في الوقت متسع للعقلاء من يسعى إلى ركوب الموجة إنما يسلم أقداره للرياح تجرفها وتقذف بها أنىّ تشاء. ومن يستغل معاناة الناس أو يتصور أنه القادر على ذلك إنما يستغفل نفسه ويلقي بها في عالم الأوهام قبل أن يحتال عليهم وأكثر مما يخدعهم. وأقسى على المرء من المعاناة إحساسه بأن هناك من يحاول أن يتاجر بها ويستثمرها على حساب كرامته وإنسانيته. هي الغفلة يعاني منها من يتجاهل البشر الذين يلعب في منطقة أزماتهم ويتلاعب بمشاعرهم، فيحلو له ممارسة أحلام اليقظة. وأي خطيئة يقع فيها ومصير ينتظره من يتناسى حقائق الدنيا المستخلصة من تجارب الحياة وتشهد بواقعية أنه سيأتي اليوم الذي يشرب من نفس الكأس من يحاول أن يسقي السم غيره. ونفس المآل يترصد العابثين بالثوابت الوطنية ومن يتورطون في فعل التساهل تجاه استهدافها، فما بالنا بمن يتبني ذلك بأشكال التحريض والدعم وإن اقتصر على الجانب السياسي. وكم هي المحصلة مؤلمة حين يأتي الصد والرد العنيف في رفضه للدعم ممن يقدم له وقد جاء قاسياً في جفوته وبثقل الحجر ولون النار. وسيأتي الدور عليهم ثانية لتلقي رد القاعدة الشعبية الوحدوية على عبثهم بقضيتهم المصيرية. وتلك هي النتيجة الطبيعية والمرشحة للمجىء بالأثقل.. والأفدح فقط يطال الهرولة العمياء بالطمع إلى جني مكاسب أسرع وبأقصر الطرق. والباعث على الأسى أن يصر من مسهم الضر على مواصلة ترديد دعاواهم والاستمرار في غيهم يعمهون رغم وضوح الصورة وجلاء الموقف. ولو أنهم أعملوا العقل وتحلوا بشيء من الشجاعة في الاعتراف بما هم فيه من خطأ لتداركوا خطر التمادي، وتجنبوا الوقوع في الخطيئة الكبرى. ولا يزال في الوقت متسع لتلافي الأمر والعودة إلى الحقيقة والصواب. والحقيقة أن الاندفاع المتسرع والمتهور خلف تصرفات لا تقوم على تقديرات مسئولة وحسابات موضوعية ليس من ورائه سوى التورط في أفعال التعدي على مصالح الوطن وحقوق مواطنيه ووضع الذات في موضع الشبهات وتعريضها للمساءلة والإدانة التاريخية بمواصلة السير إلى نهاية المشوار. ولا مشروع للنهوض الوطني يمكن لنماذج كهذه أن تقدمه وقد هيمنت عليها النزعة الانتهازية المصلحية وأصبحت سجينة الفكرة التقاسمية في ما تتخيله من بدائل وخيارات. ولا يزيد عن كونه نوعاً من التيه أن يندفع البعض وراء فعل من نوع المقامرة واستنزاف الرصيد الخاص لمن يخوض فيه أكثر توقعاته وأفدحها أن يسلم قياده لغواية الشيطان، يصور له أنه يخدم المصلحة الوطنية بمواصلة المغامرة سحباً من رصيد الوطن ومقدرات شعبه. وعقدة النقص وراء التهيؤات التي توقع من تستبد بهم في السلوك المغامر، تحت وهم القيام بأدوار بطولية، مع أن المسألة لا تتعدى دغدغة الحاجة للتخلص من أرق الشعور بالعجز. والعاجز وحده، من يبحث عن وسائل يسعى من خلالها إلى التغيير من خارج القنوات الدستورية، ويلجأ لأساليب متجردة من التقاليد وقيم الشرعية الديمقراطية. والحقيقة التي ينبغي أن يصارح هؤلاء أنفسهم بها هي أنه لا مشروع وطنيا ودورا سياسيا، ولا حتى شخصياً، خارج إطار الحوار الملتزم بمبادئ الشراكة الوطنية المشبع بروح الوحدة الوطنية *كلمة الثورة |