغنى وأشح أما الحاضر فهو حالة رديئة يجب الخروج منها لا إلى الماضي رغم جماله , وإنما إلى المستقبل , كما في قوله: سيهل غد وله طرق أ نقى ومصاعبه أهون هنا الماضي كنمط حياة كريم وطيب رغم بساطة العيش فيه , وأما الحاضر فرغم ألغنا والوفرة إلا أنه شحيح ولئيم أو كما في قوله , من قصيدة [ جواب العصور ] . كنت في عصر البرآت بلا درهم أهنأ طعامي وشرابي فالعصر القديم عصر بريء , مترع بالهناء , أما عصر النقود , أي العصر الرأسمالي , فهو عصر ممحوق , إذن الماضي أجمل من الحاضر , لكن المستقبل أجمل لأنه زمن يمكن للإنسان صياغته بعلاقات العدل والتوحيد أما الماضي فهو زمن لا يعود لأنه زمن مضى بكل جماله وجلاله , والحاضر قبح لا يطاق , وأجمل الأيام هي التي لم نعشها بعد كما يوصينا بذلك ناظم حكمت . غير أن هذا الزمن بحالاته الحاضرة , هو زمن رديئ زمن غدار , وغد وعنين , وزنوة لا أبا له , ويدعى الأبوة , زمن لا يطاق لهذا يغادره الشاعر إلى المستقبل , إلى زمن غير هذا الزمن . إلى سوى هذا الزمان أهفو إليه أضني رحلتي ومهلي هل أمتطي نفاثة إليه ...؟ وتحت جلدي ناقتي ورحلي قد أمتطي حلا كنصف بغل ويمتطي وجهي قذال بغلي الحاضر زمن متخلف , قياسا إلى الماضي , والناقة إشارة إليه , ولا يمكن تجاوزه بالحلول المحايدة أو الوسطية المخادعة فذلك حل أشبه بالبغل قياسا إلى الحصان والحمار , فالبغل حيوان هجين لا هو حمار ولا هو حصان , لذا هو حل مخادع يخدع صاحبه , قبل أن يخدع الآخرين . إذن ليكن الغد هو المدينة الفاضلة , التي سوف تشرق على البشر وتملأ الأرض عدلا بعد جور مدجج بالحقارة , لكن هذا الكلام , لا يفيدنا في معرفة الزمن في شعر البردوني وأحاسيسه المتبدلة فيه , منذ ديوانه الأول [ من أرض بلقيس ] في عهد الإمامة المبادة , مرورا بجمهوريتي سبتمبر1962م و نوفمبر1967م وحتى اليوم . سنأخذ من كل ديوان بيتا أو أكثر ومن قصيدة واحدة أو أكثر , كعلامات للتبدلات الزمنية في حياة الشاعر عبد الله البردوني . كان ديوان [ من أرض بلقيس ] هو الديوان الأول من أشعار البردوني المدونة . لكن لا يعني هذا أن الديوان , هو بدايات البردوني الشعرية , فللشاعر البردوني أشعار تقليدية , لم يثبتها في دواوينه , ألآ قصيدة واحدة هي قصيدة [ إلى غير مالك ] من ديوانه جواب العصور , أما ماعدا تلك القصيدة , فقد أهمل البردوني أشعارا كثيرة قالها في ذمار , أشعارا كانت تدور مدار الشعر العربي التليد , وأغراضه التقليدية كالإخوانيات , والهجاء , والوصف والمديح والمعارضات وما إلى ذلك من قصائد , أهملها الشاعر تجنبا للإثارة والمناكفات الشخصية ,و تعففا من أقوال تجرح المشاعر وأن كانت جميلة , وهذا الكلام لا يقوله البردوني وحده , بل وكثير من الأدباء الذين عايشوه ... فالشاعر البردوني شاعر عفيف , صادق ونزيه , لا يهجوا الأفراد , وإنما يهجو القيم والمظاهر الفاسدة امتثالا لقوله تعالى : [ لا يحب الله الهجر بالسوء من القول إلا من ظلم ] والبردوني يمدح الجميل , ولا يجده إلا في الشعب وفي التاريخ وفي الوطن والتراث العربي الأصيل . وفي ديوانه الأول [ من أرض بلقيس ] يأتي الزمن , بوحداته التقليدية مثل الفجر , والربيع , والموسم , والدجى , أو الليل , وبأنفاس رومانسية , تجعل من الفجر لحظة إشراق واقعية الدلالة , فهو ذلك الزمن الذي ينبثق من أحشاء الليل ويبشر بالنهار الضحوك , أنه الفجر بدلالته المألوفة والمعروفة لدى شعراء العرب , ومثل ذلك قل عن