الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 01:23 م - آخر تحديث: 05:05 ص (05: 02) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
قراءة متآنية لمقال بن حبتور (مشاعر حزينة في وداع السفير خالد اليافعي)
محمد "جمال" الجوهري
السِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت - احمد الحبيشي
احمد الحبيشي* -
قضية الصراري وحلفاء الغفلة (5)
سبق لكاتب هذه السطور في الحلقات الماضية من هذا المقال تناول بعض جوانب الحملة التي شنها ضد الغناء والموسيقى نواب برلمانيون وخطباء مساجد ورجال دين حزبيون ينتمون إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يقود تكتل أحزاب "اللقاء المشترك" على خلفية تنظيم مهرجان عدن الفني الأول الذي أحيته الفنانة السورية "أصالة" والفنان المصري "عصام كاريكا" في فبراير الماضي

وهو واحد من المهرجانات الفنية التي تُقام سنوياً وفصلياً على طول وعرض عواصم ومدن مجلس التعاون الخليجي الذي تتأهل بلادنا للانضمام إليه.
وكنت قد أوضحت في تلك الحلقات الطابع السياسي الحزبي لهذه الحملة التي حاول منظموها إضفاء صبغة دينية عليها من خلال الزعم بتحريم الغناء والموسيقى، وذلك في إطار توجهات الاخوان المسلمين في حزب "الإصلاح" الذي يقود أحزاب المعارضة المنضوية في تكتل (اللقاء المشترك) لاستخدام الدين في المكايدات الحزبية والصراعات السياسية، وتوظيفه بما يحقق أهدافه السياسية وفي مقدمتها إضعاف نظام الحكم، وعرقلة تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية بما هو مرشح حزب المؤتمر الشعبي العام الذي حاز على ثقة الناخبين في الانتخابات الرئاسية، والذي أكد في محوره الثقافي على حماية وتطوير التراث الغنائي والموسيقي للشعب اليمني ورعاية المبدعين وكافة المشتغلين في مجالات الغناء والموسيقى والفنون.
ولئن كان النفير المعادي للغناء والموسيقى قد لقي فشلاً ذريعاً بسبب عدم اكتراث المجتمع بخطابه السياسي الملتبس بالدين، والذي توزعت الأدوار فيه بين التحريض ضد مهرجان عدن الفني الأول عبر الفتاوى وخطب الجمعة والرسائل الهاتفية والملصقات، وبين التهديد باستخدام العنف واغتيال الفنانة "أصالة" وتفجير مقر المهرجان من قبل تنظيم "القاعدة" الإرهابي الذي ظهر على خط تلك الحملة كشريكٍ إستراتيجي في النفير المعادي لمهرجان عدن الفني الأول بشكل خاص وللغناء والموسيقى بشكل عام في فبراير الماضي، إلا أنّ منظمي تلك الحملة عادوا مرة أخرى وعبر نفير آخر في شهر مارس على خلفية قيام حكومة المؤتمر الشعبي العام بإحالة مشاريع لتعديل بعض القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة وانتهاك حقوقها إلى مجلس النواب، في إطار التزام الحكومة بتنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية.
في هذا النفير الجديد قام شيوخ وملالي حزب "الإصلاح" بشن حملةٍ مسعورة ضد هذه التعديلات من خلال بعض المقالات الصحفية والندوات التي نظمها مركز "الإيمان" في العاصمة صنعاء، وحظيت بتغطية إعلامية موجهة من قبل الصحف والمواقع الإليكترونية التابعة لحزب "الإصلاح" والتي وصفت هذه التعديلات وفي مقدمتها مساواة دية القتيلة بالقتيل بأنها تعد كفراً بواحاً، وخروجاً سافراً عن الدين الإسلامي وشريعته، حيث زعم منظمو تلك الحملة بأنّ الإسلام لا يجيز مساواة دية القتيلة بالقتيل، متجاهلين حقيقة أن الاسلام يعاقب من يقتل عمداًً امرأة بالقتل كمن يقتل رجلاً وليس بعقوبة أقل، بينما يذهب بعض الفقهاء ومن والاهم من ملالي الإخوان المسلمين في حزب (الإصلاح) الى الحكم على من يقتل بغير عمد رجلاً أو امرأة بدفع دية كاملة للقتيل ونصفها للقتيلة!!!!!
في هذا السياق يشدد منظمو النفير الجديد ضد مساواة دية القتيلة بالقتيل على التمسك بالتعديلات التي أدخلها الإخوان المسلمون في حزب "الإصلاح" أثناء مشاركتهم في الحكومة الائتلافية وسيطرتهم على وزارة العدل بعد حرب صيف 1994على عددٍ من القوانين في سياق ما يسميه الإخوان المسلمون " تقنين أحكام الشريعة الإسلامية " وبضمنها تنصيف دية القتيلة بالمقارنة مع القتيل، بعد أن كانت متساوية في القانون السابق الذي أقره مجلس النواب قبل الحرب، بما في ذلك إلغاء النص القانوني الذي كان يحدد سن زواج الفتاة بخمسة عشر عاماً واستبداله بيوم واحدٍ بعد ميلادها، حيث أجاز التعديل الذي أدخله نواب حزب "الإصلاح" ووزراؤه على قانون الأحوال الشخصية لولي الطفلة الصغيرة سواء كان أباها أو أخاها أو عمها أو خالها بتزويج الطفلة، والزعم بأنّ الإسلام ينص على ذلك، وأنّ النص القانوني السابق "اشتراكي وعلماني وصليبي" ومخالف للدين والشريعة الإسلامية!!!
