المؤتمر نت - منظر من كوكبان
المؤتمرنت-بقلم/ جيني هيل-ترجمة-عماد طاهر -
الإندبندينت:اليمن لحظة افتتان على بساط الريح

اليمن طريق الحياة الأصيلة عبر تاريخ القرون، بساتينه مليئة بالفاكهة، وبمدنه القديمة، بجباله الضبابية إنه ملائم للاستكشاف.
مشينا الصباح من خلال الضباب الكثيف والغيوم كانت منخفضة جداً عن قمم جبال مدينة المحويت، مما أعطانا إحساس بقياس المكان والزمان اقتربنا من السماء.
 ونحن نمر عبر طريق معبدة واجهتنا نقطة تفتيش عسكرية تدار من قبل قائد.. هناك جندي"يدخن" أشار إلينا بالمرور.
انطوى تحتنا الوادي بالآلاف المراعي المذهلة.. إنك ترى المنازل الطويلة تدور حولك وكأنك أنت محورها كأنك تصطاد الغيوم التي أمامك.. هناك أكوام من الصخور تخفي القرى المتباعدة فوق مرتفعات اليمن العالية.. إنما امتدادات عمودية للمنحدرات، فالمنازل مبنية بالقرميد الدهني، صمت نوافذها الهلالية من الفسيفساء المزينة بالزجاج الملون.
إنهم يعملون في حقول الذرة المتقاطعة ويزرعون البصل والبن في أوقات مضبوطة ومنتظمة كانتظام أوقات الصلاة.. إنه تناغم الإسلام..



قمنا بنزهة في الجبال مشياً على الأقدام بعد أن أخذنا دليل من فندق المحويت رجل اسمه إبراهيم في العشرينات من العمر، يبدو خجولاً جداً ليدلنا على المناظر ولتوجيهنا بالطرق عدنا ليلاً إلى القرية تحت زخات المطر الخفيفة وقد أعد الفندق لنا أسِّرة مريحة فاسترحنا في الفندق وشاهدنا قناة "الجزيرة" الناطقة باللغة الإنجليزية.
يمر الطريق من المحويت إلى صنعاء عبر بساتين أشجار المشمش ومزارع القات وعبر الهضاب البركانية المليئة بالحجارة السوداء.
توقفنا ساعتين في سوق "شبام" التي تعانق السماء بجانب فندق "كوكبان" ومطعم "حميدة".
كانت سيارات "تويوتا" التي تنقل رجال القبيلة ذوو الشعر الطويل المتموج من الريح والذين يأتون لشراء حاجاتهم وفوقهم أسلحتهم..
حمت حول دكاكين بيع الأسلحة غير متأكد من أني أقدر أن آخذ بعض الصور، لكن لم يشجعني أحد على أخذ الصور لهم.



إن مدينة صنعاء القديمة ذات القدم بدت بشكل ذو مجد عظيم بالأحياء الجميلة المطرزة بالحصاة والمرشوشة باللون الأبيض كل مسجد له حمامات خاصة به وحدائق تحيط به.
قابلت "كايل" الخبير الأمريكي للتنمية الذي يحاول معالجة نقص مياه صنعاء، وأخبرنا بأنه من قبل أربع سنوات وماء المسجد يذهب ليسقي الحدائق.. كان جدول الماء يسقط من 10 أمتار إلى 800 متر منذ عام 1960م إلى بساتين السوق التقليدية بشكل تدريجي فالتكنولوجيا الجديدة أعادته، لكنه ليس مستمراً كالنظام الذي كان قديماً.
قام الإمام بتقسيم هذه الأراضي التي يزرع فيها الخضروات إلى قطع صغيرة..
اكتشفنا حزم من الأعشاب الطرية المحلية التي تباع في باب اليمن المدخل الرئيسي للسوق المركزي، كانت تبيعه بعض النساء العجائز التي يجلسن عند مدخل المسجد ولديهم هذه الحزم من البصل والخبز، كانوا يرتدين أردية القماش الملفوف حول رؤوسهن لا يرى منهن سوى أيديهن المجعدة، وفي الجانب الآخر رأينا الجمل الذي يعصر السمسم توقف لأخذ أكل الغداء قضى نهاره في طحن السمسم داخل مخزن متسخ كان صاحب الحانة جالساً على الرصيف تحت أشعة الشمس ويأكل (القات) حتى أني هممت بسؤاله ماذا يأكل؟
إن سوق الملح في صنعاء مكان للعمل، فهناك الباعة المتجولين والخياطين وأسواق الشمعدان لا تزال تجارتهم في الأزقة الضيقة قريب من المسجد الكبير، والحدادون يطرقون الحديد في مكان ضيق، وهناك بعيداً ممر –أيضاً- يسمى قنطرة النجارين.



