المؤتمر نت - لقد حزنت، كما لابد أن يكون المواطنون جميعاً في العاصمة وفي بقية أرجاء البلاد قد حزنوا لسقوط ضحايا في التظاهرات، وأعترف أن شاشة ذهني لم تستطع- حتى الآن- تجميع ملامح الصورة التي تكونت عليها نهار يوم الأربعاء 20 يوليو، ربما نتيجة إرتجاج الصور واهتزازها، وربما لعدم تصوري أننا ما نزال هكذا نُعبر عن آرائنا بأسلوب فج وفوضوي يفقدنا حجة ما نذهب إليه، ونُسيء إلى القيم التي دافعنا عنها وانتظرناها عقوداً طويلة، وفي مقدمتها الحرية والديمقراطية...
د.عبدالعزيز المقالح -
هل أضاعت الفوضى نتائج الاحتجاج السلمي؟
لا يستطيع أي مواطن صادق ينتمي إلى هذا البلد الذي اختار الديمقراطية طريقاً ومنهجاً سياسياً بعد سنوات من القهر والقمع، أقول لا يستطيع هذا المواطن- أياً كان موقعه السياسي أو الاجتماعي- إلا أن يعترف بأن من حق أي شخص ينتمي إلى هذا الوطن أن يعبر عن رأيه، سواءً عن طريق الكتابة أو الخطابة أو التظاهر أو الاعتصام، بشرط ألا يتحول هذا التعبير إلى عدوان على الحرية والديمقراطية، كما حدث نهار الأربعاء 20 يوليو، عندما تحولت الشوارع الرئيسية في العاصمة إلى مسرح للفوضى والاختلال الأمني، وتخريب عدد من المؤسسات والمتاجر والمطاعم التي يمتلكها مواطنون عاديون يعيشون عليها هم وأبناؤهم، وما أسفرت عنه تلك الأفعال العشوائية من حماقات تثير السخرية، كقلع أشجار الزينة في الشوارع، وتحطيم السياجات الحديدية في معظم الطرقات..
لقد كان هناك شعور شامل بأن قرارات "الجرعة" التي لم تكن مفاجئة، سوف تؤدي حتماً إلى ردود أفعال في الشارع وإلى احتجاج سلمي يرفض القرارات كلياً أو جزئياً، سيما وقد تأخر إعلان قرار الأجور وما رافقه من معالجات تنفيذية تخفف من صدمة "الجرعة"، لكن أحداً لم يكن يتصور أن يأتي الاحتجاج بهذا الشكل الفظ والطريقة البدائية البائسة، التي تؤكد أننا ما نزال نعيش عصر ما قبل الديمقراطية، وما كان يفرضه من قوة ردع صارمة تجعل المواطن يفكر مليون مرة قبل أن ينزل إلى الشارع لقضاء حاجاته، فضلاً عن الإقدام على التعبير عن رأيه واستخدام حقه الطبيعي في التظاهر والاحتجاج على الإجراءات المنافية للعدل والرامية إلى سلبه بعض حقوقه المادية أو المعنوية.
لقد حزنت، كما لابد أن يكون المواطنون جميعاً في العاصمة وفي بقية أرجاء البلاد قد حزنوا لسقوط ضحايا في التظاهرات، وأعترف أن شاشة ذهني لم تستطع- حتى الآن- تجميع ملامح الصورة التي تكونت عليها نهار يوم الأربعاء 20 يوليو، ربما نتيجة إرتجاج الصور واهتزازها، وربما لعدم تصوري أننا ما نزال هكذا نُعبر عن آرائنا بأسلوب فج وفوضوي يفقدنا حجة ما نذهب إليه، ونُسيء إلى القيم التي دافعنا عنها وانتظرناها عقوداً طويلة، وفي مقدمتها الحرية والديمقراطية بما يرافقهما ويتبعهما من مسئولية، ومن ضرورة احترام الرأي والرأي الآخر. فالديمقراطية سلوك راق في التعامل السياسي وليس خروجاً على قواعد النظام، والحرية التزام أخلاقي ينتهي حيث تبدأ حرية الآخر حتى لا تصطدم بها أو تلغيها، وهي كالماء والهواء وضوء الشمس، ملكٌٌُُ للجميع دون استثناء.
إن اللوم في هذه اللحظات لا ينصب على المبدأ، وهو هنا المظاهرات المعبرة عن رفض قطاع واسع من الناس للقرارات التي اتخذتها الحكومة بعد موافقة مجلس النواب الممثل للشعب عليها، لكن اللوم ينصب على الأسلوب، وعلى الطريقة العشوائية والهمجية التي تمت بها المظاهرات وما أسفرت عنه من تصرفات خطيرة، وينصب كذلك على الحكومة التي تأخرت بالقرار الخاص بالأجور والذي يتضمن بعض المعالجات إلى ما بعد خراب البصرة!.
لقد ظل حديث "الجرعة" سيفاً مصلتاًً على الرؤوس أكثر من ثلاثة أعوام، وكان البنك الدولي خلالها يُلهب ظهور المسئولين بسياط التنفيذ، غير مبال بما سيترتب على مطالب خبرائه من ردود أفعال الشارع الذي يعاني من ضائقة معيشية حقيقية، لكنه- وهو الغريب عن الواقع- لا يبالي أن تحترق الشعوب أو تفنى. ومن هنا فإنني على يقين من أننا لن نتقدم خطوة واحدة في طريق الإصلاح بأبعاده المختلفة ما لم نتحرر من الضغوط الخارجية، وما لم يقف أبناء هذا الوطن- على اختلاف آرائهم وانتماءاتهم الحزبية- صفاً واحداً في وجه كل محاولات التخريب الرامية إلى توسيع دائرة الإحباط وزعزعة الاستقرار والإخلال بالأمن تحت أي برر كان.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 28-أبريل-2024 الساعة: 07:16 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/23201.htm