وكما فعل شيوخ وملالي حزب "الإصلاح" في حملتهم المعادية لمهرجان عدن الفني الأول بذريعة تحريم الغناء والموسيقى في الإسلام، فقد فعلوا الشيء نفسه في حملتهم الجديدة ضد مشاريع التعديلات للقوانين التي تنتهك حقوق المرأة وكرامتها، وتكرس التمييز ضدها، حيث درجوا على تسويق أدلة بائسة ومضحكة ولا أساس لها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، بل ولا تعدو أن تكون سوى ترديد نقلي ببغاوي لبعض الآراء ووجهات النظر الفقهية القديمة التي ولدت وماتت في عصر الانحطاط، وتعرضت في حينه للنقد والرفض والطعن والتجريح من قبل فقهاء آخرين أسلاف ومعاصرين، بينما يضفي ملالي وكهنة الإسلام السياسي عليها هذه الأيام طابع القداسة، ويرفعونها إلى مقام القرآن الكريم،ويشركونها بأحكام الله الذي لا شريك له، في أقبح صورة من صور الشرك الذي يتهمون به خصومهم السياسيين!!
وبوسع كل من تابع النفير المدافع عن النصوص القانونية التي تكرس التمييز ضد المرأة وتنتهك حقوقها، ملاحظة أنّ المدافعين عن هذه النصوص المزمع تعديلها وتصويبها، لم يجدوا في تبرير موقفهم الرافض لمشاريع التعديلات التي تقدّمت بها الحكومة إلى مجلس النواب في إطار تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، سوى تسويق آراء ووجهات نظر بعض الفقهاء الأسلاف التي تندرج ضمن أسوأ ما ورثناه في كتب التراث الفقهي القديمة، دون الاستناد إلى أدلة قاطعة في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، تنص على تحريم مساواة دية القتيلة بالقتيل بحسب زعمهم. حيث يتجلى بوضوح الطابع السياسي والحزبي لهذه الحملة التي انطوت على اتهامات وقحة للحكومة ومجلس النواب بالخروج عن ثوابت الدين في حال إقرار هذه التعديلات، وذلك بهدف درء الآثار السياسية السلبية التي ستنشأ عن إقرار البرلمان لهذه التعديلات وما سيترتب عليها من إدانة سياسية للنصوص القانونية الراهنة، والتي جاءت على أنقاض نصوص قانونية إنسانية جرى تعديلها بعد حرب صيف 1994م بضغط من حزب "الإصلاح" أثناء مشاركته في السلطة، بما انطوت عليه تلك التعديلات من أضرارٍ لحقت بحقوق النساء، ومخاطر تهدد بالمزيد منها في حال نجاح مخططات وتوجهات الإخوان المسلمين في حزب "الإصلاح" الذي يقود تكتل "اللقاء المشترك" على طريق إضعاف نظام الحكم وإسقاط حكومة حزب الأغلبية والوصول إلى السلطة.
والثابت أنّ مشاعرالقلق و صرخات الاحتجاجات المتزايدة في أوساط المجتمع المدني، والتي نتجت عن معاناة المجتمع من جراء الانتهاكات التي أصابت حقوق النساء وأساءت إلى كرامتهن الإنسانية،، أثارت موجة واسعة من المطالب الوطنية بوقف هذه الانتهاكات التي تدفع ثمنها المرأة على حساب حقوقها المشروعة في العمل والتعليم والحياة الكريمة من جراء النصوص القانونية الحالية بوصفها نتاجاً لتعديلات أدخلها الاخوان المسلمون في حزب "الإصلاح" أثناء مشاركتهم في الحكم بعد حرب صيف 1994م على بعض القوانين التي أقرها مجلس النواب خلال المرحلة الانتقالية التي تولى الحكم فيها كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني بعد قيام الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م.
لم تزل حية في الذاكرة الوطنية مأساة الطفلة نجود ذات الثماني سنوات من العمر، والتي لجأت إلى القضاء لفسخ زواجها من رجل ثلاثيني اعتدى على طفولتها بالضرب والاغتصاب الجنسي بحسب معايير الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي وقعت عليها الجمهورية اليمنية، حيث تعد مأساة الطفلة نجود واحدة من أبرز المظاهر المأساوية للتعديلات التي أدخلها الاخوان المسلمون في حزب "الإصلاح" على قانون الأحوال الشخصية بعد حرب1994م لجهة السماح لولي الطفلة الصغيرة بتزويجها، والسماح لزوجها بمفاخذتها، والسماح له بنكاحها عندما يراها صالحة للوطء!!!
