بقلم: محمد أحمد الكامل* -
حول علم الأنساب في التاريخ الإسلامي
أولى العرب قبل الإسلام، اهتماما كبيراً بالأنساب وحفظها وروايتها؛ ذلك أن النظام الاجتماعي والسياسي والحربي وغيره من شئون الحياة لديهم ارتبط بالأنساب، وكان العرب يتمايزون فيما بينهم بحسبهم ونسبهم ويتفاخرون بها، لذا فقد اهتموا بالأنساب، وتوارثت الأجيال حفظها،وكلما تباعد الزمن وتباعدت الأنساب عبر الأجيال، كان الاهتمام بالأنساب أكبر لتدوينها وحفظها حتى لا تُنسى؛ لذا وجد أناس متخصصون بفحص الأنساب وروايتها وتدوينها، ويعددلنا الجاحظ( ت255هـ) مجموعة من النسابين العرب في الجاهلية والإسلام، ومن أولئك الذين يذكرهم:ـ الخليفة أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ حيث قال: " وكان أبو بكر ـ رحمه الله ـ أنسب هذه الأمة." – أي أكثر الناس علماً بالأنساب-.
و جاء الإسلام فألغى كثيراً من المظاهر السلبية التي كانت شائعة في الجاهلية، ومنها التعصب للأنساب والتفاخر بها، وجعل التقوى والصلاح والعمل الصالح والإيمان هي الأسس التي يجب على المرء أن يعتز بها يقول الله في كتابه العزيز : } وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ { ( الحجرات:آية 12. ومع ذلك فقد استمر الاهتمام بالأنساب وتوارثها وحفظها في الإسلام، ولكن في غير المنهي عنه، وفي حدود الحاجات الاجتماعية والشرعية والتنظيمية التي أقرها، والتي يجب معها معرفة الأنساب للتعارف ولصلة الأرحام ومعرفة الفرد ما يجب عليه تجاه أسرته وأقاربه وقومه، لقول الرسول -r -: " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ... الخ " أخرجه الترمذي في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في تعلم النسب، حديث رقم ( 1984 ). وكذا حاجة الأنساب في بعض الترتيبات الإدارية والتنظيمية ـ وقد جاءت في الدعوة إلى ذلك أحاديث كثيرة. فكان الرسول- r - يعتز بنسبه وقومه،وكان يذكر أفخاذ الأنصار ويفاضل بينهم،وكان الخلفاء الراشدون وكثير من الصحابة والفقهاء من أعلم الناس بالأنساب. كما كان للأنساب في الإسلام أهمية من جوانب متعددة، منها في المجالات التنظيمية للدولة،كالجانب الحربي الذي اُعتمد في تنظيمه على الأساس القبلي؛ كضرورة اجتماعية وضرورة حربية تتناسب مع التركيبية الاجتماعية والتنظيم العسكري الحربي. وعندما وضع الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ الديوان في سنة عشرين للهجرة، أمر بأن يتم ترتيب قوائمها بحسب الأنساب والمنازل، فاستدعي ثلاثة ممن لهم معرفة بأنساب الناس هم: جبير بن مطعم ( ت 94هـ /713م )، ـ عقيل بن أبي طالب ( الأخ الأكبر لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ( ت 60هـ / 680م )، مخرمة بن نوفل ( ت54هـ / 764م. فوضعوا الدواوين بحسب الأنساب والمنازل.

ومنذ بداية العصر الأموي ونتيجة إهتمام خلفاء بني أمية بالتاريخ والأنساب بدأ الاهتمام بالأنساب ينحو منحى ما كان عليه في الجاهلية من التعصب القبلي والأسري وظهرت كتب المثالب والمناقب. وعملت الشعوبية على تشجيع هذا الجانب بما أدخلته من أفكار غريبة على الأمة الإسلامية أثَّرت على وحدتها، فبدأ الصراع القبلي والفكري يدب بين أفراد المجتمع الإسلامي على أساس من التعصب، ومن مظاهر ذلك الصراع زيادة التأليف في الأنساب بوصفة جزءاً من ذلك الصراع، وكان لاتساع رقعة الدولة الإسلامية ودخول دماء جديدة من بلدان متعددة أثر في زيادة التأليف في هذا الجانب واستخدام مناهج جديدة تتناسب مع التغيرات الاجتماعية، حيث صار مفهوم الأنساب يطلق على النسب إما لصفة علمية أو مهنية أو صفة سلوكية أو جسمانية، أو نسب للبلد الذي ولد منه أو نزل منه، إضافة إلى النسب الأسري والقبلي .
واليمن بحكم وضعها الجغرافي وبعدها عن مركز الخلافة الاسلامية بعد انتقالها إلى بغداد ،نشط فيها الاهتمام بهذا الجانب ، وأبرز من مثَّل هذا الجانب أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني صاحب ( الإكليل ) الذي أخذ بتتبع انساب القبائل والأسر اليمنية ،وأشار إلى مصادر يمنية نسبية قديمة في هذا الصدد اعتمد عليها في كتبه . ومما أدى إلى نشاط هذا الجانب في اليمن هو هجرة العلويين إلى اليمن فرارا من بطش العباسيين ، فأقاموا لهم دويلات متتابعة في اليمن ، وكان اهتمامهم وتركيزهم بنسبتهم إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم – كبير جدا وذلك ليحظوا بالتأيد والعطف والحصول على أموال الزكاة والخمس من خلال هذه النسبة .

فحرصوا على تدوين أنسابهم ووضعوا مشجرات لأنسابهم تتصل إلى على بن أبي طالب- كرم الله وجهه- تتوارثها الأجيال وتضيف إليها المواليد الجدد ، ووضعوا مجموعة من الحدود والضوابط والامتيازات في علاقتهم الاجتماعية بمن سواهم، جعلوا أنفسهم يحتلون المرتبة الإولى على بقية الشرائح الاجتماعية؛ الأمر الذي أدى بالمقابل إلى قيام مجموعة من علماء اليمن ممن لا ينتسبون إلى البيت العلوي أمثال : الهمداني والكلاعي ونشوان الحميري وغيرهم ، بإبراز انساب القبائل اليمنية، ودورها التاريخي والحضاري الضارب جذوره في أعماق التاريخ ، وإثبات الدور الكبير لأبناء اليمن في نشر الاسلام والدفاع عنه وتوليهم المراكز القيادية الإولى في المراكز العلمية والقضاء والوظائف الإدارية والعسكرية.، ثم توالت كتابة الأنساب عبر التاريخ، واختلفت مشاربها سواء انساب القبائل اليمنية، أو انساب الأسر العلوية، والأسر العلمية، والأسر الحاكمة وغيرها من الشرائح التي اهتمت بتدوين أنسابها ليحتل علم الأنساب المرتبة الإولى في مجال التدوين التاريخي عند اليمنيين.
* باحث يمنى
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 29-أبريل-2024 الساعة: 07:22 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/22439.htm