المؤتمر نت - محمد حسين العيدروس
بقلم/ محمد حسين العيدروس -
اليمن وفرنسا.. شراكة تاريخية
قد تكون معلومات مواطنينا ليست غزيرة حول فرنسا، إلا أنهم يحتفظون بذاكرة خصبة حول الفرنسيين في اليمن، وحول طبيعة علاقة الحكومات الفرنسية المتعاقبة مع حكومات اليمن؛ كونها تعد من بين أفضل العلاقات التي تحرص على تعزيزها قيادة اليمن السياسية.
فالعلاقات اليمنية الفرنسية بدأت منذ عام 1926م بتوقيع أول اتفاقية صداقة بين البلدين، لكن الثقافة العصرية للفرنسيين اصطدمت آنذاك بثقافة انغلاقية، وتعثرت بكثير من العقبات التي كان النظام الإمامي يضعها أمام كل مبادرة يتقدم لها الفرنسيون لتطوير تعاونهم مع اليمن، لدرجة أن رفض الإمام أحمد مشروع فرنسي لإنشاء سكة حديدية تربط صنعاء بمحافظة الحديدة.
لذلك عندما قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م باركها الفرنسيون، وأصدروا اعترافاً رسمياً بالنظام الجمهوري عام 1970م، ومن يومها بدأت العلاقات تتخذ إطاراً مؤسسياً، وبدأت البعثات الثقافية، والهندسية، والطبية الفرنسية تتوافد بكثافة على اليمن، كما تم إيفاد العديد من الطلاب اليمنيين إليها، لإكمال دراستهم الجامعية؛ إلا أن عدم الاستقرار السياسي في اليمن –آنذاك- كان أحد العوامل غير المشجعة على بناء شراكة حقيقية بين البلدين.
وعندما قامت الوحدة اليمنية المباركة عام 1990م كانت فرنسا في مقدمة المهنئين للقيادة السياسية والشعب اليمني، وكان هذا التحول التاريخي بمثابة الأساس الذي ارتفعت فوقه مداميك العلاقة اليمنية المتينة، والشراكة الدولية الحقيقية بين اليمن وفرنسا.
وقد حرصت فرنسا على ترجمة ذلك إلى واقع من خلال الزيارة التي قام بها رئيس وزرائها –آنذاك- إلى اليمن عام 1993م.. لنجد أن الدبلوماسية الفرنسية كانت اللاعب الدولي الأبرز إبان احتلال أرتيريا لجزر أرخبيل حنيشُ وقد أشاد الرئيس "فرانسوا ميتران" –حينذاك- بحكمة القيادة اليمنية، ودور الأخ الرئيس علي عبدالله صالح في حماية أمن واستقرار المنطقة، وبتمسكه بالطرق السلمية لحل الخلافات.
وبتقديره أن ذلك الموقف عزز ثقة فرنسا بالنهج السياسي اليمني، وشجعها على الانفتاح بقوة على اليمن، لذلك قام الرئيس "فرانسوا ميتران" عام 1996م بزيارة اليمن ليكون أول رئيس فرنسي تلامس قدميه تراب اليمن. وكانت تلك الزيارة فاتحة حقبة الاستثمارات الفرنسية الكبرى في اليمن؛ حيث شهدت تلك الفترة دخول شركة "توتال" الفرنسية مجال الاستثمار الغازي في اليمن، وهي أكبر الشركات العالمية في هذا المجال.
وفي عام 1997م قام الرئيس علي عبدالله صالح بأول زيارة له إلى فرنسا، وحظي باستقبال حافل، والتقى بمسئولي مختلف الجهات السياسية والاقتصادية والثقافية الفرنسية. كما تم توقيع عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات التي وسعت مجالات التعاون والشراكة بين البلدين، وفتحت آفاق مرحلة جديدة ومتقدمة جداً من العلاقات التي عادت على اليمن بالخير الكثير، حتى أن فرنسا لعبت دوراً كبيراً آنذاك في إقناع أعضاء "نادي باريس" بشطب حوالي (60%) من ديون اليمن الخارجية؛ تقديراً للتحولات التي تشهدها على الصعيدين التنموي والديمقراطي، وتقديراً لإرادة قيادتها السياسية في ترسيخ مبادئ النهج السلمي في ثقافة دول المنطقة.
منذ تلك الزيارة التي قام بها الأخ رئيس الجمهورية إلى باريس، وحتى يومنا هذا أصبح معتاداً سنوياً أن يقوم الأخ الرئيس بزيارة إلى فرنسا، باعتباره الضيف الأكثر ترحيباً به لدى باريس؛وأصبحت مثل هذه الزيارات اليمنية بمثابة مواسم جني ثمار السياسة الحكيمة والنهج القويم الموجود في اليمن؛ حيث تمتد المزيد من جسور الشراكة والتعاون وتبادل المصالح.
زيارة الأخ الرئيس هذه المرة إلى فرنسا تعد الأولى منذ انتخاب الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" لكنها لم تختلف عن سابقاتها في المسعى، إذ أن السيد "ساركوزي" استقبل الرئيس علي عبدا لله صالح، بالتأكيد على أن اليمن شريك مع فرنسا، وأن بلاده تبدي استعداداً كبيراً لتوسيع التعاون، وتقديم الدعم لليمن في شتى المجالات التنموية، والديمقراطية؛ مبدياً إعجابه بالتحولات الديمقراطية الكبيرة التي شهدتها بلادنا على مدار السنوات الماضية.

ومن هنا يمكن القول إن اليمن اليوم تجني ثمار سياستها الخارجية القادمة على التوازن، والوضوح، وتبادل المصالح، والمعاملة بالمثْل، وحل الخلافات بطرق سلمية، والمشاركة الإيجابية والفاعلة في الساحة الدولية، وبما يعزز أمن وسلام واستقرار العالم.
وبلا شك إن مثل هذه المحاور تعد من الثوابت الوطنية التي لا يمكن تجاوزها أو خرقها مهما كانت الظروف؛ وهو الأمر الذي يحظى بتقدير المجتمع الدولي، ويضاعف من حماسه للوقوف مع اليمن في تجاوز بعض صعوباتها التنموية، وفي تعزيز تجربتها الديمقراطية، وفي رفع قدراتها في حماية سيادتها الوطنية وترسيخ فرص السلام.

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 03-مايو-2024 الساعة: 03:55 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/45979.htm