الأربعاء, 01-مايو-2024 الساعة: 10:06 ص - آخر تحديث: 02:15 ص (15: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت - فيصل الصوفي
فيصل الصوفي -
عن حقنا في الغناء ..!
الآن ، وقد انتهت الحفلة الغنائية المشهورة في عدن وبعد أن عادت المطربة أصالة نصري ورفاقها إلى الديار سالمين ، ورجع السمار إلى بيوتهم ورجال الأمن والعسكر إلى مواقعهم .. الآن وقد هدأ المحاربون – ولو لبعض الوقت – أعتقد أن علينا في هذا الجو الهادئ أن نعيد استعراض المشهد من جديد ونستخلص العبرة من أجل المستقبل .

الحفلة الغنائية التي أقيمت في عدن كان يفترض النظر إليها كحدث عادي أو مألوف ، لكنها أضحت مدعاة للحرب من قبل المتزمتين والإرهابيين وكأن اليمنيين يغنون للمرة الأولى في حياتهم .. فقد استنفروا قواهم وانتشروا على مختلف المنابر والجبهات يصورون الأمر على أنه يتعلق بغزوة " فيل" جديدة ستنطلق من عدن لتكتسح اليمن محطمة في طريقها الدين وتقاليد المجتمع وأخلاقه ومحرمات ومقدسات وأشياء أخرى ثمينة .. بينما الأمر يتعلق بحفلة غنائية محترمة .. ونزعم أن المتزمتين والإرهابيين الذين خاضوا المعركة القوية ضد الحفلة قبل أن تبدأ يدركون الآن أنهم كانوا قد رفعوا إحساساتهم المجهدة إلى مستويات مبالغ فيها بدليل أنهم بعد اختتام الحفلة لم يعلقوا بكلمة واحدة !

عندما بدأت الإعلانات والأخبار تقول للجمهور أنه سيقام في عدن مساء 14 فبراير حفلة غنائية وستغني فيها المطربة السورية أصالة نصري والفنان كاريكا تداعى المتزمتون السلفيون لتكوين جبهة مقاومة .. حيث اصطفوا في طابور واحد انتظم فيه دعاة وخطباء المساجد والشيوخ في " تنظيم القاعدة " وآخرون وهم جميعاً يعتنقون المذهب السلفي أو الوهابي الذي دخل إلى اليمن لأول مرة قبل نحو (40) عاماً .. وكان ضمن الذين اصطفوا في الطابور نواب في البرلمان وأساتذة في جامعة الإيمان وكتاب وصحفيين ، هؤلاء الذين يشتغلون بأمور الدنيا ويتولون مناصب علمية وعلمانية ، تخلوا عن وظائفهم الحقيقية والتحقوا في هذا الظرف العصيب – بالمعركة ليتحولوا إلى " رجال دين " يشتغلون بأمور الحلال والحرام !

هؤلاء التقوا عند هدف واحد .. لم يحل اختلافهم في الوظائف والآراء دون توحيد الصف لتحقيق الهدف .. منع إقامة ذلك الحفل الغنائي .. والمبررات جاهزة .. فكل شريك في المعركة أو منتظم في طابور المقاومة لديه ما يبرر به موقفه .. كل واحد كان يرمي من جهته بحجر .. الغناء حرام .. الحفلة تخالف الشريعة والدستور .. والفنانة أصالة " مشهورة بمجونها " .. الحفلة الغنائية تنظمها جهة حكومية وستنفق عليها عشرات الملايين من خزينة الدولة العامة بينما كان يتعين على الحكومة أن تصرف هذه الملايين لصالح الفقراء .. يا للخذلان ، الحكومة تغني بينما أهلنا في غزة يحاصرون من قبل العدو .. الفنانون وكل المشاركين في الحفلة هدفهم " ممارسة الدعارة " وإشاعة " الفسوق " وإفساد الأخلاق وضرب الدين في العمق ، والإساءة لتقاليد المجتمع اليمني وجرح المشاعر الدينية ، وإراقة كرامة الرجال من قبل النساء .

وقالوا أيضاً .. الحفلة الغنائية ستقام في عدن عشية 14 فبراير وهي من حيث التوقيت تؤسس لتقليد يمني يجاري الكفار في احتفالهم بيوم ( عيد الحب ) أو عيد العشاق ، وهو عيد وثني ومن الناحية الشرعية أو الحكم الشرعي والإسلامي لا يجوز للمسلم الاحتفال بأي عيد سوى عيد الأضحى وعيد الفطر !

وبعد أن ساقوا مبرراتهم لمقاومة الحفلة أو منع إقامتها بقي عليهم أن يكشفوا عن أنواع الأسلحة التي سوف يستخدمونها في معركتهم هذه ..

" تنظيم القاعدة " الذي تباهى نحو شهر بإنجاز مهمة جهادية عظمى أجهز فيها على مجموعة من آليات الأجانب والمواطنين الأبرياء في حضرموت قال " عن الحفلة ستكون عرضة للهجوم أو ستكون في مرمى نيرانه ، وتوعد المطربة أصالة نصري بمصير مشابه لمصير الزعيمة الباكستانية بناظير بوتو!

