رضا محافظي -
درس من اليابان
تناقلت بعض الصحف مؤخرا أن بنك اليابان للتعاون الدولي اعتمد آليات و تقنيات التمويل الاسلامي اللاربوي ، دون فوائد بنكية ، و توجه نحو دراسة القواعد المالية المعتمدة لدى المصارف الاسلامية مستعينا بخبراء من ماليزيا و باكستان و السعودية من أجل احداث شراكة في التعاملات بين البنوك " الاسلامية " و البنوك اليابانية الكبيرة . كما تناقلت الصحف أن اليابان يسعى لأن يصبح عضوا في مجلس المصالح المالية الاسلامية .

بين اليابان و بين الدول الاسلامية كما هومعروف فجوة كبيرة بالرغم من تواجد أعداد معتبرة من الجالية العربية و الاسلامية على ارضه و بالرغم من المعاملات التجارية الكبيرة التي تربط الجانبين . ثقافته مختلفة تماما عن الثقافة العربية الاسلامية ، و لغته بعيدة كل البعد عن اللغة العربية من حيث الكلمات و التراكيب و النطق و غير ذلك ، وذلك اضافة الى الموقع الجغرافي لليابان البعيد عن معظم البلاد العربية الاسلامية . هذه الوضعية جعلت أن سبل التواصل بين اليابان و بين العالمين العربي و الاسلامي غالبا ما تمر عبر قنوات وسيطة و لا تجمع البلدين روابط قوية مثلما هو الحال مع الدول الأوربية مثلا أو الولايات المتحدة الامريكية . لكن على الرغم من ذلك فان اليابان لم يغفل الحقائق الموجودة في هذا العالم و من بينها أنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالدول العربية المنتجة للبترول على الخصوص و التي تزوده بمادة هي العمود الفقري لاقتصاده المزدهر و تعتمد الكثير منها على مصارف تكتسي طابعا اسلاميا في المعاملات المصرفية و هو ما جعله يتوجه بغير حرج الى اعتماد تقنيات هذه البنوك .

لو اقتصر الأمر على اعتماد اليابان استراتيجية تجارية وثيقة مع العالم العربي و الاسلامي لبدا الأمر عاديا لكونه علاقة طبيعية انسانية بين مختلف البلدان بحكم مشروعية ضمان المصالح المختلفة للبلدان ، لكن أن يلجأ الى اعتماد نظام مصرفي في بلاده غير ذلك المتوفر لديه ، من أجل ربح المزيد من التغلغل غير المباشر في العالمين العربي و الاسلامي فذلك ما يدعو الى الأنتباه و الاعجاب في آن واحد .

ما يثير الانتباه في التصرف الياباني أنه منطقي و جميل حيث أنه خطوة تهدف الى تحقيق المصالح العليا للبلد و الذي نفتقده نحن في الكثير من أمور تسيير بلداننا . و الجميل فيه ، و الذي يدعو الى الاعجاب ، أن اليابانيين لم يجدوا حرجا في تبني نظام بنكي يرتكز على قناعات دينية تختلف جوهريا عن القناعات الدينية السائدة في بلادهم . و عندما نتحدث عن القناعات الدينية فاننا نضع أصبعنا على جانب مهم في حياة الشعوب كثيرا ما كان – و لا يزال – مصدر نزاعات و صراعات و اختلالات في الكثير من نقاط العالم . لكن هذا الجانب على أهميته لم يحرج اليابانيين و لم يجعلهم يتوجسون خيفة من دخول ثقافة جديدة الى اقتصادهم و مجتمعهم بتلك الصورة الرسمية ما دام ذلك يخدم مصالحهم الحاضرة و المستقبلية . الأمر ينبع بكل تاكيد من تفكير شعب يدرك بعمق أنه لا يعيش وحده و يدرك أيضا أن متطلبات هذا العصر المزدحم السريع تقتضي الاحتكاك مع الغير و الانتفاع بما لديه و ليس رفضه و محاربته .

بالموازاة مع هذا التصرف الياباني ، نجد العالم العربي و الاسلامي يتخبط في صراعات ايديولوجية ضيقة و يغرق في خلافات بسيطة أتت على الأحلام المشروعة و ردمتها تحت انقاض الهزائم المتراكمة و أبدلتها احباطات متتالية لشعوبها المستضعفة . في الوقت الذي بنى فيه غيرنا اقتصاديات متينة و فعالة و أنظمة بنوك مبهرة ، لا نزال نحن نراوح مكاننا و نجادل بعضنا بعضا جدال الصم البكم ، نرفض في غالب الأحيان و نقبل في أحيان قليلة لكن بدون سند و بدون وعي أو منطق ، و لم نستطع أن نصل الى تصور المرتكزات الأساسية لوحدة عربية يحلم بها الكثيرون ناهيك عن تصور المشروع العربي المتكامل أو تصور مشروع أوسع من ذلك يضم البلدان الاسلامية مثلا . و الدليل على ذلك تلك القمم العربية التي لا تنعقد قبل أن تسبقها ضجة اعلامية كبيرة عن مشاركة طرف ما و امتناع طرف آخر عن المشاركة و شروط طرف ثالث للمشاركة و هلم جرا . و تنعقد القمم و ترفع جلساتها خاوية الوفاض و تدفن معها في كل مرة الأحلام في قاعات الاجتماعات ، و تخرج بصراعات قديمة في حلل جديدة ، خفية كانت أو ظاهرة ، لتترك المجال للآخرين ليغزوا أرضنا و يجوّعوا أهلنا و يمنعونا حتى من تقديم المساعدة ، أبسط المساعدة ، مثلما يحدث في فلسطين هذه الأيام .

تفكر اليابان اليوم في أن يلتحم نظام بنوكها مع النظام البنكي الاسلامي اللاربوي و تحاول أن تجمع بين المتناقضين لتوسع من امتدادها المالي و الاقتصادي الى الشرق الأوسط بطريقة قوية ، في الوقت الذي نعجز فيه نحن العرب عن ايصال حفنات قليلة من الدولارات الى اخواننا في فلسطين المحكوم عليهم بالجوع ، خوفا من ان نوصف بأننا نساند حكومة تصفها الولايات المتحدة الامريكية بالارهابية ، مبرهنين أنّنا عجزنا عن تحقيق أبسط أنواع التكامل و التلاحم في أعضاء الجسد العربي الواحد و أن الطريق أمامنا لا تزيل طويلة ان كانت لنا نيّة صادقة في النهوض .


كاتب جزائري
[email protected]


تمت طباعة الخبر في: الخميس, 09-مايو-2024 الساعة: 06:42 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/32416.htm