يوجد القدر العظيم من الافتتان والسحر هنا لتؤمن أنك للحظة عابرة تجد نفسك على بساط سحري مختفي بين بندقية قديمة وتاريخ لبق كقرص العسل.
توقفنا في مربع صغير في قلب السوق، جلسنا على مقعد متمايل لنتناول الكباب والشاي الحلو، كان صوت الباعة يتصاعد من جانب البراميل المتبخرة من غلي البيض والبطاط المملح، وهناك ناس فوق دراجاتهم البخارية ينتظرون لحملنا، وأطفال بعربات اليد الخضراء المحطمة لنقل بضائعنا إلى المنزل.. كانت هناك فوضى مختلطة بروائح البخور العطرية..
وذهبنا في رحلة إلى مأرب مكثنا ليلتين فيها ثم رحلنا عبر الصحراء في الصباح التالي.. كانت طريق الجمال مقابل الطريق التي نعبر فيها وهي طريق التجارة القديمة التي ظلت آلاف السنين خصبة، كانوا ينقلون البخور من الجنوب إلى الشمال، لكن ثقافتهم كانت متباينة جداً، فكانت ثقافة الجنوب غير متوافقة مع ثقافة صنعاء وجبالها المحيطة بها.
كانت الطرق عريضة وواهنة يستطيع الرجل أن يلعب فيها لعبة الدومينو.



كان هناك بعض الأسلحة المعروضة كالجنبية التي يرتديها كل رجال القبيلة في الشمال، لكن حضرموت كانت محافظة جداً.
كانت النساء تعمل في الحقول تحت أشعة الشمس القاسية وهن مغطيات بالحجاب الأسود الذي يغطيهن من الرأس إلى أصبع القدم حتى إن ما يعمل كتمثال يخيف الطيور كان يرتدي كالمرأة.
فكلهن يعملن هذا من أجل الاحتشام، فنساء حضرموت لم تكن بالتأكيد يردن جلب الأنظار إليهن، حتى إن صديقي "تشريس" حاول أخذ صور لامرأتين اللتين كن يراقبن أغنامهن على الطريق الرئيسية لسيئون ، لكنهن رأين آلة التصوير فغطين بقبعاتهن بغضب، وقمن بضرب أغنامهن بالعصا ليذهبن بعيداً.



كان الوادي العريض مليئاً بأشجار النخيل وترى فيه المنارات البيضاء وبنايات من اللبن شبه منهاره، فكان المنظر الطبيعي مغموراً بالهوية العربية الجميلة، وكان الجو والفن المعماري الأصيل مختلطاً بالبراعة والتأثيرات الآسيوية الأفريقية.
كان التجار الحضارم من التجار الذين جابوا الأرض فكانوا يرجعون إلى بلدهم حاملين أفكاراً جديدة.
اجتمعنا في سيئون برجل أبحر جده إلى "كينيا" وظهر هناك فأرانا جزء من إرث جده، وهي مدقة وهاون ضخم مصنوعة من الخشب الأفريقي، وعرض باباً  منحوتاً من الخشب؛ بحيث يمكنك النظر منه إلى خارج المكان.
وعلى طريق تريم تشاهد ازدهار التجارة في القرن التاسع عشر مع الهند.
قامت ماليزيا وأندونيسيا بتبني برنامج بناء المدارس والمساجد التراثية والذي قام برعاية الناس المؤمنين والتجار الخيرين بتفاصيل فن الزخرفة والخطوط المغولي، فالآن قد أبليت الحواجز الخشبية والدرابزان، لكن تبقى المدينة مركز للتعليم الديني.
وفي آخر ليلة في حضرموت بتنا في قصر الحوطة الذي كان سابقاً ملجأ لبلدة السلطان الذي أعيد بشكل جميل من قبل المنقش الإيطالي "ماركو ليفاديوتي".
الذي عاش في اليمن عندما كان يعمل أبوه طبيباً للإمام الذي سقط حكمه في عام 1962م وقيام جمهورية جديدة، فبقيت عائلة "ماركو" في القصر بعد الثورة واتجه  هو إلى الترميم.




بقيت بقاياه كأطلال وكان الجيران يستخدمونه كمخزن لحصاد الثوم والبصل، لكن هذا القصر المهجور أصبح فندق كأنه شيء من خيال الطفولة العربية..
كان المبنى مبنيٌ من القرميد والجص الأبيض بتفاصيل جذابة جداً، وكانت القمريات المثقوبة تضيء كفوانيس الأديرة بأسرة عميقة وواسعة، فعند الفجر كنت في طريقي إلى العودة إلى صنعاء بطائرة، وعندما صعدت سلم الطائرة نظرت إلى السماء كانت بلون القرنفل الباهت، وكانت الأضواء تبدو ظاهرة من خلال فروع النخيل شعرت بعدها أنني شهرزاد الناجية بروايتها المخادعة بصبح ألف ليلة وليلة.


* المصدر: الإندبندينت

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 01-نوفمبر-2024 الساعة: 01:58 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/44406.htm