محمد اللوزي -
التعددية السياسية وأزمة الديمقراطية
تستطيع الأحزاب أن تحقق حضورها الحيوي على صعيد الواقع حينما تؤمن حقيقة بالديمقراطية وعيا وممارسة. وحينما تدرك أنها لا بد أن تكون في مستوى ما تنادي به ولم تستطع بعد تمثله.. وما لم تتجه إلى هذا الالتزام القيمي والمنهجي بالديمقراطية فإنها ستظل مقصية وغير فاعلة يسودها الاضطراب في الرؤى والاتجاهات وتعيش أزمة الوعي بالممكن والمتاح.. وهنا تغدو أي مطالبة للآخر "السلطة" بممارسة الديمقراطية ونقدها مجرد فراغ كلمات وشيء من المزايدة ما بقيت هذه الأحزاب منطوية على ذاتها وتعيش الاخفاقات المتواصلة في عدم تمثل الجانب الحضاري للديمقراطية.. وهي نظام حل مشكلات بطرق منتظمة.. ويبدو من الصعب أن تطالب الآخر بديمقراطية عالية الجودة في حين أنها أي هذه الأحزاب خالية تماماً من ممكنات وشروط العمل السياسي المتحضر.. ومن يتأمل واقع التعددية السياسية والحزبية في بلادنا يصل إلى نتيجة مؤداها أن هذه التعددية قد أصيبت بالضمور والتراجع إلى حد خيبة الأمل فيها.. ولا نبرئ أحدا هنا في هذا التراجع.. غير أن قصداً وافراً يقع على عاتق أحزاب المعارضة التي لا تمتلك حتى اليوم مشروعها في المسألة الديمقراطية. والتي تمارس معها لعبة الغواية ولوكها كمفرده معزولة عن الممارسة وتحبذ إلغاء المعاذير على الآخرين في التعثرات التي تقع فيها بين الحين والآخر إن لم يكن يومياً.. بسبب نزوع هذه التعددية إلى التسلط والهيمنة وإلى المماحكات السياسية وهو تسلط يمكن كل حزب من أن يمارس القمع على كيانه كتنظيم بحيث ينعدم التفكير المسئول والجاد والرؤية المستقبلية ويغدو لكيان الحزبي خاضعاً لهيمنة قياداته الذي يمنحونه ويمنعونه ما يرغبون فيه بمعزل عن الأيديولوجيا التي بموجبها تشكل هذا الحزب أو ذاك، وبمعزل ايضا عن اعتمالات الواقع بكل ما فيه سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.. أقصد هنا النظرة الموضوعية والمنهجية لتشكيل موقف مسئول حيال أي قضية وطنية مرهونة بقيادات الأحزاب التي انعزلت عن جماهيرها وتحولت إلى سلطة قامعة تنوب الكل في تحديد مصير لكل.. وهنا نقع في جوهر الأزمة الديمقراطية. حيث تبقى الأحزاب مجرد ظاهرة صوتية لا تستغل بأسلوب أمثل طاقة كوادرها إن لم تكن قد ساهمت في إزاحتها تماما بحيث تتحول الديمقراطية من أحد أهم عناوينها.. وهي إطلاق الطاقات والقدرات وإتاحة الفرص واستغلال الإمكانيات بأسلوب أمثل إلى عملية قمع وإزاحة وممارسة لغة إدانة واتهام وترحيل أزمات وإلقاء المعاذير على الآخر وتحميل "السلطة" سلبيات هي أساساً من إفرازات الأحزاب التي لم تنسجم مع ذاتها فانعكس ذلك على مستوى علاقتها مع الآخر ولعل غياب النقد داخل كل حزب وسيطرة لغة الادعاء وهيمنة الفرد كل ذلك قد أضر بالديمقراطية كسلوك حضاري. وإلا ماذا يعني أن تقف الأحزاب في ذات الرؤية الضيقة. وعدم القدرة على امتلاك روح المبادرة والتجديد والإبداع؟! ماذا يعني بناء قيادات حزبية عقود زمنية بكاملها تتربع في القيادة فيما تبقى الكوادر عاجزة وغير مستغلة بشكل صحيح ومستلبة كامل حقوقها المدنية؟!
ولماذا يبقى الحزب صورة عاكسة للتخلف يعيد إنتاجه ويضيف إليه ما يزيد الواقع إرهاقاً ويسد نوافذ المستقبل الذي نريده؟!
بالتأكيد تدرك الأحزاب وفي المقدمة أو على رأسها القيادات الحزبية أن كثيرا من الاختناقات الديمقراطية والعجز عن فهم الواقع والإضافة إليه وخلق تحولات إيجابية هو نتاج عجز الأحزاب ذاتها من انتهاجها الديمقراطية مبنى ومعنى.
نحن إذاً أمام اخفاقات كبيرة وتداعيات مستمرة للديمقراطية كقيمة حضارية.. لا يمكن مطلقاً أن نلقي باللوم كله على "السلطة" وإلا نكون حين إذ غير جادين في التخلص من السلبي وتجاوزه وربما مرد ذلك إلى أن إشاعة الديمقراطية تقضي على مستقبل أفراد أو جماعات ترى في إبقاء الحال ما يمنحها جوانب استحقاقات غير مشروعة من المال والجاه وأمور أخرى..
وهنا تصبح التعددية السياسية والحزبية مجرد ملاذ للتفاخر بالأموال والسلطان. وضمن هذا المستوى تضمحل لغة التعايش والسلم الاجتماعي وتحل بدلا عنها القهرية ليبدو الكل يمارسها من موقعه الذي لا يريد أن ينزاح منه..


تمت طباعة الخبر في: الخميس, 02-مايو-2024 الساعة: 06:08 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/21964.htm