الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 10:33 ص - آخر تحديث: 05:05 ص (05: 02) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
قراءة متآنية لمقال بن حبتور (مشاعر حزينة في وداع السفير خالد اليافعي)
محمد "جمال" الجوهري
السِياسِيُون الحِزبِيُون الألمَان يَخدعون ويَكِذِبُون ويخُونُون شعبهم
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت - - عمارة الجامع الكبير بصنعاء
000لم يبق من المساجد التي أنشئت في عهد الرسول إلا مسجد صنعاء، ومن هنا تفسير المكانة التي يحظى بها هذا المسجد عند اليمنيين كافة، وبخاصة عدد الصنعائيين،

المؤتمر نت -وجهات نظر-عفيف البهنس -
صنعاء ... عمارة التاريخ (2-2)
- عمارة الجامع الكبير بصنعاء
000لم يبق من المساجد التي أنشئت في عهد الرسول إلا مسجد صنعاء، ومن هنا تفسير المكانة التي يحظى بها هذا المسجد عند اليمنيين كافة، وبخاصة عدد الصنعائيين، الذين يتلمسون فيه بركة التاريخ الإسلامي، بل آثار تاريخ اليمن في جميع العصور، إذ قلما نرى بناء يتكون من عناصر معمارية تاريخية تنتسب إلى عهود مختلفة ويصبح بذلك متحفاً حياً، وعندما نزور هذا المسجد نعيش في مناخ تاريخ اليمن وحضارته.
ولأن هذا المسجد في بدايته أنشئ على هدي مسجد الرسول في المدينة، فإن الصنعائيين أشد اعتزازاً به من غيرهم.
لقد شهد عهد الرسول وحمل خصائص وشروط مسجد الرسول، وهي البساطة والتقشف. لقد بدا بناء مسجد يقيم فيه المسلمون صلواتهم ويرمز إلى إسلامهم وإيمانهم برب العالمين أمراً جوهرياً، عندما أنشئ المسجد في صنعاء في العام السادس للهجرة كان فروة بن مسيك ينفذ أمراً من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقيم مسجداً يجمع المؤمنين، وأوصاه بحسن الدعوة إلى الإيمان من خلال المسجد؛ إذ قال له صلى الله عليه وسلم (ادعهم إلى الإيمان، فإن أطاعوا لك به، فاشرع لهم بالصلاة، فإذا أطاعوا لك فمر ببناء المسجد في بستان.. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على أهمية المسجد كمكان لاجتماع المؤمنين ومكان لالتقاء السلطة الجديدة مع المؤمنين حديثي الإيمان، وكان هذا اللقاء تأسيسياً، فنحن نذكر أن الرسول عندما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن واليا، أثنى على لجوئه إلى الاجتهاد، ومنذ ذلك الوقت أصبح الاجتهاد مصدرا من مصادر الشريعة.
وحدد الرسول مكان المسجد في بستان "باذان بن ساسان" الذي كان حاكما فارسيا، ثم أسلم فسماه الرسول واليا على اليمن، فإن القصد من إقامة المسجد في بستانه، هو ربط جماعته بالإسلام. وتعزيز مركز باذان المسلم بين المؤمنين جميعاً.
ويجب أن نذكر أيضاً أن المكان الذي حدده الرسول كان مكانا معموراً حفل ببقايا المنشآت السابقة، أهمها بقايا قصر غمدان الذي تحدث عنه هشام الكلبي ووصفه شعراً (الهمداني في الإكليل "ج8 ص19") ثم كانت كاتدرائية "القليص" التي بناها أبرهة وتحدث عنها الأزرقي في (أخبار مكة) وياقوت في معجم البلدان، ولقد أنشئ على هدي كنيسة الميلاد في بيت لحم.
إن صنعاء التي ما زالت ثغر العروبة والإسلام، كانت متاخمة لبلاد الأحباش الذين حكموا اليمن آخر مرة من 525- 575م وفي صنعاء كانوا أقاموا الكاتدرائية التي أطلق عليها اسم القليص.