لعل هذه المأساة دليل إضافي على حاجة المجتمع لتصحيح القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة وتنتهك حقوقها، وهو ما يفسر التأييد الواسع للبرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية من قبل ملايين الناخبين الذين منحوه ثقتهم في الانتخابات الرئاسية، بعد أن وجدوا فيه تجسيداً حياً لضمير ومصالح المجتمع.
والمثير للدهشة أنّ منظمي الحملة المناهضة لمشاريع تعديلات القوانين المسيئةلكرامة المرأة وبضمنها مشروع تعديل النص الذي أدخله حزب "الإصلاح" بشأن تنصيف دية القتيلة، أضفوا على نفيرهم المعادي لهذه التعديلات طابعاً سياسياً بامتياز، حيث لم يجد شيوخ وملالي حزب "الإصلاح" سوى التحريض ضد مشاريع هذه التعديلات، وسط صمت مريب من معظم وسائل الإعلام الرسمية وصحافة الحزب الحاكم، التي التزمت الصمت والحياد إزاء هذا النفير الذي بدأ منذ أن أحالت الحكومة إلى مجلس النواب عدداً من المشاريع الخاصة بتعديل القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة، تنفيذاً لتعهدات البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية بشأن حماية حقوق المرأة وإزالة كل أشكال التعسف والتمييز ضدها.
وكان لافتاً للنظر أنّ منظمي الحملة المناهضة لهذه التعديلات أفرطوا في اتهام الحكومة بالرضوخ للغرب العلماني الكافر، والانخراط في مخططاته التي تسعى الى محاربة الإسلام من خلال هذه التعديلات بحسب زعمهم. كما لجأ منظمو هذه الحملة إلى تسويق وإحياء آراء ووجهات نظر قديمة وميتة لبعض الفقهاء الأسلاف،كأدلة على أنّ ما يدعو إليه أو يعتقد به ملالي حزب "الإصلاح" هو الدين الحق، ووصم كل من يخالف آراءهم ووجهات نظرهم بالكفر، والخروج عن الدين والامتناع عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو خطاب سياسي درج على ترديده الإخوان المسلمون، في حزب "الإصلاح" لتبرير استخدام سلاح التكفير ضد كل من يدافع عن مشاريع التعديلات القانونية التي من شأنها إدانة جرائم حزب "الإصلاح" بحق النساء والمجتمع عموماً، وفضح زيف وكذب خطابه السياسي الانتهازي الذي يحاول من خلاله تلميع صورته لدى السفارات الاجنبية والفضائيات الخارجية، والظهور كمدافع عن الحريات المدنية وحقوق الإنسان في سياق مناوراته السياسية الرامية إلى تضليل الرأي العام اليمني والعربي والدولي، والسعي لكسب أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية لعام 2009م القادم، تمهيداً للاستيلاء على السلطة، وتطبيق شريعة طالبان في اليمن.
ومما له دلالة أنّ أحد المشاركين في ندوة أقامها مركز "الإيمان" في صنعاء خلال شهر مارس الماضي، ربط هجومه على مساواة دية القتيلة بالقتيل، وهو ما تسعى إليه مشاريع التعديلات القانونية التي أحالتها الحكومة إلى مجلس النواب، بهجوم ساذج على العقل، مشيراً إلى أنّ الذين يطالبون بمساواة دية القتيلة بالقتيل هم "صليبيون وعلمانيون وملحدون يدعون إلى إخضاع إجماع الأمة للعقل، وبالتالي تبرير الخروج عن هذا الإجماع باسم النقد العقلي الذي يروّج له النصارى واليهود بعد أن استبدلوا عبادة الله بعبادة العقل" بحسب مداخلة لأحدهم في ندوة أقامها مركز "الإيمان"، وحظيت بتغطية واسعة من صحافة حزب " الإصلاح" ومن والاها من الصحف التي تدور في فلك الماكنة الاعلامية لأحزاب المعارضة المنضوية في إطار تكتل (اللقاء المشترك)!!
ولا ريب في أنّ رفع عصا ما يسمى زوراً وكذباً بالإجماع من قبل شيوخ وملالي حزب "الإصلاح" وجامعة الإيمان، يعكسُ حالة الفقر المعرفي والإفلاس السياسي لهؤلاء الناشطين السياسيين المعارضين لحكومة المؤتمر الشعبي العام، والذين درجوا في مختلف المباريات السياسية في ظل التعددية الحزبيةعلى الإختباء داخل عباءة الدين، واستخدام عصا ما يسمى "الإجماع" كفزاعة يرهبون بها خصومهم السياسيين في الاتجاه المقابل. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ التاريخ الإسلامي والإنساني لم يشهد أي إجماع إزاء أية قضية قديمة أو معاصرة. وهو ما ينطبق أيضاً على الحياة الداخلية لحزب "الإصلاح" الذي لا يستطيع إقناعنا أو إقناع أعضائه بوجود "إجماع" في داخل هيئاته القيادية، أو بين صفوف كوادره وناشطيه وأعضائه إزاء أية قضية من القضايا التي تتعلق بالدين أو الوطن أو الإنسان أو الحياة أو المرأة أو المجتمع أو العالم أو التاريخ!!
