الجمعة, 19-أبريل-2024 الساعة: 06:02 ص - آخر تحديث: 07:17 ص (17: 04) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت - أصبحت مدينة صنعاء كعبة الأثريين والمعماريين والسياح، يحاولون التمتع بخصائصها المعمارية، ويتعمقون في البحث عن ميزاتها وعناصرها الفنية...

المؤتمر نت-وجهات نظر -عفيف البهنس -
صنعاء ... عمارة التاريخ (1-2)
أصبحت مدينة صنعاء كعبة الأثريين والمعماريين والسياح، يحاولون التمتع بخصائصها المعمارية، ويتعمقون في البحث عن ميزاتها وعناصرها الفنية، ولقد اهتمت بها دول العالم والمؤسسات الثقافية العالمية بعد النداء الذي وجهته المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو) فقدمت المعونات المادية والفنية، وتشكلت في صنعاء هيئة مؤلفة من مجلس أمناء برئاسة مجلس الوزراء، ومكتب فني تنفيذي، وبوشرت أعمال الحماية والحفاظ على مدينة صنعاء القديمة، وتحققت حتى الآن إنجازات واضحة.
1- إن صنعاء التي كانت مجهولة تقريبا لصعوبة اختراق حدود اليمن سابقا، أصبحت اليوم أكثر وضوحا، ولجمال عمارتها وخصائصها الفنية أصبحت مسئولية حمايتها عالمية.
2- ترتفع صنعاء القديمة في السفح الغربي لجبل" نقم" وكانت المدينة محاطة بسور مازالت آثاره واضحة، ومازالت بعض أبراجه ماثلة وتجري عمليات ترميمه حثيثا اليوم.
3- تبلغ مساحة صنعاء القديمة مائة وخمسين هكتارا، وتتصل بالخارج بواسطة أبواب ستة، ثلاثة في الجنوب، وهي باب ستران وباب اليمن وباب خزيمة، وبابان شماليان هما باب شعوب وباب شقاديف وباب غربي، هو باب السبح، ومازال من هذه الأبواب، باب اليمن الذي أعاد بناءه العثمانيون عام 1897م وكانت صنعاء مقسمة إلى أحياء حسب التوزيع القبلي، ولقد وصف الرازى في كتابه ( تاريخ صنعاء) هذه الأحياء التي حفظت أسماءها المساجد الواقعة فيها اليوم.
4- وكما وصف المدينة في القرن الحادى عشر الميلادي وعدد مساجدها وبيوتها وسمسراتها ( الفنادق) ولعله بالغ في تعدادها، ومازالت بعض معالمها القديمة ماثلة، ومن أهمها الجامع الكبير، إما البيوت وباقى المنشآت فإنها تعود إلى عهود متأخرة.
5- إن مدينة صنعاء كباقي المدن الجبلية اليمنية مثل شبام ووادي حضرموت مؤلفة من نسيج عمراني متلاحم لا تفصله إلا حارات ودروب ضيقة، وترتفع البيوت إلى ما يقرب من ثلاثين مترا أحيانا، فهي أبنية سامقة كالأبراج البابلية، مؤلفة من خمسة طوابق وتصل إلى تسعة طوابق في بعض الأبنية. وتفتح واجهات هذه الابنية على الحارات والدروب، أو على البساتين التي تسمى" المقشامة" أو المقاسم والتي تتوزع في أنحاء المدينة القديمة، مُشكِّلة رئة ومشهدا جميلا وموردا لحاجات السكان من الخضار والفواكه.
ويبلغ عدد المساكن العالية في صنعاء القديمة اليوم سبعة آلاف مسكن، وأقدم مسكن فيها يعود إلى 400 سنة خلت، وكثير منها يعود إلى 350-250 سنة وبعضها حديثة يعود إلى 150-50 سنة.
ويبلغ عدد سكان صنعاء القديمة -في عام 1989م- ثمانية وأربعين ألفا، وهم بازدياد مطرد، وفي صنعاء تسعة وأربعون مسجدا، وسبعة عشر حماما في قسميها الشرقي والغربي.