وكانت عمارة ضخمة حتى أن أبرهة الحبشي الذي بناها كتب إلى النجاشي قائلاً (لقد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك قبلك، ولست بمنتهٍ من بنائها حتى أصرف إليها حجيج العرب). لقد كان أبرهة يعد العدة لاجتياح بلاد العرب ولهدم الكعبة، وكان ذلك عام 570م وهو عام الفيل الذي ولد فيه الرسول محمد بن عبدالله وهزم أبرهة، إذ أن السجِّيل "الجدري" فتك بجنده.
وهكذا فإن ذكرى حرب الأحباش لم تكن سهلة على اليمنيين بعد الإسلام، وكان "القليص" يثير لديهم الشعور بتفوق الأقباط بل والأحباش الذين انشأوا "القليص".
لقد كان بناء المسجد علامة من علامات تغيير النظام السياسي والديني في صنعاء، وعندما ابتدأ الناس يتهافتون بازدياد على المسجد، كان ذلك دليلا على تزايد نفوذ الإسلام وانتشار تعاليمه لتحل محل التعاليم السابقة الوثنية وغيرها.
لقد حقق المسجد في بداية إنشائه التي كانت بداية متواضعة وظيفته الأساسية، وهي جمع المسلمين وتقوية اتحادهم وإسلامهم وتنظيم شعائرهم وتحقيق تعاونهم وارتباط بعضهم ببعض، وأصبح المسجد منبر الحكم والعلم، وفيه كان الوالي الذي يمثل السلطة المركزية يحقق السياسة الشاملة والإدارة الداخلية من عدل وحسبة وأمن.
ولكن بناء المسجد الأول لم يعد كافيا لا ستيعاب المؤمنين ونشاطاتهم الاجتماعية والثقافية إلى جانب ممارساتهم العقائدية. كذلك عمارته البسيطة لم تكن كافية للتعبير عن عظمة دول الإسلام، وبخاصة أن بناء "القليص" كان متفوقا في عمارته وزخارفه، وكان الأمويون في الشام قد فطنوا لضرورة تعزيز هيبة الدولة ووظائفها بإقامة المنشآت الدينية والمدنية، فلقد أنشأوا المسجد الأقصى في فلسطين ومسجد قبة الصخرة الصخرة كما أقاموا في دمشق الجامع الكبير.
إن عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك (705- 715م ) كان عهد إنشاء وتعمير، ولقد امتد ذلك إلى المدينة حيث أعيد إنشاء مسجد الرسول، كما امتد إلى صنعاء، وفيها أعاد الوالي أيوب ابن يحيى الثقفي إنشاء المسجد الجامع الكبير مستوحىً من مسجد دمشق، مؤلفاً من حرم وصحن ومئذنة. ومن المؤكد أنه استوعب منبرا ومحرابا، وهكذا أصبح المسجد مؤئلا للمؤمنين يتزاحمون إليه حتى أن أروقةً أضيفت للمسجد في صحنه، كانت جديرة أن تستوعب العدد المتزايد من المصلين، ولم تلبث هذه الأروقة أن أغلقت فتحاتها على الصحن لتصبح حرما إضافيا في المجنبين وفي الجهة المقابلة للقبلة.
هكذا أصبح المسجد أضخم منشأة إسلامية في صنعاء استوعبت الوظائف الدينية والإدارية أيضا. وكانت توسعاته المستمرة دليلا على زيادة مكانة صنعاء كمدينة إسلامية، ودليلا على حجم دوره في زيادة النشاط الاجتماعي ورفع مستواها إلى الحدود الثقافية الإسلامية التي نمت داخل المسجد وانطلقت منه.
كانت الفترة التي تمت بين 132هـ/ 750م- 134هـ/ 752م فترة قلقة في اليمن وفي صنعاء خاصة، فلقد تغير الحكم وانتقل من الأمويين إلى العباسيين، وكان لابد للسلطة الجديدة في صنعاء والمتمثلة بالوالي الجديد علي بن الربيع من أن تزيد في توسيع المسجد وتحصنه ضد المقاومة التي كانت تنفجر من الموالين للحكم الأموى، وتشهد الزيادة المهمة التي حققها هذا الوالي على طبيعة هذه المرحلة القلقة والتي لم تستقر إلا عن طريق زيادة قوة السلطة وتحصين مواقعها، وكان الجامع الكبير أبرز شاهد على هذا التحصين، ومازال لوح حجري منقوش بكتابة تاريخية مثبت على جدار صحن الجامع قرب قاعدة المئذنة الشريفة، وفيه " أن أمير المؤمنين اكرمه الله، أمر بإصلاح المساجد وعمارتها على يد الأمير علي بن الربيع أصلحه الله، في سنة ست وثلاثين ومائة ويذكر النص اسم الخليفة المهدي والصواب أن الخليفة كان المنصور.
