المؤتمر نت - الكاتب والباحث العراقي نزار العبادي
المؤتمر نت - نـزار العبـادي -
الإعلامي والسياسي بمنطق التفاضل
رغم أن السياسة والإعلام عالمان مختلفان يتحرك كل منهما في إطار بيئة ومناخات عمل وديناميكيات مستقلة عن الآخر إلا أن بقدر ما هو متاح لهما من الفرص للالتقاء والعمل المشترك بقدر ما يكون مصيرهما التقاطع، والتصادم في كثير من الأحيان – وخاصة عندما يعمد أحدهما تجاهل الآخر، والقفز فوق الاعتبارات الأخلاقية للديناميكية التي يتحرك بها.

بعض السياسيين يعتقدون أن الإعلامي قاصر عن بلوغ الوعي الذي يؤهله للوقوف على خيوط اللعبة السياسية كاملة لحالة معينة في بلده، فيؤسسون خطاباتهم انطلاقاً من ذلك الاعتقاد في الوقت الذي تؤكد التجارب أن من الإعلاميين من هم أكبر قدرة على تلمس الحاجة الوطنية، وتحديد آليات ما ينبغي القيام به وما تقتضي المحضورات توخي حيطة الوقوع بمنزلقاته.

لعل مقاييس المفاضلة بين السياسي والإعلامي تعتمد بالدرجة الأولى على مدى قدرة كل منهما على تمثيل الحقيقة، واستيعاب الواقع، والعمل على أساس منه.. ومن هنا نجد أن حالة الصدام تنشأ عندما يشذ أحدهما عن تلك المعايير، ويتعامل باستعلاء مع الآخر أو بتجاوز وقح للضابط الأخلاقي.

فعندما يظن السياسي أن الإعلام عاجز عن الوصول إلى تصور سياسي ذو قيمة لقضية معينة فإنه يخطئ، وكذلك الحال عندما يغلب عليه الظن بأن الإعلامي غير معني في إحداث التغيير أو التطور في دوائر الحراك السياسي، أو أنه يمكن أن يستقيم به الحال ضمن إطار حزبي محدد دونما التحول إلى غيره حتى وإن انحرف حزبه خارج الخطوط المستقيمة للعبة السياسية.

كما أن من مساوئ بعض الإعلاميين ومؤشرات إخفاقهم هو أن يثقوا بأن حصيلتهم المعرفية الثقافية قد أصبحت في قمة ما يحيطها من فئات مختلفة وبات بوسعهم رجم الجميع بالحجارة ، أو أن يعتقدوا أن خبراتهم في متابعة الأحداث السياسية –رغم تواضعها- قد جعلت منهم سياسيين قادرين على التنظير، واقتراح التصورات والبرامج الحزبية .. بل أن الخلط يبلغ أحياناً قدرا يتخيلون فيه أن بوسعهم إنابة أحزابهم في تحديد المواقف واطلاق الأحكام وتبرير اتجاهات العمل السياسي !

إن لمن الضرورة بمكان أن يقف كل طرف في موضعه ويمارس وظائفه طبقاً لمسئولياته الحقيقية دونما تقليل من دور الآخر ودونما تجاهل قيمة ما يمكن أن يتمخض عن أي تعاون مشترك وأي مبادرة لفهم الآخر ومحاورته بمنطق وشفافية قائمة على أساس المسئولية المشتركة تجاه الإنسانية سواء على نطاق محلي أو طني أو دولي.. فالإنسانية لا تمتلك أكثر من تعريف مهما تعددت مواطنها الجغرافية و الزمانية.

كم بدا لي رائعاً، وناضجاً ذلك الوعي الإعلامي الذي تحلى به الزميلين علي الجرادي وحمدي البكاري في منتدى حوار ناقش المبادرات السياسية ، حين تداولا الحديث بتجرد عن أي عصبية حزبية، واحتكما إلى منطق سياسي رفيع لم يجدا فيه بٌداً من توجيه انتقادات تطول حزبيهما والأحزاب الأخرى في آن واحد ضمن إطار تقييم واقعي لمسار العمل السياسي، وقراءة ذكية للذات، ترجمت صفاء الوجدان الوطني الذي يتطلعون من خلاله إلى تفعيل معارضة راقية بأخلاقياتها السياسية ، ومناهجها العملية.

لكن الامتعاض الذي تجلى في وجوه بعض السياسيين جراء تلك الشجاعة الأدبية الشبابية أكد لنا أن رهان الإصلاحات التي تخوضها اليمن اليوم مناط بدرجة كبيرة بالطاقات الشبابية المتنامية، والوعي النوعي الراجح، وليس بالمتعصبين من بعض سياسيي الجيل السابق الذي لم يجد أحدهم ما يرد به غير أن ينصح الزملاء الصحافيين –ساخراً- بأن يقدموا هم مبادرة إصلاح سياسي لليمن!

ربما ينتابنا –كإعلاميين- الإحباط أحياناً جراء ما تورده بعض الصفحات الصفراء، لكننا كنا على الدوام واثقون أن الإعلام ثلثي الرهان على أي مشروع سياسي وتنموي وطني.. فمن يخطط للنهوض بشعب فليضع كل إمكانياته أمام الإعلام وبرامج تنميته، وحتماً سيكسب.

[email protected]
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 15-مايو-2024 الساعة: 09:19 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/24795.htm