|
المؤتمر الشعبي العام: ارتباط وثيق بالمجتمع المدني وشراكة مبكرة في التنمية قال الدكتور/ أحمد محمد الأصبحي -عضو اللجنة الدائمة للمؤتمرالشعبي العام (الحاكم في اليمن)وعضو مجلس الشورى- أن برامج العمل السياسي وما صدر عن المؤتمر الشعبي العام من دراسات وبحوث حول مفاهيم الميثاق الوطني فصلت الحديث عن كل ما يتصل ببناء منظمات المجتمع المدني. مشيرا الى إفراد دراسات مستقلة عن كل من مفهوم الحرية، ومفهوم الديمقراطية ومفهوم العدل الاجتماعي، ومفهوم الاقتصاد، وشمولية الإسلام في الميثاق الوطني. وأوضح الأصبحي -في ورقة عمل بعنوان "المجتمع المدني في فكر وأدبيات المؤتمر الشعبي" قدمها إلى ندوة دور المؤتمر الشعبي العام في تنمية المجتمع المدني بمناسبة الذكرى 28 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام - إن برامج العمل السياسي للمؤتمرتطرقت إلى الجوانب التنفيذية والتي تتولى حكومات المؤتمر بأجهزتها التنفيذية تحويلها إلى برامج تفصيلية بهدف تنفيذها، وإلى الجوانب النظرية والتنظيرية والتي تتولى تكوينات المؤتمر الشعبي العام الاضطلاع بها بالتوعية السياسية وتكريسها في السلوك التنظيمي، وفي رعايتها في المجتمع بما يعزز مسيرة بناء المجتمع المدني، وذلك من خلال إقامة المحاضرات والندوات وورش العمل، وعقد المؤتمرات، وإصدار الدراسات والبحوث والتعميمات السياسية. مضيفا: ان تلك البرامج أوكلت معظم مهاما في التوعية السياسية إلى معهد الميثاق الوطني، وبالتنسيق مع الأمانة العامة للمؤتمر وفروع المؤتمر في المحافظات، أو إلى فعاليات مختلف تكوينات المؤتمر، القيادية والوسطية والقاعدية، حيث عملت جميعها على أساس من الجمع بين الانطلاق من المبادئ الميثاقية، وبين السعي نحو الأهداف في حركة واعية ومستنيرة تعمل على إحداث التغيير وتحقيق التقدم المنشود الذي لا يتم إلاَّ ببناء المجتمع المدني على أسس سليمة، وذلك من خلال تعزيز أوجه الشراكة مع منظمات المجتمع المدني، وإزالة العقبات للارتقاء بدورها إلى دور الشريك الرئيسي في تحديد احتياجات التنمية. وأكد الأصبحي ان برامج العمل السياسي وأدبيات المؤتمر أقرا في نصوصهما تشجيع مشاركة منظمات المجتمع المدني في رسم السياسات ومتابعة تنفيذ الخطط والبرامج التنموية جنبا إلى جنب مع الجهات الحكومية المعنية ، وتعزيز دور المنظمات في نشر الوعي حول القضايا السكانية والحقوقية وقضايا التنمية المختلفة. وبخصوص ما جاء في (الميثاق الوطني) من مضامين تخص الاهتمام بمنظمات المجتمع المدني - قال الاصبحي - ان الميثاق الوطني استوعب في مقدمته وجميع أبوابه وخاتمته المفهموم الصحيح للمجتمع المدني، وذلك من خلال ما اشتملت عليه مضامين الميثاق من القيم والأخلاق التي يتأسس عليها بناء المجتمع المدني والدور المناط به في المشاركة السياسية والشعبية في صنع القرار وفي بناء الدولة الحديثة دولة المؤسسات والنظام والقانون. مبينا أن مقدمة (الميثاق الوطني) تطرقت للدور النضالي التاريخي للحركة الوطنية ضد الاستبداد والاستعمار حتى انتصرت