الربيع والموسم , فالربيع هو ذلك الفصل المعروف من فصول السنة , شأنه شأن الموسم أي موسم من مواسم الخير , أما الليل , و الدجا , فهما وحدتان زمنيتان تتماثلان بالنظام الاجتماعي , وما تسوده من علاقات ثقافية , وسياسية , كلها علاقات وقيم تسير نحو المغيب والهلاك , كما في قوله من قصيدة [ تحت الليل ] . والليل يسري كأعمى ضل وجهته وغاب من كفه العكاز والهادي كأنه فوق صمت الكون ضلت وضل الطريق السفر والحادي ليس الليل هنا تلك الوحدة الزمنية المعروفة , بل هو نظام الإمامة المتآكل والذي يسير نحو نهايته المحتومة , والتشبيه يؤكد ذلك , فتشبيه الليل بالأعمى الذي فقد اتجاهه , هو تشبيه يقدم معرفة ليس بأحوال الأعمى , وإنما بأحوال الليل , فالليل كناية عن نظام الإمامة , وقد كفت الإمامة أن تكون ايدليوجية هادية للناس إلى طرق الحياة الفضلى , لأنها فقدت القدرة على أن تكون دليلا نظريا أو دليلا علميا ..فالرأسمالية طغت على الإمامة الإقطاعية , ولم يدرك هذا غير الشاعر عبد الله البردوني , ورغم بغضه الشديد للرأسمالية الظالمة . كذلك موقع الليل [ فوق صمت الكون ] هو كناية أخرى , عن سيادة هذه الإمامة على العرب , والكون إشارة إليهم , هذا الموقع الكائن فوق , وعلى الجماهير العربية , يؤكد أن الليل كناية او ترميز إلى الإمامة المنهارة في عصر الاستعمار الحديث , وبمعاوله المدمرة . فالعرب قافلة مسافرة , ولكنها ضالة , بسب ضلال الإمامة أو الخلافة أو ما شئت سمها . التشبيه مأخوذ من أحوال الشاعر البردوني مرة , ومن أحوال القافلة السيارة مرة أخرى , وكلاهما يفيدا ن معنى واحدا هو فساد الإمامة واضمحلالها ... هذا الليل بصورته أعلاه , يتكرر , في أكثر من قصيدة كما في قصيدته [ نجوى ] وقوله : وابكي ويبكي خيالي معي نشيدا يباكي الدجى الأبكما الشاعر وخياله , يبكيان معا بكآً صادقا يأتي وكأنه [ النشيد ] والنشيد كناية عن الشعر الصادق في تلك الإمامة , ولكنه النشيد , أو الشعر المتباكي مع الليل الأبكم , فالليل الأبكم , كناية عن الإمامة وقد فقدت علم الكلام , وفقدت القدرة على التعبير عن أشواق العرب وتطلعاتهم الحضارية ... فالشاعر رغم صدقه الشعري , هو غير صادق مع الإمامة , لأنها مجرد أشباح فقدت ملامحها الإنسانية , إمامة ثقيلة على الناس , وتسري بمناهج ظلامية ومظلمة , إمامة صامته كالأبكم , لكن في صمتها ذلك ضجة تحمل في طيها عالما هو الأخر أبكم , فليست هذه الثمرة إلا من ذلك الزرع , أو قل مع المثل السائر [ انك لا تجني من الشوك العنب ] . كئب بطئي الخطي مؤلم ويسري و يسري فلا ينتهي سراه ولا نجهه المظلم وتنساب أشباحه في السكون = حيارى بخيبتها تحلم هو الليل في صمته ضجة وفي سرها عالم أبكم ثم يكرر الشاعر هذه الصورة , بمعنى أخر في قوله من قصيدة [ في الليل ] . وهنا الدجى يسطو على كوخي كما = يسطو على المستضعف العملاق فالإمامة هنا هي عملاق جبار , ولكن على الضعفاء وليس على الاستعمار وطغيانه لذا يتجه الشاعر إلى الشعب أو إلى الشباب في حثهم على الثورة ضد الاستعمار بعد أن عجزت الإمامة عن ذلك ,كما في قوله من قصيدة [ أخي يا شباب ألغد في الجنوب ] . أفق وانطلق كالشعاع الندي وفجر من الليل فجر الغد هنا الإمامة ليست ليلا أخره الفجر الممكن بل هي ليل يجب تفجيره , وقد كان كذلك , ولم يكن لديوانه الأول [ من أرض بلقيس ] أي دلالة زمانية , في العنوان , بل أقتصر على الدلالة المكانية [ ارض بلقيس ] أو قل الدلالة