أما المقاومين الآخرين في التيار السلفي فقد أعلنوا أنهم لن يستخدموا القوة أو العنف لإجبار السلطة على إلغاء الحفلة وقالوا – والحق يقال – إنهم يعارضون أسلوب " تنظيم القاعدة " وسوف يعملون على منع " المنكر " بوسائل " سلمية" وقد استخدموا أسلحة أو وسائل عدة " سلمية " مثل الخطب المسجدية التي تتضمن أحكام التحريم والتفسيق والتحريض ، وجمع توقيعات رواد المساجد على عرائض تناشد وتطالب " ولي الأمر " المسارعة إلى إصدار أوامر بمنع وقوع " المنكر " كما لوحوا بسلاح آخر ولكنه لم يستخدم بسبب ضيق الوقت ، وهو تشكيل فريق من المحامين يتولى رفع دعوى قضائية أمام محكمة الأمور المستعجلة للحصول على حكم قضائي يوجب على الحكومة إلغاء الحفلة الغنائية .

وفي نهاية المطاف أقيمت الحفلة الغنائية التي كانت ناجحة حيث كان عدد الجمهور قد تجاوز عشرين ألف وكان الخاسر الأكبر في هذه المعركة المتزمتون والإرهابيون الذين ساهموا من حيث لا يعلمون ولا يقصدون في تحقيق ذلك النجاح ..

فتنظيم القاعدة الذي هدد أصالة بالموت كان بنظر الجمهور عدواً للجميع وهو في النهاية لم يتمكن من تنفيذ أي هجوم إرهابي ضد المشاركين في الحفل .. وكانت المقولات والذرائع والمبررات التي يسوقها المتزمتون السلفيون في الشارع العام لتسويغ مقاومتهم لإقامة الحفلة وتحريض الناس ضدها ، من أهم العوامل التي ساعدت على إقامة الحفلة وجذب الجمهور نحوها .. فعلى سبيل المثال كانت المبررات التي ساقوها تلفيقية ومخادعة وقليلة المصداقية وعرضة للسقوط في أي اختبار عملي أو تقييم موضوعي قالوا مثلاً " إنهم يطالبون من ولي الأمر إلغاء الحفلة لأنها ممولة من الخزانة العامة .. وفي حقيقة الأمر إن الحكومة لم تنظم الحفلة ولم ينفق عليها ريال واحد من المال العام ، إذ أن ذلك الحفل الذي جرى الترتيب له منذ نحو عام تبناه القطاع الخاص في إطار الأنشطة الاقتصادية المدرة للربح والمروجة للاستثمار ، وخصص جزء من ربح الحفل لصالح العمل الخيري وقامت الفنانة أصالة نصري بزيارة وحدة علاج الأمراض السرطانية بعدن وتبرعت بسبعة آلاف دولار لمصلحة الأطفال المصابين .

والحفلة لم تكن " مخالفة للدستور " لأن الدستور أصلاً لا يهتم بمثل هذه التفاصيل بل أن في الدستور اليمني مبدأ عام يوجب على الدولة أو الحكومة أن تكفل للمواطنين حرية التفكير والإبداع والإنجازات " الثقافية والفنية والأدبية " وأن تقدم المساعدة لإحراز تقدم في هذه المجالات .

والحفلة الغنائية بعدن بدأت واختتمت دون أن تسجل حالة " دعارة " أو " فسوق " ولم ينتج عنها أي خسائر في ميدان التقاليد والأعراف ولم تقع أي أضرار بالدين والأخلاق والكرامة أو أي محرمات أو مقدسات وممتلكات أخرى .

والحفلة الغنائية التي أقيمت يوم 14 فبراير لم يكن مخطط لها أن ترسي تقليداً للاحتفال بعيد الحب في اليمن رغم أن من حق الناس أن يحتفلوا بهذه المناسبة- وعندما شن المقاومون هجومهم على الحفلة تحت هذه الذريعة نسوا أن الجمهور قوي الذاكرة وإنه ما يزال يتذكر أن هؤلاء المتزمتون كانوا قد خاضوا معركة مشابهة ضد حفلة غنائية أقامتها شركة اتصالات اوآخر العام الماضي واستضافت فيها المطرب راغب علامة ويومها لم يكن موسم "عيد الحب " قد حل بعد .

