المؤتمر نت - احمد الربعي
المؤتمر نت - احمد الربعي -
انتقائيــــة أخلاقيــــــة
شعرت بسعادة وأنا أشاهد أحزابا قومية وإسلامية أردنية تتظاهر ضد العملية الإرهابية التي استهدفت المدنيين في الأردن. مصدر السعادة هو أن الذاكرة ما زالت تحتفظ بصورة مظاهرات واحتفالات أقامتها هذه الأحزاب، عندما قام شاب أردني غسل الإرهاب عقله بعملية انتحارية في بغداد فقتل مدنيين أبرياء، ويومها انبرت هذه الأحزاب والناطقون باسمها في الصحافة، وبقايا حزب البعث في الأردن للاحتفال بالعمل «البطولي»، واعتبار من قام بها «شهيد المقاومة العراقية»...!

إنها أزمة أخلاقية كنا وما زلنا نعيشها في عدد من الأقطار العربية مع تفاوت بين بلد وبلد، وهي مشكلة غياب البوصلة الأخلاقية واستبدالها بنظرة انتقائية مليئة بالحقد والكراهية، فعندما تحترق بيوت الجيران لا يعنينا الأمر، المهم أن تظل بيوتنا سليمة، بل لا أحد يسأل السؤال البسيط .. إذا سمحت بأن يحترق بيت جارك فمن يضمن لك أن الحريق لن يمتد إلى غرفة نومك ..!

أزمتنا الأخلاقية أن بعضنا يقتل بالهوية ، ويحزن على القتل بالهوية ، ويفرح بالقتل بالهوية . فعندما قام صدام بفعلته الشنيعة ضد فقراء وأبرياء حلبجة الكردية كانت ردة الفعل «العربية» باهتة، وعندما كتبنا يومها وطالبنا بإدانة هذه الجريمة كان الموضوع لا يستحق الاهتمام من الكثيرين، وعندما كان بعض الغلاة من المسلمين يقتلون الصرب كان الأمر يبدو عاديا، لكن عندما قام الصرب بجرائمهم ضد البوسنيين انتفض الكثيرون..!

إنها الانتقائية الأخلاقية التي لا تؤمن بالإنسان. ألم تقم الأمم المتحدة بإعلان يوم عالمي لضحايا الهيلكوست اليهود ؟ وإذا كنا نتعاطف مع ضحايا النازية من اليهود ، فان من حقنا أن نتساءل ماذا بشأن مذابح الفلسطينيين والأكراد والأرمن وغيرهم أليست الانتقائية مرة أخرى، والأزمة الأخلاقية مرة أخرى ؟!

الذين قتلوا المدنيين في حفلة العرس الأردنية هم أبناء عمومة القتلة المحترفين في العراق، وهم انساب وأحباب لقتلة الرياض وصنعاء والقاهرة..!

وعقلية الاحتفال بموت بشر، والحزن لموت بشر آخرين هي مأساة، وربما تمثل الأحزاب الأردنية التي احتفلت بقتل العراقيين، وحزنت لموت الأردنيين نموذجا لمثل هذه العقلية. ونعتقد أن ما حدث هو فرصة لإعلان التوبة والاعتذار للأمة من كل عمليات الصمت على الإرهاب.


عن: ش. أ
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 06-مايو-2024 الساعة: 06:53 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/25709.htm