ولعل أكذوبة "الإجماع" التي يُرهب بها ملالي وشيوخ حزب "الإصلاح" خصومهم السياسيين، تشبه الأكذوبة التي أطلقهاأثناء حرب صيف 1994م أحد كبار شيوخ حزب (الاصلاح) عندما أذاع بصوته، فتوى دموية تحرض على ارتكاب جرائم حرب وإبادة معادية للإنسانية بحق المسلمين المدنيين من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ في عدن والمحافظات الجنوبية، زاعماً أنّ من أسماهم ذلك الشيخ "الإخواني" في فتواه السوداء "جمهور العلماء" قد أجمعوا على إباحة قتل المدنيين المتمترس بهم من قبل الكفار الاشتراكيين أعداء الأمس وحلفاء اليوم وذلك حتى لا تعلو شوكة الكفر على شوكة الإسلام بحسب زعمه في الفتوى التي اصدرها آنذاك، ولقيت استنكاراً وتنديداً واسعين من علماء الدين في العالم الاسلامي وفي مقدمتهم الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد متولي الشعراوي رحمهما الله، والدكتور سيد محمد طنطاوي شيخ الأزهر أطال الله في عمره.
ومن نافل القول إنّ سهولة التذرع بأكذوبة الإجماع التي أدمن عليهاشيوخ وملالي حزب "الإصلاح" في مجرى تعاملهم مع خصومهم وإتهامهم لهم بالخروج عن ما يسمى "إجماع الأمة وثوابتها"، توضح مدى استعداد أشباه "الأكليروس" في الإسلام السياسي لبيع دينهم بدنياهم، ومقايضته بالمصالح الحزبية والسياسية الدنيوية الضيقة، حتى لو كان ثمن البيع والمقايضة ممارسة الكذب الوقح باسم "الإسلام"، والإفراط في تشويهه، والتضحية بقيمه ومبادئه السامية من خلال تقديمه في صورة الدين الذي يبيح ارتكاب جرائم الحرب والابادة الشاملة،ويحرض على قتل المدنيين من النساء والرجال والشيوخ والأطفال، وينتهك حقوق المرأة، ويخل بميزان العدالة، ويدخل كل ما يفيد وينفع الناس مثل الموسيقى والغناء والسينما والمسرح والتصوير في قائمة المحرمات والممنوعات، فيما يتهمون كل الذين لا يؤمنون بمعتقدات ملالي الإسلام السياسي (الإخواني) التي تعود إلى الأزمنة الجاهلية والعصور الغابرة والبيئات البدوية الصحراوية، بالكفر والعلمانية وموالاة اليهود والنصارى، والخروج عن ثوابت الأمة و"إجماع العلماء"!!!!
يبقى القول إنّه من حق هؤلاء إلغاء عقولهم.. ولكن ليس من حقهم مطالبتنا بإلغاء عقولنا لنصدق أولاً أنّ الإسلام لا يجيز مساواة دية القتيلة بالقتيل، استناداً إلى وجهات نظر ميتة لبعض فقهاء عصر الانحطاط التي يرفضها فقهاء آخرون أسلاف ومعاصرون.
من حق ملالي الاسلام السياسي أن يعطوا عقولهم إجازة مفتوحة.. ومن حقهم أيضاإلغاء عقولهم نهائياً إذا شاؤوا ذلك.. وبالمقابل من حقنا أن نتساءل عن عدالة وسلامة منطقهم الأعوج الذي يريدون من خلاله الحكم على سائق سيارة أودى في حادث مروري بحياة وزيرة أو قاضية أو معلمة أو طبيبة أو ناشطة (إصلاحية) لقيت حتفها في ذلك الحادث إلى جانب سائقها أو أحد المارة.. فتكون دية القتيل كاملة ودية القتيلة بالنصف!!!
فهل يتحقق العدل -وهو من أهم مقاصد الدين والشرع- في حكم جائر لا يوجد له أساس في القرآن الكريم الذي خاطب الرجال والنساء بمعايير عادلة ومتساوية في التكليف والثواب بقوله تعالى: «ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً» صدق الله العظيم.
وهل يمتلك بعض الفقهاء والملالي الحق في أن يجعلوا من أنفسهم شركاء لله في حكمه ويحددوا من لدنهم أجر الله العظيم الذي وعد به عباده الصالحين والصالحات من الرجال والنساء في الآية القرآنية التي أوردناها سابقاً، فيحكموا بدية كاملة للقتيل ونصف دية للقتيلة التي تنطبق عليها الصفات الواردة في هذه الآية!!!
كما لا يوجد لتحريم مساواة دية القتيلة بالقتيل أساس يقبله العقل في الحديث النبوي الذي ينص على أنّ النساء شقائق الرجال. أوفي خطبة الوداع التى كرس رسول الله عليه الصلاة والسلام معظمها للدفاع عن حقوق المرأة وحمايتها من الظلم والاضطهاد، وهو ما يمكن إدراكه بسهولةأيضا ًمن خلال إخضاع هذه المسألة الخلافية لميزان القرآن أو ميزان السنة أو ميزان العقل في حال عدم وجود دليل بشأنها في القرآن والسنة.. وهو ما سنأتي إليه في الحلقة القادمة والأخيرة من هذا المقال بإذن الله تعالى.