وهكذا فلقد أنشئ بين عامي 133-136 تعديل مهم تمثل بإنشاء المجنب الشرقي بعرض 11.7 متر وأضاف للمسجد جدرانا وأبوابا في الشرق ومازالت ألواح تذكارية ناقصة تخلد هذا العمل، مثبتةً على هذا الجدار من الخارج.
وإذا كانت هذه الزيادة قد سجلت تحولا مهما في نظام الحكم وفي علاقة سكان المدينة بالمسجد المؤسسة التي ترمز إلى السلطة، فإن ما أصاب المدينة من دمار إثر السيل الذي انحدر مدمرا من جبل نقم سنة 262 هـ فهدم أجزاء كثيرة من شطري صنعاء، الشمالي ويسمى " السرار" و" السقطيع" هو الجنوبي، هذا السيل الذي وصفه وعدد أضراره الجندي في كتابه السلوك" لوح 29 " فإن المسجد الجامع الكبير قد سجل هذا الحدث أيضا بعد أن أصابه من الخراب ما أصاب المدينة وسكانها، فلقد تهدمت أطراف المسجد وبخاصة الواجهة الشمالية الشرقية وتهدمه الجداران القبلية والشرقية، ثم قام الأمير محمد بن يعفر بترميمه وتحسينه وتزويقه في سنة 265هـ 878م

القرامطة في صنعاء والجوامع:
ويسجل المسجد بترميماته وتوسعاته، حادثة اجتماعية مهمة تمت في سنة299هـ/ 912م. ذكرها الجَنَدي أيضا في السلوك" ص 238" وهذه الحادثة كان بطلها علي بن الفضل والقرامطة الذين استولوا على صنعاء للمرة الثانية في تلك السنة،ويبالغ المؤرخون في أثر هذا الاستيلاء السيئ على المدينة، ولكنهم لا ينكرون أن ذلك تم مع أمطار غزيرة غمرت المسجد وأنحاء المدينة.
وبعد تحرير صنعاء من سيطرة القرامطة، اهتم أهل صنعاء وأميرهم أسعدبن يعفر بترميم المسجد وهو رمز السلطة الشرعية. ويتحدث القاضي الحبشي( في الاعتبار) عن مقدار ما أنفقه بنو يعفر على ترميم المسجد، والأرقام الضخمة تبين مدى تعاطف الناس في صنعاء مع مسجدهم الكبير، يقول الحبشي: " إن مقدار ما أنفقه بنو يعفر على بناء جامع صنعاء خمسة وعشرين ألف خزانة، في كل خزانة أربعة عشر ألف مثقال يعفري. والجملة ثلاثمائة ألف وخمسون ألفا والدينار اليعفري يومئذ ثلاثة دنانير ملكية" وجمعت هذه الأموال من أهل صنعاء.
ويتحدث بعض المؤرخين عن تعديلات تمت في المسجد في عهد السيدة الحرة الملكة أروى بنت أحمد/ يقول صاحب كتاب" غرة الحق" إن الحرة الملكية هي التي وسعت جامع صنعاء ورممت بناءه وزينته، ورأت أن تكون أسماء الأئمة من الإمام علي بن أبي طالب حتى الإمام المعاصر لها منقوشة على سقفه. ولقد تم نقش ذلك وتسجيله في الجدار الشمالي للمسجد بناءاً على أمرها. ثم أزيلت أو كشطت هذه النقوش في عهد إمام الزيدية أحمد بن سليمان ( 566ه/ 1171م) ثم غلفت بالجبس والسراس في عهد حاتم بن أحمد ( 545هـ/ 1150م) هكذا يبدو المسجد شاهداً على أحداث اجتماعية أخرى. فهذا التحول في التشيع والانتماء قد سجل مباشرة على جدران المسجد وبقيت آثاره زمنا.