إرادة الشعب بقيام الثورة اليمنية ثم بمواصلة النضال في الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوري، واستحقاقات الوحدة، والتغلب على معوقات استعادة الوحدة الوطنية.. ومشيرا إلى أنه ثبت في المقدمة في الحقائق الخمس مبادئ وقيم وأسس بناء المجتمع المدني التي بتوفرها تستقيم نظرة شعبنا إلى المستقبل مثلما أمكن له بها صناعة حضارته القديمة، وانطلاقه في أداء الرسالة الحضارية الإنسانية على نطاق جغرافي امتدت رقعته بين الصين والأندلس. وتابع الدكتور الأصحبي: اشتملت هذه الحقائق الخمس على الشورى والديمقراطية والمشاركة الشعبية في صنع القرار، والتي تنطوي على الحرية المسئولة من قبل الجميع، وتطبيق العدالة الاجتماعية، وترسيخ الوحدة الوطنية، ورفض أشكال الاستغلال والظلم، كما أضفى الباب الأول في الميثاق أيضا: الإسلام عقيدة وشريعة، على المبادئ والقيم آنفة الذكر بعداً روحياًّ وأخلاقياًّ ضابطاً لاستقامة البنية الاجتماعية بجملة من المعايير لسير الحياة اجتماعياًّ وسياسياًّ واقتصادياًّ وثقافياًّ. واستعرضت الورقة واقع المجتمع المدني قبل قيام الثورة اليمنية، وقالت: أنه حين تسلم الإمام يحيى السلطة بعد خروج الأتراك من شمال الوطن، لم يُحدث أي تطور ملموس في نظام الحكم، فقد استأثر بالسلطات العامة وحرم الشعب من المشاركة في صنع القرار، موضحة ذلك فيِ: خلو البلاد تماماً من أي مؤسسة دستورية وديمقراطية أو كيان سياسي رسمي شوروي، وتركيز السلطات العامة الثلاث بيد الإمام، فكان هو الذي يشرع ويقضي ويأمر بالتنفيذ، ويقرر المصروفات بنداً بنداً، احتكار السلطة في أدنى مستوياتها من قبل الإمام، فهو الذي كان يعين كل الموظفين، ويتصرف في كل صغيرة وكبيرة. لكن الورقة أكدت في نفس الوقت أن إرادة المجتمع ظلت تقارع ذلك الاستبداد، وتواجهه بمختلف وسائل وأساليب المواجهة النضالية ونمت الحركة الوطنية، ونما معها حرصها على المشاركة الجماهير في صنع القرار وقامت بتنظيم الشعب في مؤسسات سياسية تشارك في صنع القرار السياسي لحركة الأحرار التي اتخذت شكل التنظيم، فتكونت جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجمعيات أدبية وثقافية في كل من صنعاء وتعز وإب. وتابعت: وما أن استطاعت الحركة أن تقضي على الإمام يحيى في ثورة 1948م. حتى سارعت وأعلنت قيام الدولة الدستورية وحكم الشورى والتي عُبِّر عنها بصدور الميثاق الوطني المقدس، الذي نصّ على الحكم الدستوري الذي يقوم على المؤسسات الدستورية ويفصل بين السلطات الثلاث، ويطبق الشريعة الإسلامية بمضامينها الحقة وكانت الحركة تهدف إلى اتخاذ الجزء المستقل بعد تخلصه من الاستبداد، قاعدة لتحرير الجزء المستعمر من الاستعمار البريطاني، وعلى الرغم من أنّ الثورة قد أُحيط بها خلال أسابيع، إلاّ أنها أحدثت هزةً عنيفة في أعماق الشعب، ثم أصبحت بمرور الزمن قوة دفع أيقظت وعيه بقضيته وحقوقه الوطنية، ودفعته في طريق الثورة. واشارت إلى تواصل كفاح الحركة الوطنية ضد الاستبداد والاستعمار، فمن انتفاضة الجيش عام 1955م في