وهو واحد من المهرجانات الفنية التي تُقام سنوياً وفصلياً على طول وعرض عواصم ومدن مجلس التعاون الخليجي الذي تتأهل بلادنا للانضمام إليه.
وكنت قد أوضحت في تلك الحلقات الطابع السياسي الحزبي لهذه الحملة التي حاول منظموها إضفاء صبغة دينية عليها من خلال الزعم بتحريم الغناء والموسيقى، وذلك في إطار توجهات الاخوان المسلمين في حزب "الإصلاح" الذي يقود أحزاب المعارضة المنضوية في تكتل (اللقاء المشترك) لاستخدام الدين في المكايدات الحزبية والصراعات السياسية، وتوظيفه بما يحقق أهدافه السياسية وفي مقدمتها إضعاف نظام الحكم، وعرقلة تنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية بما هو مرشح حزب المؤتمر الشعبي العام الذي حاز على ثقة الناخبين في الانتخابات الرئاسية، والذي أكد في محوره الثقافي على حماية وتطوير التراث الغنائي والموسيقي للشعب اليمني ورعاية المبدعين وكافة المشتغلين في مجالات الغناء والموسيقى والفنون.
ولئن كان النفير المعادي للغناء والموسيقى قد لقي فشلاً ذريعاً بسبب عدم اكتراث المجتمع بخطابه السياسي الملتبس بالدين، والذي توزعت الأدوار فيه بين التحريض ضد مهرجان عدن الفني الأول عبر الفتاوى وخطب الجمعة والرسائل الهاتفية والملصقات، وبين التهديد باستخدام العنف واغتيال الفنانة "أصالة" وتفجير مقر المهرجان من قبل تنظيم "القاعدة" الإرهابي الذي ظهر على خط تلك الحملة كشريكٍ إستراتيجي في النفير المعادي لمهرجان عدن الفني الأول بشكل خاص وللغناء والموسيقى بشكل عام في فبراير الماضي، إلا أنّ منظمي تلك الحملة عادوا مرة أخرى وعبر نفير آخر في شهر مارس على خلفية قيام حكومة المؤتمر الشعبي العام بإحالة مشاريع لتعديل بعض القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة وانتهاك حقوقها إلى مجلس النواب، في إطار التزام الحكومة بتنفيذ البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية.
في هذا النفير الجديد قام شيوخ وملالي حزب "الإصلاح" بشن حملةٍ مسعورة ضد هذه التعديلات من خلال بعض المقالات الصحفية والندوات التي نظمها مركز "الإيمان" في العاصمة صنعاء، وحظيت بتغطية إعلامية موجهة من قبل الصحف والمواقع الإليكترونية التابعة لحزب "الإصلاح" والتي وصفت هذه التعديلات وفي مقدمتها مساواة دية القتيلة بالقتيل بأنها تعد كفراً بواحاً، وخروجاً سافراً عن الدين الإسلامي وشريعته، حيث زعم منظمو تلك الحملة بأنّ الإسلام لا يجيز مساواة دية القتيلة بالقتيل، متجاهلين حقيقة أن الاسلام يعاقب من يقتل عمداًً امرأة بالقتل كمن يقتل رجلاً وليس بعقوبة أقل، بينما يذهب بعض الفقهاء ومن والاهم من ملالي الإخوان المسلمين في حزب (الإصلاح) الى الحكم على من يقتل بغير عمد رجلاً أو امرأة بدفع دية كاملة للقتيل ونصفها للقتيلة!!!!!
في هذا السياق يشدد منظمو النفير الجديد ضد مساواة دية القتيلة بالقتيل على التمسك بالتعديلات التي أدخلها الإخوان المسلمون في حزب "الإصلاح" أثناء مشاركتهم في الحكومة الائتلافية وسيطرتهم على وزارة العدل بعد حرب صيف 1994على عددٍ من القوانين في سياق ما يسميه الإخوان المسلمون " تقنين أحكام الشريعة الإسلامية " وبضمنها تنصيف دية القتيلة بالمقارنة مع القتيل، بعد أن كانت متساوية في القانون السابق الذي أقره مجلس النواب قبل الحرب، بما في ذلك إلغاء النص القانوني الذي كان يحدد سن زواج الفتاة بخمسة عشر عاماً واستبداله بيوم واحدٍ بعد ميلادها، حيث أجاز التعديل الذي أدخله نواب حزب "الإصلاح" ووزراؤه على قانون الأحوال الشخصية لولي الطفلة الصغيرة سواء كان أباها أو أخاها أو عمها أو خالها بتزويج الطفلة، والزعم بأنّ الإسلام ينص على ذلك، وأنّ النص القانوني السابق "اشتراكي وعلماني وصليبي" ومخالف للدين والشريعة الإسلامية!!!
