المؤتمر نت -
نبيل عبدالرب -
قبضة اليد
الثلاثاء والأربعاء الفائتان أقامت المنظمة اليمنية للنزاهة مهرجاناً للأفلام الحقوقية في صنعاء. تضمن المهرجان عرضاً لأفلام تتناول قضايا الفئات المهمشة في اليمن كأطفال الكراتين (الأطفال المشردون أو أطفال الشوارع)، وما يسمون بـ"الأخدام". وغير ما أظهرته الأفلام المعروضة من إبداعات يمنية في الإخراج والانتاج والتصوير، فقد أبرزت واقعاً حقوقياً مزرياً تعاني منه فئات اجتماعية أهملتها السلطات، واغفلتها القوانين، وجهل بحقيقتها الرأي العام.
وإلى جانب ذلك استعرض المهرجان أفلاماً تحكي تجارب عدد من شعوب العالم في النضال السلمي في سبيل قضايا عادلة، وكانت النتيجة دائماً الانتصار.
وفي الحال خطر على ذهني ما يدور في الجنوب من أعمال عنف بطلها بعض فصائل الحراك الجنوبي الموالية لعلي سالم البيض وضحيتها يمنيون جريمتهم أنهم ينتمون لمناطق شمالية، رغم أن كثيراً منهم أمضى في الجنوب عقوداً تفوق أعمار شباب العنف الحراكي. عندما تعرض البحري –شمالي مقيم بعدن منذ ما يقارب عشرين عاماً- لاعتداء من أحد جيرانه الجنوبيين أودى بحياة زوجته وإحدى بناته الأطفال تمنيت لو أن علي سالم البيض وشباب الحراك العنيف، يفكرون بذات طريقة زميلة جنوبية من عدن كتبت على صفحتها في الفيسبوك مُدينة الاعتداء على البحري "قضية عادلة وطريقة خائبة" وتمنيت كذلك لو أن منظمة النزاهة أقامت عروضها في مدن الجنوب ليعرف البيض وحراكه أن البطولات الحقيقية لا تصنعها الرصاص وأن الانتصارات المظفرة لا تدوم أو تنمو بسفك الدماء، وحرق متاجر الأبرياء.
وهنا أعود إلى أفلام المهرجان الحقوقي، وعرض تجارب الكفاح السلمي، ومن بينها كفاح طلاب سود في ستينيات القرن الماضي بالولايات المتحدة الأمريكية ضد التمييز العنصري، ابتداءً من المطاعم التي كانت ترفض تقديم خدماتها للسود.
بيد أن أكثر مالفت نظري هو تجربة شباب صربيين لإسقاط أحد أبشع ديكتاتوريي أوروبا الشرقية "سلوبودان ميلو سوفيتش" بطل مذابح البوسنة وكوسوفو في التسعينيات.
اللافت في الحركة الصربية أو ما عرفت بـ"أتبور" (تعني المقاومة) أساليبها السلمية في الاحتجاج وإصرارها على الاستمرار حتى النهاية في الإيمان بالنهج السلمي، وأيضاً إلهام تجربتها للثورات الملونة في أوروبا الشرقية، وما يقال عن علاقة المنظمة التي أسسها مجموعة من شباب "أتبور" بمسمى "كانفاس" بالحركات الشبابية التي فجرت ثورات الربيع العربي خصوصاً في مصر وتونس.
"أتبور" بدأ بها عشرون شاباً صربياً في 1998م احتجاجا على قوانين تضيق الحريات أصدرتها سلطات بلادهم. ومن ثم تطور مطالبها إلى مطلب وحيد هو إسقاط ميلوسوفيتش، وبالفعل نظم الشباب أنفسهم واتخذوا "قبضة اليد" شعارا لحركتهم، وأبدعوا في صنع شعارات مختزلة لكنها ذات تأثير عميق في نفوس الصربيين.
وعلى طول فترة مناهضتهم للديكتاتور الصربي حتى إسقاطه في أكتوبر 2000 عبر صناديق الاقتراع حرص هؤلاء الشباب على عدم الانجرار إلى مربعات العنف –تخيلوا أن اقتحام البرلمان لم يكلفهم سوى اثنين أحدهما مسن توفي بنوبة قلبية، والآخر شاب قضى في حادث مروري- وتمكنوا بإرادتهم المذهلة من التوسع في كل صربيا، ورعاية ائتلاف للمعارضة الحزبية-المتناحرة- في وجه ميلوسوفيتش.
كل ما استخدمه هؤلاء هو الاستفادة من كتب "جين شارب" الأمريكي من أب يهودي، أحد أهم منظري النضال السلمي، وتطوير تجربتهم، وكل خبرتهم السياسية مختصرة في الإيمان بأن الإرادة القوية، والنهج السلمي، والقضية العادلة هو مفتاح الانتصار..
بعض شباب "أتبور" الآن يديرون منظمة "كانفاس" (مركز التطبيقات غير العنيفة واستراتيجيات العمل) وهي المنظمة التي باتت تملك شبكات شبابية في أكثر من خمسين دولة، وكان لها الدور المهم في إنجاح ثورات شرق أوروبا.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 04-مايو-2024 الساعة: 10:29 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/106210.htm