المؤتمر نت - محمد ملكاوي
المؤتمرنت- محمد ملكاوي -
من أساطير الدم
فارعة بنت عمرو و كنيتها الزباء نسبة لطول شعرها و جماله و هي ذاتها زنوبيا التدمرية، ورد على لسانها مثل عن دماء الملوك، و في القصة التي اختلفت المصادر التاريخية في سردها، نراها ملكة الحضر على الجزيرة الفراتية، في موعد ثأر لمقتل أبيها على يد جارها ملك الحيرة و صاحب قصر الخورنق جذيمة بن عمرو الابرش، الذي ختم ملكه حين حدثته نفسه بضم ملك الزباء بالجزيرة إلى ملكه عبر الزواج بها، حيث أجابته إلى طلبه بمكيدة اشترطتها وهي أن يصير إليها. فلما دخل عليها أمرت جواريها فأخذن بيديه. ثم قالت له: أنبئت أن دماء الملوك شفاء من الكلب. و خيرته بأي قتلة يريد أن تقتله؟ فقال: إن كان لا بد فاقتليني قتلة كريمة!، فأطعمته حتى شبع، وسقته حتى ثمل، و أمرت بالسيف والنطع و وضع طست من ذهب تحت يديه، وفصدت شريانه حتى نزف دمه، فلما مات قالت والله ما وهى دمك ولا شفى قتلك ولكنه غيض من فيض .

نهاية القصة برغم الاختلاف عليها مشهورة معروفة، فيما يتبين لنا أن مقصد الزباء في الاستشفاء من داء الكلب إنما هو كناية عما جاش في صدرها من التعطش ثأرا لمقتل أبيها، غير أن الكتب العربية أوردت المثل كما هو " دماء الملوك شفاء من الكلب" كنوع من التداوي، و في الأغاني؛ على لسان المتلمس و ينسبها الجاحظ في كتاب الحيوان للفرزدق؛ نجد دماء الملوك شفاء من داء الكلب الذي يؤدي إلى الجنون و دنف الحب الذي يؤدي إلى الخبل:

من الدارميين الذين دماؤهم ** شفاء من الداء المجنة و الخبل

و في التعليق على هذا الرأي عند المتلمس نجد في مجمع الأمثال للميداني ردا منسوبا لأحد أصحاب المعاني في أن معنى المثل، هو: أن دم الكريم هو الثأر المنيم، أي أن الغيظ مشبه بالكلب" السعار"، لا أن هنالك دما يشرب في الحقيقة بل على معنى قول الشاعر"كَلِبٌ بِضرْبِ جَماجمِ ورِقابِ "، وبرغم ما يوضحه قول النابغة الجعدي الوارد في لسان العرب من وجود علاج آخر للكلب و هو الكي:

وقَوْمٍ يَهِـينُونَ أَعْراضَهُمْ ** كَوَيْتُهُمُ كَيَّةَ الـمُكْلِبِ

إلا أن الأسطورة تدرج عند الشعراء و الأدباء العرب دونما تمحيص كما فعل الجاحظ. و الذي يروي في كتابه الحيوان من عادات العرب في علاج داء الكلب، بأن الرجل الكلب " المصاب بالسعار" يبرأ بقطرة دم يسقاها من اصبع رجل شريف . مدللا على ذلك من الشعر :

أرَى الخلاّنَ بعد أبى عمـير** بِحجْرٍ في لقائهـمُ جَـفـاءُ
منَ البِيض الوُجوهِ بني سنان **لوَ أنَّكَ تستضيئ بهم أضاءوا
لهم شمسُ النَّهارِ إذا استقَّلت** ونُورٌ ما يغيِّبُه الـعَـمـاءُ
بُناةُ مَكـارمٍ وأسـاةُ كَـلـمٍ ** دِماؤهمُ مِنَ الكلَبِ الشفـاء

عبد الله بن قيس الرقيات:
عاوَدَني النُّكسُ فاشتفيت كما ** تَشفي دِماء الملُوكِ من كَلَبِ

الفرزدق:
ولو تَشربُ الكَلْبى المِرَاضُ دماءَنا ** شَفَتْها وذو الخَبْلِ الذي هو أدْنَفُ

الكميت :
أَحْلامُكُمْ، لِسَقَامِ الجَهْل، شَافِـيَةٌ ** كما دِماؤُكُمُ يُشْفَى بها الكَلَبُ

هذا عن دم الأشراف و الملوك عند العرب، و تنتقل أسطورة تميز دم الملوك و النبلاء عبر الاندلس من العرب الى الانجليز، فتعبير الدم الأزرق يحمل الإشارة للطبقة الارستقراطية النبيلة و هو تعبير اصطلاحي نقل بحرفيتة إلى الانجليزية في ثلاثينيات القرن الثامن عشر من الاسبانية القشتالية"sangre azul " حيث كان يطلق على اعرق أسرها بمعني أنها دماء نقية خالية من الدم العربي المغاربي " المورو" الذي حكم اسبانيا، و طبقة المزارعين و الاقنان الذين يكثر تعرضهم للشمس، مؤكدين على ذلك بما يبين من زرقة لون شرايينهم من تحت الجلد الأبيض الرقيق، وبعد دخول المصطلح إلى بريطانيا اتخذ دلالة على الشخص انجليزي المولد و الشخص النبيل، في محاكاة لتسمية أرض السواد " العراق" بهذا الاسم نظرا لكثرة خضرتها، و تسمية مدينتي الأزرق و الزرقاء كذلك نسبة للحجارة البركانية السوداء فيها؛ على غير ما تأول العامة من علاقة تربطها بزرقاء اليمامة.

و نختم بما قاله ابن عياش الكندي الذي يأخذ على بني أسد قتلهم رئيسهم :

عبيد العصا جئتمْ بقتلِ رئيسكـمْ** تُريقون تاموراً شفاءً من الكلَبْ!!

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 08-مايو-2024 الساعة: 08:22 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/32461.htm