الوطنية والقومية , أما ديوانه الثاني [ في طريق الفجر ] فهو يشع بالدلالة الحضارية [ الفجر ] كدليل على انهيار الإمامة تحت ضربات حركة التحرر بشقيها الماركسي والقومي . فالفجر كناية عن المجتمع الجديد وهنا الفجر لا يأتي بدلالته المعروفة كما في ديوانه الأول , بل هو إشارة إلى عصر الثورة اليمنية , فالفجر هو عهد سبتمبر الميمون . أسفر الفجر فأنهضي يا صديقة نقتطف سحره ونلثم بريقه لكن هذا الفجر لم يأت صدفة , بل كان الشاعر قد بشر به في أكثر من قصيدة , ففي قصيدة [ عتاب ووعيد ] قال يخاطب الإمام احمد : غدا لن اصفق لركب الظلام سأهتف يا فجر ما أجملك وفي قصيدة [ صراع الأشباح ] يقول : والليل يبتلع السني والخوف يرتجل الطوارئ فتصارع الأشباح أشباحا على شر انتصار وتثآب الفجر الجريح كمن يفيق من الخمار [ صراع الأشباح ] قصيدة تقول الصراع بين قوى التقدم وقوى الظلام الأمامية , فهناك الليل الذي يبتلع الأضواء , وهناك الخوف الذي يقذف بخيوله المرجفة , بشكل طوارئ , أنه الصراع بين أشباح وأشباح لا تعرف للفجر طريقا , ومن هذا الصراع ينهض فجر سبتمبر , كما في قوله من قصيدة [كلنا في انتظار فجر] . إن خلف الليل فجرا نائما وغدا يصحو فيجتاح الظلاما أو قوله من قصيدة [ بين ليل وفجر ] . في هجعة الليل المخيف ألشاتي والجو يحلم بالصباح الآتي ولم يكن ذلك الصباح الآتي , سوى ثورة 26 سبتمبر 1962 م وهنا تنتهي , أو تكاد تنتهي المرحلة الرومانسية , أو قل تجربة الشاعر عبد الله البردوني , مع النظام الأمامي المباد , وتبدأ تجربة جديدة هي تجربته الثورية , ذات المنحى الواقعي و [ مدينة الغد ] هو هذه البداية . كان ديوان البردوني [ في طريق الفجر ] كله يقف على مبدأ الوعد والوعيد , الوعد بالعدل والثورة , والوعيد للطغاة , كان ينذر الأئمة ويبشر الشعب بالمواسم الواعدة بالخير والحب والحياة السعيدة . أما ديوانه الثالث [ مدينة الغد ] فقد كان رصدا جماليا لثورة سبتمبر , ولو وقائعها المدينة الجديدة وما دار حول الثورة من صراع دامي وحروب , كانت كلها معاكسة لآمال الشاعر وغاياته من الثورة , فقد أستقبل الشاعر الثورة بقصيدة مفعمة بالآمال فالثورة , كانت إفاقة وكانت صحوة , وكان سبقا زمنيا مكتنزا بالخيرات الكثار . أفقنا على فجر يوم صبي ضحوات المنى اطربي أتدرين يا شمس ماذا جرى سلبنا الدجى فجرنا المختبي ...؟ أتدرين أنا سبقنا الربيع ؟ نبشر بالموسم الطيب أضأنا المدى قبل أن تستشف رؤى الفجر أخيلة الكوكب تولى زمان كعرض البغي وجاء زمان كقلب النبي القصيدة [ ذات يوم ] قيلت في صباح 26 سبتمبر 1962 م وهي تعبير مندهش , تعبير مفعم بالفرح و بالبشارات المبالغ فيها , فالناس تفيق من نومها إفاقة عجلى , لتواجه فجرا صبيا منتزعا بالقوة من أحشاء الليل , فجرا طلع قبل أوانه وصحوة كلها فرح وأماني , تبشر بالمواسم الطيبة وشمس أضأت المدى قبل طلوع الفجر ..؟ كيف ...؟ هكذا يقول السياق . وسواء أخذنا لفظة الإفاقة , بمعنى الصحوة أو بمعنى الانتباه من الغفلة , فإننا أمام حالة شعورية ولهى تحشد كل معاني الخير والحب والجمال , لترسم مستقبلا وأعدا بالخير , فالثورة هدم وبناء.