تعز، إلى قرار الحركة الوطنية بتجاوز الإمامة الدستورية وتبني الدعوة لقيام النظام الجمهوري الإسلامي، إلى تتالي الانتفاضات في صفوف الجيش، وفي المناطق القبلية وتنفيذ العملية الفدائية من قبل اللقية والعلفي والهندوانة، إلى قيام مظاهرات طلبة مدارس صنعاء وتعز، مصحوبة باستمرار مظاهر الكفاح ضد الاستعمار البريطاني في المناطق المستعمرة بدءاً بظهور مقاومة قبلية مسلحة في المناطق المتاخمة للشطر المستقل، إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية الاستعمارية وما رافق ذلك من مظاهرات وإضرابات طلابية وعمالية شهدتها عدن ومناطق أخرى من البلاد، حيث تشكل العديد من الأحزاب والنقابات والجمعيات التي كانت وراء ذلك النضال السياسي ضد الاستعمار البريطاني. وبخصوص واقع المجتمع المدني في ظل الثورة وقيام النظامين الوطنيين – قال الدكتور الأصحبي- ان الانتفاضات شكلت إرهاصات للثورة زادت الحركة الوطنية قوة وتنظيماً، وأصبح تنظيم الضباط الأحرار من أهم التطورات في تلك الحركة، وعاملاً من العوامل الحاسمة في تفجير ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 وإعلان أهدافها الستة، وكان من أهم منجزاتها تحويل الشطر الشمالي إلى قاعدة انطلقت منها القوى الوطنية لمحاربة الاستعمار، وقيام الكفاح المسلح المنظم، ووفرت السند والقاعدة لانطلاقة ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963 من قمم ردفان، والتحم الشعب اليمني في اصطفاف وطني رائع لمنازلة الاستعمار البريطاني حتى تمَّ جلاؤه نهائياً في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م. واعتبر أنه في ظل ذلك الواقع السياسي المأزوم غُمِط حق منظمات المجتمع المدني، ولم تتمكن من أن تلعب دورها في السلم الاجتماعي، وظلت محدودة العدد وشكلية الوجود، وموجَّهة، وبأداء ضعيف. مشيرا إلى أن القدر يومها قد اختار للوطن من يعيد له أمنه واستقراره، وتمثل ذلك بقدوم قائد لواء تعز علي عبدالله صالح إلى صنعاء، والذي هبَّ بشجاعة المخاطر بنفسه، حاملاً روحه على راحته، عاقداً العزم على إنقاذ الوضع المتردي، وتلك هي بطاقة التعريف بمن استحق أن ينتخبه ممثلو الشعب في مجلس الشعب التأسيسي رئيساً للجمهورية، لينتقل الوطن إلى مرحلة التحول نحو الديمقراطية التي أعلن عنها الهدف الرابع من أهداف الثورة اليمنية: إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف. لقد كان في طليعة هموم الأخ الرئيس علي عبدالله صالح منذ الأيام الأولى لتحمله أمانة قيادة الشعب والوطن أن يعثر على صيغة عمل وطني لا تصدر عن فئة أو جماعة، ولا تكون إملاءاً من فرد أو سلطة؛ بل تكون فكر كل المواطنين، وطموحات الشعب، وصياغته بصورة مباشرة تتجسد بها إرادته واختياراته، وتتعزز بها الوحدة الوطنية، وتكون سبيلاً إلى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وانتهاج الديمقراطية أسلوباً أمثل للجميع في بناء الوطن وتقدمه، وقد مثل هذا التوجه بداية الانتصار للمجتمع المدني، وإعادة بنائه وتمكينه من المشاركة في صنع