حمد الماجد/الشرق الاوسط -
الفضائيات: العشر الأواخر.. أواخر في أولوياتها

لو أن رجلا حضر عزاء مهيبا وللموت رهبة وهيبة، والناس في هذا العزاء كأن على رؤوسهم الطير من الهموم والغموم والوجوم، ثم بدأ بسرد نكتة تلو النكتة وشرع (يتمسخر) على هذا ويتهكم على ذاك وقهقهاته العالية تجلجل المكان، فعلى أقل الأحوال، إن لم يتهموا عقله فسيتهمون ذوقه وأدبه، هذا باختصار حال بعض الفضائيات العربية التي لم تؤثر فيها هذه الجموع المهيبة في هذه الأيام الفضيلة من ملايين المصلين في طول عالمنا الإسلامي وعرضه التي تزحف على المساجد في أواخر الليل البهيم، تتهجد وتتعبد وتسكب العبرات وتنيخ رواحلها بباب الرحمن، رجاء عفوه ومغفرته، وما إن تؤوب هذه الجموع إلى بيوتها لتأخذ قسطا من الراحة، إلا وتصطدم ببرامج فضائية جلكم يعرف فساد ذوقها، في الأيام العادية ناهيك عن رمضان وعشره الآواخر المباركة، أجواء تفسد عليهم أجواءهم الروحانية التي عاشوها في بيوت الرحمن وفي هذا الشهر الكريم.

الملايين من المصلين الذين يزدحم بهم الحرمان الشريفان بصورة لافتة وغير مسبوقة وبأرقام قياسية هذه الأيام، هي تظاهرة صامتة احتجاجية ضد كل من تجاوز كثيرا في فساد ذوقه مع رمضان والمناسبات الإسلامية، بعض الفضائيات لم تعد تراعي للزمان ولا للمكان حرمة أو قدسية، وحتى هذا النوع من برامجها المفسدة للذوق والدين، هي بعبارة أخرى نوع من الإقصائية والدكتاتورية الإعلامية إذ انها بلسان الحال تقول لهؤلاء الملايين لا اعتبار لكم ولا وزن لكم ولأيامكم المقدسة مع أن هذه الملاييين تمثل ثقلا كبيرا في مجتمعاتنا الإسلامية، وأيضا هذه الجموع الملايينية التي تحتشد من كل أقطار العالم الإسلامي في رحاب الحرمين الشريفين إثبات قوي على أنه مهما اشتدت الحملات الفضائية عليهم فهم صامدون مقاومون، وهذا ما لم يفهمه ولا يريد أن يفهمه النزقون المتطرفون من الليبراليين العرب، والا كيف تفسر اختيار الحكومة التونسية الأيام الأخيرة من هذا الشهر الكريم لتحارب الحجاب في بلدها بطريقة استفزازية اقصائية دكتاتورية.

تتملكني الدهشة وأنا أشاهد هذه الملايين في الحرمين والمساجد الأخرى من ذكور وإناث وشيب وشباب وصغار وكبار وهم يصطفون بالساعات الطوال في صلوات التراويح والتهجد بكل جلد وجهد ومثابرة، وتتملكني دهشة مماثلة على جلد وجهد ومثابرة عدد من فضائياتنا العربية في تحدي هذه الجموع والانتقاص من هذه الأيام المباركة التي يقدسونها ويحترمونها.

أنا لا أنفي أن فضائيات عربية «متحررة» تصالحت ولو جزئيا مع الشهر الكريم، فقدمت برامج إسلامية جميلة ومشوقة وهادفة، واستضافت شيوخا من النوع المتلمس لحاجات الناس وهموهم فصار لهذه البرامج واللقاءات والحوارات صدى جيد، لكننا في الوقت نفسه لا نعتبر هذا حلا نهائيا، وإنما خطوة في الطريق الصحيح، إذ المفروض على الجانب الآخر أن تخفف كثيرا من البرامج والأفلام التي تكسر روحانية هذا الشهر الكريم، كلامي هذا أوجهه إلى الفضائيات التي نشعر من خلال مشاهدتنا لتطعيم برامجها على استحياء بالبرامج المفيدة الهادفة على أنها أبدت شيئا من القصور والتقصير تجاه هذه المناسبة المباركة، أما الفضائيات التي تقدم برامجها المنفلتة وأفلامها الهابطة في هذا الشهر الكريم، فهي كحال صاحبنا الذي يهرج و«ينكت» في مناسبة العزاء، لا نملك لهم إلا الدعاء بالشفاء.

[email protected]

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 08-مايو-2024 الساعة: 02:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/35739.htm