إن منشآت صنعاء القديمة مبنية من الحجر في أقسامها السفلية، ثم من الياجور" وهو ألواح الطين المشوي" في أقسامها العليا، وذلك للتخفيف من الحمولات. وهي تنفتح على الخارج بواسطة شبابيك ومشربيات ونوافذ عريضة. وتشكل واجهاتها الأربع مجالا للزخرفة المعمارية المؤلفة من أشكال الفتحات ومن الزخارف الأفقية "الأحزمة" التي تفصل ما بين الطوابق، أو الزخارف الشاقولية التي تحيط الفتحات أو تزين بعض الجدران، وتستمد الزخارف صيغها من العناصر الطبيعية، وخاصة من النباتات ولكنها تبتعد جدا عن المحاكاة الواقعية وتقترب من الرمز والتجريد.
إن مباني صنعاء العالمية والمؤلفة من طوابق متعددة، تشكل بمجموعها بيتا واحدا وليس بيوتا مستقلة، على الرغم من أن لكل طابق منافعه المستقلة وبابه الخاص، يسمى" باب الحاجز" ويستعمل الدور الأرضي كمخازن للحبوب والحطب، وكحظائر للماشية ومستودعا لعلفها، وفي بعض أركانه حجرة للمطاحن وسقائف تسمى" الطابق المسروق" وفي بعض البيوت حجرات فوق الطابق الأول، تسمى "المحاكم" إذا كان صاحب البيت قاضيا أو تُخصص لنزول الضيوف والشركاء.
ويسمى الطابق الأول" الحافة السفلى" وهو مؤلف من حجرات واسعة تسمى" الدواوين" والطابق الثاني خاص بالمعيشة، مخصص للنساء والأكل والنوم والسهرات العائلية، ويسمي" الحافة الوسطى"، وهو مؤلف من حجرات موزعة على أطراف البناء الأربعة تسمى "المناظر". وتسمى بحسب الجهات التي تشرف عليها، المنظر العدني في الجنوب، والمنظر القبلي في الشمال، ثم المنظر الشرقي والمنظر الغربي.
أما الأدوار العليا، فينفرد بها الرجال وبخاصة الحجرة المبنية في أعلى البيت وتسمى الواحدة منها (مفرج)، وهي غرفة مستطيلة ذات نوافذ واسعة منخفضة تفسح المجال لرؤية البساتين والمشاهد الجميلة، ويجلس السمار في المفارج على أرائك بعد الظهيرة، فيدخنون النرجيلة، ويمضغون القات، ويستمعون إلى بعض العزف الموسيقى والغناء، أو ينشدون الشعر ويتحدثون في التاريخ والأدب.
وترتفع المفارج عن مستوى الطابق الأخير بغرفة قليلة الارتفاع تحيطها فسحة مسورة بحاجز وتسمى (التجواب). وتقوم المفارج فوق (قطب) البناء وهو نواة السلم الصاعد لولبياً إلى أعلى مروراً بالطوابق جميعها.
وفي كل بيت بئر تغذي أصحاب البيت بالماء اللازم للغسل والتنظيف.
وتمتاز صنعاء بأسواقها التي تقع إلى جهة الغرب. ولكل حرفة أو تجارة سوق، مثل سوق البقر وسوق البز وسوق الحب، وسوق الحرير، وسوق الحلقة وسوق الزبيب وسوق العلف وسوق العنب وسوق الفتلة، وسوق الفضة وسوق القشر وسوق القصب وسوق الكوافي وسوق المبساطة وسوق المخياطة وسوق الملح وسوق النحاس. وحاليا في صنعاء القديمة ألف وسبعمائة دكان وثلاثون سمسرة. والدكان حجرة صغيرة مربعة مرتفعة عن مستوى الطريق العام.
والسمسرات (جمع سمسرة) هي فنادق للمسافرين والتجار وقوافلهم، وتقع في أطراف السوق، هي أبنية مغطاة بعقود مؤلفة من طابقين أو ثلاثة. في كل طابق عدد من الغرف التي تنفتح على فناء السمسرة المغطى في الأعلى، والطابق الأرضي مع أرض الفناء مخصص للقوافل والبضائع والدواب، أما الطوابق العليا فهي لإقامة المسافرين.
