المؤتمر نت - عبدالرحيم محسن - كاتب يمني
المؤتمر نت - عبدالرحيم محسن -
30 نوفمبر تاريخ صنعه الجميع
يستحيل أن تنسب أحداث أو منجزات مهما كان حجمها وتأثيرها لفرد من الأفراد أو منظمة أو حزب سياسي أو كيان اجتماعي خاصة إذا كان هذا الحدث "تحرير بلد" من الاحتلال الداخلي أو الخارجي، فرئيس القبيلة أو قائدها العسكري، "فارسها" لا يستطيع عرفاً وأخلاقاً أن يقول: إنه الفرد الذي انتصر لقبيلته من قبيلة أخرى وإذا هو تجاسر ونطق بما يشي بأنانيته فإن الازدراء سوف يكون من نصيبه، غير أن ذلك لا يلغي دور الفرد الكارزمي أو المبدع فذلك أيضا لاستحالة نفسها.
دور عبود ومدرم وعلي عبد المغني وعبد الرقيب عبد الوهاب، والديلمي لا يمكن أن يلغي دور الجنود والضباط والمدنيين في تنفيذ ثورة 26 سبتمبر 1962م وثورة 14 أكتوبر والعكس صحيح.
وفي الواقع يحدث احتكار الحقيقة مؤقتاً، وتحدث المبالغة الشعبية في دور بعض الأشخاص وفي زمن آخر يتم كشف الغطاء وتنحسر مياه البحر لتظهر الحقيقة كما صُنعت، بل يتم معرفة دراسة الإقصاء والإقصاء المضاد.
في 30 نوفمبر 1967م استلمت الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني مفاتيح جغرافية جنوب اليمن الذي كان يتكون من (23) سلطنة وأقامت كياناً جديداً أسمته (جمهورية اليمن الجنوبية).
كان ذلك بعد محادثات قصيرة لم تزد عن (7 أيام) في جنيف بين ممثلي الحكومة البريطانية وممثلي القيادة العامة للجبهة القومية وقد استثنيت جبهة التحرير من المشاركة في المحادثات لأسباب ذكرها الأستاذ محمد سالم باسندوة في مقابلاته الصحفية غير أن مسؤولاً كبيراً ما زال بدون إجابة بحسب اعتقادي وهو: من هي الجهة التي اتصلت بقيادة الجبهة القومية في القاهرة وحثها على وقف مفاوضاتها مع قيادة جبهة التحرير والانطلاق نحو "جنيف" ولماذا لم يُحل المصريون دون سفر الجبهة القومية على الرغم أننا نعرف أن الأجهزة المصرية كانت تتدخل بكل شاردة وواردة في شؤون حركة التحرير اليمنية؟
هناك أسئلة كثيرة لا تهم العصر الراهن ولكن تهم التاريخ الشامل لليمن، وهذا التضارب والتنافي في الروايات والانطباعات ناجم عن تراث ثقافي غير نقي مازال يتحكم بقدرات صدقنا، فيوم الاستقلال الجنوبي ليس صناعة الجبهة القومية ولا صناعة جبهة التحرير ولا بل إنها صناعة كيانات متعددة محلياً ودولياً.
محلياً صنعته الجبهة القومية وجبهة التحرير وعمال الموانئ والشركات والطلاب والمدرسين والنساء والفلاحات والفلاحون سواء كان هؤلاء في عدن أو حضرموت أو تعز أو إب أو حجة ومأرب.. كل فئة من هذه الفئات قدمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة جهداً أدى الوصول إلى (30 نوفمبر 1967م).
قيل أن اليمن الجنوبي لو كان استوعب جبهتي النضال وخرج بصيغة توفيقية ملائمة للحكومة لكان اختصر مائة سنة من التطور والتقدم غير أن الإقصاء المفاجئ لجبهة التحرير شكَّل عائقاً رئيسياً في ترسيخ دولة الاستقلال الوطني أي منا ليس بمقدوره إسقاط وعيه الحالي على نسيج العلاقات السياسية في نوفمبر 1967م.
ومن الإنصاف القول: إن اليمنيين الذين انخرطوا في إطار الثورة ودعمها هم كثر وطالتهم عقوبات القوات البريطانية.
دولياً صنعته القوات المسلحة المصرية والشعب المصري والداعمون التحرريون في الدول الأسيوية والسوفيتية وحركات التحرر من أمريكا الجنوبية وصانعوا قرار تصفية الاستعمار ومبدأ حق تقرير المصير.
إن المشاركة العالمية شكلت عاملاً أساسياً للإسراع في إنهاء الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن.
ومن المهم ألا ننكر دور حزب العمال البريطاني الذي قرر وهو في سدة الحكم الانسحاب من الجنوب في غضون عام 1968م.. إن حزب العمال والاتحادات العمالية الطلابية شركاء أصليين في نيل الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م.
إذاً (30 نوفمبر 1967م) هو نتاج مجهود بشري متنوع داخلياً وخارجياً ونتاج مناخ دولي ملائم أفضى بالضرورة إلى قيام دولة أضحت صبيحة هذا اليوم عضواً في الجامعة العربية والأمم المتحدة.
استطيع القول الآن بعد (38 عاماً) من (30 نوفمبر 1967م) آن لهذا الجيل الذي عاصر ثورة أكتوبر ودولة الاستقلال أن يقول صدقاً، أين أخطأ الجميع وأين أصاب الجميع آنذاك؟ ماهي الآليات لإثبات أحقية الذين شاركوا في حرب التحرير حتى لا يكون هناك تنازع حقوق على صدر الصحف بين (س)من الجبهة القومية و(ج) جبهة التحرير.
لقد عاصرنا حدثاً كبيراً كثورة 14 أكتوبر ويوم الاستقلال في (30 نوفمبر 1967م) ولكل منا دوره، سواء كان هذا الدور بحجم خرم إبرة أو كان بحجم فيل.. جميعنا ساهم في صناعة 30 نوفمبر 67م ولكن لم نكن صناع الاستبداد بعد (30 نوفمبر 67م) وعلينا بالضرورة التفريق بين مدعي احتكار النضال وبين المناضل الصامت وهي الأغلبية الشعبية.
ومهما خفت الاحتفاء والاحتفال بيوم الاستقلال وقيام دولة محلية فإن الأجيال سوف تجد ما يربطها بهذا اليوم وبالتضحيات التي قدمت من أجله!!
أجل إن الذي لا يعتز بتاريخه (حلواً ومراً سيئاً وجيداً سالباً وإيجاباً دون أن يعني ذلك الركون على هذا التاريخ) - لا يستطيع أن يصنع شيئا إيجابيا للمستقبل.
(30 نوفمبر 67م) جنوبي المنشأ، يمني الأصل، وأممي (عالمي) الانتماء، شاء من شاء ورفض من يرفض.


تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 29-أبريل-2024 الساعة: 09:30 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/26144.htm