الأحد, 05-مايو-2024 الساعة: 04:39 ص - آخر تحديث: 01:33 ص (33: 10) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
ضبابية المشهد.. إلى أين؟
إياد فاضل*
شوقي هائل.. الشخصية القيادية الملهمة
راسل القرشي
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت - احمد الحبيشي
احمد الحبيشي -
الاخوان المسلمون ساندو مشروع توطين مسلمي الكومنولث في عدن واعتبروه ( فريضة شرعية ) !!
حرصنا في الحلقتين السابقتين من هذا المقال على الاقتراب الحذر من جذور بعض اشكاليات الهوية اليمنية في السياقات التاريخية لنظام الخلافة الامبراطوري خلال عصر اقتصاد الخراج ، ونظام الامامة الطائفي المذهبي في عصر الاستعمار . ولم يكن القصد من ذلك اجراء مقارنة مفتعلة بين دور الإيديولوجيا الدينية في عملية تشكيل الدولة اليمنية أواخر القرن الميلادي الأول ، وتأجيج المنازعات الدموية في الساحة اليمنية ، وتعريضها لخطر التدخل الخارجي من جهة ، وبين دور الأيديولوجيا اليمينية واليسارية في التعامل مع إشكاليات الإجابة على سؤال الوحدة اليمنية في أواخر القرن العشرين الميلادي من جهة أخرى .
إن هدفنا من الإشارة إلى هذا الدور هو مقاربة إشكاليات المجال السياسي والمجال الأيديولوجي في مختلف مراحل تاريخ المجتمع اليمني ، ودراسة تأثيرها على الوحدة الوطنية ، خاصة عندما يؤدي توظيف الأيديولوجيا لتبرير الإوضاع السائدة وإعادة إنتاجها إلى ردود فعل عنيفة ، على نحو ما حصل في العصور الوسطى عند ظهور حركات تمرد ، انتهت بتأسيس دويلات يمنية في الأطراف ، بعيداً عن السلطة المركزية ، أو في أحسن الأحوال بقيام حركات تبشر بتأسيس دولة مركزية جديدة على غرار ما حدث في الدولة الرسولية و الدولة الهادورية والدولة الصليحيه ، وصولاً إلى الدولة القاسمية التي سبقت الدولة المتوكلية .
يقيناً أن هذه المقارنة التاريخية ضرورية لنقد التبسيطات والتعميمات الساذجة التي روجت لها الأيديولوجيا اليمينية واليسارية ، في السبعينات والثمانينات على نحو كان الوطن يبدو فيه وكأنه موزع بين متاريس وخنادق إيديولوجية وسياسية لا تحتمل التعايش إلا بسياجات عازلة وفاصلة ، وغير ذلك من التعميمات التي أسقطت مفاهيم مستخلصة من سياقات ثقافية وتاريخية معينة ، على واقع أخر لم يتعرض بعد للتحليل الشامل ، ولم يمتلك الأدوات المعرفية اللازمة لممارسة هذا التحليل على أساس المنهج النقدي العلمي .
ما من شك أن سؤال الوحدة اليمنية هو سؤال معاصر بامتياز ، إذْ ارتبط باشكاليات الهوية الوطنية في العصر الحديث ، بما هو عصر الرأسمالية كأداة للسيطرة على الأسواق وطرق الملاحة الدولية ، وما ترتب على ذلك من صراع على النفوذ والمصالح القوية بين الدول الاستعمارية من جهة ، وصراع بين هذه الدول وحركات التحرر الوطني من جهة أخرى. بمعنى أن الهوية الوطنية لم تكن مـُحركاً لاحداث التاريخ الإسلامي وصراعاته الداخلية في عصر إقتصاد الخراج ، حيث كانت الهوية الإسلامية تجمع المسلمين في دولة الخلافة ، فيما كان الصراع على السلطة والثروة هو المحرك الرئيسي للصراع على النفوذ والحروب الداخلية بين الأسر والعصبيات الحاكمة ورجال الدين الإقطاعيين وملاك الأراضي وقادة الجيوش وأمراء الجواسيس ، والتي أسفرت عن نشوء دول ملوك الطوائف والعشائر على أطراف نظام الخلافة الاسـلامية الامبراطوري من المغرب العربي غرباً إلى مصر والشام شمالاً ، ومن اليمن جنوباً إلى بلاد فارس وماوراء النهرين شرقاً .
