سوسن البرغوتي -
نكبتنا بكم يا سادة // بقلم سوسن البرغوثي

على الرغم من مصابنا وفجيعتنا بضحايا مجزرة غزة واستشهاد آخر وليس الأخير من رجال الشرف ودعاة الوحدة الفلسطينية جمال أبو سمهدانة، وصموده أمام شق الصف الوطني على الساحة الفلسطينية الداخلية وانقسامها ، فأن العهد على الاستمرار بنهجه، يستوجب منا مواجهة من لا يمثل إلا ضآلة تصريحات تثير الفتنة. من الوجوه التي اسودت صحفها، ياسر عبد ربه وتصريحاته التي تنبئ عن رقصة الموت، كغيره من الذين كُشفت أجنداتهم أمام الشعب الفلسطيني، ونُزعت منهم سياطهم وسلطتهم، ولن يكون بأي حال غير خدام المعارض الطاعن بوحدة سوريا من قصور باريس، ولا مغايرلجنبلاط مؤسس حركة الغدر اللبناني. وبعد فصله لا يمثل إلا صوتاً موظفاً بوضوح للإجهاز على ما بقيَ من خيط واهٍ بين السلطة والحكومة.

كثيرون هم الذين على شاكلة عبد ربه بعد أن نُزع قناع السلطة عنهم، واتضح أن المصلحة والمصالحة الوطنية هما العدو المشترك لهم جميعاً. فلم يكتف دحلان بشراء ذمم قطيع من الجوعى في جنين ، وتوظيفهم لاقتتال داخلي، بل جيّش زعرانه في فرق تدعو للموت الفلسطيني.

الشعب الفلسطيني ليس مغيباً عمَّا يحدث في كواليس فصيل أمعنوا في إنهاكه، وأوصلوه إلى حافة الهاوية من القبول بحرس ليس همه إلا الانتماء الحزبي ولو كان يحتضر، وليت كان الانتماء لإصلاح فتح والعودة إلى الرشد والثبات، بل للنيل من دماء المغدروين في غزة، ورصده كنصر لزمرة الحقد وسماسرة الدم رغم تآكل فتح من الداخل.

فرق كبير بين سمهدانة العقيد والشهيد وبين عبد ربه رافع لواء "فرق تسد"، فالأول سيبقى في قلوبنا وفي وجدان الشعب الفلسطيني، يناضل من أجل وحدته، والثاني يخرّب ويعبثُ في وقت هو بأمس الحاجة إلى توحد الصفوف، وإشعال فتيل الاقتتال داخلي سيؤدي بجميع الشعب الفلسطيني إلى التهلكة، والانتهاء بشعب الشتات إلى جعلهم هنودالقرن الواحد والعشرين أقليات مبعدة قسراًعن وطنهم الأم.

مقومات الحرب الأهلية متواجدة ومتلائمة تماماً مع دعم عناصر التخريب الوطني، فالجوع والحصار وتجييش أزلام الشغب والفرقة على أتم الاستعداد لصب الزيت على أرض ملتهبة بغارات الاحتلال وانقسام الشارع. ولهذا فإن المد الجماهيري وانتفاضته السلمية التي بدأها منذ أعلن رفضه لاستمرار نهج أوسلو التنازلي، تتسع دوائرها في الداخل المحتل والشتات، لتلتقي بنقطة المرتكز وعلى أرضية واحدة تفرض كلمة الشعب المغيبة عمداً منذ نشأة السلطة على أرض بلا سيادة.

فالاستفتاء هو قشة الغرقى التي يتعلق بها المهرولون نحو حسم الصراع بالاعتراف العلني بـ"اسرائيل"، وكانت قد رفضت توأمها "المبادرة العربية"، فما الجديد المقدم لاستفتاء شعب 67% يعيش تحت خط الفقر ، ومحاصر من جميع الجهات?!.

