|
(26) عاماً من الريادة والعطاء عبدالملك الفهيدي الحديث عن المؤتمر الشعبي العام في الذكرى السادسة والعشرين لتأسيسه هو حديث عن معانٍ كثيرة تتجلى مظاهرها وتبرز إيجابياتها ومعالم نجاحاتها على أرض الواقع فكراً وسلوكاً وممارسة . وتتعدد تلك المعاني وتتشعب على امتداد الجغرافيا اليمنية خلال ربع قرن وعام من ترسيخ المفاهيم ، وتجذير الفكر المؤتمري القائم على مبادئ أهمها إشاعة وترسيخ ثقافة الحوار والتسامح وترسيخ السلوك الديمقراطي وتحقيق الوحدة الوطنية والدفاع عنها ، ناهيك عن ريادته في صنع التحولات التاريخية والمشاريع العظيمة التي شهدها اليمن على مدى ربع قرن من تاريخه. ويبدو من المهم ونحن نحتفل بمرور 26 عاماً على تأسيس المؤتمر التذكير بالفكر الديمقراطي الذي تجسد في جوهر النشأة المؤتمرية من خلال الفكرة التي كان للرئيس علي عبد الله صالح شرف إطلاقها والإشراف على صنعها عبر إنتهاج أسلوب ديمقراطي غير مسبوق وطنياً - إن لم يكن على المستوى الإقليمي -. فمع مطلع ثمانينيات القرن الماضي أراد الرئيس علي عبد الله صالح خلق إطار سياسي -فيما كان يعرف بشمال الوطن – سابقاً –وكان الأهم منه الأسلوب الذي اختار صالح أن يقوم عليه تأسيس ذلك الإطار وهو الأسلوب القائم على مفاهيم لم يتعودها اليمنيون في مسار عملهم السياسي. حيث اختار الرئيس أسلوب الحوار والمشاركة الشعبية الواسعة في صياغة ورسم وصناعة شكل وجوهر ذلك الإطار السياسي الذي أصبح في 24 أغسطس عام 1982م يعرف باسم المؤتمر الشعبي العام . ولذلك يمكن التأكيد هنا أن تأسيس المؤتمر وبقدر ما كان إنجازاً سياسياً وتاريخياً يحسب لعلي عبد الله ،إلا أنه أيضاً كان إنجازاً محسوباً لكل اليمنيين باعتباره مثل أسلوباً للعمل السياسي اليمني بفكر ورؤية يمنية خالصة شارك في صنعه اليمنيون جمعياً . وعلى مدى الأعوام الثمانية التي سبقت إعادة تحقيق الوحدة اليمنية جسد المؤتمر الشعبي العام مبادئ وثقافة الحوار والتسامح والشراكة مع الآخرين من خلال استيعاب جميع القوى السياسية -التي كان الدستور يحرم وجودها- في صياغة فكر المؤتمر " الميثاق الوطني " وفي الشراكة في الحكم والتعبير عن آرائها ومواقفها سواء من داخل المؤتمر الشعبي العام أو عبر السماح بوجود المنابر الإعلامية المعبرة عن مواقف تلك القوى وفي مقدمتهم الأخوان المسلمين والقوى ذات التوجه القومي واليساري . وبالإضافة إلى منهج وثقافة الحوار وضع المؤتمر الشعبي العام قضية إعادة تحقيق الوحدة اليمنية كقضية محورية وهو ما تبدى في حرص المؤتمر الشعبي العام الذي شكل منذ قيامه في 24 أغسطس عام 1982م إطار تنظيمياً للوحدة الوطنية على أن يكون له شرف الإضطلاع بدور أساسي وفعال في الدفع قدماً نحو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ووضعها في صدارة اهتماماته الوطنية باذلاً في سبيلها جهوداً كثيرة . وجاء نص الحقيقة الأولى في الميثاق الوطني ليؤكد ذلك التوجه " شعبنا لم يصنع حضارته القديمة إلا في ظل الاستقرار والأمن والسلام و لم يتحقق له ذلك إلا في ظل وحدة الأرض والشعب والحكم ولم تتحقق له الوحدة إلا في ظل حكم يقوم على الشورى والمشاركة الشعبية ". وانطلاقاً من تلك المبادئ عمل المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح على المضي في سبيل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بالشراكة