كانت تلك الدول والممالك المستقلة عن مركز الخلافة الإسلامية تؤسس شرعيتها على معادلة الدين والأيديولوجيا ، فهي من ناحية تتقاسم الهوية الاسلامية والإيمان بالدين الإسلامي مع مركز دولة الخلافة وبقية دول ملوك الطوائف والعشائر ، فيما تستخدم – من ناحية أخرى – إيديولوجيا دينية مذهبية لإضفاء الشرعية والتميـُّز على استقلالها !!
والثابت أن الوطن اليمني استعاد وجهه الشرعي الواحد، بقيام الجمهورية اليمنية التي دمجت دولتين شطريتين كانت كل واحدةٍ منها ابناً شرعياً لكل من ثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر، وهما ثورتان ترابطت حركتهما وأهدافهما الوطنية في سياق كفاحي وطني واحد ضد الاستبداد والاستعمار. بيد أن يوم الثاني والعشرين من مايو 1990 لم يكتسب أهميته الوطنية من كونه اليوم الذي أنهى فيه شعبنا واقع التشطير الجغرافي والسياسي الذي انقسمت البلاد في ظله إلى دولتين ونظامين ، بل أنّه بالإضافة إلى ذلك جاء تتويجاً لنضال طويل خاضته الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة، من أجل استعادة حرية الوطن والإنسان، والقضاء على كل القيود التي تحول دون تطوره الحر والمستقل.
بهذا المعنى يمكن القول إنّ يوم 22 مايو المجيد 1990م كان ثمرة لمسيرة كفاحية طويلة، تعمّدت بالدماء والتضحيات الغالية، في سبيل انتصار مبادئ وأفكار الحرية والاستقلال والتقدم والوحدة.. وما كان لهذا الإنجاز الوحدوي الوطني العظيم أن يتحقق بالوسائل السلمية والديمقراطية، لولا الدعم المطلق الذي قدمه شعبنا وقواه الوطنية للإرادة السياسية المشتركة التي صنعت هذا الإنجاز ، حيث جسدت هذه الإرادة أعلى مستويات الوعي الوطني الوحدوي الذي يعود إلى الحركة الوطنية اليمنية المعاصر فضل تأسيسه وتعميقه، من خلال عملية وطنية تاريخية ومعقدة.
لم يكن صدفة أن تشهد مدينة عدن التوقيع على اتفاق 30 نوفمبر 1989م الوحدوي التاريخي بين قيادتي الشطرين سابقاً، وأن تشهد هذه المدينة الباسلة رفع علم دولة الوحدة في لحظة تاريخية مهيبة من صباح يوم 22 مايو 1990م الذي قامت فيه الجمهورية اليمنية الموحدة.. فقد كانت مدينة عدن ميداناً لأعظم المعارك السياسية والفكرية والثقافية التي تصدى من خلالها اليمنيون لمختلف المشاريع والمخططات الاستعمارية الرامية إلى تكريس التجزئة وطمس الهوية اليمنية وتلفيق هويات بديلة ومناطقية وانعزالية تحت مسمّيات مختلفة أبرزها (الجنوب العربي) !!!
على أرض مدينة عدن تجسدت وحدة الكفاح الوطني ضد النظام الإمامي في الشمال والاستعمار البريطاني والكيانات السلاطينية في الجنوب، حيث أثمرت هذه الوحدة الكفاحية ثقافة وطنية وقومية تحررية ، أسهم في تشكيلها الرواد الأوائل من قادة العمل الوطني والنقابات العمالية والمثقفون والصحافيون والأدباء والفنانون، الذين رفعوا عالياً أفكار ومبادئ الحرية والاستقلال والوحدة وتعرضوا في سبيلها لمختلف أشكال القمع والاعتقال والاضطهاد والنفي .
