المؤتمر نت - ابتهاج الكمال - رئيسة منتدى القيادات النسوية
المؤتمر نت- بقلم: الدكتورة ابتهاج الكمال -
حين يكون الإرهــاب امـرأة
في عصر الانفتاح ، وثورة المعلومات ظنت البشرية أنها بلغت ذروة رقيها ، لكنها سرعان ما أذهلتها لحظات الموت في "مانهاتن" لتعيد لذاكرتها بعض ما صنعته مخيلة " هوليوود" من عنف الكائنات الفضائية الخرافية الناقمة من حضارة "إنسان الأرض"..!
وفي عصر الديمقراطيات ، وزمن حقوق المرأة وحرياتها، و"الحرب" على العنف "الذكوري" الذي يمارس ضدها في شتى بقاع الأرض، وقف العالم مذهولاً أن امرأة ترتدي حزاماً ناسفاً قدمت من العراق إلى عمّان لـ"تحتفي" بتفجير نفسها ، وزوجها في حفل زفاف ..! فكيف لهذه النقائض أن تجتمع ، وتقتحم عصرنا على حين غرّة ، بعد أن ظننا أن حضارة القرن الواحد والعشرين هي مفتاح سلام البشرية ، ورقيها ؟
ربما لا نستطيع نحن في اليمن استيعاب المشهد برمته ، أو تخيل بعض فصوله لأن المرأة في مجتمعنا لاتخرج عن نطاق كينونتها القديمة : الضعيفة ، المطيعة ، رهينة التزاماتها المنزلية – حتى وإن أصبحت دكتورة أو وزيرة- ولا تقو عن الكف عن التفكير خلال ساعات عملها بأن طفلها بالانتظار ، وربما قد أضناه الجوع أو الظمأ.. ولكن – مع هذا – هل يمكن القول أن "ساجدة" التي أخفقت في تفجير نفسها في العملية الإرهابية بعمان كانت (طفرة بيولوجية ) في سيكولوجيا المرأة العربية لمجرد أنها اكتست بجلباب الإرهاب!؟
أعتقد أننا نخطيْ كثيراً حينما نتصور أن الإرهاب "ذكراً" ولا يمكن أن يصبح " أنثى" – ذلك لأن ظروف نشأة الإرهاب واحدة ، وبيئة الإرهاب واحدة أيضاً ، والتكوين النفسي للإنسان هو خلاصة تفاعلات البيئة والظروف معاً ، لذلك فإن الدراسات الأمنية تؤكد بأن الغالبية العظمى من الإرهابيين متزوجون من بنات ، أو أخوات بعضهم البعض ، فهذا هو المناخ الوحيد الذي يتوافقون العيش فيه؛ مثل حصل مع "ساجدة"وزوجها الذي سبقها إلى تفجير نفسه في ركن من نفس الفندق الذي دخلته.
أتفق إلى أبعد الحدود مع النهج الذي اتبعته اليمن في محاورة العناصر الإرهابية ، والذي وفق الله فيه القاضي حمود الهتار ، لأنه يتعامل مع جوهر المشكلة القائمة على تعبئة فكرية مغلوطة تدفع بضحاياها إلى حالة من التطرف في الرأي ، والممارسة ما تلبث أن تختلق لنفسها المبررات للقيام بفعلها العدواني الشنيع الذي يبيح لها أحياناً قتل حتى الأطفال ، والنساء.. لكن بغير ذلك فإن من الممكن كثيراً أن تنتقل عدوى العنف الى الزوجة ، والأبناء ، والأقارب ..الخ .
وعلى الرغم من أهمية ذلك النهج إلاّ أن " ثقافة التطرف" مهما أزيلت تبقى فرص عودتها قائمة ما دام الواقع البيئي لم يتبدل .. وما دام الإرهاب يمتلك القدرة على شراء الفقراء ، أو توريطهم مقابل لقمة الخبز ، أو بعض مغريات عصر الانفتاح .. وهو الأمر الذي ما زالت الدول الغنية الكبرى غير مدركة بجدية لمدى خطورة أن تحيا متخمة ، فيما على مرمى الأبصار تعيش شعوب في فقر مدقع ، وتخلف مميت يوزع الأوبئة ذات اليمين والشمال من العالم ، ويقاسي آلاماً ، ومعاناة إنسانية قاهرة تجعل من مسألة الموت مقابل أن يحيا بقية أفراد الأسرة مغنماً يستحق السعي بعده – ولو الى معسكر بن لادن في "تورا بورا".
من جهة أخرى فإن الدول الكبرى حين تستبد بطغيانها وممارساتها العسكرية الوحشية التي تطول المدنيين ، وتخرب بيوتهم ، وتشردهم ، وتعرض نساءهم للاعتداءات فلا شك أن البعض سيكتشف أن معادلة الموت واحدة – سواء تحت أنقاض ما هدمته المدافع والطائرات ، أو بحزام ناسف يعتقد حامله أن في تفجيره ثأراً للنفس ، وصوناً للعرض.. أو حتى طريقاً الى الجنة – مخضباً بدماء عروسين ليلة زفافهما ، مثلما فعل الإرهابيون في تفجيرات عمّان..!!
لعل ذلك الحادث يدق ناقوس الخطر أمام العالم أجمع بأن الإرهاب قد يكون امرأة ، أو طفلاً إذا استمر المجتمع الدولي بتجاهله للعدالة الإنسانية التي يجب أن تحياها الشعوب في مختلف أرجاء المعمورة ، وإذا واصلت الدول الغنية سياسة غض الطرف عن المساعدة الحقيقية التي تحتاجها الشعوب الفقيرة ، وليس الفتات التي توزعه هنا أو هناك أمام عدسات الفضائيات لتستعطف بها مشاعر مواطنيها ، في وقت ما زال المجال الجوي مفتوحاً أمام طائراتها الحربية التي لا تكف عن الحركة بين مشارق الأرض ومغاربها.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 27-أبريل-2024 الساعة: 11:16 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/25859.htm