مع الحزب الاشتراكي اليمني – الذي كان يحكم ما كان يعرف بجنوب الوطن – وتحقق له ما أراد في 22 مايو عام 1990م . ولم يقف دور المؤتمر الشعبي العام على الشراكة في إعادة توحيد الوطن بل كان أيضاً هو المبادر إلى ربط قيام الوحدة بالتزام الديمقراطية والتعددية السياسية نظاماً ونهجاً . ولم يتوان المؤتمر مطلقاً عن العمل مع غيره من القوى الوطنية الخيرة من أجل تعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية وتكريس الممارسة الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة انطلاقاً من قيم ومبادئ الميثاق الوطني الذي ينص على أنه " لا حرية بلا ديمقراطية ولا ديمقراطية بلا حماية ولا حماية بدون تطبيق سيادة القانون ". وتجلى حرص المؤتمر الشعبي العام والرئيس علي عبد الله صالح على تكريس النهج الديمقراطي عقب إعادة تحقيق وحدة الوطن في الحرية التي أتاحها للقوى السياسية التي كانت تعمل في إطاره في البقاء ضمن أطره التنظيمية أو الإعلان عن وجودها السياسي كقوى وأحزاب وهو ما أسهم في الإعلان عن تأسيس عدد من الأحزاب السياسية كالإخوان المسلمين "التجمع اليمني للإصلاح " والأحزاب القومية " الناصرية "واليسارية كالبعث . وعلى الرغم من اتخاذ بعض تلك القوى مواقف مضادة لقضية الوحدة عبر معارضتها لدستور دولة الوحدة خلال عملية الاستفتاء الشعبي عليه عام 1991م ، إلا أن المؤتمر حرص على إفساح المجال لتلك القوى للتعبير عن مواقفها العدائية لوحدة الوطن وبناء واستمرارية عملها في الساحة الوطنية دون ان يستغل مواقفها تلك في قمعها او حظر عملها . وظل حرص المؤتمر الشعبي العام والرئيس علي عبد الله صالح ولا يزال على تكريس وتجذير النهج الديمقراطي كثقافة وممارسة من خلال ريادته وتوليه شرف الإشراف والإسهام في العمليات الانتخابية التي تجاوز عددها سبع عمليات ثلاث منها برلمانية ، واثنتين رئاسية و مثلها محلية . وكان إصرار الرئيس والمؤتمر الشعبي العام على إجراء انتخابات 97 م البرلمانية في موعدها رغم الظروف السياسية والاقتصادية الاستثنائية التي كانت تمر بها اليمن آنذاك أكبر الأدلة على ذلك الحرص الرئاسي المؤتمري على الالتزام بالنهج الديمقراطي والتعددية السياسية كنظام حكم لدولة الوحدة . ولم يتوقف الأمر عند ذاك بل تعددت محطات وإنجازات النهج المؤتمري في هذا المجال من خلال المبادرة الرئاسية في التعديل الدستوري عام 94م والذي تضمن مبادرة الرئيس علي عبد الله صالح بمنح الشعب حق انتخاب رئيسه مباشرة وتحديد ولايته بفترتين. وتوالى ذلك الإنجاز المؤتمري من خلال تعزيز المشاركة الشعبية في الحكم وصناعة القرار عبر إقرار قانون السلطة المحلية وإجراء أول انتخابات محلية عام 2001م ثم إجراء الانتخابات الثانية التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية عام 2006م وصولاً إلى البدء بإحداث التحول التاريخي الأبرز والثورة الإدارية عبر إقرار البنية التشريعية وتنفيذ انتخابات المحافظين . ويمثل مشروع التعديلات الدستورية المطروح حاليا للنقاش محور أخر وليس بأخير من محاور السعي المؤتمري بقيادة لرئيس علي عبدالله صالح لاستكمال منظومة بناء الدولة اليمنية الحديثة دولة النظام والقانون وحلقة في مسيرة استكمال ترسيخ مفهوم حكم الشعب نفسه بنفسه . الدفاع عن الوحدة ومثلما كانت