أعمال المبدعين الصنعائيين في الجامع:
يخزن مسجد صنعاء أعمالا فنية رائعة قدمها المبدعون من الصنعائيين، فكان بذلك متحفا حيا للمدينة، وتتمثل هذه الأعمال بالزخارف المتنوعة التي تغطي" مصندقات" سقوف الحرم، والتي تعود إلى عهود متعاقبة، وهي آيات فنية تمتاز بخصب الصيغ النجمية والزهرية، والتي حددت خصائص الفن الصنعائي، الذي انتقل إلى أماكن أخرى ليزين سقوف المساجد فيها، مثل جامع شبام – كوكبان. وثمة دراسة عرضنا فيها الشبه بين زخارف جامع صنعاء والزخارف المماثلة في مسجد الرسول في المدينة كما وصفها "سوفاجية".
ومع ذلك فإننا نعتبر أن زخارف الجامع الكبير في صنعاء هي من إنتاج الفنانين المحليين على مر العصور. ولقد كانت هذه الزخارف مدرسة خرَّجت أجيالاً متعاقبة من الرسامين الذي بلغوا ذروة الإبداع، فيما قدموه من أعمال مبكرة مازالت قائمة حتى يومنا هذا؛ بيد أنها تحتاج عناية وترميما لا بدمنه.
والكتابات القرآنية التي تزين الأفازيز العليا من الجدار الغربي للحرم وهي بالخط الكوفي، تعتبر الأكثر قدما في الجامع وفي أفاريز الجناح الشرقي كتابات قرآنية أخرى أقرب عهدا، وثمة كتابات وخطوط أخرى عرضناها تفصيلا في كتابنا عن الجامع الكبير بصنعاء.
لقد تحدث الهمداني في " الإكليل" عن الخطاطين الصنعائين ومما لاشك فيه أن هؤلاء الخطاطين وغيرهم شاركوا في كتابة خطوط الجامع الكبير، ومرة أخرى يبدوا الجامع متحفا يضم روائع الخط كما ضم روائع الزخرفة الملونة.

الجامع معهد لثقافة الصنعائيين:
لم يكن الجامع معبدا فقط، يؤمه الناس لإقامة الصلاة، بل كان معهدا للتدريس، ومازالت حلقات التدريس في الجامع قائمة حتى يومنا هذا، ويتحلق طلاب العلم حول مدرسهم، يدرسون على يده القرآن الكريم والحديث وأصول الفقة والتشريع ثم هم يلجأون إلى مكتبته يستزيدون المعرفة مما حوته من أمهات المخطوطات.
لقد أكدت المخطوطات المكتشفة في عام 1385هـ// 1965م في جدار الحرم القبلي على مدى أهمية الكتب التي كانت تحويها المكتبة، وعلى مدى روعة الخط الذي كتبت به. ولقد بلغ عدد هذه المخطوطات عشرة آلاف مخطوطة وهي تتألف من مصاحف شريفة تعود إلى القرن الهجري الأول وحتى القرن التاسع مكتوبة على الرق بالخط الكوفي الحجازي وبأحجام مختلفة، ومن المخطوطات ماهو مكتوب بالخط النسخى، وهي تمتاز بحسن الخط والتذهيب والتزويق، وتعود إلى القرن الهجري التاسع، وعدد من المصاحف، فمن المخطوطات ما كان موضوعة فقهيا أو نحويا أو بيانيا، ومنها ما كان علميا في الطب والفلك والتشريح.
ومما لاشك فيه، أن هذه المخطوطات كانت من محتويات المكتبة، ولقد عزلت في مكان مغلق بعد أن تلفت أوراقها من الاستعمال، وهي إذا تم ترميمها، فإنها ستشكل ثروة فنية تؤكد براعة الخطاطين الصنعائيين ومشاركتهم المستمرة بإغناء المكتبة الخاصة بالجامع الكبير بالمخطوطات المكتوبة بخطوط جميلة وبزخارف متقنة.