القرار. وقال: فقد عاد الأخ الرئيس إلى الشعب عبر مختلف مراحل إعداد الميثاق الوطني ملتقياً بكل مكونات المجتمع المدني من علماء ومفكرين ومشايخ وعسكريين ومثقفين، وكانت جميع الآراء متفقة على ضرورة وأهمية وجود ميثاق وطني يمثل نواة الوحدة الفكرية، ويتضمن الأفكار التي يلتقي حولها جميع أبناء الشعب. مضيفا: "وأعقب تلك اللقاءات تشكيل لجنة موسعة من المثقفين والمفكرين ومن أعضاء مجلس الشعب التأسيسي وغيرهم لإعداد تصور عام لأفكار ومضامين ميثاق وطني يُستقى من توجهات مختلف فئات الشعب. وقد تمَّ من قبلهم وضع مسودة أولية لمشروع ميثاق وطني. وكان الدكتور الأصبحي قد استهل ورقته بنبذه تعريفية عن مفهوم المجتمع والمدني ، وقال: تعددت المفاهيم بحسب نظرة كل فكر من زاويته، ولا يعني هذا الاهتمام عدم تناول مفهوم المجتمع المدني قبل هذا التاريخ، فقد كان حاضراً بممارسات متعددة منذ قيام المدن في العالم القديم شرقه وغربه.. وأضاف: وحظي باهتمام فلاسفة اليونان بدءاً بأفلاطون فتلميذه أرسطو، فالمشرع للقانون الروماني سيشرون، فنظرة الكنيسة المركزية للحياة في العصر الوسيط، فالقديس أوغسطين وكفاحه في العصر الكلاسيكي، ثم توماس الأكويني في عصر النهضة وربط النظام الدنيوي بدرجة من الإمكان الأخلاقي أكبر مما كان يسمح به أوغسطين، ثم في ظهور النظريات الحديثة في العصر الحديث في ظل الأنظمة الملكية فالثورات التي أحدثت ردود أفعال متباينة في أوساط الفلاسفة وقادة الفكر الأوروبي، وظهرت نظريات حديثة متميزة حول السلطة والشرعية والسيادة، كان من أبرزهم هوبس، وجون لوك وكانط ومونتسيكو، وهيجل، وماركس وإنجلز، ومارتن لوثر وكلفن، وتوكفيل.. وخلصت الورقة إلى انّ مفهوم المجتمع المدني في فكر المؤتمر وأدبياته مرتبط ابتداءاً بتراثنا الحضاري والفكري والتشريعي، وهو بمضامينه ضرورة توجب الالتزام بها، ويقع على الجميع إثم التقصير بها أو التخلي عنها، وهذه المضامين تشمل: (الحرية والمساواة والديمقراطية والعدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص، والمشاركة في صنع القرار). وأعتبرت ان مشاركة مختلف منظمات المجتمع المدني ضرورة يقتضيها البناء التنموي الشامل وقالت: لكي يتكامل هذا البناء، وتتسارع خطاه، لابد من أن يشارك الشعب كله وبجميع منظمات المجتمع المدني في عملية التنمية الشاملة، فتخلف أي منظمة أو فئة من فئات المجتمع أو حرمانها من المشاركة يعني إهدار نسبة معينة من طاقات المجتمع وموارده البشرية. وأضافت: إنّ بناء المجتمع المدني على نحو صحيح تأكيد لإنسانية المواطن، ومواطنيته، وشعوره بوجوده وكرامته، وتمكين له من أخذ مصيره بيده في جميع مجالات الحياة. وحثت على ضرورة مشاركة المجتمع المدني تعميق للولاء الوطني والوحدة الوطنية، وفي ظلهما يتمكن الشعب من التفاعل والتلاحم الطبيعيين وتعجز كل المحاولات الخارجية عن جر الحاكم أو جر المواطن إلى أي شكل من أشكال التبعية، كما تعجز كل النزعات الشريرة عن إثارة الو لاءات والتعصبات الضيقة التي تضر بمصالح الوطن والمواطن. |