الإبداع الفني في العمارة الصنعانية
عندما يتحدث المفكرون الغربيون عن جمالية العمارة العربية وعن الخلفية الفكرية والاجتماعية لهذه الجمالية فإنه يرون هذه العمارة وقد انكفأت إلى الداخل كانعكاس لواقع المجتمع العربي المغلق بنظرهم بينما يتفاخرون بمجتمعهم المنفتح وبعماراتهم التي تخدم هذا الانفتاح إلى الخارج ومثالهم على ذلك البيوت المعلقة في بلاد الشام وفي الخليج ومصر ولكن بعضهم يرى أنه لا بد من تقسيم العمارة العربية إلى نوعين: نوع منغلق ونوع آخر منفتح ومثاله العمارة اليمنية والعمارة المغربية في الجنوب.
على أن تقسيم العمارة هذا قد تم نتيجة اختلاف البيئة، ففي الأماكن الرطبة والمتقلبة المناخ لا بد من فسحة فناء داخلي تساعد على تخفيف حدة الطقس المتغير مثل الساحل اليمني ومثل مدينة زبيد وفي الأماكن الجبلية. فلم يعد الفناء أساساً ووحدة تصميمية، بل إن اعتدال الطقس وجمال المناظر الطبيعية وإحاطة المساكن بالبساتين "المقشامة" قد غير تماما طابع العمارة وأعطاها شكلاً جديداً نموذجه المتكامل في مدينة صنعاء
ومع ذلك فإن العمارة الحديثة المنفتحة انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية في البلاد العربية، ومن المؤسف أن نموذج هذه العمارة كان عديم الهوية، فهو لا غربي تماما ولا هو شرقي، ذلك أن هذه العمارة المؤلفة من طوابق ذات شرفات ونوافذ منفتحة على الخارج لم تستوح ذلك من الظروف المناخية. كذلك تعارضت كليا مع العمارة المنفتحة داخلياً على صحن كبير يضمن للمنزل الهواء النقي والضوء الطبيعي، ويتحاشى تأثير الظروف المناخية المتقلبة.
لقد كان على البيوت الحديثة المنفتحة -ضمن شروط مناخية محددة- أن تختار النموذج اليمني وبخاصة الصنعائي، لكي يكون نموذجاً للبيت العربي الحديث، ذلك أن هذا البيت المنفتح على أوسع أفق بصري قد ضمن الشروط الاجتماعية وهي العادات والتقاليد كما ضمن أصالة الإبداع الفني في تنظيم الواجهات والفتحات وتكوينها.
إن حديثنا عن جمالية العمارة الصنعائية يبدو أكثر وضوحاً عندما نقارنها مع جمالية العمارة الدمشقية مثلا. وكلتاهما: دمشق القديمة وصنعاء القديمة موضوع حماية وحفاظ يتناول المباني العامة والمساكن الخاصة والأسواق.
إن المبدأ الأساسي في تنظيم مدينة صنعاء وأكثر المدن اليمنية في الشمال والجنوب هو مبدأ استغلال الحيز المركزي في المدينة بإقامة المباني العالية. ولكن إذا كان هذا المبدأ قد قام في المدن الحديثة في الغرب والشرق على أساس استغلال مساكن مستقلة متراكبة فوق بعضها؛ فإن البيت اليمني كان أقساماً متراكبة تشكل منزلاً واحداً مستقلاً.
