المؤتمر نت - *
بقلم الأستاذ/ محمد حسين العيدروس -
اليمـن وتحديـات الألفيـة
يعتقد البعض أن الحسابات السياسية اليمنية مبهمة، ومعقدة إلى الدرجة التي لا يمكن تكهنها.. وهذا ليس لأن الحقيقة ـ فعلاً ـ كذلك بل لأن هذا البعض لا يجيد ترتيب المعادلات السياسية، ولا يمتلك بعد النظر الذي يؤهله لقراءة الأحداث، كما ينبغي..

فالخطاب الحزبي الذي ظل يراهن على معطيات سياسية واقتصادية وثقافية مغلوطة، وحمل إلى بعض وسائل الإعلام تشاؤمه حول المستقبل اليمني، سقط قبل أسبوع مذهولاً أمام أنباء قرار مؤسسة تحديات الألفية التي أعادت إدراج اليمن ضمن البلدات المستحقة لدعم المؤسسة، والتي بنت قرارها على أساس أن اليمن نجحت في تحقيق الكثير من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وأنها باتت موضع تفاؤل المجتمع الدولي..

وهنا يكمن جواب السؤال الذي لطالما ردده البعض أيام الانتخابات الرئاسية، وهو: لماذا كان الرئيس علي عبدالله صالح متفائلاً بالمستقبل، ويطلق الوعود لشعبه بثقة متناهية، بينما كانت بعض القوى المعارضة متشائمة، وتتحدث بإحباط لا حدود له حول مصير بائس يحدق باليمن وشعبها!!
فالغرق هنا في بعد النظر الذي يقرأ به كل طرف المستقبل.. فالأخ رئيس الجمهورية واع تماماً لمفردات الساحة اليمنية وهو عندما يبني أفكاره ويؤسسها طبقاً لذلك الواقع الذي يستوعبه وليس طبقاً لعواطف الحب والكره التي تؤول التفسيرات بأثر رجعي على اتجاهات ما تكنه إزاء هذه الجهة أو تلك فعندما كان يتحدث عن الإصلاحات ويقول: إنها «إصلاحات شاملة» فهو يقصد هذا المعنى ولم يستخدمه للتورية، لأن ما يؤكد ذلك هو أن سلسلة الإصلاحات التي تم تنفيذها خلال الفترة الماضية انعكست على أداء المؤسسات، والأفراد، والمجتمع أولاً، ثم ـ ثانياً ـ على واقع العلاقات الاقليمية في إطار الشراكة الكلية التي تتطلع لها اليمن مع الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي شهدت قفزة نوعية خلال الفترة الماضية، وثالثاً انعكست على العلاقات الدولية فكان من نتائجها أن تجدد الحماس لدى مؤسسة تحدي الألفية، وصناع القرار في الولايات المتحدة لتعزيز قدرات اليمن وإمكانياتها المادية في مواجهة التزاماتها التنموية،، ورفد المسار الديمقراطي بنهضة تنموية تدفع به إلى مزيد من التطور..

نحن لا ننكر أن التحديات كبيرة، التي تقف أمام اليمن، وتتشابك عناصرها مع بعضها البعض ـ فتتداخل السياسة بالاقتصاد، وبمعدلات الفقر، والأمية، وقضايا الارهاب، والموروثات التاريخية، وغير ذلك ألا أننا نؤمن في الوقت نفسه أن المهارة السياسية، والحكمة القيادية هي وحدها من يستطيع ترتيب تلك التحديات في سياق أولوياتها الصحيحة من غير قفز أو تجاهل لشيء منها.. وبالتالي تصبح الديمقراطية والحريات عوناً للمسار التنموي وليس عبئاً عليه.. وعنصر دعم للأمن والاستقرار، وليس مدعاة إثارة حالة فوضوية تعبث بالقانون والأمن والنظام والسلم الاجتماعي..!

وهذا الحال يجسد نفسه أيضاً في الجانب الثقافي والاجتماعي والمدني وغيره، ليشكل في النهاية حالة متكاملة ودائرة شاملة لكل الاحتياجات الوطنية الكفيلة بتحقيق غايات المواطن والوطن.. خلافاً لقصر النظر الذي يقرأ به البعض القضايا الوطنية كمسائل منفصلة عن بعضها البعض، وللدرجة التي يخيل له أنه أيضاً كيان منفصل عن سياق العملية السياسية والبناء التنموي، في الوقت الذي تؤكد القيادة السياسية على مفهوم الشراكة الوطنية على مختلف الأصعدة، ومع مختلف الأطراف ـ بما في ذلك الفرد الذي هو موضع الرهانات الوطنية كلها، وأداة التغيير الأولى التي يمكن النهوض باليمن بفضل إرادتها وإخلاصها ووعيها بالمراحل التي ينبغي المرور بها من أجل بلوغ الهدف.

إذن نحن اليوم أمام مطلب وطني يقتضي من البعض إعادة قراءة الأحداث، والمعطيات بشكل سليم ليجد أن الحسابات الوطنية للمرحلة ليست مبهمة، وإن حتى ما حدث في بعض مناطق صعدة من أعمال إرهابية هو موضوع محسوب ومرتبط بمسألة الفعل ورد الفعل الآخر ـ حيث أن حجم التحولات التي شهدتها وتشهدها اليمن منذ إعادة انتخابات الأخ رئيس الجمهورية، والانفتاح الاستثماري الكبير وتزايد ثقة المجتمع الدولي، وظهور حماس كبير لديه ولدى الأشقاء في الخليج للأخذ بيد اليمن ومساعدتها على التغلب على بعض مشاكلها المتعلقة بعدم كفاية الموارد الطبيعية مع التوجهات التنموية ـ كلها مثلت فعلاً قوياً فابلته القوى الفاسدة بردة فعل عنيف تعتقد أنها به تستحق الرهان الوطني الذي سيقضي على تخلفها وانتهازيتها، وفسادها، وتطلعاتها المتخلفة في الإبقاء على الاختلالات، أو الظروف الاجتماعية التي لا يمكنها التعايش بغيرها..

فمن الخطأ الاعتقاد أن المعركة مع الفساد ستخلو من ردود الفعل، وأن المفسدين سيرفعون راية الاستسلام بمجرد صدور القرار..! لذلك كان الرئيس علي عبدالله صالح واضحاً في هذه المسألة ومدركاً لجميع أبعادها بحيث أنه وصفها بـ «معركة الشعب» ومعركة كل الشرفاء في مختلف القوى السياسية.. لأن المتضررين فيها لا يمثلون إلا مصالحهم الشخصية، بينما المستفيدون منها يمثلون مصالح الشعب.. وهم اليوم يؤكدون هذه الحقيقة حين أعلنوا بلا تردد وقوفهم خلف قيادة اليمن السياسية وحماة الوطن من رجال الجيش والأمن في ردم مستنقعات الفتن، وحماية استقرار اليمن والدفاع عن القانون والنظام الذي هو الأساس في كل تطلع لحياة إنسانية كريمة
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 06:02 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/40740.htm