د.عائض الردادي -
أحمد بن محمد الشامي
عرفتُ مما نشر يوم 4/2/1426هـ (14/3/2005م) أن السيد أحمد بن محمد الشامي قد رحل عن دنيانا يوم السبت 2/2/1426هـ (12/3/2005م). هناك في بروملي قرب لندن حيث عاش سنوات الغربة آخر حياته.
وبالرغم من أنه ملأ دنيا السياسة والثقافة خلال حياته إلا أن رحيله مثل رحيل المثقفين كان بصمت, لا يكاد يعلم عنه حتى محبوه إلا بعد زمن, وكأن زمان الموت الذي نعيشه لم يعد مكترثاً بموت العلماء في ظل المجازر والمآسي التي تحل في أكثر البلدان العربية.
السيد أحمد الشامي الذي كنا نراه كل عام عندما كان صحيحاً انقطع في غربته ليصارع المرض حتى الموت, وكان إذا جاء للرياض أو جدّة ملء السمع والبصر, يأنس بمجالس المثقفين وتأنس به, وتستمتع بمذاق ما نسمع منه شعراً أو حديثاً عن الأدب أو هموم الأمة وذكرياته في سجنه وفي حريته.
ولد عام 1342هـ ودرَس في مدارس اليمن, وعرك حياتها السياسية وغياهب سجونها من أجل الإصلاح, وكَتَب كتابه عن ذلك (رياح التغيير في اليمن) الذي لخص ذلك في قوله عن تقلباته السياسية: (كنتُ ثائراً ومعارضاً ثم صرت موظفاً حكومياً, وتطوّرت دستورياً ثوريّاً, واعتقلت وتعذّبتُ وتعرّضت للمنون مراراً, ثم أطلقت وأصبحت وزيراً وشخصاً بارزاً في حكومة الملكيين, ثم ناديتُ بالمصالحة الوطنية وانتخبت عضواً في المجلس الجمهوري وبعدها سفيراً للجمهورية في لندن وباريس, حتى طلبت التقاعد راضياً مختاراً, وأُقسم أنّي أخلصت كل الإخلاص لكل دور مثّلته وأرادته لي الأقدار; لم أغشّ ولم أخادع, ولم ألعب على حبلين قط, وذلك هو رصيدي الذي أعتز به).
لقد سمعتُ منه أنه سيُلحق كتابه (رياح التغيير في اليمن) بجزء ثانٍ, ولا أدري إن كان قد أصدره أم لا, لكنه كان يملك من الذكريات ما هو جدير بالتدوين, وبخاصة أنه ذو أسلوب أدبي, وهو شاهد على عصره من خلال الأحداث لا من حولها, ويعدّ كتابه هذا من أنفس ما ترك.
عندما طلبَ مني نسخة من كتابي (الشعر الحجازي في القرن الحادي عشر الهجري) جاءني من أرسلتُه معه بنسخة من كتابه (تاريخ اليمن الفكري في العصر العباسي) الواقع في 4 مجلدات مع إهداء نفيس منه, وهو ذو روح لطيفة تمتع مجالسيها, وقد كان زينة رحلة برية إلى حريملاء قبل سنوات كثيرة بدعوة من الأديب عبدالرحمن بن فيصل المعمر لعدد من الأدباء منهم د.بدوي طبانة وعبدالعزيز الرفاعي لمشاهدة زهور نجد إذا أربعت. لقد كرّمه عبدالمقصود خوجة بنشر ديوانه الكامل في 3 مجلدات عام 1413هـ, وقد يكون له شعر بعد ذلك, وقد أصدر له نادي جدة الأدبي كتابه (المتنبي شاعر مكارم الأخلاق) وهو ردود (نشرت في الصحافة) على أحمد الشيباني رحمه الله حين غمز في عقيدة المتنبي في مقالات نشرها بتوقيع ذيبان الشمري, وله عدد من المؤلفات منها (قصة الأدب في اليمن) و(شعراء اليمن في الجاهلية والإسلام) في عدة مجلدات و(ذكريات الشامي) في ثلاثة أسفار وغيرها مما لا يتسع المقام له, وكان معجباً بالملك فيصل بن عبدالعزيز حتى إنه سمى ابنه (فيصل).
كان ذواقة حتى في لباسه, متأدباً في حديثه, أنيساً في مجلسه, مبتسماً في معظم أحواله, صاحب طرفة راقية, غزير الانتاج الثقافي بالرغم من اشتغاله بالسياسة, ويعد نموذجاً لعلماء اليمن في زمانه, وهكذا رحل في صمت لم تتناوله وسائل الإعلام حال كثير من العلماء والمفكرين الذين يموتون ألماً على أمتهم وهم أحياء وتنساهم إذا ماتوا
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 28-أبريل-2024 الساعة: 03:38 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/20201.htm