كانت معركة الهوية أولى المعارك التي اجترح الوطنيون الأوائل مآثر كفاحية على محرابها.. فقد أصر الوطنيون اليمنيون على التمسك بالهوية اليمنية للجنوب المحتل، والتصدي لكل المشاريع الاستعمارية والسلاطينية التي استهدفت فصله عن الكيان الوطني اليمني التاريخي الواحد ، وتجزئته إلى 22 سلطنة وإمارة منضوية في اربع كيانات انفصالية يحتفظ كل منها بعلم خاص وجوازات وحدود وجمارك وقوات مسلحة خاصة بها !!!.
كما قاوم الوطنيون اليمنيون بجسارة وثبات محاولات إضفاء هوية مستقلة على كل واحد من هذه الكيانات الانفصالية ، حيث حمل الكيان الأول اسم ( اتحاد الجنوب العربي ) ، وحمل الكيان الثاني اسم ( سلطنة حضرموت الكثيري ) وحمل الكيان الثالث اسم ( سلطنة حضرموت القعيطي ) فيما حمل الكيان الرابع اسم ( سلطنة المهرة وسقطرى ) !!!
ومن نافل القول أنّ الإستراتيجية الاستعمارية عملت – في بادئ الأمر – على تكريس تجزئة الجنوب اليمني المحتل ، إلى أكثر من 22 سلطنة وإمارة ومشيخة ، وربط هذه السلطنات والإمارات والمشيخات بالإدارة الاستعمارية، من خلال ما كانت تسمى بمعاهدات الحماية والصداقة بينها وحكومة بريطانيا، كما حرصت على تحويل هذه الكيانات السلاطينية إلى دويلات لكل منها هياكلها الإدارية والجمركية والأمنية بالإضافة إلى حدودها المستقلة عن الأخرى !!
في هذا السياق كان مشروع توطين مسلمي دول الكومنولث الاستعماري البريطاني في عدن يستهدف طمس عروبة مدينة عدن التي كانت تخضع لإدارة وزارة المستعمرات البريطانية مباشرة، ولا ترتبط بمعاهدة حماية وصداقة مع الحكومة البريطانية على غرار الوضع السائد في بقية إمارات وسلطنات ومشيخات الجنوب المحتل، والتي كانت تنقسم إلى مجموعتين : الأولى وهي المحميات الشرقية ، والثانية وهي المحميات الغربية ممثلة في سلطنتي حضرموت القعيطي والكثيري وسلطنة المهرة وسقطرى .
ولا نبالغ حين نقول ان شعار (عدن للعدنيين) الذي رفعته الجمعية العدنية الكبرى في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين، دشـّن أولى معارك الدفاع عن الهوية العربية لمدينة عدن في مواجهة مشروع توطين المهاجرين من مسلمي الكومنولث ، من خلال المطالبة بفرض اللغة العربية كلغة رسمية للمعاملات الرسمية، وتعيين أبناء مدينة عدن في الوظائف العليا والحيوية التي كان يشغلها مسلمو دول الكومنولث في الأجهزة الحكومية والمؤسسات الخدمية والأمنية والبنوك والميناء والمطار والبلديات.
صحيح ان مشروع توطين مسلمي الكومنولث لقي دعما من بعض رجال الدين المحسوبين على جماعة "الأخوان المسلمين" الذين ساندوه بالفتاوى وخطب الجمعة والأحاديث الدينية عبر إذاعة عدن الاستعمارية وعلى رأسهم الشيخان محمد بن سالم البيحاني ومحمد علي باحميش اللذان لم يترددا في تأييد مشروع توطين المهاجرين من مسلمي الكومنولث البريطاني في عدن ، باعتباره ( فريضة شرعية) بحسب وجهة نظرهم الفقهية على نحو ما أوضحناه في الحلقة السابقة من هذا المقال . لكن مجابهة هذا المشروع لم تنحصر فقط على الجمعية العدنية الكبرى بل أن المجتمع المدني بأسره لعب دورا كبير وحاسما في هذه المجابهة ، من خلال الاضرابات والمظاهرات والمقالات المنشورة في الصحافة الوطنية ونشاط المثقفين والفنانين والنوادي الثقافية والفرق الموسيقية ورجال الدين الوطنيين الذين تأثروا بالأفكار القومية التحررية واليسارية ، وفي مقدمتهم الشيخ عبدالله محمد حاتم والشيخ عبدالمجيد الأصنج والشيخ محمد العبادي وغيرهم من رجال الدين الذين كانوا يدافعون عن الهوية اليمنية للجنوب المحتل ويدعون إلى تحريره من الاستعمار وتحقيق الوحدة اليمنية كخطوة على طريق الوحدة العربية.