إن هذه الوحدة المعمارية السابقة قد شكلت بجدرانها الخارجية الأربعة مجالاً واسعاً للإبداع الصنعائي الذي تجلى على أكمل وجه بالألوان والفتحات والنسيج الإنشائي. وبصورة عامة تتحدد ميزات الجمالية المعمارية في صنعاء بالخصائص التالية:
1- الوحدة والتعددية:
تمتاز العمارة الصنعائية بوحدة كاملة تتجلى في شكل العمارة وبنظامها وفي زخرفتها ومادة إنشائها، وفي وحدة وظائفها الأسرية وليس من يخطئ في تحديد هوية الزخرفة والفن الصنعائي وهي هوية أصيلة لا نراها مستمدة من عناصر غربية ونستطيع القول: إن جميع هذه العناصر كانت مجردة أغنت الخيط الرفيع الهندسي والرقش النباتي. لقد كانت أشكالا مجردة تحمل قيمتها من التناسق والتلوين الجمالي الذي يتفاعل مع نور الشمس التي تخترق الزجاج الملون فتزيده إشراقاً أو التي تنعكس على البروزات الزخرفية أو الشرفات فتشكل ظلالها خطوطاً تزيد الزخرفة حيوية وتلويناً.
على أن هذه الوحدة لم تكن نتيجة استنساخ تشكيلي، بل إن الغنى الذي تحفل به العمارة الصنعائية لا حد له، ولقد تجلى في تكوين قمريات النوافذ الملونة، وفي تصميم الأحزمة العرضانية التي تفصل ما بين الطوابق.
2- البرانية المتلاحمة مع الجوانية:
إذا كان البيت الصنعائي منفتحاً على الخارج -على خلاف البيت في زبيد- فإن هذا الانفتاح قد فرض نوعا من الإبداع الفني ينسجم مع صفة الانفتاح باتجاه العالم الخارجي. فالفن الذي خصصه المعمار (الفنان) لساكن البيت الزبيدي يختلف عن الفن المخصص للناس جميعا في البيت الصنعائي، ولكن هذه البرانية في التشكل الإبداعي ليست منفصمة مع الإبداعية الجوانية، فالقمريات والفتحات والنوافذ التي تفصل الداخل عن الخارج، توزع جمالها إلى الطرفين، فيتمتع الساكن –أيضا- بالنور المتسرب من الفتحات عبر القمريات الزجاجية الملونة فيزداد داخل الغرف فتنة ويتمتع الساكن بسعادة التعايش مع نور الطبيعة الذي لامسته يد الفنان الصانع.
وتتلاحم البرانية مع الجوانية في محاولة إظهار متعمدة لبطانة الواجهات، وهي الطلاء الجصي الأبيض الذي يغطي الجدران الداخلية وبخاصة جدران الدواوين بزخارفها المؤلفة من رفوف (صفيف) وأفاريز وحليات جصية. وتظهر هذه البطانات البيضاء على شكل إطارات غير منتظمة، لكي تُذكِّر من في الخارج بعالم داخلي أبيض السريرة ينظف البيئة. إذ أن هذه الإطارات البيضاء تتجدد باستمرار كتعبير وإعلان عن استمرارية الاستقرار والسعادة والنظافة في الداخل.
على أن أوضح مثال على اندماج البرانية بالجوانية هو المفرج الذي ينهض في ذروة المسكن والذي ينفتح من جوانبه الأربعة على فضاء المدينة وجبالها ومساكنها ومساجدها، فلا يشعر المواطن الصنعائي وضيوفه أنهم محصورون داخل جدران أربعة، بل إنهم في جلستهم متصلين بالمدينة بكامل مفاتنها لا يفصلهم عنها أي حاجز حتى (التجواب) المحيطة (بالمفرج) الذي ينخفض إلى حد السماح بالرؤية الشاملة.
3- المحافظة والتواصل:
إن بناء المسكن الصنعائي أو اليمني عامة، قد كفل احترام الحياة الاجتماعية التقليدية التي تقوم على الخصوصية وعدم الاختلاط، ولكن هذا لا يعني أن المسكن قد جعل الأسرة اليمنية وبخاصة المرأة معزولة عن محيطها الخارجي، لقد عمد المعمار إلى تقسيم الفتحات إلى قسمين، قسم علوي مخصص لدخول الشمس والنور والهواء، وقسم سفلي مخصص لدخول الهواء أيضا والإطلال على المحيط الخارجي. ومن الممكن للنساء أن يزددن إطلالا على الشارع عن طريق المشربيات البارزة والتي تفسح للرؤية مجالا من جميع الجهات.
