وداعاً بابا الشيخ! لماذا نحرص على توديع السيد عبد العزيز بابا الشيخ سفير تونس الشقيقة ونقول له شكراً بمناسبة انتهاء فترة مهامه سفيرا لدى بلادنا؟ هل من المفترض أو اللائق أن نشكر كل من أدى واجبه وأنجز مهامه التي كلف بها؟ قد يكون فهم الأمر على هذه الشاكلة سطحيا جدا وعليه ستتحول أوراق الصحف إلى معلقات فارغة لكيل المديح ولما عاد لها أي قيمة. إن تقديرنا لهذا الرجل نابع في الواقع في رأينا من عمله الصادق ومعاملته التلقائية غير المتكلفة التي راعت بحرص احترام الذات للمواطن اليمني، فحسّن كثيرا من عملية استقبال الزائر اليمني لسفارته وسهّل قضاء مصالحه بما يليق بالوشائج التي تربطنا بهم، في حين نرى أن مواطنينا يتزاحمون أمام السفارات وبعضها سفارات عربية بطريقة مُهينة وغير لائقة تعكس بكل أسف لامبالاة القائمين على هذه السفارات وتعاليهم علينا وتجاهلهم لمعاناة الناس على أبواب سفاراتهم، وأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناءً لابتكار أو إيجاد آليات للتواصل والاستقبال الحسن تعكس في نهاية الأمر صورتها المحترفة أمامنا، وتترجم عمليا ما نسمعه صباح مساء إلى حد الضجيج عن علاقات الصداقة أو الإخاء أو الجوار أو العمق التاريخي المتميزة. لم يغدق السفير التونسي العطايا أو الهدايا أو الامتيازات المادية من أي نوع على أحد حسب علمنا، لكنه في الوقت نفسه كان فطنا لمعاني الكلمة الطيبة والمشاعر الأخوية الصادقة التي منشؤها في الأرض وفروعها في السماء. فكان ونائبه السيد محمد علي بنحبيب من أشد المتحمسين بل والراعين لكل الأفكار التي أدت إلى تأسيس اللجنة التحضيرية لجمعية الإخاء اليمني التونسي، إنهما بكل بساطة يتركان حتى بعد مغادرتهما لنا غرسة مثمرة ستترعرع وستذكّرنا دائما متى رأت النور رسميا وتجذرت أنهما من رجالها الحقيقيين. لقد سعى السفير عبد العزيز بابا الشيخ من خلال ملاحظتنا المتواضعة لنشاطه المهني إلى إنجاح مهمته في اليمن كسفير لتونس عبر مدّ جسور التعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي إلى أقصى حد ممكن، لكنه لم يكتف بهذه المهمة الرسمية فأضفى عليها طابعه الشخصي الذي أراد من خلاله أن يجمع بين طرفي مغرب الوطن ومشرقه وكأنه يؤكد أنهما في الحقيقة ما هما سوى وجهين لعملة واحدة. ويبرز هذا الطابع الشخصي بجلاء من خلال تفعيله علاقات الإخاء مع أصدقاء تونس حتى مع الفئة الأقل تأثيرا مرحليا ونعني بها الطلبة اليمنيين الدارسين في تونس، ومع الخريجين من جامعاتها فلم ينس إشراكهم في كل مناسبات تونس وأفراحها، لأنه أدرك بيقين أن هؤلاء هم السفراء الحقيقيون لبلاده في اليمن. ولا شك أن سفراء سابقون لتونس ظلوا راسخين في مخيلتنا منهم على سبيل الذكر لا الحصر الصديق الشاذلي زوكار والسيد إبراهيم الخالدي المكملان لإطار الصورة الجميلة التي ينبغي أن تكون عليها العلاقات اليمنية التونسية. إن تأثير الرجل تأثير حقيقي في أنفسنا ويؤكد مدى ما للصدق وحسن التعامل في النفس من أثر، وكم أتمنى من كل السفراء في كل العالم أن يدركوا أن على كاهلهم وحدهم – في مبالغة مقبولة- يقع عبء التقديم اللائق لدولهم لدى أصدقائهم وأشقائهم في الدول المضيفة، فالقرار الأول لهم .. والأخير أيضاً، وهم وإن أتوا متأخرين فهم إن شاؤوا، آتون بما لم تستطعه الأوائل، وسيكون المواطن العادي هو الشاهد الوحيد على نجاح المهمة أو فشلها بعيدا عن لغة الدبلوماسية المنمّقة، فوداعا عطراً سعادة السفير عبد العزيز بابا الشيخ. * خبير إعلامي ومدرب [email protected] |