وفي حقيقة الأمر إن كل تلك المبررات كانت عبارة عن شظايا متطايرة في جو المعركة أو قل أنها عبارة عن أدخنة كانت ترتفع فوق أرض المعركة التي خاضها السلفيون والإرهابيون ضد الحفلة الغنائية تحت راية "الغناء محرماً شرعاً " .
أزعم أني في السطور السابقة قد حاولت شرح أو استعراض الواقعة .. ولكي لا يصبح هذا المقال عبئاً على قرائي المفترضين – سأختم مقالتي هذه بملاحظتين :
الأولى : إن تهديد الإرهابيين وتبريرات المتزمتين السلفيين وسائر الذرائع الأخرى التي استخدمت لمنع الحفلة الغنائية لم تحل دون إقامتها وإتمامها ، وتلك التهديدات والمبررات والذرائع لم تؤثر في الجمهور الذي تزاحم على المقاعد والمدرجات في الإستاد الرياضي بمدينة عدن .. وأزعم أن السبب معروف وهو أن المصادر الدينية والثقافية والوطنية والتاريخية والاجتماعية للقيم التي سادت في هذا المجتمع ويلتزم بها أفراد الشعب اليمني لا تتضمن أي إشكالية مع الفنون ولا تتضمن إدانة أخلاقية للغناء ، فمنذ أقدم العصور يغني اليمنيون ويرقصون في شتى المناسبات في مواسم البذر والحصاد ، والزواج ، واستقبال الضيف ، والمولود الجديد ، وعندما يتصالحون ويتحاربون ويفرحون ويحزنون ..

وهذه القيم لم تتغير بمرور الوقت بل أن الموقف من الغناء تعززه ثقافة سائدة أو رائجة في العالم العربي ، حتى أن الذين تأثروا بالخطاب السلفي الذي يحرم ويجرم الغناء لم يمتنعوا عن الغناء وكل ما فعلوه أنهم تخلوا عن الآلات الموسيقية واكتفوا بالدف .

وبالنظر إلى تلك القيم المتأصلة يجد غالبية السكان في اليمن – وأنا أحدهم – أنهم غير معنيين بالمعارك التي يديرها السلفيون في مواجهة الغناء أو حفلة عدن رغم أن المعركة التي أصطف فيها السلفيون والقاعدة في طابور واحد ارتفعت خطورتها هذه المرة من مجرد " تحريم الغناء " إلى قتل المغنين والسماعين للغناء .. وقد لفت انتباهي أن رجال الدين المعتدلين في " جمعية علماء اليمن " لاذوا بالصمت رغم سخونة القضية ما عدا عضوين أو شيخين كلاهما من عدن أحدهم الشيخ الدكتور علوي عبد الله طاهر – الأستاذ بجامعة عدن - وخطيب وإمام مسجد الهاشمي ، والآخر الشيخ أنيس الحبشي – المسئول عن إدارة الأوقاف والإرشاد اللذين تصديا للسلفيين والإرهابيين في هذه المعركة ، بينما بقية رجال الدين فضلوا الصمت تجاه قضية ظلت محل إثارة مدة عشرة أيام ساخنة ، في حين أن بعضهم يتجمل أحياناً في مواقف غير مثيرة ويتطوعون ببذل فتاوى غير مطلوبة ويسارعون للاشتراك في حالات الاشتباك السياسي .. ويصنعون أزمات اجتماعية في عشر ساعات .. وبالمناسبة نذكر هنا أن جمعية علماء اليمن التي ظلت غائبة عن هذا الحدث الوطني سارعت في اليوم الذي تلى الحفلة إلى عقد اجتماع طارئ لتصدر بياناً تدعوا فيه العالم كله إلى مقاطعة الدنمارك سياسياً واقتصادياً لأن صحفاً في الدنمارك أعادت نشر تلك الرسوم المسيئة للرسول .

الملاحظة الثانية :
وهي الأخيرة تتعلق بالقضية الجوهرية في لب هذه القضية وموضوع هذا المقال .. فقد غدا واضحاً أن معظم أفراد المجتمع اليمني يميلون اليوم كثيراً للسير في طريق الديمقراطية .. وهذا النهج يقتضي التخلي عن العنف والتحرر من التزمت الديني والمذهبي ، والاعتراف بالتعددية والقبول بالتنوع والاختلاف ، واحترام الحريات الشخصية والعامة إلى جانب التزام أفراد المجتمع بتراثهم وثقافتهم الوطنية التي تتضمن مبادئ التسامح وضرورة التغير والتطور نحو الأفضل ورفض الجمود .والتعبد بالمأثورات والخضوع للسلفية والسعي من أجل توظيف الطاقات والقدرات الإبداعية والفنية لخدمة الرفاهية أو تحقيق أهداف ومنافع اقتصادية للناس .

واعتقد أن على المتزمتين أو أتباع المذهب الوهابي أو السلفي أن يدركوا أنهم إذا قرروا السير في طريق المنع والحظر والاستئصال وفرض محرماتهم على الآخرين سوف يتسببون في إشعال حرائق مدمرة ، وينبغي أن يتصالحوا مع ثقافة هذا المجتمع ومع الديمقراطية ويدركوا أنه إذا كان من حقهم أن يتعبدوا بالمأثورات ويعتنقوا أكثر ا لمذاهب تزمتاً فإنه ليس من حقهم أن يحولوا تصوراتهم الدينية الخاصة إلى " دين " يلزمون الآخرين – باسم الله – الخضوع له .









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024