وتبدو هذه الفتحات بأشكال مختلفة، فقد تكون مؤلفة من قسمين مستقلين تماماً، يبدو القسم الأعلى وقد انتهى بقوس مؤطر أو بُسط، بينما يبقى القسم السفلي مربعا أو مستطيلاً. أو تكون هذه الفتحات متصلة فيبدو على شكل مستطيل ممشوق. وكثيرا ما تبدو هذه الفتحات على شكل دائرتين منفصلتين الواحدة فوق الثانية، تربطهما أشرطة زخرفية. ومع ذلك فإن ثمة فتحة مصمتة تبدو في أسفل هاتين الفتحتين لتغطية الفراغ القائم بين النهاية السفلى والحزام الطابقي.
إن الهدف الأساسي من إقامة المسكن هو تحقيق وظيفة الإسكان التي يشترط فيها الراحة والاستقلال والأمن. وقد استوفت العمارة اليمنية هذه الشروط جميعا على عكس العمارة الحديثة التي لم تستطع ضمان هذه الشروط، مما دفع إلى سد النواقص أو التخفيف منها بواسطة (ترقيعات) وإضافات على أن هذه الإضافات قد أخلِّت بجمالية العمارة، فلقد كانت الحلول الطارئة سبباً في إفساد الشكل الجمالي المعماري.
ولكن في العمارة اليمنية فإن الوظيفة والإبداع يتلاحمان عضويا دون أن يفسد الواحد الآخر، فلقد كانا هدف المعمار منذ البداية.
ومع ذلك فإن الناظر إلى العمارة الصنعائية -وهي أكثر العمارة اليمنية زخرفة وفنا- يرى أن الجمال الفني كان من صنع الوظيفة وليس العكس. إن عيب العمارة الحديثة المستوردة هو أن التصميم المعماري كان أساس الوظيفة وكثيرا ما يشعر الساكن فيها أنها ليست على القياس الإنساني بل هي على قياس التصميم النظري.
لقد أغنت العناصر الإبداعية العمارة في صنعاء، بل أغنت الوظيفة ذاتها، فكانت العنصر الجاذب والمنافس اجتماعياً. فالعمارة الأكثر جمالا هي العمارة الممثلة لحالة ساكنها الاجتماعية المتفوقة. ويتبارى السكان منذ العصور الحجرية لتزويق وتجميل أماكن إقامتهم للتعبير عن تفوقهم الاجتماعي وتأكيد مكانتهم الممتازة.
على أن هذا التباري الجمالي لا ينعكس فقط على مالك السكن وحده، بل ينعكس على المدينة والمجتمع كله، فالواجهات المعمارية الجمالية تصافح رؤية السكان المجاورين فتجعلهم يتمتعون بها أكثر من صاحب السكن ذاته أحياناً. وهكذا فإن الفن في العمارة الصنعائية هو فن للمدينة وسكانها والعابرين فيها، هو فن ذو وظيفة اجتماعية متبادلة مما لا نراه في البيوت التي لا تتمتع بجمال خارجي، بل إن أكثر جدرانها عارية من أية زخرفة وفن. وتبقى الواجهات المطلة على الصحن الداخلي وحدها، هي المجال الواسع لاستيعاب العناصر المعمارية الإبداعية.
ومن جهة ثانية لقد فرضت الوظيفة الإسكانية شروطا تتعلق بتأمين التهوية والتبريد وتحقيق عمليات التصريف الصحي. وهكذا بدت المشربيات وهي نافذة بارزة محاطة بمشبكات خشبية (البرامق) لتساعد على التهوية والإطلال. وهي شرط مهمة لراحة الساكنين.. ودخلت هذه المشربيات في التصميم المعماري، وفي عملية الإبداع الفني بشكل عضوي منسجم يساعد في تحقيق العمليات الاختلافية الجمالية بين السطح والبروز. بين العاتم والمشرق. وحتى الظلال التي تسببها البروزات الزخرفية فهي تساعد على تخفيف وطأة الشمس.
# للموضوع بقية








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024