المؤتمر نت - عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن محمد العثمان
بقلم / عبدالرحمن بن عبدالعزيز العثمان -
بلدان شقيقان.. وشعب واحد
لفتت زيارة سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز لليمن الشقيق نظر العديدين كونها كرست الصفحة الجديدة في العلاقات السعودية- اليمنية التي تجاوزت مراحل العلاقات التقليدية بين الدول ودخلت في مرحلة جديدة من التكامل والشراكة أهم ما يميزها انصهار القيادتين والشعبين السعودي واليمني في بوتقة الهم المشترك والمصير الواحد.
وبالرغم من أن الزيارة تمت في إطار الاجتماعات نصف السنوية لمجلس التنسيق السعودي- اليمني الذي يشكل قناة التعاون المتبادل والتنسيق المشترك في كافة المجالات التي تهم البلدين الجارين وتعمل على تحقيق مصالحهما وآمالهما الوطنية، إلا أن الموضوعين اللذين تصدرا جدول الأعمال -وهما توقيع الخرائط النهائية لمعاهدة الحدود الدولية بين البلدين، ووضع الإطار العام لتحقيق هدف تأهيل اليمن اقتصادياً للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي- هذان الموضوعان زادا من أهمية تلك الزيارة، خاصة كونها تمت في ظروف ومستجدات وتطورات سياسية إقليمية ودولية تهم الرياض وصنعاء بنفس القدر، وانتهت بالالتقاء في وجهات النظر بينهما، خاصة فيما يتعلق بتطورات الأوضاع في العراق وفي القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني، إلى جانب قضية الإرهاب التي تشكل هاجساً مشتركاً للمملكة واليمن.
ولاشك أن إنهاء مشكلة الحدود التي ظلت مؤجلة بين البلدين أكثر من ستين عاماً يعتبر أهم انجاز يتحقق على صعيد العلاقات السعودية- اليمنية في مرحلتها الجديدة بما يعكسه هذا الإنجاز من أهمية استراتيجية وتاريخية تتمثل في جعل الحدود جسوراً للتواصل وتبادل المنافع والمصالح، ووسيلة لزيادة حجم التبادل التجاري والتعاون الأمني بين البلدين الجارين.
وغني عن القول إنه ما كان لمعاهدة الحدود أن توقع لولا توفيق الله ثم تمتع القيادتين السعودية واليمنية بالإرادة السياسية القوية التي أتاحت التوصل إلى الاتفاق النهائي على ترسيم الحدود. لذا يمكن القول دون أدنى مبالغة أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بالتراضي والقناعة يشكل سابقة حميدة ونموذجاً يحتذى في حل الخلافات الحدودية بين الدول العربية بعضها البعض بالحسنى ونكران الذات والتعامل بما يضع العلاقات في جو مريح يسوده الإحساس بالثقة والعدالة.
والمملكة بهذه الخطوة تقدم للعالم جوهرها كدولة تسعى حثيثاً نحو السلام وتبذل كافة جهودها من أجل رأب الصدع، وتقدم النموذج الجدير بأن يحتذى في إقامة العلاقات الودية مع الدول الشقيقة والصديقة وبما يحقق الأمن والاستقرار والرخاء لها ولتلك الدول وللمجتمع الدولي بأسره.
ونظرة المملكة إلى اليمن باعتبارها شريكاً أمنياً واستراتيجياً وتجارياً لا تنطلق من بعد تاريخي وجغرافي وحضاري وحسب، وإنما أيضاً من حقائق استراتيجية يمثلها موقع اليمن بما يشكله من عمق استراتيجي للمملكة، إلى جانب ما يتمتع به من خصائص ديموغرافية تتمثل في قدراته البشرية، خاصة في ظل الاستقرار والثبات اللذين تحققا للوحدة اليمنية بعد أن أصبحت تلك الوحدة حقيقة راسخة.
ومن يقرأ تاريخ العلاقات السعودية اليمنية منذ الثلاثينات من القرن الماضي سيدرك أن تلك العلاقات مرت بموجات من المد والجزر، وأن انقسام اليمن وعدم الالتفات إلى أهمية العامل الاقتصادي في تفعيل العلاقات بينهما شكلا أهم سببين في موجات الجزر، وهو ما لم يعد قائماً الآن.
والمملكة تدرك تمام الإدراك أن اليمن الموحد والمستقر والمزدهر يشكل ضمانة أمنية ليس لها فقط وإنما لمنطقة الخليج بأسرها. ولذا فإن ما تبذله من مساعدات مالية واقتصادية وما تقدمه من مشروعات تغطي كافة المرافق الخدمية من مستشفيات وطرق وكهرباء وخلافه لا تعتبره منة أو هبة، وإنما هو واجب أخوي لا تتردد في القيام به بما يعكسه من إحساس بمسؤوليتها تجاه دولة عربية تجاورها تأكيداً لمبدأ «بلدان شقيقان وشعب واحد» إلى جانب أن انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي الذي بشر به خادم الحرمين الشريفين في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف الخليجية في إبريل الماضي بتأهيله اقتصادياً يعتبر كسباً لدول المجلس مثلما هو كسب لليمن، وهو ما وضعته زيارة سمو ولي العهد في مقدمة أهدافها، وتمثل في توقيع العديد من الاتفاقيات التي تساهم بصورة مباشرة في دعم برامج التنمية في اليمن لتعجيل انضمامه للمجلس.
ويمكن القول في النهاية إن توقيع الاتفاق النهائي لترسيم الحدود بين المملكة واليمن الذي يعتبر أحد أبرز الانجازات السياسية لخادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- حتى هذا الحين، وما رافقه من توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية التي تدعم برامج التنمية اليمنية، وما تم على هامشه أيضاً من زيادة في حجم الاستثمارات السعودية في اليمن، كل ذلك يفتح المجال واسعاً أمام دخول اليمن في عضوية مجلس التعاون الخليجي الذي سيشكل حقبة جديدة في تاريخ المجلس.
(عكاظ)
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 16-مايو-2024 الساعة: 11:47 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/31670.htm