فإن أُجري الاستفتاء على ورقة وطنية قُدمت من سجن "هادريم" فقط ، وفُتح المجال لاستشارة شعب تم تجاهله عن قرارات سابقة، فالأولى شمل قرارات بأثر رجعي، والاستفتاء عليها بالجملة، وأهمها وضع منظمة التحرير الفلسطينية التابعة للسلطة، وتمليك الرئيس ثلاثة مناصب حيوية ومهمة بقرار شخصي مدى الحياة، ليستمر ضارباً بعرض الحائط إصلاح ما أفسدته الأجهزة التابعة لمركزية القرار. وعلى ما اعتقد حينها يحق للشعب الفلسطيني بأكمله أن يسجل انتهاكات السلطة لصوته وتمثيله،والتوقيع على اتفاقيات تعترف بالعدو، في حين أن الغارات "الاسرائيلية" تؤكد أنهم لم ولن يعترفوا بحقنا أبداً. فلا يُستثنى قرار ويُشرع آخر للمساومة على بيع فلسطين، ثم يُنسب لشعب ما زالت دماؤه تسيل على أرضه قرابين لسلطة تجاهر باستجداء الصهاينة للعودة إلى طاولة المفاوضات. فأي شراكة تلك وأي حظ عاثر مُني به شعب جبار، منذ مذبحة دير ياسين وحتى يومنا هذا؟.

فلم نكتف بنكبة فنكسة وتهجير وتطهير، وغول يلتهم البشر والشجر لا يأبه لحقوق الإنسان، بل تعدى ذلك إلى اضطهاد بني جلدتنا لنا ومبايعة الجلاد على صلبنا والانقضاض على ما بقيَ من هويتنا وكرامتنا. وها هم الذين أجهزوا على فتح، لم يكتفوا بذلك بل تعهدوا من الباطن بنكبة أكبر من كل النكبات، وأكثرها إيلاما بتدجين القضية وتذويبها.

ما نحن بحاجة له أن يبتعد هؤلاء وتكف ألسنتهم الحصاد لتستمر القافلة الوطنية نحو توافق وتكاتف، وأن تقف الحكومة والسلطة كتفاً بكتف في محاسبة علنية، وتُقسم المسؤوليات حسب الكفاءة العلمية والوطنية، وليس على أساس تشويه صورة النضال الفلسطيني، لنبدأ مرحلة أقل وطأة على الشعب الفلسطيني في جبهته الداخلية، وأكثر دعماً لحق العودة، ومن أجل كل فلسطين وليس دولة بلا وطن حر مستقل. كما وتُسترجع الأموال المهدورة والثوابت المنهوبة ومنظمة التحرير المتبوعة، وتستقل عن كلا طرفين المد والجزر، حتى تصبح مظلة تحمي الحقوق المشروعة في عالم لا يؤمن إلا بمنطق التكتلات الكبيرة القوية، فما بالك بانقسام شعب واحد بين مؤيد لمساومة ومبايعة جديدة لـ"اسرائيل"، وبين متمسك بحق شرعي منتهك.

لم نعد نجد مبرراً لمطالب الرئيس المستمرة، فمن التلويح بعصا الاستفتاء إلى التلميح بضرورة وجود قوة خارجية مساندة لاتفاقيات التسوية، والقضاء على الحكومة بأي وسيلة يجد لتنفيذها سبيلاً، ولعل التمهيد لذلك بدأ بالاتهام المباشر لحماس في تفجيرات وادي الدهب وتهريب أسلحة عبر الأردن، يدعم مطلب الرئيس المؤجل في حين أُجهض قرار الاستفتاء. فهل غاية وهدف هذه القوة الدولية حماية شعبنا أم لتنفيذ مخطط الحصار وحماية أمن "اسرائيل"؟!، وما أثبتته أحداث أريحا وبناء معتقل "جوانتينامو" ثم التواطؤ على هدمه وخطف المعتقلين الفلسطينيين إلا دليل واضح على دعم الصهاينة في أراض فلسطينية من المفترض أنها محررة!.

*كاتبة فلسطينية
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 16-مايو-2024 الساعة: 12:55 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/31769.htm