المؤتمر نت - .
د. أسامة عثمان – فلسطين -
هل ( إسرائيل ) أمر واقع ؟
جرت العادة أن يكون للناس موقف من الجديد مغاير لموقفهم من أمر قد تجذر وطال أمده ، فتجد أن المحدث يواجه ، وقد يرفض ، والناس فيه بين مؤيد ومعارض ، وحتى رسالات الله تعالى قابلها الناس بمثل هذا الموقف ، فقالوا : " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون " [ 22: الزخرف ] واستنكر أقوام مجابهتهم بما لم يسمعوه من قبل ، فقالوا : " ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق " [ 7 : ص ]
وكأن الرأي المساند لهذا التوجه يعتمد في تصويب الأفكار والمشاريع على الواقع ، فما قبله الواقع ، أو رسخ فيه فهو صحيح ، والعكس كذلك ، ولسان حالهم أنه لولا تمتع هذه الفكرة ، أو ذاك المشروع بقدر عال من الصواب لما استساغه الواقع ، ولما استطاع الصمود أمام الزمن .
ولا يخفى بطلان هذا المقياس أمام الاعتقاد بمحدودية الفكر البشري ، وملاحظة حركة التاريخ التي تنفك في أحقاب منها العلاقة بين الواقع والصواب . وبيان ذلك أن الواقع المادي هو نتاج فكر إنساني ، وتمثيل له ، وهو فكر القوي على وجه الخصوص ، وليس هو المحق دائما ، وحاصل الصراع بين الأطراف بأفكارهم وإراداتهم واقعٌ يمليه المنتصر ، ولا تقف هذه الحالة بعد ذلك أو تسكن ، ؛ لأن الصراع والتدافع ديدن الحياة والأحياء .
وهذا شأن الموقف الدولي ، والعلاقات الدولية ، وتبعا له تتشكل دول وتنهار أخرى ، وتتقدم دول إلى مرتبة القيادة والفاعلية ، وتتراجع غيرها ، أو تنطوي وتنعزل ... ولنأخذ مثلا على ذلك ( إسرائيل ) الكيان ، بل المشروع الذي أريد له الرسوخ ، ولم يرسخ .
فقد عاش اليهود قرونا، شعوبا مفرقة لا يجمعها كيان ، حتى جاء العصر الحديث فتلاقت أحلام بعضهم وأطماعَ دول استعمارية أولها بريطانيا ، وتوافق ذلك مع ضعف في بلادنا وانهزاما ؛ فتمكن أولئك في غفلة من الأمة من زرع ذاك الكيان ورعايته في ظروف استثنائية غريبة حُرص على بقائها لبقائه ! فقد خاضت ما تسمى بالجيوش العربية حروبا أوهمت نتائجُها بعضنا بقوة كيان يهود ، وأن جيشه لا يقهر .
وفي البداية رفضهم العرب ورفضوا التفاوض معهم ، حتى عدّوا ذلك خيانة وجريمة كبرى ، وما كادت بعض العقود تمر حتى صرنا نسمع همسا عن قبول التفاوض ، وما لبث أن صار الهمس صوتا مسموعا أو صراخا ، ثم جاء موقف السادات صاعقا للكثيرين ، فوصموه بالخيانة ، وعوقب بالطرد من الجامعة العربية ، ولم يطل المقام بالعرب حتى ولج آخرون الطريق نفسه ، وعقدوا اتفاقات الصلح الدائم القائم على الاعتراف المتبادل ، ولما يتوقف الصراع على أرض فلسطين بعد، وكان قسم من الفلسطينيين تورط في مأزق التفريط المجاني المفتوح .
والآن نسمع أن ( إسرائيل ) أمر واقع ، وأن الحل يكمن في دولة في حدود 67 م ، ولا نريد أن نخوض في الأسباب المصطنعة التي جعلت من هذا الكيان أمرا واقعا ، ولا في الظروف العربية ، وقرارات القمم العربية التي جعلت من فلسطين مسؤولية الفلسطينيين وحدهم ، حتى صار هذا المنطق مقبولا ، ويا للعجب حتى على بعض الحركات الإسلامية المقاومة التي كانت ولا زالت تعفي تلك الأنظمة من مسؤولياتها العسكرية، وتقصرها على الدعم المالي والسياسي في الوقت الذي كان أهل فلسطين وما زالوا يذبحون ، ويخنقون . نعم لا نريد أن نخوض في ذلك ، ولا في أسباب الضعف الموهومة التي كان يتوارى خلفها من يقبل من تلك الأنظمة تخاذلها المخزي عن نصرة فلسطين ، بزعم تفوق( الجيش الإسرائيلي ) فقد بان زيف تلك الصورة لكل ذي عينين مؤخرا.
هذا والمدقق في وضع ( إسرائيل ) الحالي ، وقد تلقّت هزة في ما يسمى بقوة ردعها ، وقد كثر الفساد في ساستها ، وتدنى مستوى القيادات السياسية فيها ، فضلا عن بطلان الأساس الذي تقوم عليه ، هذا المدقق يلمح كم هي الآن مهددة في وجودها ورسوخها . فلم هذا الاستعجال ؟! ولم هذا التسليم بواقعية هذا الكيان ؟!
والحق أن الأمم ذات الرسالات السامية ، وأمتنا على رأسها لا تسلم بأمر واقع ينافي مبدئها ، ويغصب حقوقها ، أو يجرح كرامتها .

[email protected]

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 02-مايو-2024 الساعة: 09:53 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/39490.htm