المؤتمر نت - د. عبدالعزيز المقالح
د. عبدالعزيز المقالح -
أعياد منزوعة الأفراح
هل هو قدر العرب أم سوء تقديرهم الذي أوصلهم الى هذه الحالة التي أفقدتهم المعاني الحقيقية للأعياد وأفراحها، وما يرتبط بها عادة من بهجة روحية تنعكس على واقع الحياة في مجموعة من الأفراح والمسرات؟ والإجابة عن سؤال طويل وكبير كهذا تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن سوء تقدير العرب لا أقدارهم هو الذي وضعهم في مثل هذه الحالة من الضعف والانكسار.. وسوء التقدير هذا هو الذي أفقد أيامهم كلها بما فيها الأعياد والمناسبات الروحية، ما كان لها في النفوس وفي الواقع من بريق وأضواء وأفراح وأنشطة، تختلف من بلد الى آخر ولكنها تعبّر عن مشاعر البهجة والرضا تجاه هذه المناسبات التي لا تأتي سوى مرتين في العام.

صحيح أنه قد ظل للأعياد اعتبارها الديني، لكن احتفالاتها صارت كما سبقت الإشارة منزوعة الأفراح، وهي تأتي وتمر كبقية الأيام العادية والذين يتصنعون معها مظاهر البهجة، تبدو أفعالهم منافية للواقع وما يفرزه يومياً من أوجاع ومخاوف ومشكلات تجعل العربي الصادق مع نفسه ومع أمته، يتساءل كيف يعانق الأفراح في ظروف كئيبة يتساقط فيها أشقاؤه في فلسطين والعراق مضرجين بدمائهم الزكية في عمليات يومية لا تتوقف ولا تعرف عيداً ولا مناسبة؟ وكيف يطيب لعربي صادق مع نفسه ومع أمته أن يفرح ويبتهج والأحداث المتلاحقة تقطع عليه كل محاولة للفرح والابتهاج؟

ثم من أين للعربي المسكون حتى العظم بهموم واقعه المزري، وما يتناسل على هذا الواقع من مؤامرات تتربص بأشقائه في لبنان وسوريا والسودان والصومال، في الوقت الذي يستمر التشظي الداخلي في الأقطار التي كانت على قدر كبير من التماسك والشعور بالوحدة الوطنية؟ وكيف لهذا الإنسان المهموم بما يحدث لأمته التي يفاجئها أعداؤها كل يوم بمخططات فاضحة لا ترمي الى إبعادها عن أهدافها الحقيقية بل وتقودها الى مزيد من التشظي والانقسامات، كيف له أن يفرح وأن يرسم على قلبه قبل شفتيه ابتسامة صادقة في معناها وفي تعبيرها وأن يخلع أحزانه في استقبال المتابعات الدينية والوطنية؟

واللافت أن الأعياد لم تعد منزوعة الأفراح بالنسبة لكبار السن من شباب وكهول وشيوخ ولمن يدركون الخطر المحدق بالأمة فحسب، وإنما صارت كذلك بالنسبة الى الأطفال أيضاً هؤلاء الذين يشاركون آباءهم وأمهاتهم الإحساس بالخوف من المستقبل والشعور بالقلق إزاء ما يحدث هنا وهناك، لا سيما وقد نجحت وسائل الإعلام الحديثة بأشكالها ووسائطها المختلفة من أن تضع الجميع في صورة ما يحدث في الوطن العربي، يضاف الى ذلك كله الضائقة الاقتصادية التي تلف كل البيوت وتجعل الكبار والصغار على السواء في حالة تستدعي بالضرورة أن تكون الأعياد منزوعة الأفراح غير قابلة لاستيعاب أي شكل من أشكال البهجة التي كانت واختفت.

تمت طباعة الخبر في: السبت, 04-مايو-2024 الساعة: 04:14 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almotamar.net/news/49813.htm