هدم لزمان الإمامة الفاجر , وبناء لمجتمع يحوطه قلب النبوة الطاهر . لكن قبل الدخول إلى دوامة المواعيد الثورية , سنشير إلي قصيدة [ حكاية سنين ] وهي من أهم قصائد الديوان , لأنها محاولة شعرية ترصد حركة التاريخ اليمني منذ العصر العباسي الأول , مرورا بالدويلات اليمنية في عهودها الإسلامية حتى يصل إلى بداية حركة الأحرار , مرورا بالانتفاضات الشعبية و البطولات الفردية كبطولة اللقية , وحتى قيام ثورة 26 سبتمبر وفي هذه القصيدة يحاول الشاعر البردوني , أن يجعل من تاريخنا المعاصر وكأنه امتداد لتاريخنا العربي الإسلامي فهو يحاول ربط حركة الأحرار بحركة التاريخ , ثم يربط حركة الثورة السبتمبرية بحركة الأحرار ومثل ذلك يفعل في قصيدته [ مسافرة بلا مهمة ] من ديوانه [ السفر إلى الأيام الخضر ] . فهل الثورة اليمنية , أو التاريخ اليمني المعاصر , هو امتداد لحركة التاريخ العربي الإسلامي ...؟ أم أنها تشكيلات حزبية صنعها الاستعمار وصدرها إلى اليمن والأقطار العربية ..؟ سؤال , سوف نتركه لشعر البردوني ليجيب عليه بكتاباته النثرية التي تؤكد في أكثر من مناسبة , إن حركة الأحرار كانت مرتبطة بالاستعمار وإن الشيوعية , جأت عبر محمد راغب من تركيا ...الخ وعبر [ ممدوح باشا ] كما يقول في كتابة [ الثورة والثقافة في اليمن ] المهم لنرجع إلى قصيدة [ ذات يوم ] التي استبقت الزمن لتبشر بالموسم الطيب أنها شبيهة بالفجر انتزعها الشاعر انتزاعا من أحشاء الليل أو قل هي الشمس أشرقت قبل طلوع الفجر ....؟؟!! أو هي الفجر الذي طلع قبل أوانه ..؟! كيف ذلك ...؟ ارجعوا إلى ديوانه رجعة الحكيم ابن زايد وإلى نفس القصيدة التي عنون بها الديوان . وكما يتراجع الشاعر عن قوله الشعري بأن الثورات اليمنية امتداد للتاريخ العربي الإسلامي , بأقواله التاريخية من أنها ثورة مستوردة ...كذلك يتراجع عن هذا الموقف الجمالي , في قصائده اللا حقه فالمدينة صنعاء لم تثر أصلا وإنما أرادت البناء , قبل أن تعد وسائل البناء , كما في قوله من قصيدة [ صنعاء ..والحلم والزمان ] في ديوانه [ لعين أم بلقيس ]. تراجع الشاعر وقال يخاطب صنعاء: صنعأ يا أ خت القبور ثوري فأنك لم تثوري حاولت أن تتقيأي في ليلة عفن العصور و اردت قبل وسائل البنيان تشييد القصور . ثم يتكرر هذا المعنى في قصيدته [ رجعة الحكيم أبن زايد ] في قوله عن الثوار كلهم . بالمذود اهتموا لكي يعلفوا [ بقيرة ] ما غادرت [ عردا ] المذود يعني مربط البقرة التي لم يأتوا بها من عرد , و عرد أسم مكان , أي أن الثورة لم تكن ألآ مربط لحصان لم يولد بعد , وهو من قولهم [ يتضاربون على مربط الشاة والشاة مالها وجود ] . أي أن الثورة صحوة حالمة سبقت أوانها , أو كما يقول الماركسيون عن ثورة سبتمبر أنها ثورة بدون نظرية سياسية وأنها مرتجلة أزاحت الإمامة واتت بالجمهورية , ولكن دون قوانين مونتسكيو ونابليون اوقل مع البردوني: لن تكوني باريس من غير روسو لن تكوني بلا أرسطو أثينا لكن ا لثورة اندفعت رغم كل ذلك بحركة متهورة و إلى عوالم سوف ينكرها الشاعر من أول ديوان كان هو لسان حال الثورة السبتمبرية , أعني ديوانه الثالث [ مدينة الغد ] . كانت الحرب الملكية الجمهورية هي العثرة التي كابد الشاعر وكل اليمنيين مرارتها , فلم تلد الثورة لا الوعي ولا الحب ولا الخير , بل العكس ولدت الحرب وتجار الحروب , كما في قصائده [ صديق الرياح ] و [ امرأة الفقيد ] و[ حماقة وسلاح ] وغيرها من قصائد ترسم تجار الحروب الذين يتاجرون بدماء الشعب اليمني , وترسم نماذج السماسرة الذين يمتصون دم الشعب ويتاجرون بقوته , ثم ولدت الثورة المضاربات العقارية بالأرض الزراعية وأراضي الأوقاف , التي ذهبت كلها ضحية التوسع العمراني , و الاستثمارات المحلية والخارجية ، وبدون جدوى .. |