قضية إعادة تحقيق الوطنية القضية المحورية التي أنطلق فكر المؤتمر الشعبي العام منها ، كان الحفاظ عليها أيضاً قضية أكثر محورية في نهج وممارسة المؤتمر منذ إعادة تحقيق الوحدة عام 90م. وتمظهر ذلك النهج في تزعم الرئيس علي عبد الله صالح والمؤتمر لحملة الدفاع عن الوحدة وإسقاط مؤامرة الانفصال التي استهدفت إعادة الوطن إلى ما قبل 22 مايو 90م من خلال خوض الحرب التي انتهت بإسقاط تلك المؤامرة وتثبيت دعائم الوحدة الوطنية . وكعادته – ذهب الرئيس لتكريس ثقافة التسامح من خلال قرارات العفو العام التي أصدرها خلال الحرب ثم قرارات العفو خلال السنوات اللاحقة والتي شملت العفو عن جميع المحكومين قضائياً بتهمة اشعال الانفصال ودعوتهم للعودة إلى أرض الوطن . واليوم يتحمل المؤتمر الشعبي العام العبء الأكبر- إن لم يكن هو الوحيد على الساحة الوطنية -مسئولية الدفاع عن وحدة الوطن ضد كل المؤامرات التي لاتزال بعض الشخصيات والقوى المتضررة من الوحدة تحاول نسجها بدعم ومساندة خارجية . نجاحات تتحدث نفسها : وفي الجانب الآخر وتحديداً في المجالات التنفيذية والتنموية عمد للمؤتمر الشعبي العام لمبادلة الثقة الشعبية له خلال المحطات الانتخابية المتتالية خصوصاً منذ انتخابات 97م البرلمانية وانفراده بتشكيل الحكومة بالوفاء وكان له شرف تحقيق الإنجازات على مختلف الصعد . وإذا كان المقام لا يتسع هنا لرصد تلك الإنجازات التي تتحدث عن نفسها ، إلا أنه يمكن الإشارة إلى بعض تلك النجاحات التي بدأت بتجاوز أزمة جزيرة حنيش مروراً بالمواجهة الضارية ضد الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار وإخماد محاولات الفتنة والتمرد ، ناهيك عن النجاحات في المجالات المختلفة التي تم تنفيذها عبر برنامج الإصلاحات الوطنية منذ العام 97م والتي أسهمت في تجنيب الاقتصاد الوطني الكوارث . إن حقائق تلك الانجازات التي تحققت للوطن منذ تشكيل المؤتمر لحكومة منفردة تتجسد على ارض الواقع ولا يستطيع احد إنكارها إلا من ينكر سطوع الشمس في وضح النهار –فقد شهد البلد تحولات تنموية واقتصادية وتعليمية وثقافية عبر مشاريع تمتد من أقاصي اليمن شرقا إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها .. وعبر تنفيذ مضامين برامجه الانتخابية النيابية والمحلية والرئاسية استطاع المؤتمر الشعبي العام قيادة اليمن إلى بر الأمان في مختلف المحطات العصيبة لا سيما على الصعيد الأمني وعلى صعيد علاقاتها مع مختلف دول العالم . وإذا لم يكن هناك من دليل على حقائق النجاحات التي حققها المؤتمر لليمن خلال السنوات الست والعشرين الماضية بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح ،لكانت الثقة الشعبية المتكررة التي يمنحها اليمنيون للمؤتمر ورئيسه خلال الاستحقاقات الانتخابية خير دليل على عظمة تلك الانجازات . ان ربع قرن من الانجازات وعقد ونصف من التحولات التي شهدها اليمن الموحد يجعل من الاحتفاء بذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام احتفاء بحقائق الريادة السياسية التي كانت –ولاتزال-تحمل رسالة الخير والنماء والسلام والأمن والاستقرار والمثابرة على تحقيق حلم النهوض باليمن أرضا وانساناً كغاية مثلى وهدف سامٍ لا يقدم على تحمل مسؤولية انجازه سوى العظماء الذين نذروا أنفسهم لبناء الوطن دون كلل او ملل . |