ولازال الجيل الذي عاش تلك الأحداث يتذكر الفعاليات الوطنية التي دافعت عن الهوية العربية واليمنية للجنوب المحتل في مواجهة مشروع توطين المهاجرين من بلدان الكومنولث البريطاني ، ومن بين تلك الفعاليات أغنية شهيرة للفنان الكبير محمد مرشد ناجي كتب كلماتها الشاعر الراحل لطفي جعفر أمان و قال فيها :
امنعوا الهجرة .. انها خطرة
امنعوا الاجنبي من دخول الوطن
يا شباب .. يا شباب
اعلنوا الاضراب .. واغلقوا كل باب
في سبيل الوطن
ولئن كان الدفاع عن الهوية اليمنية والعربية لمدينة عدن في مواجهة مشروع توطين مسلمي دول الكومنولث البريطاني قد مهد الطريق لارتفاع شعارات الوحدة اليمنية والاستقلال في منتصف الخمسينات على إثر ظهور الطبقة العاملة اليمنية في عدن كقوةٍ سياسية منظمة في نقابات، وانتشار الأفكار القومية واليسارية لثورة 23 يوليو بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر وحركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي والحركة اليسارية العربية عموما ، إلا أن مواجهة مشروع توطين مسلمي الكومنولث دفاعًا عن الهوية العربية واليمنية لمدينة عدن، دقت ناقوس الخطر في أوساط الإدارة الاستعمارية التي استشعرت خطورة ظهور الشعارات والحركات السياسية التي تربط بين الاستقلال والوحدة اليمنية ، الأمر الذي أجبر الاستعمار البريطاني على التراجع عن محاولات طمس الهوية العربية لمدينة عدن من خلال مشروع توطين مسلمي الكومنولث، والانتقال الى تسويق مخطط استعماري جديد وهو مشروع "الجنوب العربي" بهدف محاصرة وإجهاض الحركة الوطنية الجديدة التي رفعت شعارات الاستقلال والوحدة اليمنية، ونجحت في استخدام الغناء والموسيقى والفنون والكتابات الصحفية والمسرح وكل أشكال التربية الثقافية الوطنية في المدارس والأندية الرياضية والجمعيات الأهلية لصياغة الوجدان الوطني للمجتمع ا كأساس منيع للهوية اليمنية للجنوب المحتل ، التي وجدت عمقها الإستراتيجي في قيام ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، وإسقاط النظام الإمامي الاستبدادي وقيام النظام الجمهوري في شمال الوطن ، وتحرير الجنوب المحتل من الاستعمار، والغاء كافة الكيانات السلاطينية والمشيخية التي كانت منضوية في إطار ما كان بسمى ( اتحاد الجنوب العربي ) وسلطنات المناطق الشرقية التي بقيت خارج ذلك الاتحاد.
