ياســر البابلــي -
حين أصبح الاصلاحيون نقاداً
لعلهم طرقوا كل الأبواب ولم يفلحوا..فما عاد حديث المنابر يجديهم نفعا بعد أن تفتحت عقول الناس ، وأنارت المدارس والجامعات أقاصي ربوع الوطن ..وما عادت البرامج الحزبية الدعائية المقننة وخطابها الإعلامي المتزلف بقادرة على النفاذ إلى النفوس وشحنها بالبغض والنفور والعداء لكل منجز وطني عملاق بعد أن استحال كل شبر من أرضنا شاهدا حيا على العطاء ، يفنّد الادعاء الكاذب ..وبعد أن عرف كل فرد من أبناء شعبنا قيمة الســـلام، فرفعها فوق كل الأصوات النشاز المحرضة على العنف والإرهاب الدموي المقيت.
لاشك أنهم طرقوا كل الأبواب وهم يغمدون رؤوسهم بجلابيب التقاة الورعين الذين يذودون وحدهم عن حمى ديار المسلمين الطاهرة، فلم يسعفهم الواقع بغير النكوص وتوالي الهزائم الانتخابية أمام إرادة الجماهير الأبية التي لا ترخي لجامها لغير من يؤمنها البؤس والجهل والحرمان، ويأخذ بيدها إلى غد مشرق زاهر..وليس محض دجل وفتاوى تكفير وتحليل وتحريم بما يوافق المزاجات والمصالح الحزبية.
أنهم حتما أدركوا حقيقة يأسهم من كل الحيل السياسية التي جربوها فما كان منهم إلاّ أن يجربوا أنفسهم من جديد ويفجروا طاقاتهم الإبداعية الخارقة على أرضية أخرى غير محراب الجامع، أو المعهد العلمي، أو المنشورات الدعائية، وأشرطة التسجيل..فهذه المرة أرادوا أن يجربوا حظهم السياسي في ميدان النقد الأدبي الشعري، عسى أن ينفق سوقه ويعوض خسارة الأشرطة الفنية الكاسدة.
وفي الحقيقة، ليس صعبا على( الإصلاحيين ) أن يكونوا نقّادا على غرار السلف الصالح ( أعني من النقّاد )..فمن طبيعة أعضاء التجمع اليمني للإصلاح التظاهر بالدراية والمعرفة الثاقبة بعلوم الدنيا والآخرة دون منافس، فليجرب أحدكم محاورة فتى – إصلاحي – لم يبلغ الرشد بعد، وما عليه إلاّ أن يسمع منه العجائب والغرائب مما غرسوا في رأسه من غرور.
إذن لا غرابة إن تحول ( الاصلاحيون ) بين عشية وضحاها إلى نُقّاد شعر..وليس هناك ما يبعث على الدهشة إن وجدنا الأخ/ نبيل الصوفي –رئيس تحرير" الصحوة نت " يصب جم غضبه على ( حوارية ) شعرية للأديب الكبير الأستاذ/ عباس الديلمــي، ويحاول تهشيم صورته الإنسانية النبيلة والإبداعية من خلال ما ساقه من أمثلة ومأثورات لا يريد بها سوى نفث زفرات ما كان مكنونا في الصدور على كل من تغنّى بحب الوطن، وإرادة إنسانه، والمجد الذي بناه.
فيا لسخرية الأقدار إذ صار الصوفي يتعلم النقد بـ(رأس) الديلمي، وهو الذي لم يتعلم بعد ماهي حروف الجر وكيف تجر الذي يليها فصار في مقاله النقدي – الفصيح – يجر الأسماء الخمسة بـ (الواو).فقد أخطأ في موضعين : أولهما حين قال :" لأبو أحمد " وثانيهما بقوله :" كأبو فراس " ..وإذا ما التمسنا له عذرا لجهله بأن حرف (اللام) وحرف (الكاف) هي حروف جر ، وأن الأسماء الخمسة تجر بـ (الياء)، فلا أظننا سنفعل الشيء ذاته مع خطئه في قوله :( أن المعلومات رست إلى ..)، فليس من المعقول ألاّ يعرف ناقدنا الكبير بأن الفعل ( يرسو ) يأخذ بعده حرف الجر ( على ) وليس ( إلى )..