وكما فعل شيوخ وملالي حزب "الإصلاح" في حملتهم المعادية لمهرجان عدن الفني الأول بذريعة تحريم الغناء والموسيقى في الإسلام، فقد فعلوا الشيء نفسه في حملتهم الجديدة ضد مشاريع التعديلات للقوانين التي تنتهك حقوق المرأة وكرامتها، وتكرس التمييز ضدها، حيث درجوا على تسويق أدلة بائسة ومضحكة ولا أساس لها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، بل ولا تعدو أن تكون سوى ترديد نقلي ببغاوي لبعض الآراء ووجهات النظر الفقهية القديمة التي ولدت وماتت في عصر الانحطاط، وتعرضت في حينه للنقد والرفض والطعن والتجريح من قبل فقهاء آخرين أسلاف ومعاصرين، بينما يضفي ملالي وكهنة الإسلام السياسي عليها هذه الأيام طابع القداسة، ويرفعونها إلى مقام القرآن الكريم،ويشركونها بأحكام الله الذي لا شريك له، في أقبح صورة من صور الشرك الذي يتهمون به خصومهم السياسيين!!
وبوسع كل من تابع النفير المدافع عن النصوص القانونية التي تكرس التمييز ضد المرأة وتنتهك حقوقها، ملاحظة أنّ المدافعين عن هذه النصوص المزمع تعديلها وتصويبها، لم يجدوا في تبرير موقفهم الرافض لمشاريع التعديلات التي تقدّمت بها الحكومة إلى مجلس النواب في إطار تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، سوى تسويق آراء ووجهات نظر بعض الفقهاء الأسلاف التي تندرج ضمن أسوأ ما ورثناه في كتب التراث الفقهي القديمة، دون الاستناد إلى أدلة قاطعة في القرآن الكريم أو السنة النبوية الصحيحة، تنص على تحريم مساواة دية القتيلة بالقتيل بحسب زعمهم. حيث يتجلى بوضوح الطابع السياسي والحزبي لهذه الحملة التي انطوت على اتهامات وقحة للحكومة ومجلس النواب بالخروج عن ثوابت الدين في حال إقرار هذه التعديلات، وذلك بهدف درء الآثار السياسية السلبية التي ستنشأ عن إقرار البرلمان لهذه التعديلات وما سيترتب عليها من إدانة سياسية للنصوص القانونية الراهنة، والتي جاءت على أنقاض نصوص قانونية إنسانية جرى تعديلها بعد حرب صيف 1994م بضغط من حزب "الإصلاح" أثناء مشاركته في السلطة، بما انطوت عليه تلك التعديلات من أضرارٍ لحقت بحقوق النساء، ومخاطر تهدد بالمزيد منها في حال نجاح مخططات وتوجهات الإخوان المسلمين في حزب "الإصلاح" الذي يقود تكتل "اللقاء المشترك" على طريق إضعاف نظام الحكم وإسقاط حكومة حزب الأغلبية والوصول إلى السلطة.
والثابت أنّ مشاعرالقلق و صرخات الاحتجاجات المتزايدة في أوساط المجتمع المدني، والتي نتجت عن معاناة المجتمع من جراء الانتهاكات التي أصابت حقوق النساء وأساءت إلى كرامتهن الإنسانية،، أثارت موجة واسعة من المطالب الوطنية بوقف هذه الانتهاكات التي تدفع ثمنها المرأة على حساب حقوقها المشروعة في العمل والتعليم والحياة الكريمة من جراء النصوص القانونية الحالية بوصفها نتاجاً لتعديلات أدخلها الاخوان المسلمون في حزب "الإصلاح" أثناء مشاركتهم في الحكم بعد حرب صيف 1994م على بعض القوانين التي أقرها مجلس النواب خلال المرحلة الانتقالية التي تولى الحكم فيها كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني بعد قيام الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م.
لم تزل حية في الذاكرة الوطنية مأساة الطفلة نجود ذات الثماني سنوات من العمر، والتي لجأت إلى القضاء لفسخ زواجها من رجل ثلاثيني اعتدى على طفولتها بالضرب والاغتصاب الجنسي بحسب معايير الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي وقعت عليها الجمهورية اليمنية، حيث تعد مأساة الطفلة نجود واحدة من أبرز المظاهر المأساوية للتعديلات التي أدخلها الاخوان المسلمون في حزب "الإصلاح" على قانون الأحوال الشخصية بعد حرب1994م لجهة السماح لولي الطفلة الصغيرة بتزويجها، والسماح لزوجها بمفاخذتها، والسماح له بنكاحها عندما يراها صالحة للوطء!!!
لعل هذه المأساة دليل إضافي على حاجة المجتمع لتصحيح القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة وتنتهك حقوقها، وهو ما يفسر التأييد الواسع للبرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية من قبل ملايين الناخبين الذين منحوه ثقتهم في الانتخابات الرئاسية، بعد أن وجدوا فيه تجسيداً حياً لضمير ومصالح المجتمع.