ومن المؤكد أن أفضل ما كان ينتجه الرسامون والرقاشون والخطاطون، كان يقدم إلى المسجد الجامع، وهكذا فإن هذا المسجد كان المشجع الدائم على استمرار النشاط الإبداعي في صنعاء ومازالت المكتبة تحتفظ بشواهد من روائع المخطوطات، نذكر منها مخطوطة" مقامات الحريري" التي أنجزها بخطه محمد ابن دغيش ( 1121هـ/ 1709) وفي هذا المخطوط صور إيضاحية ملونة لبعض المقامات. وتمتاز هذه المخطوطة بغلافها الخارجي الجلدي، وغليه رقائق مذهبة تغطيها زخارف من الرقش العربي النباتي.
ونذكر هنا كتاب" الكشاف" للزمخشري وهو مخطوطة نفيسه، كما نذكر المصحف الذي ينسب للإمام على بن أبي طالب، وهو مكتوب بالخط الكوفي على صحائف من الرق أن الجامع الكبير الذي كان مدرسة عليا لتدريس العلوم والآداب والفقه خرج كبار الفقهاء والأدباء في صنعاء، كما خرج كبار المدرسين والقضاة والفرضيين والمقرئين، وما زالت حلقات اختصاصية في كل فن وعلم تقام في أرجاء المسجد. ولعل أبرز القضاة، إذ لم يكونوا جميعاً قد تخرجوا من مدرسة الجامع الكبير التي كان يديرها قضاة كبار، كانوا يمارسون القضاء والفصل في الخصومات بين الناس، وكان القاضي يجلس في ركن من أركان حرم الجامع، وخلفه رئيس الأعوان ليسجل الأحكام ويأمر بتنفيذها.
4- الحفاظ على العمارة الصنعائية
ليس من مثال على الأصالة المعمارية والعمرانية يمتاز بلاغة ووضوحا على مثال أصالة العمارة والعمران في المدن اليمنية، صنعاء وشبام وزبيد وتريم وغيرها.
ولكن هذا المثال الرائع كان محجوزاً عليه خلف أسوار الحصار الذاتي، ومغيبا في ضباب التعتيم المعرفي والإعلامي، حتى إذا قامت الثورة في عام 1960م فوجئ العالم بمشهد تلك العمارات الشاهقة والأحياء المتداخلة، حافلة بزخرفات متنوعة صنعها وابتكرها الإنسان اليمني كما تلبي حاجاته السكنية والاجتماعية والجمالية أيضا، وكان هذا الإنسان رجلاً معتداً بتاريخه يتمنطق خنجراً فضياً معقوفاً يرمز إلى القوة السلمية والمنعة المتحدية، كما كانت اليمنية امرأة تعتد بعفافها وحشمتها وقد ارتدت ملاءات وأثوابٍ ملونة زينت تلك البيئة العمرانية الداكنة أو البيضاء بألوان الزهور والربيع، فكانت إيقاعاً متحركاً يبث الحياة والفعالية في الأحياء والأسواق والمدارس والمساجد التي ما زالت قائمة. وبعضها يرجع إلى عصر الرسول كجامع صنعاء وجامع الصحابي مروة بن مسيك "الجبانة".
ومنذ الانفتاح على العالم والتعرف على روائع اليمن مدينة وشعبا وتاريخا، ومنذ ازدهار الحياة الاقتصادية وزيادة الحاجة إلى تطوير الحياة حسب تقنيات العصر الحديث، ظهرت أحياء جديدة تزاحم بعمارتها وخصائصها المدنية القديمة، التي لم يكن من السهل تكييفها مع تقنيات العصر الحديث.
لقد غادرت أسر كثيرة الأحياء القديمة القابعة ضمن نطاق التاريخ، وتركت منشآتها مهملة تعبث بها وظائف غريبة تزيد الإهمال تهديماً واستهلاكا. فكان لا بد من توجيه نداء عالمي عام 1980م تبنته منظمة اليونسكو لحشد الجهود لحماية المدن القديمة وأحيائها.
وهكذا تأسست سنة 1987م الهيئة العامة للحفاظ على مدينة صنعاء والتي أصبحت بعد الوحدة شاملةً المدن اليمنية وتحمل اسم الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية Gophcy.