وسيسجل التاريخ بأحرفٍ من نورٍ للطلائع الوطنية في مدينة عدن وكل مناطق الجنوب اليمني المحتل آنذاك مقاومتها الباسلة لتلك المشاريع التي استهدفت تجزئة الجنوب إلى بضعة كيانات انفصالية وإضفاء هوية خاصة لكل منها .. وقد تصدى شعبنا وحركته الوطنية لهذا المخطط الاستعماري بوسائل مختلفة ، كالإضرابات العمالية والمظاهرات الشعبية والاعتصامات والشعارات والأغاني الشعبية والقصائد والملصقات، فيما تعرضت رموزه الوطنية للفصل من الوظائف الحكومية والاعتقال والمحاكمات الصورية والنفي، وغير ذلك من أشكال القمع والملاحقة.. واستمرت هذه المواجهة منذ بدء تسويق هذه المشاريع في نهاية الاربعينات وأوائل الخمسينات وحتى يوم الزحف الشعبي الكبير على المجلس التشريعي بتاريخ 24 سبتمبر 1962م، حيث تحولت مدينة عدن إلى ساحةٍ ملتهبة لمعارك شرسة بين المتظاهرين والقوات الاستعمارية التي أطلقت الرصاص عليهم ، ما أدى إلى سقوط عددٍ من الشهداء والجرحى ، والزج بمئات المناضلين في غياهب المعتقلات، بسبب تصديهم لمشروع سلب الهوية الوطنية اليمنية عن الجنوب المحتل، وتلفيق هويات بديلة ومناطقية على كياناته المجزأة !!
شاء التاريخ أن يضمد جراح مدينة عدن بعد يومين من تلك الأحداث الدامية، بانفجار ثورة 26 سبتمبر 1962م في صنعاء، وسقوط النظام الإمامي الكهنوتي وقيام أول جمهورية في شبه الجزيرة العربية.. ومنذ ذلك اليوم دخلت الحركة الوطنية اليمنية منعطفاً تاريخياً جديداً، حيث التزمت الثورة ونظامها الجمهوري الفتي بدعم نضال شعبنا في الجنوب اليمني المحتل ، من أجل التحرر الوطني والوحدة، وخصصت حقيبة وزارية لشؤون الجنوب المحتل في أول حكومة وطنية تم تشكيلها في صنعاء بعد قيام الجمهورية، تجسيداً لوحدة الأرض والشعب.
ولئن تعرضت ثورة 26 سبتمبر ونظامها الجمهوري لخطر المقاومة من قبل فلول النظام الكهنوتي البائد، فقد كان الدفاع عنها مرحلة جديدة من مراحل الكفاح الوطني تجسدت فيها وحدة الثوريين اليمنيين شمالاً جنوباً، حيث تعمّدت هذه الوحدة بدماء الشهداء من مختلف مناطق اليمن دفاعاً عن الثورة والجمهورية.
ولدى عودة المتطوعين من أبناء منطقة ردفان الذين ساهموا في الدفاع عن جمهورية السادس والعشرين من سبتمبر، رفض هؤلاء المقاتلون وعلى رأسهم المناضل غالب بن راجح لبوزة الخضوع لأوامر السلطات الاستعمارية بتسليم أنفسهم مع أسلحتهم لغرض التحقيق معهم وكان ذلك إيذاناً ببدء مواجهة مسلحة بين مواطني ردفان والقوات البريطانية التي قصفت منازلهم ومزارعهم بالطائرات والمدفعية الثقيلة، ما أدى إلى استشهاد المناضل غالب بن راجح لبوزة صبيحة يوم الرابع عشر من أكتوبر 1963م، الذي تحول إلى شرارة واسعة أشعلت نار الكفاح المسلح في كل أنحاء الجنوب اليمني المحتل.
وباندلاع ثورة 14 أكتوبر انتقلت العملية الثورية التي بدأت يوم 26 سبتمبر إلى مرحلةٍ نوعية جديدة ، تعمقت فيها واحدية الثورة اليمنية، حيث كان النظام الجمهوري يخوض معارك الدفاع عن منجزاته الوطنية في الشمال، ويقدم كل أشكال الدعم اللوجيستي والسياسي والإعلامي لثورة 14 أكتوبر التي كانت تدك معاقل الاستعمار والكيانات السلاطينية في الجنوب ، حتى تمكنت الثورة المسلحة من الظفر بالاستقلال الوطني ورحيل الاستعمار في ال 30 من نوفمبر 1967م ، وإنهاء الكيانات السلاطينية والمشيخية وتوحيدها في دولة واحدة، وصولا الى إعادة الهوية الوطنية اليمنية إلى الجنوب المتحرر ، كخطوة على طريق تحقيق وحدة الوطن اليمني ، الهدف العظيم للثورة والحركة الوطنية اليمنية.
( يتبع )









أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024