والمثير للدهشة أنّ منظمي الحملة المناهضة لمشاريع تعديلات القوانين المسيئةلكرامة المرأة وبضمنها مشروع تعديل النص الذي أدخله حزب "الإصلاح" بشأن تنصيف دية القتيلة، أضفوا على نفيرهم المعادي لهذه التعديلات طابعاً سياسياً بامتياز، حيث لم يجد شيوخ وملالي حزب "الإصلاح" سوى التحريض ضد مشاريع هذه التعديلات، وسط صمت مريب من معظم وسائل الإعلام الرسمية وصحافة الحزب الحاكم، التي التزمت الصمت والحياد إزاء هذا النفير الذي بدأ منذ أن أحالت الحكومة إلى مجلس النواب عدداً من المشاريع الخاصة بتعديل القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة، تنفيذاً لتعهدات البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية بشأن حماية حقوق المرأة وإزالة كل أشكال التعسف والتمييز ضدها.
وكان لافتاً للنظر أنّ منظمي الحملة المناهضة لهذه التعديلات أفرطوا في اتهام الحكومة بالرضوخ للغرب العلماني الكافر، والانخراط في مخططاته التي تسعى الى محاربة الإسلام من خلال هذه التعديلات بحسب زعمهم. كما لجأ منظمو هذه الحملة إلى تسويق وإحياء آراء ووجهات نظر قديمة وميتة لبعض الفقهاء الأسلاف،كأدلة على أنّ ما يدعو إليه أو يعتقد به ملالي حزب "الإصلاح" هو الدين الحق، ووصم كل من يخالف آراءهم ووجهات نظرهم بالكفر، والخروج عن الدين والامتناع عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو خطاب سياسي درج على ترديده الإخوان المسلمون، في حزب "الإصلاح" لتبرير استخدام سلاح التكفير ضد كل من يدافع عن مشاريع التعديلات القانونية التي من شأنها إدانة جرائم حزب "الإصلاح" بحق النساء والمجتمع عموماً، وفضح زيف وكذب خطابه السياسي الانتهازي الذي يحاول من خلاله تلميع صورته لدى السفارات الاجنبية والفضائيات الخارجية، والظهور كمدافع عن الحريات المدنية وحقوق الإنسان في سياق مناوراته السياسية الرامية إلى تضليل الرأي العام اليمني والعربي والدولي، والسعي لكسب أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية لعام 2009م القادم، تمهيداً للاستيلاء على السلطة، وتطبيق شريعة طالبان في اليمن.
ومما له دلالة أنّ أحد المشاركين في ندوة أقامها مركز "الإيمان" في صنعاء خلال شهر مارس الماضي، ربط هجومه على مساواة دية القتيلة بالقتيل، وهو ما تسعى إليه مشاريع التعديلات القانونية التي أحالتها الحكومة إلى مجلس النواب، بهجوم ساذج على العقل، مشيراً إلى أنّ الذين يطالبون بمساواة دية القتيلة بالقتيل هم "صليبيون وعلمانيون وملحدون يدعون إلى إخضاع إجماع الأمة للعقل، وبالتالي تبرير الخروج عن هذا الإجماع باسم النقد العقلي الذي يروّج له النصارى واليهود بعد أن استبدلوا عبادة الله بعبادة العقل" بحسب مداخلة لأحدهم في ندوة أقامها مركز "الإيمان"، وحظيت بتغطية واسعة من صحافة حزب " الإصلاح" ومن والاها من الصحف التي تدور في فلك الماكنة الاعلامية لأحزاب المعارضة المنضوية في إطار تكتل (اللقاء المشترك)!!
ولا ريب في أنّ رفع عصا ما يسمى زوراً وكذباً بالإجماع من قبل شيوخ وملالي حزب "الإصلاح" وجامعة الإيمان، يعكسُ حالة الفقر المعرفي والإفلاس السياسي لهؤلاء الناشطين السياسيين المعارضين لحكومة المؤتمر الشعبي العام، والذين درجوا في مختلف المباريات السياسية في ظل التعددية الحزبيةعلى الإختباء داخل عباءة الدين، واستخدام عصا ما يسمى "الإجماع" كفزاعة يرهبون بها خصومهم السياسيين في الاتجاه المقابل. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ التاريخ الإسلامي والإنساني لم يشهد أي إجماع إزاء أية قضية قديمة أو معاصرة. وهو ما ينطبق أيضاً على الحياة الداخلية لحزب "الإصلاح" الذي لا يستطيع إقناعنا أو إقناع أعضائه بوجود "إجماع" في داخل هيئاته القيادية، أو بين صفوف كوادره وناشطيه وأعضائه إزاء أية قضية من القضايا التي تتعلق بالدين أو الوطن أو الإنسان أو الحياة أو المرأة أو المجتمع أو العالم أو التاريخ!!