ولقد حققت الهيئة الأولى انجازات لحماية صنعاء القديمة استحقت عليها جائزة أغاخان 1995، كترميم بيت المطهر ويعود إلى عام 1600 وسمسرة المنصورية 1850 وسمسرة النحاس 1811 وبيت العمري 1600 وبيت سريع 1300 وغيرها. كما قامت بتعبيد الطرقات وإنشاء البنية التحتية والصرف الصحي، بعد أن تم جمع المال اللازم من الدولة ومن هيئات دولية ومن دول كبرى معنية بحماية التراث الإنساني، مثل إيطاليا وهولندا وكوريا والنرويج وسويسرا والولايات المتحدة.
وقد كانت خطط الترميم والصيانة تخضع لبرامج علمية تراقبها الهيئة العامة وتكون نتائج أعمالها موضوع ندوات يشترك فيها كبار الاختصاصيين في العالم. عدا من إشراف منظمة اليونسكو المباشر.
لقد أصبحت صنعاء القديمة قادرة على مجابهة تحدي المدنية الحديثة التي تتنامى بسرعة، مستقطبة اهتمام السلطة والشعب، ولذلك كان لا بد من استمرار دعم صمود المدينة القديمة بقوة تعادل دعم نمو المدينة الحديثة، ولن يقتصر هذا الدعم على عمليات الصيانة والترميم، بل على تأهيل هذه المدينة للحياة الاجتماعية، وتأهيلها لتبقى شاهداً تاريخياً أو تحفة متحفية تحكى قصة امتدت أحداثها الحضارية منذ سد مأرب على الأقل، كانت فيها اليمن مركزاً سياسياً واقتصاديا مهما في جنوبي البلاد العربية.
وكان لا بد من ترميم أسوار صنعاء منذ عام 1987م وإعادة تنظيم وادي السايلة الذي كان يصون المدينة من غمار السيول السنوية الهابطة من جبل نقم. ويجب أن نعترف أن أهم انتصار تحقق في مدينة صنعاء نتيجة عمليات الترميمات في البنية التحتية والأبنية العامة ورصف الطرقات بالحجارة السوداء وتسهيل مرور وسائل النقل والانتقال -هو إعادة الارتباط الشعبي بهذه المدينة، فلقد أقبل المواطنون على العودة إلى مدينتهم بعد هجرتها منذ عام 1970م وقاموا بترميمها بإشراف الهيئة، مثل بيت الروضة. وانتعشت الأسواق وأصبحت مركزية في المدينة كلها قديمها وحديثها، وتسابق المالكون للعناية بممتلكاتهم التي سبق أن هجروها للإقامة فيه أو لتوظيفها حسبما تقتضيه ظروف مدينة ساحرة متميزة بعمارتها وطابعها، لم تستطع المدينة الحديثة مجاراتها بطرافتها وأصالتها. ولقد كان على الهيئة المسئولة أن تضع خطة لمتابعة صيانة هذه المدينة لتكون نموذجا عملياً يساعد في التخطيط لصيانة باقي المدن اليمنية الأصيلة، لتحقق هدفا يتفق مع الطموحات التقدمية للسلطة اليمنية في الحفاظ على التراث والاعتزاز به ليبقى ذاكرة التاريخ وشاهد الحضارة، على أن يوظف في أغراض ثقافية وسياحية، بعد أن أصبحت المدينة الحديثة قادرة على استيعاب الوظيفة السكنية حسب الشروط المعاشية الحديثة.
على أن ضخامة التراث المعماري اليمني تتطلب جهوداً مكثفة وتتطلب ميزانيات ضخمة، ولكن لا بد من دعم المواطنين وتشجيعهم على صيانة ممتلكاتهم، ولا بد من التعاون مع قطاعات الثقافة والسياحة لاستغلال هذه المدينة وتوظيف منشآتها لأغراض هذه القطاعات. وهذا لا يعني أن مهمة الهيئة العامة المسئولة تنتهي عند هذه الحدود، بل إن مهمة التنسيق بين مشاريع الصيانة والتوظيف ضمن حدود قانون الآثار تبقى أساسية، وإن وضع خطة المحافظة على المدن التاريخية اليمنية وتنفيذها مازالت من مهامها.











أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024