وكم كنت أتمنى أيضا لو أنه سبق صَنعة النقد الأدبي الشعري بالتعرف على طريقة كتابة (عن ) و ( ما ) حين يجتمعان..!! فقد تعلمت في صغري من الأستاذ الفاضل عباس الديلمي بأنها تكتب ( عمّا ). وكان يومها يستشهد لنا بقوله تعالى: " عمّ يتساءلون " وقوله تعالى " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون " ثم تعلمت من دراستي المتواصلة للقرآن الكريم أمثلة أخرى، كقوله تعالى"وما الله بغافل عمّا تعملون "، وقوله "ولا تُسئلون عمّا كانوا يعملون " وقوله " وما ربك بغافل عمّا تعملون " وقوله " ولانُسئل عمّا تعملون " وكذلك قوله تعالى " سُبحانه عمّا يشركون "
فنحن وإن كنا أسرة فلاحية، لكننا تعلمنا أن الدين دستور حياتنا، الذي نشذب به أخلاقنا ونستشعر من خلاله إنسانيتنا فتعلمناه بكل جوارحنا..ولم نجعل منه شعارا نزايد به الآخرين، ونخفي خلف آياته أقنعة سياسية تتربص بأهلها فتنة وسوءا.
وعلى كل حال، هناك الكثير جدا مما كان ينبغي على الأخ نبيل الصوفي تعلمه قبل أن يجعل (الحوارية) الشعرية همّه الأول ويكلف نفسه عناء البحث والكتابة، وهو الجهد الذي لم يبذله حتى عندما كان طالبا في كلية الإعلام، فكان حظه أن يعيد عاميين متتاليين في مستوى ثاني، والرسوب لعام آخر في مستوى ثالث، وإكمال في مستوى رابع ليتحول بعد ذلك إلى الرمز الإعلامي للتجمع اليمني للإصلاح كونه كان – بحسب تقديرات قيادة الإصلاح – القدوة الحسنه لأقرانه الذي سيعلم أبناءنا أسرار النجاح في طلب العلم.
وإذا كان الأستاذ الصوفي ينتظر تقييم الآخرين لما حققه فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح من إنجازات تجعل الوطن" متعافيا" فيكفي فخامته فخرا أن أعاد للوطن وحدته التاريخية، وأن أسس الديمقراطية اليمنية التي يتحدث من على منبرها اليوم " الصوفي " وغيره بكل حرية وجسارة دون خشية أجهزة أمنية تزجهم بالزنزانات الانفرادية، أو تغلق صحيفتهم بقرارات جائرة –كما يجري عليه الحال في معظم الدول العربية الشقيقة.
من المؤكد أن التجمع اليمني للإصلاح بات يتخبط في حلبات السياسة حتى لم يعد أربابه يفرقون بين ما هو متاح لهم مزاولته – وفقا لمهاراتهم الخاصة المحدودة – وبين ما يجب أن يجنبوا أنفسهم فضائحه.. وهذا هو الفشل السياسي بعينه..وربما هي مشيئة الله (جل جلاله)الذي إستنطق ألسنتهم لينكشف المستور، ويأمن العباد شرور ما كان مغيبا في عباب الجلابيب الفضفاضة المنتفخة بالمكر والخديعة.
كنت أتمنى مواصلة الموضوع لولا أن ابني – الذي كان زميلا للصوفي في كلية الإعلام – نصحني أن أرجيء الموضوع حتى يتعلم الإخوة بالله المزيد عن حروف الجر وإعراب الأسماء الخمسة ويحفظوا بعض النصوص القرآنية السالفة الذكر.. وحينئذ سيكون الحديث مجدياً مع نقّـــاد آخر زمان.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 03-مايو-2024 الساعة: 10:49 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/2776.htm