ولعل أكذوبة "الإجماع" التي يُرهب بها ملالي وشيوخ حزب "الإصلاح" خصومهم السياسيين، تشبه الأكذوبة التي أطلقهاأثناء حرب صيف 1994م أحد كبار شيوخ حزب (الاصلاح) عندما أذاع بصوته، فتوى دموية تحرض على ارتكاب جرائم حرب وإبادة معادية للإنسانية بحق المسلمين المدنيين من الأطفال والنساء والرجال والشيوخ في عدن والمحافظات الجنوبية، زاعماً أنّ من أسماهم ذلك الشيخ "الإخواني" في فتواه السوداء "جمهور العلماء" قد أجمعوا على إباحة قتل المدنيين المتمترس بهم من قبل الكفار الاشتراكيين أعداء الأمس وحلفاء اليوم وذلك حتى لا تعلو شوكة الكفر على شوكة الإسلام بحسب زعمه في الفتوى التي اصدرها آنذاك، ولقيت استنكاراً وتنديداً واسعين من علماء الدين في العالم الاسلامي وفي مقدمتهم الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد متولي الشعراوي رحمهما الله، والدكتور سيد محمد طنطاوي شيخ الأزهر أطال الله في عمره.
ومن نافل القول إنّ سهولة التذرع بأكذوبة الإجماع التي أدمن عليهاشيوخ وملالي حزب "الإصلاح" في مجرى تعاملهم مع خصومهم وإتهامهم لهم بالخروج عن ما يسمى "إجماع الأمة وثوابتها"، توضح مدى استعداد أشباه "الأكليروس" في الإسلام السياسي لبيع دينهم بدنياهم، ومقايضته بالمصالح الحزبية والسياسية الدنيوية الضيقة، حتى لو كان ثمن البيع والمقايضة ممارسة الكذب الوقح باسم "الإسلام"، والإفراط في تشويهه، والتضحية بقيمه ومبادئه السامية من خلال تقديمه في صورة الدين الذي يبيح ارتكاب جرائم الحرب والابادة الشاملة،ويحرض على قتل المدنيين من النساء والرجال والشيوخ والأطفال، وينتهك حقوق المرأة، ويخل بميزان العدالة، ويدخل كل ما يفيد وينفع الناس مثل الموسيقى والغناء والسينما والمسرح والتصوير في قائمة المحرمات والممنوعات، فيما يتهمون كل الذين لا يؤمنون بمعتقدات ملالي الإسلام السياسي (الإخواني) التي تعود إلى الأزمنة الجاهلية والعصور الغابرة والبيئات البدوية الصحراوية، بالكفر والعلمانية وموالاة اليهود والنصارى، والخروج عن ثوابت الأمة و"إجماع العلماء"!!!!
يبقى القول إنّه من حق هؤلاء إلغاء عقولهم.. ولكن ليس من حقهم مطالبتنا بإلغاء عقولنا لنصدق أولاً أنّ الإسلام لا يجيز مساواة دية القتيلة بالقتيل، استناداً إلى وجهات نظر ميتة لبعض فقهاء عصر الانحطاط التي يرفضها فقهاء آخرون أسلاف ومعاصرون.
من حق ملالي الاسلام السياسي أن يعطوا عقولهم إجازة مفتوحة.. ومن حقهم أيضاإلغاء عقولهم نهائياً إذا شاؤوا ذلك.. وبالمقابل من حقنا أن نتساءل عن عدالة وسلامة منطقهم الأعوج الذي يريدون من خلاله الحكم على سائق سيارة أودى في حادث مروري بحياة وزيرة أو قاضية أو معلمة أو طبيبة أو ناشطة (إصلاحية) لقيت حتفها في ذلك الحادث إلى جانب سائقها أو أحد المارة.. فتكون دية القتيل كاملة ودية القتيلة بالنصف!!!
فهل يتحقق العدل -وهو من أهم مقاصد الدين والشرع- في حكم جائر لا يوجد له أساس في القرآن الكريم الذي خاطب الرجال والنساء بمعايير عادلة ومتساوية في التكليف والثواب بقوله تعالى: «ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً» صدق الله العظيم.
وهل يمتلك بعض الفقهاء والملالي الحق في أن يجعلوا من أنفسهم شركاء لله في حكمه ويحددوا من لدنهم أجر الله العظيم الذي وعد به عباده الصالحين والصالحات من الرجال والنساء في الآية القرآنية التي أوردناها سابقاً، فيحكموا بدية كاملة للقتيل ونصف دية للقتيلة التي تنطبق عليها الصفات الواردة في هذه الآية!!!
كما لا يوجد لتحريم مساواة دية القتيلة بالقتيل أساس يقبله العقل في الحديث النبوي الذي ينص على أنّ النساء شقائق الرجال. أوفي خطبة الوداع التى كرس رسول الله عليه الصلاة والسلام معظمها للدفاع عن حقوق المرأة وحمايتها من الظلم والاضطهاد، وهو ما يمكن إدراكه بسهولةأيضا ًمن خلال إخضاع هذه المسألة الخلافية لميزان القرآن أو ميزان السنة أو ميزان العقل في حال عدم وجود دليل بشأنها في القرآن والسنة.. وهو ما سنأتي إليه في الحلقة القادمة والأخيرة من هذا المقال بإذن الله تعالى.
*عن 26سبتمبر








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024