المؤتمر نت - يودع المسلمون عيد الأضحى وينصرف البشر المجتمعون في هذه التظاهرة السنوية الى أقطارهم , مشحونين بمزيج من مشاعر الشحن الروحي , والتعبئة السلامية , والتدريب على محاربة الشر .
كانت التضحية بالحيوان ترميزاً لإحياء ذكرى الإعلان الإبراهيمي قبل أربعة آلاف سنة بالتوقف عن تقديم القرابين البشرية , وتوديع عقلية العالم القديم , في حل المشاكل بالعنف , لذا كان الحج في ترميزه...
خالص جلبي -
الحج ودرس اللاعنف
يودع المسلمون عيد الأضحى وينصرف البشر المجتمعون في هذه التظاهرة السنوية الى أقطارهم , مشحونين بمزيج من مشاعر الشحن الروحي , والتعبئة السلامية , والتدريب على محاربة الشر .
كانت التضحية بالحيوان ترميزاً لإحياء ذكرى الإعلان الإبراهيمي قبل أربعة آلاف سنة بالتوقف عن تقديم القرابين البشرية , وتوديع عقلية العالم القديم , في حل المشاكل بالعنف , لذا كان الحج في ترميزه المكثف , تدريباً سنوياً لشحن الانسان بالروح السلامية , فالمظهر متشح بالبياض , والكعبة أصبحت بيت الله الحرام , فيحرم ممارسة العنف بكل أشكاله وامتداداته , فلا جدال في الحج , الجدال بمعنى التنازع والتوتر , وينعم الجميع ببحيرة للسلام في أرض غير ذي زرع , ويأمن الطير والدواب والانسان على أنفسهم من العدوان , بعد أن كان الناس يُتخطفون من حولهم , ويمتد السلام من النفس الى البيولوجيا فلاينتف الشعر أو تقص الأظافر , وينتهي بتدشين تجربة على ظهر الأرض , سنوية لاتقبل الإلغاء أو التأجيل , للسلام الزماني المكاني , في البيت الحرام من خلال الأشهر الحرم .
وعندما دشن إبراهيم عليه السلام هذه التجربة وصمدت خلال آلاف السنين , كان يريد تعميم هذه التجربة على ظهر الأرض , في كل الأوقات , لتحول الأرض كلها الى أرض حرام يحرم فيها سفك الدم وتقديم القرابين البشرية , وتتحول الأشهر كلها الى أشهر حرم .
الحج إذاً احتشاد تظاهرة ( الانسان ) لإيقاف تقديم القرابين البشرية , وتدشين السلام العالمي من خلال هذه التجربة الانسانية الفريدة , التي يتم فيها التدريب سنوياً على استخدام هذه ( الأداة ) السلمية لحل المشاكل بين بني البشر .
عندما يرجع ( الانسان ) من مركز الشحن والتعبئة الروحية , والقيام بتدريب سنوي مكرر للجنس البشري للمحافظة على بقعة في العالم تتمتع بالحرمة المكانية الزمانية , من أجل تعميم ونشر ومد هذه التجربة الناجحة في العالم , يمكن نقل هذا الاسلوب الانساني , ورفع مستوى الخلاف وطريقة حله الى مستوى انساني , بتبني الاسلوب السلمي .
وقد يتساءل أحدنا ومتى كانت الطريقة السلمية بديلاً عن توازن الرعب المتبادل , فدورات النزاع وجولات الحرب في التاريخ , بقيت بعيدة عن الاستفادة من درس الحج , في ممارسة اللاعنف وتدشين السلام .
والجواب على هذا أن هذا الاسلوب الابراهيمي القديم سيبقى مصدراً للطاقة الروحية , لانه أداة انسانية في اسلوب حل المشاكل . ويمكن الاستفادة من هذه ( الأداة ) في كل حقول الصراع الانساني , ونتائج مباركة لاتقارن باسلوب التدمير المتبادل .
العنف المتبادل في الصراع الانساني لايحل المشاكل بل يزيدها تعقيدا , فهو ينطلق مغذى من مشاعر الكراهية والحقد , والخوف من الآخر , فيولد مثيله فهذه هي آلية عمل المشاعر , فالحقد يولد الحقد , والكراهية تغذي مثيلها , والدم يفجر الدم , في دائرة صراع تمسك حلقاتها ببعضها البعض , وتغذي أطرافها نفس المشاعر , في ساحة لاتسمح الا بوجود طرف واحد . وفي صورة وأسلوب المقاومة السلمية أو درس اللاعنف من الحج يفضي الى التوازن وحل المشاكل , لانها لاتعتمد آلية الكراهية التي ترتد على نفسها بل الحب والتسامح مع الطرف الآخر , وهي صورة مشاركة , فهي استراتيجية تعتمد ترك الهامش أو الباب مفتوحاً في ظهر الآخر . ليس كسر وثني ذراع الآخر بل التقاء الإرادتين في النهاية .
ولكن لماذا تعجز آلة العنف عن حل مشاكل النزاع الانساني وتنجح آلية اللاعنف بشكل مدهش ? إن هذا يدفعنا الى تفهم الآلية السيكولوجية .
آلية العنف تعتمد كسر إرادة الخصم , وآلية اللاعنف والمقاومة السلمية تعتمد ليس إلغاء إرادة الآخر , بل اجتماع الإرادتين وتعاونهما . آلية العنف تعتمد مسح الآخر وتهميشه بل وتحطيمه والسيطرة عليه وإلغاءه الكامل ,في وهج مشاعر الغضب والحقد والكراهية والانتقام , في ساحة التدمير والدم والقتل والأذية المتبادلة والحرب والنار واللهب والدموع وميادين الحروب بما فيها الأهلية , وآلية المقاومة السلمية تحافظ على الآخر وكل ماتريده هو إيقاظ ضميره .

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 15-مايو-2024 الساعة: 02:42 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/18615.htm