المؤتمر نت - جمال العواضي
المؤتمرنت - جمال العواضي -
مدرسة السخط الوطني
حقيقةً إن جملة السيد بطرس غالي- رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان - حول الانتخابات المصرية الرئاسية الماضية (التجربة كانت جيدة)، والتي كررها أكثر من مرة، تعني أن قياس نجاح أو فشل تجربة يكون بنسب الإيجابيات والسلبيات، فإذا طغت الإيجابيات على السلبيات فتعتبر (جيدة)، أو ناجحة والعكس صحيح دونما أي مبالغات وتعظيم؛ ما قد يضر كثيراً بمصداقية أي تجربة حتى ولو كانت ناجحة.
في اليمن نسمع الكثيرين يتحدثون عن النهج الديمقراطي اليمني بقوله: (اليمن بلد ديمقراطي)، مما يحمل نوعاً من المبالغة التي قد لا تخدم تنمية هذا التوجه، لذلك لابد من التأكيد حول أن القيادة اليمنية اختارت التوجه نحو الديمقراطية على أساس (التجربة الديمقراطية)، التي بدورها تحتاج إلى الوقت الكافي لتترسخ وتتجذر في إطار عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي بلد كاليمن - يعاني من موروث الجهل والتخلف وضعف الاقتصاد وموارد الدولة، وانتشار الفساد المالي والإداري- فإن من الإيجابي جداً أن نتعامل مع التوجه اليمني نحو الديمقراطية في إطار التجربة، فجميع الدول النامية، التي أعلنت النهج الديمقراطي -هي بلدان تمارس تجربة الديمقراطية، وليست بلداناً ديمقراطية بالمعنى الوافي للكلمة.
وبالمقارنة مع العديد من الدول التي تسير في إطار التوجه الديمقراطي تعيش اليمن بكل معاناتها الموروثة في مصاف الدول المتقدمة في تجربتها، والتي أتاحت مساحة من الحريات لا بأس بها؛ ولأنها بلد يمارس تجربة ديمقراطية ناشئة، فهذا لا يعني أنها وصلت حد الكمال، وإنما هي في مرحلة مخاض صعبة تحتاج إلى تكاتف الجميع من سلطة ومعارضة، ومنظمات مجتمع مدني، ومستقلين، من أجل ترسيخ هذه التجربة وتنميتها.
وحقيقةً؛ أنا لا أتفق مع المبالغين في وصف الأوضاع السياسية والاقتصادية بالوردية، شديدة الكمال، ومن جهة أخرى أختلف مع الجانب الآخر في وصف الواقع اليمني بأنه سوداوي ونفق مظلم، يمضي نحو الهاوية..إلى آخره، من سخط غير معقول.
إن الديمقراطية تحتاج إلى مزيد من العمل والجهد، وليس الكلمات الرنانة، أو المحبطة، سواء من مديح أو نقد. حين نحلل الأفق بالعقل لا بالحقد، وبالاتزان لا بالتطرف، نجد أننا في مرحلة لها مشاكلها الخاصة –كأي بلد آخر يمر بمرحلة جديدة، وله مشاكله المرحلية، بعضها عالمية، وبعضها متصل بالعالم النامي، الذي تقع فيه، وبعضها خاص بالبلد نفسه.
لقد تحدث الكاتب المصري الراحل أحمد بهاء الدين في إحدى مقالاته الرائعة عن مدرسة السخط، موضحاً أن كل شعب، وكل جيل لابد له أن يسخط على شيء ما في حياته، حتى يكون لديه حافز لتطوير حياته، والتقدم إلى الأمام، ولكن حين ينقلب الأمر إلى السخط الأسود على كل شيء في ماضينا وحاضرنا، ومستقبلنا، فهنا يجب أن نقف أمام هذه الظاهرة المرضية وقفة جادة، ونحاول فهمها).
لقد طرح الكاتب وصفاً دقيقاً وتسمية في مكانها لهؤلاء-الساخطين- الذين لا يتعاطون الواقع ومتطلباته إلا بمزيد من السخط والحقد.
إن من يقرأ لبعض الكتاب المتشائمين، أو يستمع لبعض المعارضين يظن أن اليمن أسوأ بلد في العالم، وهي الوحيدة التي تعاني من الفساد والجهل، وضعف التنمية الاقتصادية والسياسية، متناسين المنطق المعقول والمقبول الذي يقول إن اليمن بلد نامي فقير، يعاني من فساد اقتصادي ومالي، تعمل الدولة بجانب المجتمع على محاربته برغم ضعف الوسيلة، إلا أن تحقيق التقدم في ذلك ليس مستحيلاً إذا عمل الجميع بمصداقية أكبر نحو تأثير أوسع.
إن أي تقدم له ثمن، وكل تطوير يطرح مشاكل جديدة، لكن بالمقابل يحتاج إلى حلول جديدة من الدولة والمجتمع، ومن الصعب أن نقارن أنفسنا وأوضاعنا مع أوروبا، أو الولايات المتحدة الذين عبروا مراحل كثيرة، ومعاناة صعبة حتى وصلوا إلى ما هم عليه، ولا ننسى أننا بلد ناميٍ فقير اُحتِل واستعبد في الشمال، واستُعمِر في الجنوب لقرون، ويمر بمرحلة مخاض صعب نحو الديمقراطية التي تحتاج –وبشدة- إلى تلاحم الجميع من معارضة بناءة، ومجتمع مدني ناشط، وتشابك أيديها جميعاً لتحقيق تنمية شاملة يلمسها كل مواطن في كل قرية، ومدينة من أرضنا اليمنية الطيبة بعيداً عن مدارس السخط والحقد الأعمى.
نعترف جميعاً بالأخطاء ولكن من الأفضل إيجاد الحلول الملائمة وليس عرض الأخطاء أو العمل على الإكثار منها، وبعيداً عن تصفية الحسابات وزرع الضغائن، فلا نريد لشبابنا أن يسقط في هاوية اليأس والإحباط الذي بدوره يؤدي إلى عواقب وخيمة لا تتفق مع المصالح الوطنية، ويضر بسمعة المجتمع اليمني المسالم، إنها فقط دعوة بسيطة نحو مستقبل أفضل لنا وللأجيال المقبلة!.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 15-مايو-2024 الساعة: 11:09 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/31629.htm